اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

القرآن طراز خاص من الكلام، ليس بالشعر ولا بالنثر


Recommended Posts

القرآن طراز خاص من الكلام، ليس بالشعر ولا بالنثر

 

 

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)﴾، فنفى نفيا قاطعا أن يكون القرآن شعرا.

وقال جل وعلا: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)﴾، فنفى عنه أن يكون كسجع الكهان.

يقول أبو حيان: (وأحسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه... وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم) ويقول أيضا: ( إذا نظر في النظم والنثر على استيعاب أحوالهما وشرائطهما.. كان أن المنظوم فيه نثر من وجه، والمنثور فيه نظم من وجه، ولولا أنهما يستهمان هذا النعت لما ائتلفا ولا اختلفا)

يُعد أبو حيان من أول من اهتدى إلى حقيقة النثر الفني وحلل مقوماته الجوهرية تحليلا يتصف، على إيجازه، بالدقة والعمق.

كذلك بيّن أهمية كل من عنصري العقل والموسيقى في النثر الفني، ومن رأي التوحيدي أن الشعر لا يختص وحده بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني.

إن المتأمل المدقق يجد أن الشعر والنثر، كلاهما يسيران وفق أصول البلاغة، فيحصل فيهما التقديم والتأخير، والتصوير الفني، وإثارة المخيلة، وقد تجد فيها الالتفات والتجنيس، وقد تسري فيهما موسيقى معينة، تنضبط على نحو معين في الشعر، وتسري في هيكل النص النثري على نحو آخر، وقد تحصل التقفية في الشعر، والسجع في النثر،

وزيادة على ذلك، فإن الشعر الجيد كما النثر الجيد، معيار الجودة فيهما ليس مجرد الموسيقى، ولا الأخيلة، ولا المعاني التي تنقلها، بل فوق ذلك تكون الجودة فيهما بارتقائهما في معارج البلاغة والبيان، وحسن اختيار اللفظ، وموقعه من الجملة، وقوة أدائه للمعنى، وأداء المعنى بأسلوب جميل مؤثر، فيتفوق شاعر على آخر، وناثر على شاعر، وشاعر على ناثر، فلا فضل لهذا على هذا لمجرد أن كلامه جرى على وفق بحور من الشعر أجراه مجراها، فرب شاعر ليس له من العلاقة بالشعر إلا اسم لا يصح أن يطلق عليه بلاغة، وإن أطلق عليه نظما!

لكن هذين الطرازين من الكلام، أتى بمثلهما البشر، وتفاوتت قدراتهم في قولهما، إلا أنهم استطاعوا أن يقولوا كلاما على منوالهما، فتجد الشاعر يفاخر شاعرا آخر، فيتفوق عليه أو يضاهؤه، وبالمثل يستعمل الناثر أفانين النثر المرسل أو النثر المسجع، وتستطيع مقارنة نتاجه الأدبي بآخر استعمل عين الأسلوب،

إلا أننا نجد أن أحدا من البشر لم يستطع أن يأتي بثلاث جمل تتألف من عشر كلمات على طراز النظم القرآني، فلم يحاكه شاعر، ولم ينثر على منواله ناثر!!

وكون القـرآن طـرازاً خاصاً ونسيجاً منفرداً واضح فيه كل الوضوح، فلا هو بالشعر، ولا هو بالنثر، وإنما هو طراز خاص ونسيج منفرد لا يضاهى بمثال، ويسمو على كل مقال.

فقد روى مسلم ( 2473 ) من حديث أبي ذر رضي الله عنه: قصة إسلامه وإسلام أنيس أخيه، وفيها قال: (فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني - أي: ابق مع أمي - فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث عليَّ، ثم جاء، فقلت ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر؛ وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - (أي على أنواع الشعر وطرقه وأوزانه، واحدها: قَرْء ) - فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر - أي: إنه ليس بشعر - والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون... ).

قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: ومعنى الكلام: أنه لما اعتبر القرآن بأنواع الشعر: تبيَّن له أنه ليس من أنواعه، ثم قطع: بأنه لا يصح لأحد أن يقول: إنه شِعر .

ومما قاله طه حسين عن القرآن:

"ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم، ليس شعراً، وهذا وضع، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثراً؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، فهو ليس شعراً، ولا نثراً، ولكنه: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾، فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعراً.

كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً"...

"وأراح الخطباء والكتاب أنفسهم من هذه المحاولة التي كانت في نفسها مستحيلة، والتي كانت تعد مروقا وخروجا على الدين"

"وأنتم تعلمون أن أهم الأسباب للإنتاج الأدبي إنما هي المحاكاة، فإذا قال الشاعر البليغ قصيدة وأعجب الناس بها فمنهم من يرويها، ومنهم من لا يكتفي بهذه اللذة، بل يحاول أن يحاكيها ويأتي بأمثالها. وعلى هذا النحو ينتج الشعر، ويكون للشعراء تلاميذ ومقلدون".

"فمن هذه الناحية نستطيع أن نطمئن إلى أن القرآن لم يجد له مقلدا ولم يجد له تلميذا، هو وحيد في بابه لم يسبق ولم يلحق به ما يشبهه".

"وإذن فمن الحق أن نضع القرآن في مقامه الخاص الذي لا يصح أن يقاس به شيء آخر". .

وذكر " عيسى بن علي الرماني " ( متوفى 386 هـ ) في رسالته "النكت في إعجاز القرآن" أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: "وأما نقض العادة: فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة"

وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني، فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله: "إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك: لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب" انتهى .

فبينما تجد القرآن الكريم يقول: ﴿وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)﴾ ويقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ مما هو نثر قـريب من الشـعـر، إذ لو نظمت الآيتان لكانتا بيتين من الشعر هكذا:

ويـخـزهم وينـصـركم عليهم

لــن تـنـــالـوا الـبـر حـتـى ويشـف صـدور قـوم مؤمنـين

تـنــفــقـوا مـمــا تـحـبـون

ولكنهما ليسا شعراً وإنما هو نوع من النثر فريد.

وفي الوقت الذي تجد القرآن يقول هذا النوع الفريد من النثر تجده يقول: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)﴾ مما هو نثر بعيد عن الشعر كل البعد. وبينما تجده يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)﴾، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾ فيطيل الفقرة والنفس في النثر، تجده يقول: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)﴾ فيقصر الفقرة والنفس في النثر. مع أن كلاً منهما نثر في فقرات فقرات. وبينما تجده يبدع في النثر المرسل فيرسل في القول فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)﴾ تجده يبدع في النثر المسجع ويسجع فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾ وتجده يتسامى في الازدواج ويزدوج فيقول: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾ وتجده يطيل الازدواج فيقول: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)﴾ وبينما يسير في سجعة معينة إذا هو يعدل عنها إلى سجعه أخرى، فبينما يكون سائراً بالسجع هكذا: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾ إذا هو يعدل في الآية التي بعدها مباشرة فيقول: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)﴾ ثم يعدل عن هذه السجعة إلى غيرها في الآية التي بعدها مباشرة فيـقـول: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾ .

إن نظم القرآن مبني على وفرة الإفادة وتعدد الدلالة، فجمل القرآن لها دلالتها الوضعية التركيبية التي يشاركها فيها الكلام العربي كله، ولها دلالتها البلاغية التي يشاركها في مجملها كلام البلغاء ولا يصل شيء من كلامهم إلى مبلغ بلاغتها.

ولها دلالتها المطوية وهي دلالة ما يذكر على ما يقدَّر اعتمادا على القرينة، وهذه الدلالة قليلة في كلام البلغاء وكثرت في القرآن مثل تقدير القول وتقدير الموصوف وتقدير الصفة.

