اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

محاضرة للاستاذ احمد القصص: دولة الخلافة دولة دستورية


Recommended Posts

  • 2 weeks later...

مصطلح "دولة القانون" و"الدولة الدستورية".

 

 

 

عند إعلاننا لمحاضرة: دولة الخلافة دولة دستورية" علّقت إحدى الأخوات تعليقًا تتضمن سؤالاً. وها نحن ننشر التعليق والجواب تعميمًا للفائدة:

 

السؤال: دولة القانون (بالألمانية : Rechtsstaat) هو مفهوم في الفكر القانوني الأوروبي القاري، الكلمة مستعارة من الأصل الألماني، والتي يمكن ترجمتها بأنها "الدولة القانونية"، "دولة القانون"، "دولة العدل"، أو "دولة للحقوق ". وهو "الدولة الدستورية " التي يتم فيها تقييد ممارسة السلطة الحكومية للقانون، [1])، ويرتبط في كثير من الأحيان إلى مفهوم الأنجلو أمريكية لسيادة القانون.

 

في دولة القانون، تقتصر سلطة الدولة على حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. في دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونيا ويمكنهم استخدامها في المحاكم. و لا يمكن لبلد أن يكون به حرية ولا ديمقراطية بدون أن يكون به اولا دولة قانون. هذا هو مفهوم الدولة الدستورية عند الغرب الكافر فهل في الموضوع أسلمة للمصطلحات ؟؟

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

 

إن النص الذي أوردتِه والمتعلق بدولة القانون هو محاولة من محاولات "تعريف" دولة القانون. والتعريفات متعددة، كلّ يعرّف وفق فهمه وقاعدته الفكرية إن وُجدت. وعلينا أن نميّز بين "تعريف المصطلح" الذي من شأنه أن يكون محل خلاف واسع، و"دلالة المصطلح" التي يضيق الخلاف حولها، بل قد لا يكون ثمة خلاف حقيقي عليها. وألفت النظر إلى أن إدراك دلالة اللفظ أسهل كثيرًا من تعريفه.

ولإيضاح الفرق بين "الدلالة" و"التعريف" أضرب الأمثلة التالية:

 

العقل: تعبير متَّفَق على دلالته، وكل من يُطلِق هذه العبارة يقصد دلالة محددة، يميز بها بين العاقل وغير العاقل. ولكن الناس اختلفوا في "تعريف" العقل، أي في "ماهيته". فمنهم من عرّف العقل بأنه انعكاس الواقع على الدماغ، ومنهم من عرّفه تعريفات أخرى، وعرّفناه جازمين بأنه "نقل الواقع من طريق الحواس إلى الدماغ وربطه بالمعلومات السابقة". فالدلالة واحدة، والتعريفات متعددة، ولكن هذه الأخيرة ليست كلها بالطبع صحيحة.

 

المجتمع: تعبير متّفَق على دلالته إلى حد بعيد. إلا أن تعريفاته تختلف باختلاف قدرات المعرِّفين وخلفياتهم الثقافية. لذلك تعددت التعريفات، وعرّفناه بكل ثقة بأنه جماعة بشرية جمعتها الأفكار والمشاعر والأنظمة.

 

الروح والناحية الروحية: مصطلحان مترابطان استُخدما للدلالة على إدراك الصلة بالخالق سبحانه وعلى كون الأشياء مخلوقة لخالق. اتفق معظم المستخدمين للمصطلحين على وجه استخدامهما، أي على دلالتيهما، ولكنهم ذهبوا مذاهب شتى في تعريفهما واتخاذ الموقف منهما.

 

وإن تحديد دلالة المصطلح لا تكون بقراءة تعريفات المعرِّفين له. قد يمكن ذلك أحيانًا، ولا سيما حين يكون المعرِّف هو منشِئ المصطلح أو حين يكون المصطلح خاصًّا به. إلا أن هذا الطريق في الغالب يؤدي إلى الضلال في إدراك دلالات المصطلحات، لأن لكل معرِّف تعريفه المختلف عن تعريف غيره. والطريق الصحيح إلى إدراك دلالة المصطلح يكون باستقراء النصوص التي يُستخدم فيها الاصطلاح، فتظهر الدلالة من خلال السياق وتلازُمات المصطلح، ومثال ذلك إدراك دلالة "المجتمع"، من خلال التنبه إلى تلازم المصطلح في كثير من الأحيان مع تصنيفاته، مثل "المجتمع الغربي" أو "المجتمع الإسلامي" أو "المجتمعات المادية" أو "المجتمع الهندي"...

 

وكذلك تُدرك دلالة المصطلح من خلال المعاني المقابِلة التي يُستخدم المصطلح مقابِلا لها. مثلما تُفهم دلالة "العقل" حين توضع مقابل "الجنون" أو "السُكر" أو الطفل الذي لم يدرك بعد... ومثلما تُدرك دلالة "الروح" و"الناحية الروحية" حين تُستخدم مقابل المادّة والمادّية...

