اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

خطبة للشيخ عصام عميرة


Recommended Posts

الجمعة 6/4/1435 هـ

الموافق 7/2/2014 م

حصار اليرموك بين الأمس واليوم

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: تتحدث كتب التاريخ والسير المعتمدة عن معركة غيرت مسار التاريخ، تلكم المعركة وقعت بين المسلمين والروم عام 13 هـ، وسميت باليرموك نسبة إلى الوادي الذي وقعت فيه، وهو وادي اليرموك، واليرموك: نهر ينبع من جبال حوران، يجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوباً ليصب في غور الأردن ثم في البحر الميت، وينتهي مصبه في جنوب الحولة، وقبل أن يلتقي بنهر الأردن بمسافة تتراوح بين ثلاثين وأربعين كيلومتراً يوجد وادٍ فسيح تحيطه من الجهات الثلاث جبال مرتفعة بل شاهقة الارتفاع ويقع في الجهة اليسرى لليرموك. واختار الروم الوادي لأنه المكان الذي يتسع لجيشهم الضخم، الذي يبلغ عدده مائتين وأربعين ألف مقاتل تقريباً، وأما المسلمون فقد عبروا النهر إلى الجهة اليمنى، وضربوا معسكرهم هناك في وادٍ منبطح يقع على الطريق المفتوح لجيش الروم، وبذلك أغلقوا الطريق أمام الجيش المزهو بعدده وعدته، فلم يعد للروم طريق يسلكونه، أو يفرون إذا اضطروا للفرار، لأن جيش المسلمين قد أخذ عليهم مسلكهم الوحيد وحاصروهم. وكان القائد العام لجيش الدولة الإسلامية خالد بن الوليد رضى الله عنه، عينه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال مقالته المشهورة: "والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد". وكان عدد مقاتلي الجيش الإسلامي مابين 36 إلى 40 ألف مقاتل، مقسمين إلى 36 أو 40 كردوساً، والكردوس كلمة يونانية معناها فرقة الجيش، وكل كردوس فيه 1000 مقاتل. وأما جيش الروم فقائده باهان وهو رجل من أبناء فارس تنصر ولحق الروم. ولما نشبت المعركة واشتد أوارها، سطر المسلمون رجالا ونساءً، وفيهم ألف صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سطروا أروع صور الشجاعة والبطولة والإقدام والتضحية والإيثار، وجاسوا خلال صفوف الروم واخترقوها، ولا يتسع المقام ذكرها أو بعضها. وكمثال على الإيثار، روى حبيب بن أبي ثابت، "أن الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة ارتأوا يوم اليرموك، فدعا الحارث بماء ليشربه فنظر إليه عكرمة، فقال الحارث: ادفعوه إلى عكرمة، فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة، فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش، فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم، حتى ماتوا وما ذاقوه. يقول الذهبي رحمه الله: وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جل جلاله، جعل الواحد يقع في نهر اليرموك فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا في الوادي واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل وهلك خلق لا يحصون. أما قائد جيش المسلمين خالد بن الوليد رضى الله عنه، فكان يوضح لأفراد جيشه بأن النصر من الله جل جلاله، فقد قال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين! إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال. يقول ياقوت الحموي رحمه الله: "نصر الله المسلمين بفحل وقدم المنهزمون من الروم على هرقل بأنطاكية، فدعا رجالاً منهم فأدخلهم عليه، فقال: حدثوني ويحكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم؟، قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أو هم؟ قالوا: بل نحن، قال: فما بالكم؟ فسكتوا. فقام شيخ منهم وقال: أنا أخبرك، أنهم إذا حملوا صبروا ولم يكذبوا، وإذا حملنا لم نصبر، ونكذب وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويرون أن قتلاهم في الجنة وأحياءهم فائزون بالغنيمة والأجر، فقال: يا شيخ لقد صدقتني، ولأخرجن من هذه القرية، وما لي في صحبتكم من حاجة، ولا في قتال القوم من أرب. فقال ذلك الشيخ: أنشدك الله أن لا تدع سورية جنة الدنيا للعرب وتخرج منها ولم تعذر، فقال: قد قاتلم بأجنادين ودمشق وفحل وحمص كل ذلك تفرون ولا تصلحون، فقال الشيخ: أتفر وحولك من الروم عدد النجوم؟ وأي عذر لك عند النصرانية! فثناه ذلك إلى المقام، وأرسل إلى رومية وقسطنطينية وأرمينية، وجميع الجيوش، فقال لهم: يا معشر الروم إن العرب إذا ظهروا على سورية لم يرضوا حتى يتملكوا أقصى بلادكم ويسبوا أولادكم ونساءكم ويتخذوا أبناء الملوك عبيداً، فامنعوا حريمكم وسلطانكم، وأرسلهم نحو المسلمين فكانت وقعة اليرموك وأقام قيصر بأنطاكية فلما هُزِمَ الروم وجاءه الخبر، وبلغه أن المسلمين قد بلغوا قنسرين، خرج يريد القسطنطينية، وصعد على نشز وأشرف على أرض الروم، وقال: سلام عليك يا سورية، سلام مودعٍ لا يرجو أن يرجع إليك أبداً.

