اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

نظرة إجمالية إلى موضوعات سورة البقرة:


أبو مالك

Recommended Posts

نظرة إجمالية إلى موضوعات سورة البقرة:

 

هدف السورة: رسم معالم المنهج القويم لاستخلاف الإنسان في الأرض

كما أسلفنا، نزلت سورة البقرة في المدينة، وبدأ نزولها مع بدء تأسيس المجتمع الإسلامي فيها، فكان تأسيس صورة المنهج الصحيح الذي يقوم عليه هذا المجتمع، هدف السورة الكبير، فهي تذكر قصة خلق آدم، مبرزة مهمته الأساس، وهي أن يكون خليفة في الأرض، فكان تساؤل الملائكة عن طبيعته، أمفسد في الأرض؟ يسفك الدماء، فبين لهم رب العالمين أنه يعلم ما لا يعلمون، فكان هذا الإنسان، الذي إن نسي وأخطأ وعصى وحاد عن منهج الله تعالى، تاب وثاب إلى الحق، فاستحق بهذا أن يكون خليفة في الأرض، يسير على منهج معين لعمارتها، من هنا كان تعليم الله تعالى لآدم الأسماء كلها.

 

في أول آياتها، في الربع الأول منها، تجلو صورة أصناف ثلاثة من الناس، المؤمنين، والكفار، والمنافقين، وتضم إليهم فيما بعد صنفا رابعا يتمثل في أهل الكتاب وخصوصا بني اسرائيل منهم، وفيها يتحدى رب العزة سبحانه البشر والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن،

ثم في الربع الثاني منها يبين لنا قصة أول معصية عُصيَ بها ربُّ العالمين سبحانه، حين خلق آدمَ عليه السلام، وامتنع إبليسُ عليه لعنة الله من السجود امتثالا لأمر رب العزة سبحانه، فطرده، تحدثنا عن بشاعة المعصية، وعن أهمية التوبة، وتربط ذلك في خاتمة هذه القصة بالهداية مرة أخرى، (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آية 38 وهي تؤكد ما ورد في أول سورة البقرة (هدى للمتقين)

 

ومن ثم تحدثنا هذه السورة من الربع الثالث فيها إلى السابع عن قصة بني اسرائيل مع موسى عليه سلام الله، لتحلل لنا بدقة متناهية معالم شخصية هذا الصنف من البشر، في ظل مسألة الاستخلاف في الأرض، ولقصتهم معالم رئيسة أبرزتها السورة في محطاتها الطويلة، تدور في فلك حيدتهم عن المنهج القويم دائما، لذا لم يكونوا حقيقين بالقيام بواجب الاستخلاف قياما يرضي الله تبارك وتعالى، فوعظنا بحالهم ليكون بنيان المجتمع الجديد في المدينة، قائما على غير هذا النموذج المغرق في التفلت من أوامر الله، المسرع في معصيته، المعاند للخضوع والاستسلام لله ورسله.

ومن محطات هذا القسم نجد التذكير بآلاء الله تعالى ونعمه، مع الجحود والمعصية، وهو عين السبب الذي جعل إبليس يُطرد من السماء، والمعصية أنزلت آدم عليه السلام وزوجه من الجنة فكان التعب والنصب والشقاء مكان الدعة ورغد العيش في الجنة، ربطًا في هذين الموضعين بين شكر النعم بأداء حق الله تعالى فيها، وما يحصل جراء المعصية أو كفر النعمة، كما في حال بني اسرائيل.

ومن ثم تنتقل لتمهد لموضوع قِبلةِ المسلمين في الصلاة، الوِجهة التي يتوجه إليها المسلمون حيث حلوا وارتحلوا، في صلاتهم وعبادتهم، فتمهد لمسألة تحويل القبلة بقصة بناء ذلك البيت المقدَّس، في مكة المكرمة، لتحدثنا عن نبي الله إبراهيم عليه سلام الله، وابنه اسماعيل عليه سلام الله تعالى، وتبرز لنا هذا النموذج الذي برزت مسألة طاعة الله والاستسلام لأمره فيه بأعظم صورها، إذ عرض على إبراهيم عليه سلام الله أن يترك زوجه ورضيعها في واد غير ذي زرع، حيث لا بشر ولا ماء، وصورة تلك الزوجة الواعية المؤمنة بأن الله لا يضيع من اتكل عليه حق الاتكال والتزم أمره حق الالتزام، فالتزما هذا الأمر على عظمه ومشقته وصعوبته،