 

بعد هذه الأمثلة نأتي إلى مصطلح "دولة القانون" ودلالته. فعند استقراء النصوص التي يَرِد فيها هذا المصطلح على اختلاف توجهاتها وتعريفاتها للمصطلح، نجد أن الدلالة المتفق عليها هي أن مصطلح "دولة القانون" يُستخدم مقابِلاً للدولة التي لا تستند إلى قوانين ثابتة يلتزمها الحاكم والمحكومون، وحيث يكون الحاكم متحلِّلاً من أي قيد أو ضابط، فهو الذي يضع القوانين جميعها وهو الذي يغيرها أو يخرقها متى شاء، دون أن يحق لأحد محاسبته على ممارساته في الحكم. فمصطلح "دولة القانون" هو مقابل "دولة الدكتاتور"، ومقابل "الدولة البوليسية"، ومقابل الحاكم الذي يحكم بموجب التفويض الإلهي...

ولـمّا لم يعرف الغرب بديلا عن هذه الأنظمة "اللاقانونية" سوى النظام الديمقراطي، انصرفت معظم التعريفات الغربية بشكل شبه تلقائي إلى ربط "دولة القانون" بالديمقراطية التي ضمنت للمجتع الغربي - نظريًا على الأقل – أن يُلزِم الحاكم بقانون يتوافقون عليه ويحاسبونه على أساسه. ولكن هذه التعريفات على تعددها ليست دقيقة، من حيث إنها ليست "جامعة مانعة".

 

وعند النظر إلى واقع النظام في الدولة الإسلامية نجد أن قانونها هو القانون الأكثر قداسة عند أتباعه، حُكّامًا ومحكومين، من أي قانون آخر في الدنيا. لماذا؟ لأنه بكل وضوح أتى من عند الله تعالى الذي انصاع له المسلمون انصياعًا كاملاً، عبادةً وطاعةً. وهو ليس محلاً للنقاش من أحد، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. وفي العلاقة بين الحاكم والمحكومين تحديدًا قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

 

فالشريعة الإسلامية إذًا هي القانون الملزِم للجميع في الحياة الإسلامية، للراعي وللرعية وللقضاء الذي يفصل بينهما. وليس لأحد الحق في تجاوزه أو خرقه أو تبديله. وعليه فإن مصطلح "دولة القانون"، ومثله مصطلح "الدولة الدستورية"، ينطبق على واقع الدولة الإسلامية، بل هي أَولى الدول بهذا المصطلح، من حيث إن قوانينها الدستورية والتفصيلية هي من عند الله الذي لا ينازعه في أمره ونهيه أحد.

 

وأخيرًا أورد هنا ما ورد في كتاب "نظام الإسلام" للإمام النبهاني مؤسس حزب التحرير، تحت عنوان "الدستور والقانون":

 

"كلمة القانون اصطلاح أجنبي، ومعناه عندهم: الأمر الذي يصدره الحاكم ليسير عليه الناس، وقد عرّف بأنه: (مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس على اتباعها في علاقاتهم)، وقد أطلق على القانون الأساسي لكل حكومة كلمة الدستور، وأطلق على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور كلمة القانون، وقد عرّف الدستور بأنه: (القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ويبيّن حدود واختصاص كل سلطة فيها)، أو (القانون الذي ينظم السلطة العامة - أي الحكومة - ويحدد علاقتها مع الأفراد، ويبين حقوقها وواجباتهم قِبَلَهم، وحقوقهم وواجباتهم قِبَلَها)".

 

ثم يقول: "والسؤال الذي يواجه المسلمين الآن هو: هل يجوز استعمال هذا الاصطلاح أم لا يجوز؟ والجواب على ذلك أن الألفاظ الأجنبية التي لها معان اصطلاحية، إن كان اصطلاحها يخالف اصطلاح المسلمين لا يجوز استعمالها (...) أما إن كانت الكلمة تعني اصطلاحاً موجوداً معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها، مثل كلمة ضريبة، فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لإدارة الدولة، ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لإدارة المسلمين، ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب. وكذلك كلمة الدستور والقانون، فإنها تعني تبني الدولة لأحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها وتحكمهم بموجبها، وهذا المعنى موجود عند المسلمين. ولذلك لا نجد ما يمنع من جواز استعمال كلمتي دستور وقانون. ويراد بهما الأحكام التي تبناها الخليفة من الأحكام الشرعية. إلا أن هناك فرقاً بين الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية، وبين غيرها من الدساتير والقوانين. فإن باقي الدساتير والقوانين مصدرها العادات وأحكام المحاكم...الخ. ومنشؤها جمعية تأسيسية تسن الدستور، ومجالس منتخبة من الشعب تسن القوانين، لأن الشعب عندهم مصدر السلطات، والسيادة للشعب. أما الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية فإن مصدرها الكتاب والسنة ليس غير، ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة منه أحكاماً معينة يأمر بها فليزم الناس العمل بها. لأن السيادة للشرع. والاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية حق لجميع المسلمين، وفرض كفاية عليهم، وللخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية".

 

والحمد لله رب العالمين.

 

أحمد القصص

 

 

 

 

 

https://www.facebook...777290988953514

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...