أيها الناس: لأن اليرموك ملحمة من ملاحم التاريخ، ولأنها سفر سطر بمداد المخلصين من المسلمين، فقد تغنى الشعراء بها إكباراً وتقديراً وفخراً، من ذلك ما قاله أبو الفضل الوليد عنها:

أدِمَشقُ ما أمضى سيوفَ بنيك

تِلكَ التي شَلَّت عُروشَ ملوكِ

ولكلِّ أرضٍ من جمالِكِ قِسمَة

وجمالُ كلِّ الأرضِ في ناديك

إن الضّحايا في هواكِ كثيرةٌ

فَتَذكّري ما كانَ في اليَرموك

اللهُ راضٍ عن شِهادةِ فِتَيةٍ

بعُيونِهم وقُلوبهم حَجَبوك

أبناؤك العربُ الكِرامُ تَطوّعوا

واستهلكوا ليقوكِ أو ليفوك

سالت لدَيكِ دِماؤُهم فَتَعطّفي

بتحيَّةٍ لِشبيبةٍ تفديك

 

(الخطبة الثانية)

 

أيها الناس: هكذا كان الوضع لما كان للمسلمين دولة وإمام، ولما جاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ورفع راية الإسلام! وعندما استبدلت القرود بالغزلان، وصار حكامنا من أمثال بشار وخوان وجبان، صاح من نفس المكان الذي يشهد اليوم أبشع صور الحصار والخذلان، من اليرموك، من أحد سكان مخيمات هذا الزمان المحاصرة الجائعة قائلا: (فلتسقط هذه الإنسانية كلها، وليذهب هذا العالم التافه للجحيم). أجل، وليذهب حكامنا المتخاذلون معه. وشتان بين حصار اليرموك بالأمس وحصاره اليوم، فحصاره بالأمس كان عزة وفخارا، وتحول اليوم عارا وشنارا، وخزيا على حكام الضرار الأشرار. ونذكر أوباما وبوتين وأمثالهم من أنذال اليرموك الثانية بقول سلفهم هرقل أيام اليرموك الأولى ونقول لهم: يا معشر الصليبيين الجدد، إننا سنظهر على سوريا بخلافة ثانية راشدة على منهاج النبوة، ولن نرضى حتى نتملك أقصى بلادكم، ونسبي أولادكم ونساءكم، ونتخذ أبناء ملوككم عبيدا، أما أنتم فلن يكون لكم في العيش نصيب ولا دثار، وسنعجل بكم إلى المنتقم القهار، وسترحلون عن سوريا وبلاد الشام وكل بلاد المسلمين التي رتعتم فيها طويلا، ولن تعودوا إليها أبدا بإذن الله. أما أنتم أيها المحاصرون في مخيم اليرموك، وباقي المكروبين في شام العز والفخار، صبّركم الله على مصابكم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجيركم فيه، وأن يفك حصاركم، ويشبع جوعتكم ويأمن روعتكم، ويقهر عدوكم، ويشفي مرضاكم ويرحم شهداءكم. ولله در القائل:

أبكي على شام الهوى بعيون مظلومٍ مناضل

وأذوب في ساحاتها بين المساجد والمنازل

ربّاه سلّم أهلها وأحم المخارج والمداخل

واحفظ بلاد المسلمين عن اليمائن والشمائل

مستضعفين فمن لهم يا رب غيرك في النوازل

مستمسكين بدينهم، ودماؤهم عطر الجنادل

رفعوا الأكف تضرعوا عند الشدائد والزلازل

يا رب صن أعراضهم ونفوسهم من كل قاتل

وقفوا دروعا حرة دون البنادق والقنابل

نامت عيون صغارهم واستيقظت نار المعاول

لا عاش قاتلهم ولا دامت له يوماً أنامل

وعليه أصبح حوبةً دمع الثكالى والأرامل

لله رب المشكتى رب الأواخر والأوائل

والله فوق المعتدي فوق الأسنّة والسلاسل

وغداً يكون لأمتي صرح تزينه المشاعل

وغداُ إذا الحق اعتلى حتماً سيُزهق كل باطل

فاللهم عجل لنا بخلافتنا ورد علينا ضالتنا، وارزقنا يرموكا ثالثة كاليرموك الأولى، يعز فيها أهل طاعتك ويذل فيها أهل معصيتك، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...