حين تتزاحم القضايا فإن العقيدة هي التي تحدد الأولويات

[منذر عبدالله]

"القضية المصيرية"

 

إن بقاء الانسان وكل ما يقتضيه هذا البقاء من أمور هو الأساس في تحديد القضايا المصيرية. هذا بالنسبة للإنسان كإنسان بغض النظر عن وجهة نظره.

 

والذي يجعل قضايا الناس المصيرية تختلف وتتعدد هو المبدأ الذي يؤمنون به ثم الأوضاع والتحديات التي يواجهونها.

 

فالأمة الاسلامية بوصفها الاسلامي لديها قضية مصيرية حددتها العقيدة وعن هذه القضية تتفرع كل القضايا.

 

صحيح أننا نواجه تحديات كثيرة تنغّصُ عيشنا مثل قضية الجهل والفقر والمرض وإنعدام الأمن وإحتلال بعض البلدان كفلسطين وأفغانستان, إلا أن القضية السياسية الأولى والأساس التي تهدد بقائنا ومصيرنا كأمة إسلامية وبوصفنا مسلمين هي إقصاء الاسلام عن الحكم وغياب سلطانه.

 

وما ذكر من تحديات وقضايا مثل قضية فلسطين أو مشاكل الفقر والجهل والمرض وإنتشار الفساد السياسي والأخلاقي ليست إلا جزءاً من القضية الأساس وهي إنعدام حكم الاسلام وهدم دولته وغياب سلطانه.

 

حين تتزاحم القضايا وتكثر التحديات كما هو حالنا اليوم فلا بد من لحظة توازن وتفكير هادىء تمكننا من تحديد أمرين:

 

١-فهم الواقع بشكل عميق كي نتمكن من التمييز بين المشكلة ونتائجها, وبين المرض وعوارضه. كي نركز جهودنا وإمكاناتنا على معالجة المشكلة بدل الإلتهاء بنتائجها, ومعالجة المرض بدل الإشتغال بعوارضه.

 

٢-لا بد من الرجوع إلى العقيدة التي تحدد القضايا المصيرية وتحدد الأولويات في التعاطي معها.

 

إن التفكير المنهجي والمنظم بالشكل الذي أشرنا إليه سيؤدي إلى إدراك الأمة أن قضايا الأمية والفقر والمرض وإنعدام الأمن الإستراتيجي وضياع البلاد ونهب الثروات والفساد السياسي والأخلاقي, ليس إلا نتيجة لغياب حكم الاسلام وهدم دولته, وبالتالي تكون الأولوية في علاج تلك المشاكل كلها ومواجهة ما تفرضه من تحديات لتركيز الجهود على إقامة الخلافة الاسلامية التي تقيم حكم الله المنتج والعادل كمُقدمة ومدخل لعلاج كل مشاكل الأمة ومواجهة الأخطار والتحديات التي تواجهها.

 

وسيقودنا ذلك التفكير المنطقي الذي ينطلق من الحس السليم والفهم العميق الذي تتحكم فيه وجهة النظر الاسلامية إلى إدراك المسلمين حقائق الشرع الذي جعل قضية الأمة السياسية المصيرية هي إظهار الاسلام وإعادة سلطانه وإقامة حكمه, الأمر الذي تجسد في سَيْرِ النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه في مكة...فهو حين واجه أوضاعاً كالتي تواجهنا اليوم, من حكم للجاهلية وسيادة للكفر, قرر أن قضيته المصيرية والأساس هي إظهار الاسلام وجعله المتحكم في علاقات الناس. وحين إشتدت عليه ضغوط المشركين لثنيه عن دعوته وما تستهدفه من هدم للكفر وإظهار للاسلام, قال قولته المشهورة "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته"

قول النبي هذا فصل لا لبس فيه, القضية المصيرية التي إتخذ حيالها إجراء الحياة والموت "أهلك دونه" هي إظهار الاسلام "حتى يظهره الله" رغم أن تلك المجتمعات كانت تعاني من أمراض كثيرة, فلم يجعلها النبي عليه الصلاة والسلام أولويته, بل جعل ظهور الاسلام وقيام سلطانه وسيادة أفكاره وقيمه هي المدخل لصلاح كل شيء, وهكذا كان.

فحين أقيمت دولة الاسلام في المدينة وسادت فيها أحكامه وظهر سلطانه, إنْهارَ الشِّرك كله, وزالت آثاره, وهدمت كياناته حتى عمّ خير الاسلام أرجاء المعمورة.

