اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

تكرار حرف أو ضمير في القرآن الكريم


Recommended Posts

تكرار حرف أو ضمير في القرآن الكريم

 

نقفُ اليومَ مع آيةٍ تمَّ فيها توظيفُ الأدواتِ النحوية كاللامِ أداةً مستقلةً، أو جزءاً من أداة، وتوظيفُ ضمائرِ الغائبِ المفردِ والجمعِ، وهي الآيةُ الثامنةَ عشْرَةَ من سورة الرعد: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).

 

فنجدُه استخدمَ حرفَ التعريفِ (ال) في أربعِ كلماتٍ: (الحسنى، الأرض، الحساب، المهاد).

ونجدُهُ استخدمها في الاسم الموصول (الذين)، مرتين.

ونجدُهُ استخدمها حرفَ جرٍّ خمس مراتٍ: (للذينَ، لربهم، له، لهم، لهم).

ونجدُهُ استخدمها في حرفِ النفي والجزمِ (لم).

ونجدُه استخدمها في حرفِ الشرطِ (لو).

ونجدُهُ استخدمها في جواب الشرط (لافتدوا).

ونجدُه استخدمها في اسم الإشارة (أولئك).

 

فهذه خمسةَ عشَرَ موضعاً استخدمَ فيها اللامَ، أداةً نحويةً أو جزءاً من أداة.

ونجدُه استخدمَ المقابلةَ بين التعبيرين: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) والتعبير: (والذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم...).

 

وكذلك المقابلة بين: (لو أنّ لهم ما في الأرض..) والتعبير (أولئك لهم سوء الحساب). فعلى افتراض أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه، وهو ممتنع بدلالة أداة الشرط (لو) الدالة على امتناع الجواب لامتناع الشرط، لكنّ الحقيقةَ أنَّ لهم سوءَ الحسابِ، ومأواهم جهنمُ وبئسَ المهاد.

 

وحرفُ اللامِ حرفٌ متوسطٌ في مخرجِه، حرفٌ منفتحٌ مرققٌ، ذَلِقٌ، مجهورٌ استمراريٌّ، جمعَ بينَ صفاتِ الجمالِ بجهرِه، والسهولةِ في النطقِ باستمراريتِهِ وترقيقِهِ.

 

ونلاحظُ في الآيةِ أيضاً استخدامُ الهاء أصليةً في كلمةٍ أو ضميراً للغائب أوالغائبِينَ، حيث وردت أصليةً في موضعين: (جهنم، المهاد).

 

أما ورودُها ضميراً فوقع ضميراً للغائب المفرد في أربعةِ مواضعَ: ( لم يستجيبوا له، ومثلَهُ، معَهُ، به)، حيثُ يعودُ الضمير في الموضعِ الأولِ إلى لفظ (ربِّ)، ويعودُ في المواضعِ الثلاثةِ الأخرى إلى (ما في الأرضِ)، أظهرَهُ في المرةِ الأولى إشعاراً به، ثم أضمرَهُ في المراتِ الثلاثةِ التالية، فلا حاجةَ لإظهارِهِ، فضلاً عن تقليلِ قيمتِهِ بالنسبةِ لما في يوم القيامةِ من العذابِ للكافرينَ، والعطاءِ للمؤمنين.

 

ووقعت الهاء في ضمير الغائبين الجماعة في أربعةِ مواضعَ، (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ، لَوْ أَنَّ لَهُم، أُوْلَـئِكَ لَهُمْ، وَمَأْوَاهُمْ) فنجدُ الضميرَ الأولَ منها عائداً إلى الذين استجابوا لربهم، أما الضمائرُ الثلاثةُ الأخرى فكلُّها عائدةٌ للذينَ لم يستجيبوا لربهم.

 

وعليه فقد استخدِمَ ضميرُ الغائبِ المفردِ أربعَ مرات، في الأولى يعود لشيءٍ، وفي الثلاث الأخر يعودُ لشيءٍ آخر، وكذلك استخدِمَ ضميرُ الغائبِ للجماعةِ أربعَ مراتٍ، في الأولى يعودُ لشيءٍ، وفي الثلاثِ الأخرِ يعودُ لشيءٍ آخر، وهكذا تبدو براعةُ الاستخدامِ والتوظيفِ لهذين الضميرين كما بينّا.

 

والهاءُ مع أنه حرفٌ حلقيٌّ يخرجُ من أقصى الحلقِ، لكنه لم يقعْ ساكناً في الآيةِ في دَرْجِ الكلامِ وصلاً، بل متحركاً، وتَحَرُّكُ حرفِ الهاءِ في الوصلِ يُقَلِّلُ منَ كميةِ الهواءِ المستخدمَةِ في نطقِهِ، فلا توجدُ صعوبةٌ في نطقِهِ، وهو حرفٌ استمراريٌّ مهموسٌ مرققٌ منفتحٌ، سهلُ النطقِ خاصةً معَ تَحَرُّكِهِ. ومعَ أنّه حرفٌ ضعيفٌ لكنّه تَقَوَّى في الآيةِ في مواضعِهِ كلها بمجاورتِهِ لمجهورٍ كالباء واللامِ والميمِ والعين والألفِ المدّيةِ، وفي كلِّ مواضعِ ورودِهِ وقعَ بينَ مجهورينِ، تقويةً له.

 

ونلاحظُ التجانسَ الجزئيَّ في الجارِّ والمجرورِ (لَهُ)، والنصفِ الثاني في كلمة (مِثْلَهُ).

