صوت الخلافة Posted April 10 Report Share Posted April 10 بسم الله الرحمن الرحيم هل ستثأر إيران حقّا لاغتيال زاهدي؟ الخبر: أعلنت إيران أنّها ستردّ على اغتيال قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان في الحرس الثوري اللواء محمّد رضا زاهدي وعدد من كبار مساعديه الردّ المناسب. وكان كيان يهود قد نفّذ عملية الاغتيال هذه بقصف مقرّ القنصلية الإيرانية داخل العاصمة السورية دمشق مطلع هذا الشهر. التعليق: لقد نفّذ كيان يهود في السنوات الأخيرة عشرات الضربات ضدّ أهداف عسكرية إيرانية في الداخل السوري، استهدف بها قادة عسكريين ومراكز عسكرية وقوافل إمدادات عسكرية موجّهة للمليشيات الإيرانية ولا سيّما لحزب إيران في لبنان. إلّا أنّ هذه الضربة تختلف عن سابقاتها بحجم الشخصية المستهدفة، فهو الرجل الثاني في فيلق القدس، وهو أكبر شخصية عسكرية إيرانية تتعرّض للاغتيال منذ اغتيال القوّات الأمريكية لقائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع سنة ٢٠٢٠. والجديد أيضا في هذه الضربة أنّها استهدفت قنصلية إيرانية، وهي وفق الأعراف الدولية أرض إيرانية، ما يجعل الضربة شبيهة بقصف الأراضي الإيرانية نفسها. كما أنّ هذه الضربة تأتي بعد سلسلة من الضربات التي نفّذها الكيان على الجماعات الموالية لإيران ولا سيّما في لبنان في محاولة من حكومة نتنياهو لاستدراج إيران أو المليشيات التابعة لها على الأقلّ إلى حرب إقليمية واسعة تتورّط فيها الولايات المتّحدة نفسها دفاعا عن كيان يهود. وكان ملاحَظا - ولا يزال - أنّ إيران أوعزت إلى مليشياتها في المنطقة وخصوصا حزبها في لبنان بإبقاء ردود أفعالها العسكرية ضمن سقف منخفض إفشالا لمحاولات حكومة نتنياهو استدراجها إلى حرب واسعة النطاق! وقد امتثلت هذه الجماعات للتوجيهات الإيرانية على الرغم من مرور نصف سنة على المجازر التي قتل فيها الكيان وأصاب عشرات الآلاف من أهل غزة ودمّر فيها القطاع وشرّد أهله، وعلى الرغم من سقوط مئات القتلى والجرحى من مقاتلي حزب إيران وتدمير الكثير من المواقع والمراكز العسكرية التابعة لهم في لبنان وسوريا خلال هذه الأشهر الستّة. وقد كان هذا الموقف الإيراني منسجما مع التوجّه الأمريكي للحؤول دون وقوع حرب في المنطقة تُدخل الإدارة الأمريكية في ورطة هي أحوج ما تكون لتجنّبها في موسم الانتخابات الرئاسية الذي تخوضها الآن. يضاف إلى ذلك ما يرشح من دلائل على تفاهمات أمريكية-إيرانية-خليجية في إطار ترتيبٍ جديد للمنطقة ترتقب فيه إيران حصّتها المخصّصة لها، كما ترتقب سائر أنظمة المنطقة جوائزها منها! ولأنّ نتنياهو يعرف أنّه شخصيا وحزبه وخطّه السياسي سيكونون ضحيّة لهذه التفاهمات فإنّه يبذل كلّ جهده لقلب الطاولة، بإطالة أمد حرب غزّة ومحاولة تصفية القطاع وإنهاء وجوده من جهة وبتفجير حرب إقليمية تخلط الأوراق مجدّدا من جهة أخرى. وهذا ما يفسّر غضب الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته الديمقراطية على نتنياهو، والذي وصل إلى درجة التهديد والوعيد في الأيّام الأخيرة الماضية. الجديد في عملية الاغتيال هذه هو مستوى استفزازها وإهانتها لحكّام إيران، ما أحرج هؤلاء وألجأهم إلى التوعّد بالردّ على العدوان بما يستحقّه حسب زعمهم. فهل ستعمد إيران إلى الردّ فعلا؟ وما طبيعة هذا الردّ وما حجمه المتوقّع؟ يؤكد سجلّ إيران في السنوات السابقة الحافلة بقصف الكيان لمواقع الجماعات الإيرانية وقوافلها وباستهداف قادتها العسكريين وتجاهل إيران لهذه الضربات أو الردّ عليها بعمليات محدودة وشكلية لا تشكّل إضرارا بالعدو بأنّ الردّ لن يكون أكثر من ردّ محدود وشكلي ولو أقسى قليلا من العادة. وما الردّ الاستعراضي على اغتيال قاسم سليماني عنّا ببعيد، على الرغم من أنّ هذا الاغتيال كان ضربة قاسية مرّغ فيها ترامب آنذاك أنف حكام إيران بالتراب. إيران الخمينية لم تكن يوما عدوّا فعليا لكيان يهود، بل قد ثبت أنّها قد استمدّت منه الأسلحة إبّان حربها مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي. بل إنّ إيران التي رفعت لسنوات طوال شعار (أمريكا الشيطان الأكبر) ثمّ تراجعت عنه لم تكن يوما عدوّا حقيقيا للولايات المتّحدة الأمريكية، بل قد ثبت عند المنعطفات الكبرى أنّها سند كبير لها، وأنّها كانت دائما دائرة في فلك السياسة الأمريكية في المنطقة طمعاً في نيل حصّتها من الغنائم. فقد ساندتها في غزوها لأفغانستان، وكذا في غزوها للعراق، وكذا في ضربها لثورة أهل سوريا على الطاغية بشار، وكذا في مخطّطها لتقسيم اليمن، والآن يتماهى موقفها إلى حدّ بعيد مع الموقف الأمريكي تجاه حرب غزّة، فلا هي أنجدت أهل غزّة النجدة التي تمنع عنها العدوان، ولا هي التقطت يوم عملية طوفان الأقصى واضطراب كيان الاحتلال الفرصة التاريخية التي كانت وأتباعها يزعمون أنّهم ينتظرونها للقضاء على كيان الاحتلال. والحقيقة التي لا ينبغي أن تكون واضحة هي أنّ تدمير غزّة وحرب الإبادة التي يشنها كيان الاحتلال على القطاع لا يضير حكّام إيران في شيء، بل إنّ ما يفعله كيان يهود بالقطاع سبق وكانت إيران ضالعة في أشنع منه بأضعاف حين شنّت حربها مع الأمريكيين على العراق، وحين شاركت في الحرب على أهل سوريا وارتكاب الفظائع تدميرا ومجازر وتشريدا واحتلالا، في عملية تاريخية لتبديل هويّة المنطقة وللقضاء على حواضرها التاريخية، من خلال أعمال إجرامية قتلت أكثر من مليون من أهل سوريا وشرّدت أكثر من نصفهم من ديارهم. أمّا تلك النزاعات المحدودة المستمرّة منذ عقود بين كيان يهود وإيران فهي ليست صراع وجود، ولا عداء مطلقا كما يزعمون وكما يتوهّم بعض الناس، وإنّما هي مجرّد نزاع بين قوّتين إقليميتين تتنافسان على مواقع نفوذ هنا وهناك. وهذا النزاع يخدم في الوقت نفسه السياسة الأمريكية في المنطقة. فتارة تدعم كيان يهود، وتارة تدعم إيران ضمنيا، كما تفعل مع سائر القوى الإقليمية، في سياسة ماكرة تحافظ بها على توازن القوى في المنطقة لتحقيق مصالحها فيها واستدامة هيمنتها عليها. إنّ المشروع السياسي الوحيد القادر على قطع دابر النفوذ الأمريكي في المنطقة وتحريرها من النظام الدولي المجرم هو المشروع العابر للحدود القومية والقطرية والذي يملك القدرة على استقطاب أهل المنطقة بكاملها تحت لواء واحد، هو لواء الإسلام، لواء دولة الخلافة، لأنه المشروع السياسي الوحيد الذي يستند إلى عقيدة هذه الأمّة وهويّتها وحضارتها ونظرتها إلى العالم. أمّا إيران التي تأسّست على أسس طائفية مذهبية وعنصرية قومية فهي ليست مرشّحة مطلقا بخلفيتها هذه لأن تنال هذا الشرف، بل إنّها حكمت على نفسها بصبغتها الأيديولوجية هذه بأنّ تكون عونا للكافر المستعمر على بذر مزيد من بذور الانقسام والانشقاق والتشرذم. فقد استفادت الولايات المتّحدة من أحلام حكّام إيران التاريخية بإحياء الدولة الصفوية، بل والإمبراطورية الفارسية، وتوسيع نفوذها في المنطقة، لإشعال الفتن وتقويض مقوّمات منطقة شرق المتوسط التي لطالما عوّل عليها المخلصون من أهل البلاد للتحرّر من الاستعمار ولاستئناف الحياة الإسلامية فيها، ولتكون نواة لدولة جامعة للأمّة الإسلامية. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير أحمد القصص Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.