اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

التحليل القرآني للتاريخ الفلسطيني


الرضا

Recommended Posts

عبد الله الزق

نظرة منهجية

كثيرا ما تلهيني القراءة عن الكتابة, فكلما أهمّ بالكتابة أستشعر النقص في المعلومات فأهرب إلى القراءة، ولكن ما يدفعني إلى الكتابة هو استفزاز ما من كاتب أو آخر, تعتمده العامة في تشكيل عقلها, فعندها تصبح الكتابة في درجة فرض العين وهي درجة أعلى من فروض الواجب في ظل انعدام كتّاب إسلاميين هم من يفترض أن يقوموا بهذا الواجب.

المهم, وبينما أنا أتصفح ما كتبه الأستاذ عبد الفتاح دخان وهو من كوادر الإخوان المسلمين في كتاب احتوى دراسات منشورة عن مؤتمر عن القضية الفلسطينية بعنوان «خبرات الحركة السياسية الفلسطينية في القرن العشرين» في موضوع الإخوان المسلمون وقضية فلسطين في القرن العشرين يقول الأستاذ المربي عبد الفتاح دخان عن فلسطين: «هي بالنسبة للمسلمين مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم» و»بها المسجد الأقصى المبارك وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وهي مباركة من الله»، ثم يقول: «فلسطين بلاد عربية منذ فجر التاريخ أو بالأحرى منذ وجدت الحضارات القديمة»، ويضيف: «وهناك من يتجاهل حضارة الكنعانيين في فلسطين إلى حد الإلغاء أو ما دون ذلك بقليل أو إلى تهميش الوجود الكنعاني في ظل الحضارة الإسرائيلية القديمة، بينما الكنعانيون هم الأصل والبداية». ويضيف في فقرة أخرى: «لم تكن فلسطين خالية من السكان حين غزاها اليهود في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، بل كانت آهلة بسكانها العرب الشجعان الذين دافعوا عن وطنهم بشجاعة فائقة ممّا أخّر احتلال يبوس (القدس) 140 عاما منذ دخول يوشع بن نون سنة 1189 ق.م إلى أن احتلّها الملك داوود سنة 1049 ق.م».

لاحظوا معي أنّ الداعية الإسلامي الكبير يتحدث عن داوود «ملكا» ويتحدث عن «الغزو اليهودي لفلسطين»، بل يؤكد الغزو بمعنى «الاحتلال» الذي يعتبره هزيمة للشعب الفلسطيني الذي صمد أمام هذا الغزو اليهودي حتى احتلّ ملكهم داوود القدس سنة 1049 ق.م

فما الذي يعنيه ذلك التحليل إن لم يعن أنّ المنهج العلماني في تحليل التاريخ والذي سيطر على مناهج التربية والتعليم هو الذي تحكّم في الكاتب الإسلامي ودفعه إلى قراءة التاريخ الفلسطيني قراءة علمانية استلهمت الحق التاريخي كمحدد لنظام الحكم بينما في المنهج القرآني وبشكل لا يترك أيّ مجال لسوء الفهم «أنّ الأرض لله يورثها لمن يشاء من عباده الصالحين»، كما أنّ هذا الكاتب وبدافع من إسقاطات الصراع الحالي مع الصهيونية وادعاءاتها بالحق التوراتي في فلسطين لم يتعب نفسه قليلا في تقصّي جنسية العبرانيين باعتبارهم جزء من قبائل عربية سكنت بلاد الرافدين وبلاد الشام وإن جاءت متأخرة عن الكنعانيين فهم كما إخوانهم الكنعانيين قبائل عربية، وأنّ سيدنا إسماعيل هو ابن سيدنا إبراهيم وأخو سيدنا إسحق ابن إبراهيم، وأنّ محمدا بن عبد الله خاتم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يمتدّ نسبه ليصل إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام من ناحية إسماعيل، كما أنّ اللغة العبرية، كما يقرر علماء أفاضل في اللغة، هي إحدى لهجات العربية أو هي أقرب اللهجات إلى اللغة العربية كما يؤكد الدكتور علي أبو عمر أستاذ علم الاجتماع في الجامعات الأمريكية. وكما أنّ قبائل خيبر وبني النضير وبني قينقاع لم يعيشوا غرباء في الجنس عن عرب الجزيرة، وإن تم التركيز على الاختلاف الديني عن غيرهم كما المسيحيين في هذه الجزيرة قبائل عربية هي الأخرى.

