اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مفهوم التقوى


Recommended Posts

مفهوم التقوى:

 

 

هي وصية الله إلى الأولين والآخرين، قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]،

وجماع مفهومها أربعة أمور نستنبطها من كتاب الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾ [النساء]، فأول الأمور استشعار مراقبة الله لك في السر والعلن.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)﴾ الحج، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)﴾ لقمان، فثانيها: الاستعداد ليوم ثقيل، فمن عرف أنه مسافر إلى جهة موحشة، شديدة الأخطار وعرة المسالك والدروب، لا خيار له في بلوغها، تزود لها بما يناسب مقامها وإلا هلك، فإذا علم أنها مفترق طرق لعيش أبدي فإما جنة وإما نار، علم خطر ما هو مقبل عليه فاستعد لذلك اليوم الثقيل أيما استعداد، فإذا زاد على ذلك بأن استيقن أنه قد يصل تلك الجهة في أي لحظة، بادر ولم يتأخر وأخذ بالعزيمة.

﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾ البقرة، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)﴾ البقرة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾ الحشر، ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)﴾ المائدة، فثالث الأمور المتعلقة بمفهوم التقوى: العمل الصالح الموافق للتنزيل، الذي يقبله الله تعالى، ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27]،

﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)﴾ الطلاق، ورابع هذه الأمور العظيمة التي تجلي مفهوم التقوى ورأسها، مخافة الله تعالى، واستشعار عظمته وجلاله، حتى يدب الرعب في قلب من تسول له نفسه معصيته، فلا يعصيه، وينتشر الحب في قلب من يستشعر عظمته ورحمته، فيرجو رحمته، ويمتلئ القلب رجاء بأن يتجاوز عن التقصير، فما من أحد يبلغ مقام أن يكافئ نعم الله عليه أو أن يشكره كما ينبغي أن يُشكر، وإنما هي أعمال فرضها الله علينا، وأعمال نتقرب بها إليه سبحانه وتعالى بكل ما فينا من التقصير ولعله سبحانه وتعالى بواسع كرمه ورحمته يتقبلها منا بما هو أهله لا بما نحن أهله!

فهذه الأمور الأربعة تشكل دعائم وأسس مفهوم التقوى، جمعها قول عظيم منسوب لأمير المؤمنين يعسوب المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذ سُئل عن التقوى فقال : هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

أما الخوف من الجليل، فالخوف من رب العالمين، بأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخشوع والخضوع إلا له، ومن علم أن ربا جليلا يطلع على مثاقيل الذر من عمله ويحصيها عليه، ويعلم سره ونجواه، ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61).﴾ مَن علم هذا راقب الله في عمله، واستعظم أن يعصيه، فلم ير معصيةً صغيرةً في جنب العظيمِ الجليلِ الذي أمر بأن لا تُفعل تلك المعصية، فنظر في عِظَمِ من يعصيه!

 

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

مفهوم التقوى (2)

 

 

العمل بالتنزيل:

 

وأما العمل بالتنزيل، فإن العمل لا يُقبل حتى يكون صوابا وأن يكون على السنة، قال العلامة الأستاذ فوزي سنقرط في كتابه القيم: التقرب إلى الله طريق التوفيق: حتى يكون العمل حسنا لا بد فيه من إخلاص القصد لله، وأن يكون موافقا للشرع، ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الأصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ الملك (2) قال: أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وعن سعيد بن جبير قال: " لا يُقبل قولٌ إلا بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنيَّة، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ". وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا " وعن الإمام مالك أنه قال: " السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق".

وحامل الدعوة يحرص كل الحرص على إحسان العمل وعلى أن لا يبتغي بدعوته عرضا من الدنيا، وإلا حبط عمله وكان من الخاسرين وقد ورد في الحديث الشريف "من تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار".

والعبرة بإحسان العمل لا بكثرته ولذلك قال تعالى ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾، ولم يقل ليبلوكم أيكم أكثر عملا، وقد ورد عن مالك بن دينار قوله " قولوا لمن لم يكن صادقا (في عمله) لا تتعب " وعن أبي أمامة أنه مر برجل ساجد فقال "يا لها من سجدة لو كانت في بيتك" وعن الفضيل بن عياض أنه قال " كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد عنه أعظم أجرا منه ".

