اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

الليبرالية تناقض نفسها


أبو مالك

Recommended Posts

الليبرالية تناقض نفسها

 

وأما الليبرالية، فإنها وقعت في تناقض آخر، فهي لا تعترف بمرجعية ليبرالية مقدسة؛ لأنها لو قدست أحد رموزها إلى درجة أن يتحدث بلسانها، أو قدست أحد كتبها إلى درجة أن تعتبره المعبر الوحيد أو الأساسي عنها، لم تصبح ليبرالية، ولأصبحت مذهبا من المذاهب المنغلقة على نفسها، مع اتفاق الليبراليين على أهمية حرية الفرد.

مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإ...نسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وفردانية الإنسان. الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين. وكل ليبرالي فهو مرجع ليبراليته. وتاريخ الليبرالية مشحون بالتجارب الليبرالية المتنوعة، ومن حاول الإلزام سقط من سجل التراث الليبرالي.

فالليبرالية إذن تتناقض مع العلمانية، في أنها تكرس قيما إنسانية، مع أن العلمانية لا تقف في وجه الليبرالية، إلا إن كان مصدر هذه القيم دينيا أو أخلاقيا، لعداء العلمانية للدين، فهي تغض الطرف عن القيم التي تقدس حرية الانسان،

والليبرالية لا تمنع في فلسفتها الذاتية أن يكون مصدر القيمة التي تحقق الحرية والكرامة والحقوق القانونية للانسان، أن يكون مصدرها دينيا، أو غير ذلك، طالما أنها تحقق هذه القيم، لذلك لا ترى بأسا في أن يكون الليبرالي مسلما أو نصرانيا، طالما هو يحقق هذه القيم.

وهي في هذا لا تؤطر لفلسفة تبين كيفية تحقيق هذه القيم، فمن رآى تحقيقها من خلال قيم أساسها ديني فله ذلك، وهذا فيه تناقض بغيض

إذ أن ثقافة أمة ما، وحضارتها، إنما تقوم على أسس تحدد لمن يتحضر بهذه الحضارة وجهة نظر في الحياة، قد تكون هذه الأسس نتاج عقيدة عقلية كما هو الحال في العقيدة الاسلامية أو في العقيدة الرأسمالية، أو قد تكون هذه الأسس نتاج موروثات من العادات والتقاليد والنظم التي يحيا عليها مجتمع ما، أو بمفاهيم اعتنقها أصحاب القوة في مجتمع ما، وفرضوها على الناس، فتمثلت في حياتهم، فإن فشل أصحاب القوة في إقناع الناس بها، بقيت تركيبة مجتمعهم هشة لا تتحول مع هشاشتها هذه الأفكار إلى أن تكون حضارة، كحال الشيوعية في نموذج الاتحاد السوفياتي البائد، وفي كلتا الحالتين الأوليين، حددت له حضارته وجهة نظر في الحياة، ومفهوما معينا للسعادة، ومقاييس يقيس عليها سلوكه وتصرفاته، وبالتالي فلا بد لكل حضارة من مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المنبثقة عن عقيدتها، وآيديولوجيات ذات منطلقات محددة مترابطة نشأت نتاج حل العقدة الكبرى، فهي ومصطلحاتها ومفاهيمها المنبثقة عن عقيدتها كل منسجم يهدف إلى إيجاد نمط معين من العيش يحياه من يؤمن بهذه الحضارة.

فالليبرالية إذ منعت انغلاق نفسها على نفسها، ومنعت نفسها من أن تكون مذهبا منغلقا منضبطا، منعت نفسها من أن تشكل منظومة فكرية متجانسة تسعى إلى إيجاد نمط معين من العيش له مفاهيمة وآلياته وعقيدته ذلك الكل القائم على أسس مترابطة تحقق للانسان نمطا معينا من العيش،

فما هو شكل الانسان الذي يعيش تناقضات في قيمه، فمن قيمة أساسها العلمانية، إلى قيمة أساسها الانسانية إلى قيمة أساسها الاسلام، كيف له أن يحقق سعادة وأسس هذه القيم متناقضة، فهو إذ لا يسرق لأن السرقة حرام، يزني لأن الزنا يحقق له الحرية، ويرى منع تدخل الاسلام في نظام حياته إلا أنه لا يسرق لأن السرقة حرام! فيرى منع الاسلام من أن يصوغ قيمة إلا أن بعض قيمة قائمة على أساس الاسلام، كيف سيتجانس تفكير هذا الانسان ويفضي به إلى السعادة والطمأنينة، بل كيف سيكون انسانا يحترم عقله!

كيف سيبقى احترامه والتزامه لبعض هذه القيم إذ تناقض بعضها بعضا؟ فهل سيغلب عليه منع الدين من صياغة قيمه فيتخلى عن فكرة تحريم السرقة؟ أم سيلغي منع تدخل الدين، فيحرم على نفسه الزنا؟ إذن فهذا سيفضي إلى صياغة الانسان المتقلب المتناقض فكريا وسلوكيا!

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...