اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

واقع العقيدة


أبو مالك

Recommended Posts

واقع العقيدة:

 

يقول الحق سبحانه: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)﴾ النحل

يعيش الانسان في هذه الدنيا متعلما، مستخدما حواسه لنقل صورة العالم الخارجي وما فيه من مجاهيل تحتاج لسبر اغوار إلى دماغه ليتفكر، ولا شك أن بعض الأسئلة تشكل لديه عقدة لطبيعة أغوارها العميقة، ومن أكبر هذه العقد، تساؤلات الانسان الكلية عن الكون والانسان والحياة، مصدرها ومصيرها ، وصلتها بما قبلها وما بعدها وما الغاية من وجودها والوظيفة التي وجدت من أجلها، وصلته بالوجود وصلة الوجود به، وتشكل الإجابة على هذه التساؤلات حلا للعقدة الكبرى ينشأ عنه فكرة كلية نسميها العقيدة.

قال في اللسان: العَقْد نقيض الحَلِّ؛ عَقَدْتُ الحبْلَ والبيع والعهد فانعقد والعَقْد العهد, والجمع عُقود وهي أَوكد العُهود. و عُقْدَةُ كلِّ شيءٍ: إِبرامه. وقال ابن الأَنباري: في قولهم لفلان عُقْدة: العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل. ويقال للقَرْية الكثيرة النخل: عُقْدة، وكأَنّ الرجل إِذا اتخذ ذلك فقد أَحكم أَمره عند نفسه واستوثق منه، ثم صيروا كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه عُقْدة. ويقال للرجل إِذا سكن غضبه: قد تحللت عُقَدُه واعتقد كذا بقلبه وليس له معقودٌ أَي عقدُ رأْي. وفي الحديث: أَن رجلاً كان يبايع وفي عُقْدته ضعف أَي في رأْيه ونظره في مصالح نفسه. انتهى.

رب العالمين بين أن طريق الايمان هو استعمال العقل والتدبر والتفكر، وأنه بهذا الأمر يمتاز الانسان الناهض عن الحيوان عن الانسان المنحط، ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (179) الأعراف، ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ (44) الفرقان، ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ (101) يونس.

والايمان عمل قلبي: ﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ 14 الحجرات، والقلب يطلق على العقل ويطلق على القلب المعروف ويراد منه في هذه الحالة الوجدان .لقد جعل الحق سبحانه في غير موضع من القرآن محل الفقه أي الفهم القلب كناية عن العقل، لأننا نعرف أن الانسان يفكر ويعقل ويتدبر بعقله ولا ضير من استعمال القلب بهذا المعنى، ولا شك أن ما يُعقل هو الأفكارُ قطعا مما يدل على أن الايمان أفكار (هدى) قطعا ولا جدال،، والآيات تشير بوضوح إلى أن العملية التي تتم مع قضايا الايمان في القلب / العقل هي الفهم والفقه أي أنها أفكار، فلا إله إلا الله فكر، (هدى) والإيمان بالجنة فكر.

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (46) الحج

معلوم أن الأبصار في الوجه وآلتها العيون، وأن الذي يعمى حقيقة هو الأبصار، قال الزمخشري في الكشاف: والمعنى: أنّ أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها، وإنما العمى بقلوبهم. أو لا يعتدّ بعمى الأبصار، فكأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب. فإن قلت: أي فائدة في ذكر الصدور؟ قلت: الذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها. واستعماله في القلب استعارة ومَثَلٌ، فلما أريد إثبات ما هو خلاف الـمُعتَقَدِ من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا التصوير إلى زيادةِ تعيينٍ وفضلِ تعريفٍ، ليتقرّر أنّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار، كما تقول: ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك، فقولك: «الذي بين فكيك» تقرير لمّا ادّعيته للسانه وتثبيت لأنّ محلّ المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت: ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً. إ.هـ.

وبالمثل فمحل الفهم والتفكر هو العقل ولكن في مسائل الاعتقاد والايمان بعد أن تتم العملية العقلية المفروض أن تصل الأفكار لدرجة الاطمئنان والسكينة وربط القلب عليها، فالعقيدة ما انعقد القلب عليه، وكأَنّ الرجل إِذا اتخذ ذلك فقد أَحكم أَمره عند نفسه واستوثق منه، وبالتالي تنتقل هذه الأفكار من العقل إلى القلب أي الوجدان ليحصل العقد عليها والاعتقاد بها فلا تتنازعها الشكوك ولا يداخلها الريب،، من هنا استعار المولى سبحانه القلبَ في قضايا الايمان مكان العقل / الدماغ والله تعالى أعلم.