ومن هنا يجب مراعاة الإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال، وكانت صحة الأعمال وقبولها عند رب العالمين بالنية. ولذلك لم يكن أمرا مستغربا أن يعتبر العلماء حديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " أحد ثلاثة أحاديث عليها مدار الإسلام . وكان المتقدمون من علماء السلف يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها.

وكان الإخلاص عندهم أن تستوي أفعال العباد في الظاهر والباطن، يقول الإمام الحارث المحاسبي " الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله " وعن الإمام أبي القاسم القشيري: " الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى ".

يقول الحسن بن الربيع عن جهاد الإمام الجليل عبد الله بن المبارك " خرج فارس من المسلمين ملثم فقتل فارسا من العدو كان فعل بالمسلمين فكبر له المسلمون، فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد، فتتبعته حتى سألته بالله أن يرفع لثامه، فعرفته فقلت: أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم الذي يسره الله على يدك؟ فقال الذي فعلت له لا يخفى عليه ".

ويقول ابن قتيبه في كتابه عيون الأخبار: " حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا، وكان في ذلك الحصن نقب - أي ثقب في الحائط - فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد! فجاء رجل من عرض الجيش - أي من عامته غير معروف - فدخله ففتح الله عليه الحصن، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الآذن فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى الآذن إلى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه - أي لا تكتبوه في صحيفة إلى الخليفة - ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو؟ أي من أي قبيلة هو، قال مسلمة: فذاك له، قال الرجل: أنا هو، فكان مسلمة بعد هذه لا يصلي صلاة إلا قال: " اللهم اجعلني مع صاحب النقب ".

وما اجمل قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يشير إلى عاقبة الإخلاص لله تعالى " فإنما قدر عون الله للعباد على قدر النيات، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر عون الله له "

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

مفهوم التقوى (3)

 

حقيقة التقوى:

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس" ثم قال الترمذي: حسن غريب، وبين عليه الصلاة والسلام أهمية التقوى عندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: التقوى وحسن الخلق. [ ابن ماجة: 2/1418، وقال الترمذي: حديث حسن ]

وأصل هذه التقوى القلب، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى صدره ويقول ثلاثا: [ التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا] رواه مسلم،

وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبَيّاً بن كعب رضي الله عنه عن التقوى؛ فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمَّرت وحذرت؛ قال: فذاك التقوى.

وأنشد أبو الدرداء - رضي الله عنه - " واسمه عامر بن عويمر" يوما:

يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا

قال ابن العربي لم يتكرر لفظ في القرآن مثلما تكرر لفظ التقوى اهتماماً بشأنها.

قال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر، [ البخاري: 1/19 ]

وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه في تعريفه للتقوى: «ترك الإصرار على المعصية، وترك الاغترار بالطاعة»

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: اتقوا الله حق تقاته أي أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. انتهى، ومعنى قوله أن يطاع فلا يعصى، مطابق لقول: العمل بالتنزيل، وقوله: ويُذكَر فلا يُنسى، أي يستشعر المرء مراقبة الله له في السر والعلن، ويضع مخافته نصب عينيه، وأما قوله: وأن يُشكر فلا يُكفَر، فالمرء إذ يعيش متنعما بنعم الله يتقلب فيها، وإذ عافاه الله من البلايا التي أصابت غيره، فلا بد من شكر الله بالعمل بما أمر والانتهاء عما نهى وحذر منه وزجر، فيا له من قول جامع مانع لصحابي جليل!

قال عمر بن عبد العزيز: [ ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله عز وجل ترك ما حرم الله، وأداء ما فرض الله، فمن رزق بعد ذلك شيئاً فهو خير إلى خير ] يعني ليست التقوى أن تشتد في طاعاتٍ، وتخلط فيما بين تلك الأعمال بانتهاك حرمات، بل يكون المرء تقيا بترك ما حرم الله وأداء ما فرض.

وقال طلق بن حبيب- رحمه الله تعالى -: التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمته على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.

وقال الذهبي - رحمه الله تعالى ـ في السير (4/601):[ أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل، ولاعمل إلا بتروٍ من العلم والاتباع، ولاينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها ـ فيكون الترك خوفا من الله لا ليمدح بتركها فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز].

وقال الحسن البصري: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام.

وقال سفيان بن عيينة: لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه.