فكان هذا البيتُ المباركُ حقيقا بأن ينال شرف بناء هذا البيت المقدس، الكعبة، فكانت بركة حسن القيام بالإيمان بالله والاستسلام والخضوع لأوامره طريقا لنوال هذا الشرف الأبدي، ولتمثل صورة لأفضل ما يكون عليه استخلاف الناس في الأرض، وإقامة منهج الله في تلك النفوس العالية الشامخة، لتكون مثالا يحتذى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فكانت مسألة الاستخلاف في الأرض وفق منهج الله الحق تمثل أساس قصة آدم عليه سلام الله، (إني جاعل في الارض خليفة) وقصة بني اسرائيل (واني فضلتكم على العالمين) وقصة سيدنا ابراهيم الخليل وولده اسماعيل عليهما سلام الله، (إني جاعلك للناس اماما) وهي تشكل الجزء الأول من السورة، وتمهد للجزء الثاني الذي فيه مسألة تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، هذا الأساس يضع صورة مثالية لتطبيق المنهج، تمثل صورة ابراهيم عليه سلام الله، وصورة شابتها معصية، لحقتها توبة، تمثل قصة آدم عليه سلام الله، وقصة بني اسرائيل بكل ما فيها من فظائع ارتكبوها، لتضع هذه الصور أمام المجتمع الوليد في المدينة المنورة لترسم لهم الخط المستقيم كي يتبينوه.

وفي القصص الثلاث ايضاً اختبار نماذج مختلفة من الناس في طاعة الله تعالى فاختبار سيدنا آدم عليه سلام الله كان في طاعة الله (منع من الأكل من الشجرة) واختبار بني اسرائيل في طاعتهم لأوامر الله من خلال رسوله واختبار سيدنا ابراهيم عليه سلام الله، بذبح ابنه اسماعيل ايضا اختبار طاعة لله تعالى (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات)، حتى يتصور الإنسان أن هذه الحياة التي هو مستخلف فيها هي دار اختبار، يفلح فيها من أطاع الله واهتدى، وإن حصلت منه معصية فعليه التوبة والإنابة، رسمت له صورة اشق ابتلاء يمكن أن يبتلى به المرء، وهو الامتثال لاختبار ذبح الولد باليد، فاستحق من خضع له أن يُفتدى بذبح عظيم، وينال شرف الإمامة في الناس، وسلم الله له ولده وجعله نبيا، وأحد أبسط الاختبارات، أن لا يأكل من شجرة واحدة، وعنده ما لا يحصى غيرها من الأشجار والثمار، فكانت تلك المعصية على صغرها، عظيمة في جنب من عصاه، فاستحق بها النزول من الجنة إلى الأرض.

في الجزء الثاني من السورة كما أسلفنا ابتدأ بمسألة تحويل القبلة، لتتميز هذه الأمة عن الأمم السابقة بقبلتها، وبمنهجها القائم على هدى صراط الله المستقيم، وحتى بمصطلحاتها، (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)

وفي الربع الثاني من هذا الجزء يضع مقومات للنفس الإنسانية، تستعين بالصبر والصلاة، تصبر على الابتلاءات، ترتبط بالله تعالى في سرائها وضرائها، ثم أنها مسئولة عن إظهار ما أنزل الله من البينات والهدى ليٌعمل فيه في المجتمع، وتصل الخطورة لدرجة استحقاق اللعنة حال الكتمان، لأن صلاح المجتمع من الخطورة بحيث يتطلب السفور في حمل الدعوة وبيان الحق في موضعه، وتظهر بعد ذلك مسألة اتخاذ الأنداد من دون الله، فإن كانوا رؤساء في الضلالة والباطل تبرأوا ممن اتبعهم يوم القيامة، لينقاد المسلم في حياته لله، وفي الله، مع من يوالي الله تعالى.

وهذا كله في ظل عملية وضع أساسِ قيمٍ شاملةٍ وجملة من الأحكام الشرعية التي تناولت تفصيلا لأنظمة كثيرة من أنظمة الحياة، على صعيد الفرد والمجتمع، على صعيد التشريع الجنائي ونظام العقوبات، والتركات والوصايا، والعبادات