لقد استعار الحق سبحانه مثلا عظيما يجلي حقيقة عظيمة حول الايمان، فقد قال: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور ﴾ فالدنيا من حول الضرير الذي لا يبصر تعج بالألوان والحياة تضج في جنباتها، ولكن حدقته التي بها يمكنه أن يرى هذا كله معطلة، فلم يعد يدرك شيئا من ذلك، وبالمثل ﴿ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ ، ومع ذلك تعمى العقول عن كل هذه الحقائق التي تضج بها الدنيا، ولا تتوصل إلى خالقها سبحانه، ويسمى الجهل بالعمى لأن الجاهل لكونه متحيراً بشبه الأعمى، ولعمري فهذا هو العمى الحقيقي!

الإيمان مأخوذ من الأمن الذي هو الطمأنينة ، يبدأ بانشراح الصدر وينتهي بطمأنينة القلب،

﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125) ﴾ الأنعام

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد(23) ﴾ الزمر

قال الألوسي: (والإيمان في اللغة التصديق أي إذعان حكم المخبر وقبوله وجعله صادقاً، وهو إفعال من الأمن كأنّ حقيقة آمن به آمَـنَهُ التكذيب والمخالفة، ويتعدى باللام كما في قوله تعالى ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ 111 الشعراء وبالباء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله" الحديث، قالوا: والأول باعتبار تضمينه معنى الإذعان والثاني باعتبار تضمينه معنى الاعتراف إشارة إلى أن التصديق لا يعتبر ما لم يقترن به الاعتراف، وقد يُطلق بمعنى الوثوق من حيث أن الواثق صار ذا أمن. إ.هـ. فهذه المراحل التي تمر بالوجدان ليصل إلى التصديق الجازم، إذعان للحقيقة الكونية ودلالتها على الحقيقة العقدية، بخلاف من قال فيهم الله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 14 النمل. فلم يذعنوا وجحدوا ما استيقنته نفوسهم، فلم يحصل لهم الإيمان، فلم يعترفوا بصدق موسى عليه السلام، ولا بد للوجدان حتى يصل للتصديق الجازم من موافقة العقل، أي إعمال الفكر في الحقائق الكونية ليتوصل إلى الوثوق بصدق دلالتها على الايمان.

فاذا تم هذا الامران : التصديق الجازم من قبل القلب اي الوجدان، وموافقة العقل لهذا التصديق، فقد حصل انعقاد القلب اي حصلت العقيدة بمعنى حصل الاعتقاد .ثم بعد ذا قد يقسو القلب أو يسكن لإيمانه، ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ 4 الفتح.

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً …﴾ الآية 13 المائدة ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ 53 وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ 54 الحج.

فهذا الارتباط العضوي بين ما يعتور القلب من قسوة وما يجلبه له ذكر الله وعمل الصالحات من سكينة يدفعه نحو الإخبات لله تعالى، يبين شدة ارتباط الايمان بإقبال القلب وإدباره، أي بالارتقاء به نحو الطمأنينة أو الهبوط به نحو القسوة، مما يترتب عليه ما نراه في أنفسنا من الإحساس بالإيمان أو الإحساس بانقباض الصدر، والغفلة، لذا جعل الحق سبحانه غاية الايمان بلوغ طمأنينة القلب: ﴿ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ 260 البقرة

هذا هو واقع العقيدة - اي عقيدة- مع وضوح وجلاء هذه الحقائق حول العقيدة الاسلامية، الا ان انعقاد القلب على افكار فرعية ليست أساسية لا يرتفع الى مستوى العقيدة، لانه لا يتفرع عنها شيء، ‎ولا يترتب عليها شيء، ولذلك فانها لو أخذت في أول الامر التصديق الجازم ولكنها لا تلبث أن تخرج من دائرة الوجدان إما الى دائرة العمل وإما الى الرفض لذلك فان القلب لا ينعقد الا على افكار اساسية يمكن ان يتفرع عنها ويمكن أن يترتب عليها شيء او اشياء، ومن هنا كانت العقائد هي الافكار الاساسية، ويكون مثلها اي عقيدة كل فكرة تعتبر جزءا منها، ‎سواء بانبثاقها عنها او ببنائها عليها واما الافكار الفرعية فلا تدخل ضمن العقائد.

