اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

بعض لطائف سورة الفاتحة


Recommended Posts

بعض لطائف سورة الفاتحة

 

بداية السورة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ وهذه أول كلمات المصحف، يقابلها آخر كلمات سورة الناس ﴿مِنَ الجنَّةِ والنَّاسِ﴾ ابتدأ تعالى بالعالمين وختم بالجنة والناس بمعنى أن هذا الكتاب فيه الهداية للعالمين وكل م...خلوقات الله تعالى من الجنة والناس وليس للبشر وحدهم أو للمسلمين فقط دون سواهم.

آخر سورة الفاتحة قوله تعالى ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ وجاءت سورة البقرة بعدها تتحدث عن المغضوب عليهم (بني إسرائيل) وكيف عصوا ربهم ورسولهم وجاءت سورة آل عمران لتتحدث عن الضَّالِّينَ (النصارى).

وآخر كلمات سورة الفاتحة الدعاء جاءت مرتبطة ببداية سورة البقرة ﴿هُدَى للمُتَّقِينَ﴾ فكأن ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ في الفاتحة هو الهدى الذي ورد في سورة البقرة.

أحكام التجويد في سورة الفاتحة جاءت ميسرة وليس فيها أياً من الأحكام الصعبة وهذا والعلم عند الله لتيسير تلاوتها وحفظها من كل الناس عرباً كانوا أو عجمًا .

تضمنت أصولاً عظيمة: أولها التخلية عن التعطيل والشرك بما تضمنه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. الثاني التخلي عن خواطر الاستغناء عنه بالتبرىء من الحول والقوة تجاه عظمته بما تضمنه ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. الثالث الرغبة في التحَلي بالرشد والاهتداء بما تضمنه ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. الرابع الرغبة في التحلي بالأسوة الحسنة بما تضمنه ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾. الخامس التهمم بالسلامة من الضلال الصريح بما تضمنه ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾. السادس التهمم بسلامة تفكيرهم من الاختلاط بشبهات الباطل المموَّه بصورة الحق وهو المسمى بالضلال لأن الضلال خطأ الطريق المقصود بما تضمنه ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾.

رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين أربع قواعد للمقدمة: القاعدة الأولى إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسَبوا إلى العِي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة. الثانية أن تشير إلى الغرض المقصود وهو ما يسمى براعة الاستهلال لأن ذلك يهيىء السامعين لسماع تفصيل ما سيرد عليهم فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأن ذلك يدل على تمكن الخطيب من الغرض وثقته بسداد رأيه فيه بحيث ينبه السامعين لوعيه، وفيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم. وقد تقدم بيان اشتمال الفاتحة على هذا عند الكلام على وجه تسميتها أم القرآن. الثالثة أن تكون المقدمة من جوامع الكلم وقد بين ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها. الرابع أن تفتتح بحمد الله. .

﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، لم لم يذكر الدنيا؟ سواء كان مالكا أو ملكا فلماذا لم يقل مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ والدنيا؟ أولا قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ فهو مالكهم وملكهم في الدنيا، ونستفيد ذلك من معنى الرب وهو المالك، وهذا شمل الدنيا. ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ هو مالك يوم الجزاء يعني ملك ما قبله من أيام العمل -والعمل يكون في الدنيا- كذلك، أصل كلمة الدين: جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان لـه يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون، تنقاد الخلائق للقاء ربها للحساب على أعمالها، كما تدين تدان، فكان اختيار لفظة الدين بعد قوله تعالى ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ ليذكر الإنسان جانب الشدة، والانقياد والحساب بين يدي رَبِّ العَالَمِين فيحسن العمل في الدنيا، قال ابن عاشور: فإنه لما وصف تعالى بأنه ﴿رب العالمين الرحمن الرحيم﴾ وكان ذلك مفيداً من التنبيه على كمال رفقه تعالى بالمربوبين في سائر أكوانهم، ثم التنبيه بأن تصرفه تعالى في الأكوان والأطوار تصرف رحمة عند المعتبر، وتصرفات الأمر والنهي المعبر عنها بالتشريع الراجع إلى حفظ مصالح الناس عامة وخاصة، وكان معظم تلك التشريعات مشتملاً على إخراج المكلف عن داعية الهوى الذي يلائمه اتباعه وفي نزعه عنه إرغام له ومشقة، خيف أن تكون تلك الأوصاف المتقدمة في فاتحة الكتاب مخففاً عن المكلفين عِبءَ العصيان لما أمروا به ومثيراً لأطماعهم في العفو عن استخفافهم بذلك وأن يمتلكهم الطمع فيعتمدوا على ما علموا من الربوبية والرحمة المؤكَّدة فلا يخشوا غائلة الإعراض عن التكاليف، لذلك كان من مقتضى المقام تعقيبه بذكر أنه صاحب الحُكم في يوم الجزاء.