كفرض الصيام، والحج وشعائره، وجواب جملة من الأسئلة التي سُئِلَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والنفقة التي تناولتها السورة بالترغيب فيها والترهيب من تركها، وضربت للحض عليها أروع الأمثال، وأشدها فعلا في النفس، فأحكامٌ تتعلق بالاقتصاد، وأحكامٌ تتعلق بالأشهر الحرم والقتال، وآياتٌ تحض على الصبر على الابتلاءات، وتربط التمكين باشتداد الأذى حتى يبلغ من النفوس مبلغا عظيما فتصبر في جنب الله تعالى، لتستحق نزول نصر الله تعالى عليها، فجملةٌ من أحكام المطعومات، وجملةٌ من أحكام النظام الاجتماعي كالنكاح والطلاق والرضاعة والعدة، والنفقة والخلع، في ظل من الأجواء المشحونة بالتقوى، ومراقبة الله، ومراقبة حدوده، وقد سبق هذا كله تقويم النفس لتهيئتها قبل إقامة نظام الأسرة، لتقيمها وهي مستعدة الاستعداد الكامل بسلاح التقوى وما يشحذه من عبادات وطاعات، وصبر، وتحمل مسئولية، لأن الأسرة لبنةٌ مهمة في تكوين المجتمع، فكان الحرص على بناء لبناتها على أساس صحيح لضمان حسن البناء.

وهذا كله توجته آية عظيمة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) آية 208 والسلم هو الإسلام، وهو الخضوع والاستسلام الكامل لأوامر الله تعالى، ومراقبة حسن تطبيقها في الحياة، في إطار مسئولية الفرد والجماعة والدولة، وهو توجيه للمسلمين أن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) آية 85 وأن يأخذوا الدين كاملا غير مجتزأ فكأنما يوجهنا الله تعالى في سياق السورة الى الطاعة والتميز ثم يعطينا بعض عناصر المنهج ثم يأمرنا أن نأخذ الإسلام كافة و لا نفعل كما فعل بنو اسرائيل ثم يكمل لنا باقي المنهج. وهذ الآية (ادخلوا في السلم كافة) كان لا بد من وجودها في مكانها بعد الطاعة والتميز واتباع الاوامر والنواهي والجهاد والانفاق للحفاظ على المنهج ثم الاخذ بالدين كافة ثم التقوى التي تجعل المسلمين ينفذون هذا المنهج بوازع مراقبة الله تعالى، وبوازع عيشهم في المجتمع حياة إسلامية تعينهم على الاستزادة من هذه التقوى، وتقطع عنهم أسباب المعصية بحسن تطبيق المنهج على مستوى المجتمع كله.

يتخلل هذا كله جملة من القواعد العقدية، كالتفكر في خلق السموات والأرض، والإيمان بالغيب، وقرب الله تعالى ممن يدعوه، إلى الإيمان بالملائكة، لتربط الإيمان أبدا بالعمل، ويجعل الإنسان الإيمان المحرك الذي يسيره في الحياة الدنيا، ويجعل الأحكام الشرعية المقياس الذي يقيس عليه تصرفاته وسلوكه.

 

ثم تأتي قصة قتال طالوت لجالوت، وما فيها من معان عظيمة لمقارنة قيم زائفة بقيم راقية، قيم الفئة القليلة التي ثبتت على الحق وأقبلت وهي تقدم لقاء ربها والموت في طاعته على حياتها، لينتصر المنهج الذي تحمله، مقابل قيم الفئة التي تشبثت بالحياة الدنيا، ولم تفهم معنى الطاعة، ولم تحتمل الابتلاءات، ففشلت ولم تستحق نوال شرف الاقتداء بها.

في الجزء الثالث من السورة تبرز آية عظمة الله تبارك وتعالى، آية الكرسي، تدل على أن من يريد أن يطبق المنهج فعليه أن يستشعر عظمة الله وجلال الله، وهيبة الله، وقدرة الله، فالمنهج ثقيل، ويتطلب وازعا عظيما يدفع المرء لحملة وتحمله والثبات عليه، فكان لا بد من تصور عظمة من وضع هذا المنهج لنا لنسير عليه، وعظمة ما يستحق من الطاعة والمحبة وعظيم خطر معصيته،

ثم تبين لنا بوضوح لا خفاء فيه، أن هذا المنهج من الوضوح بمكان، معالم الرشد فيه جلية بينة، لا تخفى على ذي لب، لدرجة أنه يستحيل مع سطوع هذا الحق تبرير أي إكراه لحمل الناس عليه، فقد تبين فيه الرشد من الغي، والإنسان السوي يتبع الرشد إذ يتبين له، فلا معنى لإكراهه عليه، ولكن من اتبع هذا الرشد، فعليه أن يقوم بذلك وفق منهج التخلية قبل التحلية، فيؤمن بالله تعالى بعد أن يكفر أولا بالطاغوت بكل أشكاله وأصنافه وأنواعه، ليستحق أن يلحق في زمرة من يتمسكون بحبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا تنفصم.