 

ونلاحظُ أيضاً توظيفَ حرفِ الواو، فقد وقعَ لجماعةِ الغائبين في ثلاثةِ مواضع: (استجابوا، يستجيبوا، لافتدوا).

 

ووقعَ حرفَ عطفٍ أربعَ مرات: (والذينَ لم يستجيبوا، ومثلَه معَه، ومأواهم، وبئسَ).

 

ووقعت أصليةً في ثلاثةِ مواضعَ: (لو، سوء، مأواهم).

 

وتنشأُ واوٌ حينَ إشباعِ ضمةِ الهاءِ في المواضعِ الثلاثةِ: (لهُ= لهو، مثلَهُ=مثلهو، معَهُ=معهو)

 

والواوُ سواءٌ أكانَ حرفَ مدٍّ، أمْ حرفَ لينٍ، حرفٌ مجهورٌ استمراريٌّ مرقَّقٌ منفتحٌ، سهلُ النطقِ وجميلُ الوقعِ على الأذنِ والسمْعِ.

 

وجواباً على سؤالٍ يردُ غالباً، حول مثل تلك التكرارات، فنقول إن في مثل هذه الحالات يخطئ كثير من الناس، وربما كبار الشعراء، فيقعون في ما يسمى في النقد العربي بـ (المعاظلة اللفظية)، حيث يؤدي تكرار حرف أو كلمة أو أداة إلى تراكُبٍ يشينُ النظم البشري، فيصبح من الصعوبة بمكان قراءة الكلام المتعاظل، فمما عابه النقاد على أبي تمام، وهو من كبار الشعراء، قوله:

 

كأنه لاجتماع الروح فيه له ** في كل جارحةٍ من جسمه روح

 

فانظر إلى ثقل النطق في نهاية الشطر الأول من البيت (فيه له)، وانظر إلى قوله تعالى في سورة يس: (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ) حيث تتالى ضمير الغائب للجمع (هم) ثلاث مرات، وانظر إلى الجمال الصوتي والسمعي الذي أضافه هذا التكرار.

 

واقرأ بيت أبي الطيب المتنبي في وصف الفرس:

 

وتسعدني في غمرةٍ بعد غمرةٍ ** سبوحٌ لها منها عليها شواهد

 

فقد وصفه ابن الأثير في كتابه المثل السائر بأنه: (من الثقيل الثقيل الثقيل).

 

واقرأ أيضاً قول المتنبي:

 

تبيت وفودهم تسري إليه ** وجدواه التي سألوه اغتفار

فخلفهم برد البيض عنهم ** وهامهم له معهم معار

 

يقول عنه ابن الأثير: (وقوله وهامهم له معهم مما يثقل النطق به، ويتعثر اللسان فيه، لكنه أقرب حالاً من الأول).

 

أما عن تكرار الحروف، فيورد النقاد أبياتاً كثيرة ثقل فيها تكرار حرف معين أو أكثر، فمن ذلك قول أحدهم:

 

وقبر حربٍ بمكانٍ قفر ** وليس قرب قبر حربٍ قبر

 

فلو أراد قارئ أن يقرأه بسرعة لتعثر مرة ومرة ومرة.

 

لكن انظر إلى قوله تعالى في الآيتين ذواتي القافات العشر، الأولى الآية السابعة والعشرون من سورة المائدة: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، والثانية الآية الحادية والثمانون بعد المئة من سورة آل عمران: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)، فاقرأ الآيتين وتأمل جمال نطق حرف القاف المتكرر عشر مرات في كل آية منهما.

 

ومنه قول الحريري في مقاماته:

 

وازور من كان له زائراً ** وعاف عافي العرف عرفانه

 

فانظر تكرار حرف العين مع الفاء أربع مرات في الشطر الثاني من البيت، ولاحظ صعوبة نطقه، وانظر إلى قول الله تعالى في الآية الثالثة من سورة التحريم: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) وانظر إلى جمال تكرار حرف العين فيها ست مرات. واقرأ قول الله تعالى في الآية الثانية والستين من سورة يوسف: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وانظر إلى جمال تكرار حرف العين ست مرات ، وتكرار اللام عشر مرات فيها.

 

يقول ابن الأثير في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: (ويحكى عن بعض الوعاظ أنه قال في جملة كلام أورده: جنى جنات وجنات الحبيب، فصاح رجل من الحاضرين في المجلس وماد وتغاشى، فقال له رجل كان إلى جانبه: ما الذي سمعته حتى حدث بك هذا؟ فقال: سمعت جيماً في جيم في جيم فصحت) ، ثم يصفه ابن الأثير بعدها بقوله: (وهذا من أقبح عيوب الألفاظ)، ولكن اقرأ قول الله تعالى في الآية السادسة عشرة من سورة السجدة: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، فانظر ما أجمل تكرار الجيم ثلاث مرات في قوله سبحانه: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)، وانظر ما أجمل قول الله تعالى في سورة الرحمن: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ)، فما أجمل هذا الكلام مع تكرار الجيم فيه مرتين، وتكرار النون في كلماتها الثلاثة.

 

أكتفي الآن بهذا القدر من التمثيل والمقارنة، عسى أن أجعل كل ذلك في موضوع مستقل موسّع بإذن الله، فكما قيل: بضدّها تُعرفُ الأشياءُ.

 

أبو محمد خليفة

10-12-2013

 

عن صفحة :

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...