والفكرة الاساسية التي لا يوجد قبلها افكار هي الفكرة التي تحل العقدة الكبرى للانسان من حيث هو انسان، وذلك ان الانسان اي انسان ترد عليه ثلاثة اسئلة تلح الجواب عليها، هل يوجد قبل هذا الوجود الذي يقع تحت حسه شيء ام هو ازلي قديم لا يوجد قبله شيء، وهل يوجد بعد هذا الوجود شيء اي وجود اخر، فالاشياء تنعدم وتذهب فهل تعود ثانية ام لا وهل هناك مكان اخر تذهب اليه ام لا ؟ وهل هذا الوجود له صلة بما قبله ام منقطع عنه وهل له بما بعده ام منقطع عنه .

فالفكرة الاساسية هي الفكرة التي تحل العقدة الكبرى للانسان، وهذه هي العقيدة، اي هي التي ينعقد عليها القلب .‎ومن هنا كانت العقيدة هي الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة، ‎لان الفرد انسان يحيا في الكون، وبحكم حياته هو في الكون تنشأ عنده الاسئلة الثلاثة، وتنشأ عنده العقدة الكبرى، فاذا وجد لديها الحل – أي حل- وجدت عنده الفكرة الاساسية، او فكرة اساسية، اي وجدت عنده العقيدة او عقيدة، وذلك بوجود فكرة عن الكون والانسان والحياة مجتمعة، اي عنه كانسان يحيا في الكون .فالعقيدة هي فكرة اساسية عن انسان يحيا في الكون، وهذه الفكرة الاساسية لا تكون الا كلية، فالعقيدة هي الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة، وعما قبلها وما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها وبما بعدها.

رابط هذا التعليق
شارك

المبدأ: عقيدة ونظام حياة:

 

لا شك أن الاسلام عقيدة ونظام حياة، لم يكن في يوم من الأيام فلسفة يبحث عنها في بطون الكتب، ولا كان أفكارا خيالية عن جمهوريات فاضلة لا تحيا في أرض الواقع، وإنما هو معالجات لواقع البشر، لقد جاء الإسلام مجموعة مفاهيم عن الحياة، تشكل وجهة نظر معينة، جاء ليرسم للناس طريقة معينة في العيش، فهذه الأفكار والتي يرافقها طريقة تطبيقها، تشكل في مجموعها المبدأ الاسلامي.

قلنا في الحلقة السابقة:

يعيش الانسان في هذه الدنيا متعلما، مستخدما حواسه لنقل صورة العالم الخارجي وما فيه من مجاهيل تحتاج لسبر اغوار إلى دماغه ليتفكر، ولا شك أن بعض الأسئلة تشكل لديه عقدة لطبيعة أغوارها العميقة، ومن أكبر هذه العقد، تساؤلات الانسان الكلية عن الكون والانسان والحياة، مصدرها ومصيرها ، وصلتها بما قبلها وما بعدها وما الغاية من وجودها والوظيفة التي وجدت من أجلها، وصلته بالوجود وصلة الوجود به، وتشكل الإجابة على هذه التساؤلات حلا للعقدة الكبرى ينشأ عنه فكرة كلية نسميها العقيدة.

أما أنها كلية، أي أنها فكر أساسي يكون مقياسا للافكار، فلأن الانسان إذ تعترضه الأشياء التي سخرها الله له في الكون، ينظر إليها متفكرا فتتكون لديه مفاهيم عنها، تكاد تكون متطابقة عند كل الناس، فالبصل يؤكل والسم يميت لو أكل، والحائط يقي من القيظ، ولكن السلوك المطلوب تجاه هذه الأشياء، هل يجوز له أكل البصل أو الخنزير، وهل يجوز له شرب الماء أو الخمر؟ وهل يجوز له أن يُزارع أرضا؟ هذا السلوك بحاجة لمفاهيم عن الحياة تشكل مقياسا للانسان في أفعاله وتصرفاته، وهذه المفاهيم إنما توجد بعد حل العقدة الكبرى، وإن كان يستطيع التصرف إزاء هذه الأشياء وفق أهوائه لكن هذا لا يوصل إلى رقي الانسان ونهضته، ولأن العقيدة هي فكرة كلية، فهي بذا تعطي جوابا عن كل شيء ليشكل مفهوما يتخذه المسلم مقياسا إزاء الواقع الذي يريد التعامل معه.