وهنا أستغرب أكثر من ذلك كيف لكاتب إسلامي وهو يقرأ القرآن يوميا أن يخطئ الإشارة القرآنية لنبوة داوود عليه السلام ويعتمد التوراة في وصف داوود كملك يهودي! كيف يتّسق عقله الديني وهو يتحدث عن «بطولات الشعب العربي الفلسطيني الذي دافع عن القدس عشرات السنين حتى سقطت في يد الملك داوود»، بينما الآيات القرآنية واضحة الدلالة في وصف الحادثة كانتصار للحق على الباطل «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين».

وما يؤلمني كثيرا أنّ الكاتب إسلامي ويؤلمني أكثر أنّه داعية ومربي وأستاذ وتربّت عليه أجيال من الإخوان المسلمين ومن أبناء الشعب الفلسطيني المسلم، فلو كان مفكراً علمانيا لهان الخطب ولقلتُ إنّه اتّسق مع منهجه العلماني في دراسة التاريخ الفلسطيني ما قبل فتح عمر بن الخطاب فلسطين في القرن السابع الهجري, فلا خلاف بين الجميع أنّ فلسطين دخلت الحقبة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب، وإنّما يخطئ الجميع في قراءة التاريخ الإسلامي في فلسطين منذ مجيء إبراهيم عليه السلام وتكرس بعد الفتح الإسلامي لها منذ الأمر الإلهي في عهد ما بعد موسى عليه السلام استجابة للأمر الإلهي «ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم» وهي بديهية كان من الواجب الديني والحياد العلمي الموضوعي حتى في المنهج العلماني أن يكتشفوها.

إنّ فلسطين إسلامية منذ مجيء إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين من العراق فاراً بدينه أو مطرودا من كفار قومه, وإنّ الحرم الإبراهيمي الذي اعتبره المسلمون بعد الفتح الإسلامي حرمهم المقدس في الخليل شاهد على ذلك, وإنّ ما يسمى قبة راحيل أم يوسف عليه السلام ربما احتوت جسدها الطاهر وهي أم واحد من أنبيائنا العظام الذي نقدّره ويكفر في عقيدتنا من ينكر نبوته, ففي بلادنا فلسطين ترعرع ونشأ وتربّى في كنف والده النبي يعقوب عليه السلام والذي اشتهر بأنّه إسرائيل وبنيه سمو بنو إسرائيل، بينما ينادي إسماعيل عليه السلام يا عم, كما وأنّ سلسلة الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام مرورا بإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى ويوشع بن نون وداوود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم وعلى نبينا السلام هم أنبياء الإسلام نشروا رسالة الله في فلسطين ومنها انبعثت أنواره في كافة أنحاء العالم بغضّ النظر عن تحريف الناس لهم وللدين الذي جاؤوا به، فهم حقيقة قرآنية وتاريخية مهما كانوا في التوراة مزيفين وأساطير مشوهة لحقيقة وجودهم ونبوتهم ودعوتهم، فالتوراة ليست هي الحكم في قراءتنا للوجود الديني في فلسطين، وإنّما القرآن هو الذي نكتشف من خلاله الرؤيا التي نطلّ بها على القداسة في فلسطين.

فإذا قلنا إنّ فلسطين مقدسة وهي أرض الرسالات السماوية وهذا ما يميّزها ويعطيها الأهمية القصوى عند الجميع وإنّ من أعطاها هذه القداسة ليسوا الكنعانيين وإنّما هم الأنبياء العظام من بني إسرائيل ومنذ أبيهم إبراهيم إلى عيسى عليهما وعلى نبينا السلام، فقد نصدم من تغلغلت في فكره بذور المنهج العلماني في التحليل التاريخي، بينما يستغرب العامّة من المسلمين ذلك بسبب قوة تأثير المنهج العلماني وتأثيره على كتب التعليم المدرسي التي تحدّثت عن التاريخ الفلسطيني، بينما لا يجب على مفكر إسلامي أيٍّ كانت درجة إلمامه بالإسلام والدراسات القرآنية أن تغيب عن وعيه حقائق تشكّل بديهيات الفكر الإسلامي.

