اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

خطبة للشيخ عصام عميرة


Recommended Posts

الجمعة 22/3/1435 هـ

الموافق 24/1/2014 م

حافظوا على ثوابتكم أيها المسلمون

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: منذ اليوم الأول الذي نزل فيه الوحي على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وحدد له الثابت الأكبر الذي لا يتغير، ولا يصح أن يتغير، وهو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، منذ ذلك اليوم وثابت المسلمين هو الثابت، لم يتغير ولم يتبدل، برغم محاولات تغييره وتبديله المستمرة والمتعاقبة. فكم حاولت قريش أن تنال من هذا الثابت، وتغيره أو تغير فيه؟ وكم تعرض هذا الثابت للمساومة والسخرية والاستخفاف والبطش؟ وجندوا كبيرهم وصاحب إعلامهم أبا لهب ليشوه صورة ابن أخيه سيد الثابتين، عندما كان يلاحقه في المواسم، كما أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن ربيعة بن عباد الديلي، وكان جاهليا أسلم، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)؛ ويدخل في فجاجها، والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحدا يقول شيئا، وهو لا يسكت، يقول: (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)؛ إلا أن وراءه رجلا أحول، وضيء الوجه، ذا غديرتين، يقول: (أنه صابئ كاذب)؛ فقلت: (من هذا؟)، قالوا: (محمد بن عبد الله، وهو يذكر النبوة!)، قلت: (من هذا الذي يكذبه؟)، قالوا: (عمه أبو لهب!). وقد تعرض هذا الثابت العظيم لمحاولات لا تحصى من الملأ وأرباب السياسة لتغييره أو تعديله أو المساومة عليه. من ذلك ما روي عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاث سنين من نبوته مستخفياً، ثم أعلن في الرابعة، فدعا عشر سنين يوافي الموسم يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل ولهم الجنة، فلا يجد أحدا ينصره حتى إنه يسأل عن القبائل ومنازلهم قبيلة قبيلة حتى انتهى إلى بني عامر بن صعصعة فلم يلق من أحد من الأذى قط ما لقي منهم حتى خرج من عندهم، وإنهم ليرمونه من ورائه؛ حتى انتهى إلى بني محارب بن خصفة فوجد فيهم شيخا ابن مائة سنة وعشرين سنة فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام، أن يمنعه حتى يبلغ رسالة ربه، فقال الشيخ: (أيها الرجل قومك أعلم بنبئك، والله لا يؤوب بك رجل إلى أهله إلا آب بشر ما يؤوب به أهل الموسم؛ فأغن عنا نفسك)؛ وإن أبا لهب لقائم يسمع كلام المحاربي ثم وقف أبو لهب على المحاربي فقال: (لو كان أهل الموسم كلهم مثلك لترك هذا الدين الذي هو عليه إنه صابئ كذاب)؛ قال المحاربي: (أنت والله أعرف به؛ هو ابن أخيك ولحمتك)؛ ثم قال المحاربي: (لعل به يا أبا عتبة لمما، فإن معنا رجلا من الحي يهتدي لعلاجه)؛ فلم يرجع أبو لهب بشيء؛ غير أنه إذا رآه وقف على حي من أحياء العرب صاح به أبو لهب: (إنه صابئ كاذب). ومن القبائل الذين سماهم الواقدي، أنه عليه السلام عرض عليهم نفسه ودعاهم إلى الإسلام: بنو عامر، وغسان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر من هوازن، وثعلبة بن العكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو الجيش أنس بن أبي رافع. وقال ابن كثير في «البداية والنهاية»، وفي «السيرة النبوية»، نقلاً عن موسى بن عقبة عن الزهري: (فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف في قومه، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه ويمنعوه، ويقول: «لا أكره أحداً منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعو إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه!إنما أريد أن تحوزوني فيما يراد لي من القتل، حتى أبلغ رسالة ربي، وحتى يقضي الله لي، ولمن صحبني، بما شاء»، فلم يقبله أحد منهم. وما يأتي أحداً من تلك القبائل إلا قالوا: قوم الرجل أعلم به! أترون رجلاً يصلحنا، وقد أفسد قومه، ولفظوه؟! وكان ذلك مما ذخره الله للأنصار، وأكرمهم به.)