يسير كثير من الناس في الحياة على غير هدى، فيقومون بأعمالهم على غير مقياس يقيسون عليه. ولذلك تراهم يقومون بأعمال قبيحة يظنونها حسنة. ويمتنعون عن القيام بأعمال حسنة يظنونها قبيحة. فالمرأة المسلمة التي تمشي في شوارع أمهات المدن الإسلامية كبيروت ودمشق والقاهرة تكشف عن ساقيها، وهي تظن أنها تقوم بفعل حسن، والرجل الورع الملازم للمساجد يمتنع عن الخوض في تصرفات الحكام الفاسدة لأنها من السياسة، وهو يظن أن الخوض في السياسة فعل قبيح.

وهذه المرأة وهذا الرجل وقعا في الإثم: فكشفت هي عورتها، ولم يهتم هو بأمر المسلمين، لأنهما لم يتخذا لأنفسهما مقياساً يقيسان أعمالهما بحسبه، ولو اتخذا مقياساً لما تناقضا هذا التناقض في تصرفاتهما مع المبدأ الذي يعلنان بصراحة أنهما يعتنقانه. ولذلك كان لا بد للإنسان من مقياس يقيس أعماله عليه حتى يعرف حقيقة العمل قبل أن يقدم عليه.

والإسلام قد جعل للإنسان مقياساً يقيس عليه الأشياء، فيعرف قبيحها من حسنها، فيمتنع عن الفعل القبيح، ويقدم على الفعل الحسن. وهذا المقياس هو الشرع وحده ؛ فما حسنه الشرع من الأفعال هو الحسن وما قبحه الشرع هو القبيح. وهذا المقياس دائمي فلا يصبح الحسن قبيحاً، ولا يتحول القبيح إلى حسن ؛ بل ما قال عنه الشرع حسناً يبقى حسناً، وما قال الشرع عنه قبيحاً يبقى قبيحاً.

ولما كان الانسان اجتماعيا بطبعه، فهو بحاجة لتنظيم الانتفاع بالأشياء، تنظيما يجعل سلوكه، أي أفعاله في الحياة التي يشبع بها غرائزه وحاجاته العضوية، موقع رضا للمجموعة التي ينتمي إليها، فكريا ومشاعريا، (ومن قولنا: فكريا: يتضمن أن المسلم يطلب رضا الله بالتزامه)، فالمجتمع بحاجة لنظام، ولا بد لهذه العقيدة من أن تحوي إمكانية انبثاق نظام عنها ينظم علاقات المجتمع على أساسه، ليضمن حسن انضباط أفراد المجتمع وفق نظام مخصوص، وإلا فهي عقيدة روحية كهنوتية فلا تصلح لتسوس الناس وتهديهم سبيل نهضتهم.

ولأن هذه الأسئلة أساسية إذ أنها لا تبنى على أفكار أخرى سبقتها، فهي وحدها التي تنتج مبدأ، تبنى عليه الأفكار الأخرى، فما لم يوجد عند المرء فكر عن نفسه وعن الحياة وعن الكون من حيث الوجود والإيجاد، والغاية والمصير، لا يمكن أن يعطي فكراً يصلح أساساً لحياته، ولذلك تبقى حياته سائرة دون أساس، مائعة، متلونة، متنقلة، ما لم يوجد هذا الفكر الأساسي، أي ما لم توجد الفكرة الكلية عن نفسه وعن الحياة وعن الكون .

ولأن كل الأفكار التي تدخل في ما تفرع عن هذه الأجوبة من نظام تبنى عليها، كانت فكرة كلية أساسية فهي وحدها تسمى مبدأ، وهكذا أطلقت كلمة مبدأ على الفكرة الشاملة وأنظمتها ، أي العقيدة ومعالجاتها؛ ويقابل كلمة المبدأ كلمة الإيديولوجيا بالتعبير الغربي .