وقد وضحت لنا السورة نماذج مهمة من قصص الطواغيت ففي جنبات السورة نرى أنواعا كثيرة من هؤلاء الطواغيت، إبليس، وفرعون، والنمرود، وطغيان بني اسرائيل بعد كل ما أنعم الله عليهم، ليستحقوا بذا غضب رب العالمين الذي اختتم به سورة الفاتحة، فهنا بيان معالم ما استحقوا به نزول الغضب عليهم لنعتبر منهم، ثم لتضع هذه السورة أحكاما عظيمة وأوامر صارمة بخصوص مفهوم الطاغوت الذي تناولناه بتفصيل كبير في أحد ملاحق هذا التفسير لشديد أهميته، لأنه الصارف الأعظم عن منهج الله، فقد يضع منهجه مكان منهج الله ليطبق في الأرض، أو يتكبر على منهج الله، أو يتصرف أي تصرف يطغى فيه عن الحق، فيستحق بذلك كله اسم الطاغوت فكان لزاما علينا أن ننفر منه ونكفر به.

في الربع الأخير من السورة العظيمة، يتكرر الأمر بالنفقة ثانيا وثالثا ورابعا، ويصورها لنا القرآن بصور بليغة، عميقة الأثر في النفس، تصور مآل من ينفق، ومآل من يبخل، أثر النفقة على ذرية المنفق، والمحق على من يبخل، وتنتقل بنا في إطار النظام الاقتصادي إلى الحديث عن خطر عظيم على الاقتصاد في المجتمع، ألا وهو جريمة الربا، أكبر مفسد لنظام الاقتصاد، فأحكام الدَّين، والمعاملات،

فخاتمة السورة بما فيها من صفات الجماعة المؤمنة، وأركان الإيمان، وربط ذلك بالتكليف، وأخيرا الدعاء إلى الله تعالى، وختامه الدعاء بنصر الإسلام على الكفر وتمكين المؤمنين في الأرض.

بدأت السورة بتمجيد كتاب الله تعالى، وجعله مصدرا للهداية الحقة، واختتمت بانتصار الإسلام على الكفر، وأنَّى أن يحصل ذلك النصر إلا بكتاب الله تعالى، فهو مبتدأ النصر ومنتهاه.

فآخر آيتين في السورة، قال فيهما صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه"

﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾

أولاهما عن الإيمان والإخبات التام لله تعالى، وثانيتهما تبين التكاليف التي على المرء التزامها، وتذكر بشديد المحاسبة عليها، في ظل إنسانية الإنسان، فإن نازعته نفسه التجاوز فعليه التوبة، واللجوء إلى الله والاستعانة به، ليتحقق من مجموع الإيمان المخبت، والتزام التكاليف التي في هذا الكتاب المبين، يتحقق النصر بعد استحقاقه بالصبر على الابتلاءات والمحن!!

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ البقرة،

تزاوج في هذا كله، بين دور الفرد في مسألة النصر والتمكين التي تعقب مسألة التزامه التكاليف، وقيامه بها، وإيمانه، وبين دور الجماعة التي تظلل دور ذلك الفرد، فالإيمان المطلوب هو أن يدخل في جملة ما دخل به المؤمنون ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، والخطاب الذي أتى بصيغة الجماعة، ثم في الآية الأخيرة، تناولت الفرد بتكليفه بنفسه ما في وسعها، ومحاسبته فردا على أعماله، ثم تبين له أهمية الجماعة في ضمان حسن سيره على هذا المنهج: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ وفي وسط السورة بينت له أن التمكين يأتي للجماعة التي تصبر على المنهج الحق: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ ثم الدعاء لله بصيغة الجمع: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾، إذ النصر بيد الله، فلا بد من دعائه لينزله على من صبر والتزم وآمن ودعا.

والنصر إنما يكون بتمكين هذا المنهج من حياة المجتمع ليصوغها وفق نموذج الحياة الإسلامية، وفي حياة الدولة، ليسوسها وفق أوامر الله تعالى ونواهيه، وفي حياة الفرد، ليسوس حياته متحملا مسئولياته في تطبيق شرع الله على نفسه وأهله وفي مجتمعه، فإذا قام المجتمع كله على أساس هذا المنهج سعدت البشرية به، ورضي عنهم رب العالمين سبحانه.

 

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى: هذه السورة تضم عدة موضوعات. ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا.. فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها صلى الله عليه وسلم وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها... وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها؛ وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - عليه السلام - صاحب الحنيفية الأولى، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم.. وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=561065530636566&set=a.550275911715528.1073741828.549756781767441&type=1&theater

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...