ولها دلالة مواقع جُمَلِهِ بحسب ما قبلها وما بعدها، ككون الجملة في موقع العلة لكلام قبلها، أو في موقع الاستدراك، أو في موقع جواب سؤال، أو في موقع تعريض أو نحوه. وهذه الدلالة لا تتأتى في كلام العرب لقصر أغراضه في قصائدهم وخطبهم بخلاف القرآن، فإنه لما كان من قبيل التذكير والتلاوة سمحت أغراضه بالإطالة، وبتلك الإطالة تأتى تعدد مواقع الجمل والأغراض.

مثال ذلك قوله تعالى ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)﴾ بعد قوله ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ فإن قوله ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إلى آخره مفيد بتراكيبه فوائد من التعليم والتذكير، وهو لوقوعه عقب قوله ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ﴾ واقع موقع الدليل على أنه لا يستوي من عمل السيئات مع من عمل الصالحات في نعيم الآخرة .

وهـكـذا تتبع جميع القرآن لا تجده ملتزماً شيئاً مما في أسلوب العرب من شعر أو نثر على مختلف أنواعهما ولا يشبه أي قول من أقوال العرب، ولا يشبهه أي قول من أقوال البشر.

وهكذا تجد القرآن طرازاً خاصاً، وتجده ينـزّل كل معنى من المعاني في اللفظ الذي يليق به، والألفاظ التي حوله، والمعاني التي معه، ولا تجد ذلك يتخلف في أية آية من آياته. فكان إعجازه واضحاً في أسلوبه من حيث كونه طرازاً خاصاً من القول لا يشبه كلام البشر ولا يشبهه كلام البشر. ومن حيث إنزال المعاني في الألفاظ والجمل اللائقة بها، ومن حيث وقع ألفاظه على أسماع من يدرك بلاغتها ويتعمق في معانيها فيخشع حتى يكاد يسجد لها، وعلى أسماع من لا يدرك ذلك فيأسره جرْسُ هذه الألفاظ في نسـق معجز يخشـع له السامع قسراً ولو لم يدرك معانيه. ولذلك كان معجزة وسيظل معجزة حتى قيام الساعة .

وحتى هذه الآيات التي جرت مجرى النثر المرسل أو النثر المسجع، امتازت عن أي نثر مسجع أو مرسل امتيازا بلاغيا جعلها آية من المستحيل الإتيان بما يضاهؤها، فكأنما كان الأمر من باب الإمعان في التحدي، بأن يجري في الكلام في بعض المواطن على طرائق معهودة في كلام العرب، ثم يثبت لهم عجزهم حتى عن الاقتراب من حماها!! فكان البون شاسعا بين أسلوب النثر المسجوع أو المرسل أو المزدوج الذي قالته العرب، وبين تعبير القرآن، فلم يحسن إلا أن يقال بأنه نظم خاص.

 

 

 

إعجاز القرآن الكريم - فأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ Miracles Of The Quran

رابط هذا التعليق
شارك

  • 3 weeks later...

وكان لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من شعراء الجاهلية، أدرك الإسلام فحسن إسلامه وترك قول الشعر في الإسلام، سأل عمر في خلافته عن شعره واستنشده، فقرأ سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتا من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران، فأعجب عمر قوله، وكان عطاؤه ألفين فزاده خمسمائة. وقد قال كثير من أهل الأخبار: إن لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم.

وهذا يدلنا على الفرق الهائل بين الشعر وبين القرآن الكريم، إذ أن أعظم الشعراء أدركوا أن بيانهم وبلاغتهم وفصاحتهم ليست بشيء إذا ما قورنت بأصغر سورة من كتاب الله، فأعجزتهم، وقد اعتادوا في الجاهلية أن يتسابقوا أيهم أشعر، وأيهم أبلغ، لينالوا الدرجات العلى من الفخار بذا، فالآن وقد عرفوا القرآن الكريم، وقارنوا ما لديهم من البلاغة بالقرآن فقعد من قعد منهم وترك هذا التسابق في مضمار الشعر، ليتسابق في ميدان الخيرات، وانتقل الشعر بعد ذلك لفضاء آخر من الأغراض ونظرة الناس إليه.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...