إلا أن هذه العقيدة لا يمكن أن تنبثق عنها أفكار، ولا أن تبنى عليها أفكار إلا إذا كانت هي فكراً، أي كانت نتيجة بحث عقلي؛ أما إذا كانت تسليما وتلقياً، فلا تكون فكراً، ولا تسمى فكرة كلية، وإن كان يصح أن تسمى عقيدة. ولذلك كان لا بد أن تكون الفكرة الكلية قد توصل إليها الإنسان عن طريق العقل، أي أن تكون نتيجة بحث عقلي، فتكون حينئذ عقيدة عقلية، وحينئذ تنبثق عنها أفكار وتبنى عليها أفكار. وهذه الأفكار هي معالجات لمشاكل الحياة، أي هي الأحكام التي تنظم للإنسان شؤون الحياة. ومتى وجدت هذه العقيدة العقلية وانبثقت عنها أحكام تعالج مشاكل الحياة فقد وجد المبدأ. ولذلك عرف المبدأ بأنه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام.

لقد خاطب الشارع سبحانه البشر بالعقائد والأحكام الشرعية العملية، فنظم علاقة الانسان بخالقه من خلال العقيدة، أي الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة وكونها مخلوقة لله سبحانه، فيدين بدينه الحق،

وتنظم علاقة الانسان بالخالق أيضا من قبيل واجبه تجاهه من الامتثال لأوامره وأداء العبادة له وحده،

وتنظم علاقة الانسان بنفسه عبر منظومة الأخلاق والمطعومات والملبوسات وأحكامها،

وتنظم علاقة الانسان بغيره عبر منظومة المعاملات، وما يلحق ذلك من تشريعات، وعقوبات.

فهذا كله يرجع إلى منبعين رئيسين: العقيدة والنظام المنبثق عنها،

فالنظام إذن ينضمن: الفكرة وطريقة تطبيقها في الواقع، كما وأن له طبيعة تدعو لحمله أي حمل المبدأ والدعوة إليه، ويتطلب أن يوفر الحماية للعقيدة، فهذه أركان أربعة يقوم عليها النظام: الفكرة والطريقة وحمل المبدأ وحماية العقيدة.

لكننا نلاحظ أن الأركان الثلاثة الأخيرة يمكن جمعها في أنها من طريقة تطبيق المبدأ، لذلك نقول:

المبدأ: فكرة، والفكرة هنا: العقيدة

ومعالجات (والطريقة هنا : طريقة تنفيذ المعالجات + حمل المبدأ + حماية العقيدة)

المبدأ أيضا: عقيدة ونظام: النظام هنا: معالجة المشاكل، طريقة تنفيذ المعالجات ، حمل المبدأ، حماية المبدأ.

وهنا لا بد من ملاحظة هامه :

لا شك أن قضية نهضة الانسان، هي القضية المركزية التي ينبغي صرف الانتباه لها دوما، وأن حجر الزاوية في هذه القضية هو الفكر، فبالفكر يكون نهوض الانسان وبالفكر تنهض المجتمعات، وقد أولى القرآن الكريم هذه الحقيقة أهمية خاصة، فركز على أن يضع للانسان جملة من الأفكار تشكل لديه قاعدة فكرية يقيس عليها كل فكر، وخاطبه بجملة من المفاهيم الضابطة لسلوكه، وبالتالي لعلاقات المجتمع، بحيث توضع هذه المفاهيم موضع القوانين والشرائع من كيان الدولة، فهي أفكار تسوس حياة الانسان، فشكل بمجموع هذين الأصلين، الأفكار التي تشكل قاعدة فكرية لديه، والأفكار التي تسوس حياته، ما يمكن الاصطلاح عليه بأنه الفكرة الاسلامية.

فالحق سبحانه عندما يقول: {فاعلم أنه لا اله إلا الله}، فهو يضع هنا الانسان أمام فكرة عليه أن يعمل عقله فيها، مستدلا عليها بالأدلة، كقوله تعالى: {أفي الله شك فاطر السموات والأرض؟} وقوله تعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي؟}

فهذه الأدلة توصل العقل إلى قناعة أنه لا إله إلا الله، فهذه الفكرة تشكل قاعدة أساسية من جملة القواعد التي تدخل في صرح قاعدة المسلم الفكرية التي تقوده في الحياة.