 

أيها المسلمون: إن ما يحول دون خروجنا من مأزقنا ويؤخر نهضتنا ليس تفوق أعدائنا علينا, ولا إنعدام الدوافع المطلوبة للتغير في الأمة, ولم يعد يتمثل في جبن أو كسل, ولا هو في قلة الإمكانات...بل إننا والله نملك قدرات هائلة, ونواجه عدو جبان, ولدينا شباب تغلي الدماء في عروقه.

 

إنّ مشكلتنا والتحدي الأكبر الذي يعيق نهضتنا هو ضعف الإدراك وغياب الوعي...أجل والله...فحين ندرك أن القضية الأولى والمصيرية للأمة هي إقامة الخلافة وإظهار الاسلام وإعادة حكمه وسلطانه,فسيزول تخبطنا, وستتوحد جهودنا وستتركز أعمالنا وسَتُسَخَّر جلُّ إمكاناتنا لتحقيق هذه القضية بوصفها جماع كل القضايا والمدخل إلى علاجها ومواجهتها, ما يجعلنا نسير نحوا نهضتنا كالسهم الذي يسير بشكل سريع ومستقيم مخترقاً كل ما يواجهه إلى أن يصل هدفه.

 

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا, لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا )

 

منذر عبدالله

[منذر عبدالله]

أجل ... لا يوجد طاعة لله مهما عظمت تعدل العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله...وهذا يشمل كل العبادات الفردية من صلاة وصيام وحج وزكاة...لا يعني هذا الكلام أن تلك الفرائض غير مهمة, بل هي مهمة جداً, ولكن هناك ما هو أهمٌ منها وهو الحكم بما أنزل الله وسيادة شريعته واقامة حدوده, ومن يموت من المسلمين اليوم ولا يكون متلبساً بالعمل لاقامة الخلافة فإنه يموت ميتة جاهلية ولو كان مؤدياً لكل تلك الفرائض لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" أي مات ولم يكن في رقبته بيعة لخليفة للمسلمين يحكم بالاسلام.

 

ولا يعني كلامنا ان العمل لاستئناف الحياة الاسلامية يُسقط الالتزامات الفردية من صلاة وصوم وحج,أو يعوض عنها, بل هي واجبة على كل بالغ عاقل وقادر, ولكنها جزء من الاسلام وليست كل الاسلام. وهي أركان الاسلام بالنسبة للفرد وليس بالنسبة للأمة والجماعة والدولة, فالأركان بالنسبة للأمة والتي يشكل كل فرد جزء منها, هي العقيدة والحكم بالاسلام والجهاد في سبيل الله, وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الحاكم المسلم بالمعروف.

 

ثم إن الأمر الأهم هو أن الكثير من المسلمين لا يؤدون تلك الفرائض لغياب الحكم الاسلامي الذي يثقفهم ويوجههم ويحاسبهم عليها, والكثير ممن يؤدونها إنما يؤدونها خطئاً لجهلهم بأحكامها وقد رأينا ذلك في مواسم الحج بأنفسنا.

 

من شرّفه الله بالعمل لاقامة حكمه في الأرض, من خلال إعادة الخلافة الاسلامية, فانه ينال شرف أعظم عمل على الاطلاق في حياة البشرية... إنه عمل الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام, ولا يمكن لمسلم أن يباشر عملا في أي وقت آخر أن يصل بالأجر والفضل الى ما يصل اليه هؤلاء الذين يقام الدين ويعاد حكمه على أيديهم. لأنهم يكونون سبباً للحكم بالاسلام, واقامة حدوده, والجهاد في سبيله وحماية ثغوره. بل لأنهم يكونون سبباً لصلاح الكون كله.

 

بل يستمر أجر وثواب من قامت الخلافة على يديه ما دامت الخلافة قائمة تطبق الشرع وتنشر الاسلام وتقيم الحدود وتجاهد في سبيل الله...أجرٌ لا ينقطع ولا يتوقف...فمن يبلغ مننزلة هؤلاء؟ إلا من سبقهم من الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه, والصحابة الكرام رضي الله عنهم.

 

إن من يكافح الحكام والمستعمرين اليوم لاعادة احياء دينه ونهضة أمته ورفع لواء ربه لا يعدل أجر وثواب عمله أي عمل.

 

(ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)

 

(أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر)

 

منذر عبدالله

تم تعديل October 7, 2013 بواسطه منذر عبدالله