أيها الناس: هذا رسولكم صلى الله عليه وسلم قد رأيتموه ثابتا على الحق، لا يساوم على ثابت من ثوابت الإسلام، حتى أعز الله دينه، وأنفذ أمره، وأقام دولته، وجاءته العرب صاغرة، وذلت له رقاب العجم الجبابرة. من ذلك ما رواه ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية عن عقيل بن أبي طالب بسند حسن قال: جاءَتْ قريشٌ إلى أبي طالِبٍ فَقالوا: يا أبا طالِبٍ، إنَّ ابنَ أخيكَ يُؤْذِينا في نادِينا وفي مَسجِدِنا، فانْهَهُ عَن أَذَانا، فقالَ: يا عَقيلُ: ائْتِني بِمُحمَّدٍ، فَأَتيتُه بِه، فقالَ: يا ابنَ أَخي، إنَّ بَنِي عَمِّكَ يَزْعُمونَ أَنَّكَ تُؤْذيهمْ، فَانْتَهِ عَن ذلكَ، قال: فَحَلَّقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بَصَرَهُ إلى السَّمَاءِ فَقالَ: أَترَونَ هذِهِ الشَّمسَ؟ قالوا: نعَم، قال: ما أنا بَأَقدرَ علَى أن أَدَعَ لكُم ذلكَ من أن تُشْعِلوا منها شُعْلَةً، قال: فقال أبو طالبٍ: ما كَذَبنَا ابنُ أَخِي، فَارْجِعُوا.

أيها الناس: لقد أوصانا عليه السلام قبل موته بالمحافظة على تلكم الثوابت، وعدم التفريط بها أو بجزء منها، فقال: "اعقِلوا أيُّها النَّاسُ قولي فقَد بلَّغتُ، وقد ترَكتُ فيكُم أيُّها النَّاسُ ما إنِ اعتَصمتُم بِهِ فلَن تضِلُّوا، كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ". وقد تمسك الخلفاء الراشدون المهديون من بعده بهذه الثوابت، ففتحت لهم الدنيا، واتسع سلطانهم ليشمل معظم العالم القديم، في دولة واحدة مترامية الأطراف، يحكمها خليفة واحد، ولها راية واحدة هي راية العقاب مكتوب عليها أبرز ثابت من ثوابت الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وبقدر ما حافظ المسلمون من بعدهم على هذه الثوابت، بقدر ما حققوا من انتصارات وأصابتهم الخيرات. وكانت تصيبهم الهزائم، وتتوالى عليهم النكبات، وتحل بهم القوارع كلما فرطوا بشيء من تلكم الثوابت، واتبعوا أمر شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. حتى وصلوا إلى مرحلة النهاية التي فرطوا فيها بكل الثوابت، وتركوا آخر ما تبقى منها وهو الخلافة، وقبلوا أن تقوم فيهم زمرة الكماليين الخونة بإلغاء نظام الخلافة، والدوس على الثوابت بالإقدام. عند ذلك، هانوا على الله، وهانوا على أمم الأرض، وصار المسلمون في هذه الدنيا هائمين على وجوههم، تتداعى عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، رغم الكثرة الكاثرة، بعد أن أصابهم الوهن، وهو حب الدنيا وكراهة الموت، والحال يغني عن المقال.

 

(الخطبة الثانية)

 

أيها الناس: من يهن يسهل الهوان عليه، ومن يتنازل عن ثابت واحد من ثوابته يطمع فيه أعداؤه أن يتنازل عن المزيد، حتى يصبح ولا ثوابت له، وتتقاذفه الأمواج العاتية في بحور السياسة المتلاطمة. وهذا تاريخ المسلمين منذ هدم الخلافة يشهد التنازلات عن الثوابت تتلوها التنازلات، ولو أردنا حصرها ما استطعنا لكثرتها وتنوع مجالاتها، ولكن المثال يقرب فهم المقال. كان من ثوابت أهل فلسطين أنها لهم من بحرها إلى نهرها، ومن شمالها إلى جنوبها، ومن كثرة تنازلاتهم ضاعت فلسطين بأكملها. وكان من ثوابت بعض الحركات الإسلامية أن القرآن دستورنا، ومن كثرة تنازلاتهم تبنوا دستورا من غير القرآن وهم يجلسون على كرسي الحكم. وكان من ثوابت الائتلاف الوطني السوري الخائن أن لا تفاوض مع نظام بشار المجرم، واليوم يجلسون على طاولة الحوار مع أقذر معاونيه في مؤتمر جنيف اثنين. وقد أهدر المجاهدون في الشام ثابتا عظيما من ثوابت الإسلام وهو حرمة الدم المسلم، فاقتتلوا، وأراقوا الدماء الزكية، في إشارة خطيرة على استعدادهم للتنازل عن مزيد من الثوابت من أجل منصب حقير أو منفعة زائلة في شبه دولة. وفي هذا القدر كفاية لنعلم أن الثوابت في حياة الأمم والشعوب والأفراد شيء مقدس، لا يجوز العبث به، أو التنازل عنه أو عن جزء منه، وأن على أصحاب الثوابت أن يبذلوا الغالي والنفيس للمحافظة على ثوابتهم، وأن يتخذوا إجراء الحياة أو الموت إذا تعرضت ثوابتهم لشيء من ذلك. فالله الله في ثوابت الإسلام أيها المسلمون، لا تتنازلوا عنها ولا عن شيء منها، واجعلوا من إقامة الخلافة الراشدة ثابتا لا يتزعزع، واصبروا عليه وعلى باقي الثوابت، والله مع الصابرين.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...