كذلك عندما يأمره الحق سبحانه وتعالى بأن يمتنع عن الربا، ففكرة حرم الله الربا، أيضا فكرة، تخاطب العقل بما يفهمه، وتضع له قانونا عليه أن يتصرف حياله على ثلاثة أضرب، نوع يختص بالخطاب نفسه، فما كان منه قرآنا أو سنة متواترة عليه الايمان به، وما كان ظنيا عليه التصديق به، والنوع الثاني يختص بالمعالجة التي عالج بها الخطاب أي خطاب الشارع المشكلة، فلا بد من الايمان بما ثبت قطعا وأيضا بما توصل إليه اجتهاد المجتهد في حقه في الظنيات أنه العلاج الصواب للمشكلة، فمن ظن العلاج في غير ما نزل به الشرع انفصل عن هذه العقيدة، والثالث: ما تعلق بتطبيق هذه المعالجة فهذا علاقته الأساسية لا تكون بالايمان والكفر، وشرح ذلك:

ان ادراك الفكر والتصديق بوجود واقعه او عدم وجوده تصديقا جازما هو عقيدة، ويعتبر ان ادراك الفكر واعتباره معالجة لفعل من افعال الانسان او عدم اعتباره معالجة هو حكم شرعي، وبعبارة اخرى العقيدة هي الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة وما قبل الحياة وما بعدها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها. ‎والذي يعين الفكر كونه من العقيدة أو من الاحكام الشرعية هو دليله الشرعي؛ فان كان الدليل خطابا متعلقا بافعال العباد كان حكما شرعيا، وان كان غير متعلق بافعال العباد كان من العقيدة.

وأيضا فان كان الفكر مما طلب الايمان به فقط، ‎او كان مما لا يطلب العمل به كالقصص والاخبار بالمغيبات فهو من العقيدة، وان لم يكن كذلك كان من الاحكام الشرعية .

أولا: عليه أن يؤمن بهذا الخطاب إن كان ثبت بالدليل القطعي، بحيث لو لم يؤمن بقوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا يكفر.

ثانيا: عليه أن يؤمن أن هذه هي المعالجة الصواب والوحيدة للمشكلة التي تعطي هذه الفكرة حلا لها، بحيث لو لم يؤمن بأن قطع يد السارق مثلا هو العلاج الوحيد المثالي والصحيح لهذه المشكلة، وقال أن الصحيح أن تعالج لا بقطع اليد بل بالسجن فإنه يكفر.

فكما تلاحظ فإن الشقين الأولين من التصرف المطلوب إزاء هذا الحكم الشرعي المتمثل بخطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، وهو هنا مثلا حكم الربا أو تحريم السرقة وعلاج مشكلتها، فإن الملاحظ أن التصرف المطلوب هنا يخاطب العقل ولا دخل له بالعمل نفسه لذا ترتب عليه كفر وإيمان، فهو فكر.

وثالثا: عليه أن يتصرف ويسلك السلوك المطلوب منه في ذلك الخطاب، فمثلا {وأقيموا الصلاة} عليه أن يقيم الصلاة، {وآتوا الزكاة} عليه أن يؤتي الزكاة، {حرمت عليكم الميتة} عليه أن يمتنع عن أكل الميتة، وهكذا فهذا التصرف علاقته المباشرة إنما هي مع سلوك الانسان أي أفعاله التي يفعلها لاشباع غرائزه وحاجاته العضوية، فهي تتضمن طريقة تطبيق الحكم الشرعي، أو الأمر بتطبيقه.

أما الأمر بتطبيقه أي {وأقيموا الصلاة} ففكرة، والقيام بها عمل، ولها أيضا أحكام أخرى تشرح طريقة تنفيذ هذه الفكرة، أي هذا الأمر إذ أن الأمر والنهي ما هي إلا أفكار، فقوله عليه السلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" طريقة تنفيذ قوله تعالى {وأقيموا الصلاة}، وقوله عليه الصلاة والسلام "خذوا عني مناسككم" طريقة لتطبيق الحكم المتعلق بالحج حتى لا نبتدع في الدين.