إنّ كاتبا إسلاميا بحجم الأخ الأستاذ أبو أسامة دخان كان من الواجب أن لا تطمس على وعيه ادعاءات الحاضر الصهيوني عن حقيقة أنّ الصراع الفكري الدائر بيننا من جهة وبين المستشرقين والصهاينة من جهة أخرى إنّما يدور على وراثة القداسة في فلسطين.

ويؤكد الرسول الكريم صلى الله عيه وسلم «نحن أحق بموسى منهم»، «لو كان موسى حيا لاتبعني».

إنّنا بحاجة إلى إطلالة قرآنية على التاريخ الفلسطيني وهي معركة لا بد منها من أجل أن نبصر مركزية فلسطين ومركزية القدس ومركزية المسجد الأقصى في الوعي الإسلامي المعاصر, كان على المسلمين أن يعلنوا بكل قوة عدم انتماء اليهود وبني إسرائيل لموسى وإخوانه الأنبياء من خلال تحريفهم لدينه وارتدادهم عليه بالتآمر على بعضهم واغتيال البعض الآخر كزكريا ويحيي، وتحريضهم للسلطة السياسية الرومانية على عيسى عليه السلام.

وكما فقد اليهود في عصر محمد عليه السلام شرعية الانتماء الديني للإسلام الذي جاء به إبراهيم والأنبياء من بعده، فلقد فقدَ يهود اليوم الانتماء العرقي لفلسطين من حيث أنّ أغلبهم يهود الخزر الذين تدينوا باليهودية المحرفة ولا ينتمون عرفيا على الإطلاق ليهود فلسطين ولا يهود الجزيرة العربية الذين فقدوا هم الآخرون شرعية الانتماء الديني للأنبياء العظام، فصار أولى الناس بإبراهيم لهذا النبي محمد عليه السلام والذين اتبعوه.

إنّنا بحاجة إلى امتلاك المنهج القرآني من جديد في الإطلالة على الصراع الدائر بيننا وبين «إسرائيل»، ونؤكد أنّ شارون ورابين ونتنياهو لم ولن يكونوا امتدادا لإبراهيم وموسى عليهم السلام، وإنّما هو الشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وأبو جهاد هم أولى من أولئك الغرباء عن دين إبراهيم وعن جنس إبراهيم أيضا.

مرة أخرى، ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو تصويب النظرة للتاريخ الفلسطيني خاصة أنّ القدس إلى الآن لم تشكّل مركزية في الوعي الإسلامي كما هي الآن في الوعي الفكري لليهود، وإنّ احتلال القدس وفلسطين وتاريخ الإسلام في فلسطين مركز الوعي الإسلامي هو القاعدة الفكرية للتحرر المادي لفلسطين الأرض والهوية والإنسان.

إنّ ما بدا على الأستاذ جمال ريان في برنامج الجزيرة من ارتباك أفصح عنه الرد بعصبية على مداخلة المفكر الإسرائيلي عندما قال عن مركزية القدس في الوجدان والتوراة اليهودية وعن خلو القرآن من ذكر فلسطين هو الموضوع الآخر الذي يدفعني لتجريد اليهود المعاصرين من أيّة شرعية في الانتماء لفلسطين ولمقدس فلسطين وأنبياء فلسطين وللهيكل المقدس في فلسطين أيضا.

هذا المقال تكمن أهميته في تقمُّص الرؤية القرآنية لحقيقة الصراع المقدس في فلسطين واعتباره حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل ربما يكون فيه جديد يعيد للعقل العربي والإسلامي الإطلالة على حقائق الصراع بعد أن غيّبته الرؤى العلمانية ووجهة النظر التوراتية المتسللة بخبث إلى تراثنا وتاريخنا وحتى تفسيراتنا الدينية أحيانا.

http://www.assabeel.net/free-space/143723-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A.html

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...