وقال الحافظ ابن كثير "رحمه الله تعالى " في تفسيره في قوله تعالى: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون﴾، قال: "التقوى اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات"،

وقال بعض السلف: [التقوى ألا يراك ربك حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك ].

قال سفيان الثوري وهو من التابعين: "إنما سموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتقى." أي بالغوا في اجتناب ما فيه مظنة الزلل فسموا بالمتقين لذاك!

قال أبو الدرداء : تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً، يكون حجاباً بينه وبين الحرام، فإن الله قد بين للعباد الذى يُصَيِّرُهُمْ إليه فقال:

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله ولا شيئاً من الشر أن تتقيه.

يقول أبو الدرداء: [ ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، قيل: كيف؟ قال: يخلو بالمعاصي فيُلقي الله له البغض في قلوب الناس ]

وقال ميمون بن مهران: المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه.

قال ابن المعتز: خل الذنوب صغيرها=وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماشٍ فوق=أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرنّ صغيرة=إن الجبال من الحصى

وقال الإمام أحمد رحمه الله: التقوى هى ترك ما تهوى لما تخشى.

وقيل: هي أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.

وقيل: هي علم القلب بقرب الرب؛ لا تحقرنّ من الذنوب صغيراً=إن الصغير غداً يعود كبيراً

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

مفهوم التقوى (4)

 

 

أثار التقوى على الفرد والمجتمع:

 

للتقوى ثمرات وآثار في جانب الفرد والمجتمع، منها: محبة الله له ﴿اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:4]، معية الله ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]، الانتفاع بالقرآن ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:2]، الحفظ من الشيطان ووساوسه ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف:201]، انتفاء الخوف والحزن ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف:35]، قبول العمل ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27]، اليسر بعد العسر، والمخرج بعد الضيق ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق:2]، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4]، من أسباب الرزق: التقوى. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:2-3]، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف:96]، لم يقل: بركة، وإنما قال: (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)، فهذه من آثار التقوى على المجتمعات، وكفى به وعدا عظيما ببركات علمها عند ربي يعطيها المجتمعات التي تقوم على التقوى والإيمان!.

ومن آثار التقوى: الفراسة والحكمة والنور ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال:29]، دخول الجنة ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133]، النجاة من النار ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم:72]، المنزلة العالية يوم القيامة ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [البقرة:212]، خير ضمانة تحفظ بها ولدك ومستقبل أبنائك من بعدك: قال تعالى: ﴿وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا﴾ [النساء:9].

لم يزل السلف رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة يتواصون بها.

فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته: [ أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وأن تجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:90] ]

و عمر لما حضرته الوفاة كان يقول لأولاده: [ اتقوا الله ].

وكان علي إذا استعمل سرية أو رجلاً على سرية قال له: [ أوصيك بتقوى الله، واجعل تقوى الله نصب عينيك، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جازاه، ومن شكره زاده ] فاجعل تقوى الله عز وجل بين عينيك.

وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الخامس إلى رجل، فقال: [ أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل ].

أوصيك وأنفسنا بتقوى الله فإنها خير الزاد، والله يقول: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة:197]

ولما سأل شعبة رجل وكان يريد سفراً قال له: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: ومن قبل: فإنها وصية رب العالمين للخلق دائما!

أما الزاد فهو ما يأخذ المسافر معه من متاع، وكلنا في حال سفر إلى الله سبحانه وخير ما نتزود به لذلك اللقاء هو التقوى.

ويقول الشافعي: أندر الأشياء في الدنيا ثلاثة قيل له: ما هي؟ قال: الجود من قلة، (أي: كريم وليس عنده إلا القليل ولكن سجيته الكرم،) والورع من خلوة، (أي: يخاف الله وحده إذا ما خلا بنفسه أو بمدعاة لمفسدة لا يراه من البشر أحد،) وكلمة الحق عند من يُرجى أو يخاف.

وكتب ابن السماك يعظ أخاً له فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيُّك في سريرتك، ورقيبُك في علانيتك، واجعل الله من ذلك على كل حال في ليلك ونهارك، وخَفِ الله بقدر قُربك منه ، وقدرتِه عليك، واعلم أنك بعينه لست تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظُم منهُ حذرُك وليكثُر منهُ خوفُك ووجلُك والسلام.

وقال أبو الجلد: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن يقول لقومه: ما بالكم تستترون بالذنوب من الخلق، وتبارزون بها الخالق.