من هنا فالفكرة هي ما شرع لنفسه، والطريقة ما شرع لغيره، لا خيار فيه، فالطريقة ثابتة لا يجوز أن تصلي الظهر مثلا خمس ركعات ، وأما الأسلوب فما شرع لغيره وفيه تخيير،

فالمبدأ إذن فكرة وطريقة تبين طريقة تنفيذ الفكرة، وما يتعلق بها من أحكام، ويتضمن النظام أيضا حمل المبدأ إلى غير المسلمين، وطريقة حمل المبدأ الاسلامي الدعوة والجهاد، ويتضمن النظام أيضا حماية العقيدة .

رابط هذا التعليق
شارك

الاسلام مبدأ، فكرة وطريقة:

 

قال في لسان العرب:

البَدْء فِعْلُ الشيءِ أَوَّلُ . بَدأَ بهِ و بَدَأَهُ يَبْدَؤُهُ بَدْءًا، إ.هـ. وقال في القاموس المحيط: مبادئُ العلم أو الفنّ أو القانون هي قواعده الأساسية التي يقوم عليها ولا يخرج عنها جمعه مَبادِئُ.

المبدأ في اللغة مصدر ميمي من بدأ يبدأ بدءاً ومبدأ. وفي اصطلاح الناس جميعاً هو الفكر الأساسي الذي تبنى عليه أفكار.

المبدأ: إن كلمة مبدأ لغة تعني مصدر الابتداء ، وهي في مجال بيان حقيقة الوجود في مصدره ومصيره وصلته بهما تعني مصدر بدء هذا الوجود وصلة هذا الوجود به . وهذا يعني الفكرة الشاملة للوجود وما تقدمه هذه الفكرة من أنظمة للحياة . وهكذا أطلقت كلمة مبدأ على الفكرة الشاملة وأنظمتها ، أي العقيدة ومعالجاتها . ويقابل كلمة المبدأ كلمة الإيديولوجيا بالتعبير المعاصر .

الفَكْرُ: والفِكْرُ إِعمال الخاطر في الشيء ؛ الجوهري : التَّفَكُّر التأَمل , والاسم الفِكْرُ والفِكْرَة , والمصدر الفَكْر بالفتح.

والطَّرِيقُ السبيل , تذكَّر وتؤنث; تقول : الطَّريق الأَعظم والطَّريق العُظْمَى وكذلك السبيل , والجمع أَطْرِقة وطُرُق؛

و الطَّرُيقة السِّيرة . و طريقة الرجل : مَذْهبه . يقال : ما زال فلان على طَرِيقة واحدة أَي على حالة واحدة . وفلان حسن الطَّرِيقة , والطَّرِيقة الحال . يقال : هو على طَرِيقة حسَنة وطَريقة سَيِّئة;

وقوله تعالى : {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} أَراد لَوِ استقاموا على طَرِيقة الهُدى... وقال الأَخفش : {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أَي بسُنَّتكم ودينكم وما أَنتم عليه . وقال الفراء : {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} أَي كُنَّا فِرَقاً مختلفة أَهْواؤنا .

أُسْلوبٌ: وكلُّ طريقٍ ممتدٍّ , فهو أُسلوبٌ . قال : و الأُسْلوبُ الطريق , والوجهُ , والـمَذْهَبُ ; يقال : أَنتم في أُسْلُوبِ سُوءٍ , ويُجمَعُ أَسالِـيبَ والأُسْلُوبُ : الطريقُ تأْخذ فيه . والأُسْلوبُ , بالضم : الفَنُّ ; يقال : أَخَذ فلانٌ في أَسالِـيبَ من القول أَي أَفانِـينَ منه ;

الإسلام فكرة وطريقة : كلمة فكرة تشمل كل ما جاء به الإسلام من عقائد وأفكار متعلقة بالعقائد، وهذا يشمل ما في الإسلام من القصص وأخبار السابقين أو ما تنبّأ به من أنباء المستقبل. وكلمة فكرة تشمل أيضاً الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات (ما عدا أحكام الجهاد، فهي من الطريقة) والمتعلقة بالأخلاق والمطعومات والملبوسات والمعاملات. فإن هذه الأحكام جاء الشرع بها من أجل ترسيخها عند الناس ومن أجل إقامة المجتمع الإنساني عليها، فهي الطابع للأفراد وهي الطابع للمجتمعات.