ولذلك اختير هنا وصف ملك أو مالك مضافاً إلى يوم الدين. فأما ملك فهو مؤذن بإقامة العدل وعدم الهوادة فيه لأن شأن الملك أن يدبر صلاح الرعية ويذب عنهم، ولذلك أقام الناس الملوك عليهم. ولو قيل رب يوم الدين لكان فيه مطمع للمفسدين يجدون من شأن الرب رحمة وصفحاً، وأما مالك فمثل تلك في إشعاره بإقامة الجزاء على أوفق كيفياته بالأفعال المجزى عليها. .

لم قال ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ ولم يقل يوم القيامة؟ بالإضافة لما ذكرناه آنفا، الدين بمعنى الجزاء، ويشمل الحساب والطاعة والقهر والسياسة وكلها من معاني الدين وكلمة الدين أنسب للفظ رَبِّ العَالَمِين وأنسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو أنسب من يوم القيامة لان القيامة فيها أشياء لا تتعلق بالجزاء أما الدين فمعناه الجزاء لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.

تبدأ السورة ب﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين، ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وهذه كلها من أسلوب المخاطبة بضمير الغائب ثم انتقل، الى الخطاب المباشر، أي بضمير المخاطَب الحاضر، بقوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. فلو قسنا على سياق الآيات الاولى لكان أولى القول إياه نعبد واياه نستعين. فلماذا لم يقل سبحانه هذا؟ من أفانين الكلام الالتفات وهو نقل الكلام من الخطاب بضمير المخاطب أو الغائب أو المتكلم، إلى طريق آخر منها. وهو بمجرده معدود من الفصاحة، وسماه ابن جني شجاعة العربية لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة وكان معدودا عند بلغاء العرب من النفائس، وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى كثرة مع دقة المناسبة في الانتقال؛ وللالتفات فائدة عامة وفائدة في المقام، أما الفائدة العامة فهي تطرية لنشاط السامع وتحريك الذهن للاصغاء والانتباه، أما الفائدة التي يقتضيها المقام فهي إذا التفت المتكلم البليغ يكون لهذه الالتفاتة فائدة غير العامة مثالها: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)﴾ (يونس) لم يقل وجرين بكم، فيها التفات لانهم عندما ركبوا في البحر وجرت بهم الفلك أصبحوا غائبين وليسوا مخاطبين . وعندما قال سبحانه ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ فهو حاضر دائما فنودي بنداء الحاضر المخاطب، الكلام من أول الفاتحة إلى ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كله ثناء على الله تعالى والثناء يكون في الحضور والغيبة والثناء في الغيبة أصدق وأولى أما ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فهو دعاء والدعاء في الحضور أولى وأجدى اذن الثناء في الغيبة اولى والدعاء في الحضور أولى والعبادة تؤدى في الحاضر وهي أولى .

أمر آخر بخصوص الالتفات هنا، وهو أن الإنسان إذ يشرع في الصلاة فإنه عادة يأتي وذهنه منشغل بأمور الدنيا، وتأخذه الصلاة نحو الخشوع شيئا فشيئا، حتى إذا وصل إلى اخلاص العبادة لله وحده، وإخلاص الاستعانة بالله وحده، كان قلبه قد استحضر لقاء ربه، فحسن أن يخاطبه بضمير المخاطب بعد أن كان يخاطبه بضمير الغائب،

وأمر آخر، وهو لتحقيق فائدة الاخلاص في العبودية وفي الاستعانة، ولذا كان الضمير فيهما للمخاطب.

لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق او السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الاوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق اي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول اسبلت الطريق اذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة الصراط تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف الصراط من صرط كانه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكانه يبتلعهم من سعته).

خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها الى آخرها فمن لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال، ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه وتعالى ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ومَلِكُهِ ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد الى الصراط المستقيم؛ فهم جميعا مغضوب عليهم وضالون.

ننظر أين وردت ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ كاملة في القرآن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ في بداية الفاتحة بعد البسملة معناه بداية عمل؛ وفي نهاية سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة أي إنتهاء الحياة ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين (182)﴾ النهاية؛ وكذلك في نهاية سورة الزُّمَر، بعد انقضاء يوم القيامة، ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين (75)﴾ والأنعام ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين (45)﴾ إذن فهي ترد كاملة في مواقف على شاكلة: نهاية الحياة، بداية الفاتحة (بداية كتاب الله)،، وفي آخر الدعاء. ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين (10)﴾ يونس هذا يوم القيامة في الجنة. وفي سورة غافر ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين (65)﴾ هنا في الدنيا، فكأنما المعنى: الحمد لله في الأولى والآخرة. أي ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ في البدء وفي الختام. . فليحرص الداعي أن يختم دعاءه ب﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...