جاء رجل إلى شقيق البلخي وقال له: إن ذنوبي كثيرة، وقلبي قاسٍ، وعيني متحجرة، ولا أبكي من خشية الله، وأقع في المعاصي فعظني، قال له: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من أرض الله قال: أين أذهب والأرض كلها لله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله.

قال: ومن أين آكل إلا من رزق الله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه، فاذهب إلى مكان لا يراك فيه أحد.

قال: وأين أذهب والله يراني في كل مكان؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرض الله وتأكل من رزقه وهو يراك، فإذا جاء ملك الموت يقول لك: قد حان موتك، فقل له: لا، لن أذهب معك، قال: لن يطيعني ملك الموت فيما أريد.

قال: إن أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه وهو يراك، وتعرف أنه سيدعوك بالموت، فإذا أمر الله الملائكة يوم القيامة أن يأخذوك إلى النار فارفض أن تذهب معهم! وقل: والله لا أدخل النار، أنا رجل أريد الجنة، هل يطيعونك يوم القيامة؟ قال: لا؛ لأن الله يقول: ﴿عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ﴾ [التحريم:6] قال العلماء: غلاظ في الخلقة، شداد في الأخلاق.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ، وقيل أن الأبيات للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه :

إذا مـــــــــــــا خــــــلـــــــوت الــــــدهـــــــر يــــــومـــــــا فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيبُ

ولا تـــحـــســـبــــنّ الله يــــغــــفـــــل ســـــــاعـــــــة ولا أن مــــــــــا تــخــفـــيـــه عـــــنـــــه يـــغـــيــــبُ

ألــــــم تـــــــرى أن الـــيــــوم أســـــــرع ذاهـــبــــا وأن غــــــــــــــــــداً لـــلــــنــــاظــــريــــن قـــــــــريــــــــــبُ

لـــهـــونـــا نــــعـــــم والله حــــتـــــى تــتــابـــعـــت ذنــــــــــــوبٌ عــــــلــــــى آثــــــارهــــــنّ ذنـــــــــــــوبُ

فــيــا لــيــت أنّ الله يـغـفــر مـــــا مــضـــىويــــــــــــــــــــــــاذن لــــتـــــوبـــــتـــــنـــــا فــــــــنــــــــتــــــــوبُ

 

وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: وقال المعافي بن زكريا الحريري ثنا محمد بن العباس بن الوليد سمعت أحمد بن يحي بن ثعلب يقول دخلت على أحمد بن حنبل فرأيت رجلا تهمه نفسه لا يحب أن يكثر عليه كأن النيران قد سعرت بين يديه فمازلت أترفق به وتوسلت إليه أني من موالي شيبان حتى كلمنى فقال في أى شئ نظرت من العلوم فقلت في اللغة والشعر قال رأيت بالبصرة جماعة يكتبون عن رجل الشعر قيل لي هذا أبو نواس فتخللت الناس ورائي فلما جلست إليه أملى علينا،

إ ذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل * خلوت ولكن في الخلاء رقيب.

ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا آثما يخفى عليه يغيب.

لهونا عن الآثام حتى تتابعت * ذنوب على آثارهن ذنوب.

فياليت أن الله يغفر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنتوب.

وزاد بعضهم في رواية عن أبي نواس بعد هذه الأبيات.

أقول إذا ضاقت علي مذاهبي * وحلت بقلبي للهموم ندوب.

لطول جناياتي وعظم خطيئتي * هلكت ومالي في المتاعب نصيب .

واغرق في بحر المخافة آيسا * وترجع نفسي تارة فتتوب.

وتذكرني عفو الكريم عن الورى * فأحيا وأرجو عفوه فأنيب.

وأخضع في قول وأرغب سائلا * عسى كاشف البلوى علي يتوب.

ويقول الرسول عليه السلاة والسلام كما في حديث ثوبان والحديث في مسند أحمد، قال: (يؤتى برجال يوم القيامة معهم حسنات كأمثال جبال تهامة، فيقول الله لها: كوني هباءً.

قالوا: لم يا رسول الله؟! قال: كانوا إذا خلوا بالله بارزوه بالعظائم)

والتقوى هي النسب الرباني الذي جعله الله عز وجل ميداناً للتفاضل بين العباد، يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:13] ولم يقل: أكثركم مالاً ولا جاهاً ولا سلطة.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...