وأما كلمة طريقة، فهي تشمل أحكاماً شرعية فقط، ولا تشمل عقائد ولا أفكاراً متعلقة بالعقائد. والأحكام الشرعية المندرجة تحت الطريقة هي تلك الأحكام المقصود بها غيرها ولم يقصدها الشارع لذاتها. من هذه الأحكام (أحكام الطريقة) الأحكام المتعلقة بالعقوبات، من حدود أو تعزير، ومنها أحكام الجهاد، وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحكام السياسية الخارجية، وأحكام كيفية حمل الدعوة الإسلامية من قِبَل الأفراد أو من قبل الدولة. وأحكام نظام الحكم والخلافة. كل ذلك من أحكام الطريقة .

فهي أحكام شرعية ثابتة لا يلحقها تغيير ولا تبديل ولا تطور مهما تغيّرت الظروف وتبدلت الأمكنة والأزمنة . فمثلا أنظمة العقوبات التي حددها الشرع (كالحدود) ثابتة فلا يجوز أن نضع السجن مكان قطع السارق أو رجم الزاني المُحصن أو جلد القاذف، ولا يجوز أن نكتفي بالدعوة بدل الجهاد، ولا يجوز أن نضع النظام الديمقراطي في الحكم بدل نظام الخلافة، ولا يجوز أن نجعل رعاية الشؤون الإلزامية بيد النقابات والجمعيات والبلديات، بدل أن تكون بيد الخليفة أو من ينوب عنه.

فالأفكار إذن هي كل ما يتعلق بالعقائد مثل القدر ، وكل ما يتعلق بالأمور النظرية مثل معنى العقل فالفكر متعلق بالنظر.

أما الأحكام فهي كل ما يتعلق بالمعالجات مثل أحكام الأراضي . فالحكم الشرعي متعلق بالعمل .

أما الأسلوب : فهو عمل ظرفي تقتضيه الأوضاع القائمة . ويجب أن ويتوفر فيه شرطان: الأول أن يكون من المباحات، أي ليس مندوباً ولا واجباً،

والثاني أن يكون ليس مقصوداً لذاته بل تم القيام به لإتمام عمل آخر. فليس كل مباح أسلوباً، بل لا بد أن يكون مباحاً، ولا بد أن يكون تابعاً لأحكام الطريقة وليس لأحكام الفكرة.

مثال ذلك: ترتيب الجيش في معركة بدر، وموقع النزول بحيث جعلوا الماء خلفهم، وحفر الخندق حول المدينة، وإرسال نعيم بن مسعود للإيقاع بين اليهود ومشركي قريش، وعقد معاهدات حسن جوار مع قبائل اليهود حول المدينة، وتكليفه صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة وأبا سفيان بهدم اللات بدل أن يهدمها أهل الطائف، وإذنه بالهجرة إلى الحبشة.

كل ذلك من الأساليب التي يشرع لنا أن نعملها أو نعمل مثلها إذا لزمت لنا حسب ظروفنا، وليس مطلوباً منا شرعاً أن نعملها إذا كانت ظروفنا لا تحتاجها.

فالأسلوب هو عمل مشروع يقرّره نوع العمل الذي نقوم به.

وهذا كله هو ضمن الأعمال التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما خارج عمله عليه السلام، فإن كلمة (أسلوب) يمكن أن تطلق على أعمال محرّمة في بعض الحالات. فمثلاً السرقة حرام، ويمكن أن تتم السرقة بأساليب عدة: فيمكن كسر الباب أو نقب الجدار أو تسلقه. وهنا فإن الأسلوب يأخذ حكم العمل: فالعمل الحرام تكون كل الأساليب المؤدية إليه حراماً.

أما العمل الواجب فلا تكون كل الأساليب المؤدية إليه واجبة، بل ربما يكون بعضها مباحاً وربما يكون بعضها محرماً.

ربما يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن الأسلوب المباح الذي يكون أخذه بالخيار ليس من السنة، وهذا خطأ، فإن السنّة منها الواجب، ومنها المندوب إليه، ومنها المباح.

وكذلك فإن السنّة تعطينا أحكام التحريم وأحكام الكراهة. والمسلم حين يتّبع السنّة فإنه يعمل مثل عمل الرسول، على الوجه الذي عمله الرسول، لأجل عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فأنت حين تعمل المباح (أو تترك المباح) لأنك تعلم أن الشرع خيّرك في ذلك، فإنك تكون قد اتّبعت السنّة ولك الثواب.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...