وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ

[عبد الله العقابي]

السؤال:

ما الفرق بين

وجعلنا من الماء كل شيء حيٍ الآية .

وقولنا وجعلنا من الماء كل شيء حيًا.

ما الفرق في المعنى ؟؟؟؟؟؟؟

 

الجواب:

الجعل إذا ما أضيف إليه ما يفصله كان بمعنى التصيير

يا داود إنا جعلناك

ماذا؟

خليفة

أي صيرناك

ولو لم يفصل لكانت بمعنى خلقناك

وجعل الظلمات والنور أي خلقهما

وجعلنا من الماء أي خلقنا من الماء

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ الْخالِقُ هنا المقدر. والْبارِئُ المنشئ المخترع. والْمُصَوِّرُ مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفه. فالتصوير مرتَّبٌ على الخلقِ والبرايةِ وتابعٍ لهما. ومعنى التصوير التخطيطُ والتشكيلُ. انتهى

 

الخلق قد يطلق على معنى آخر غير الإنشاء من العدم، فالخلق قد يطلق ويراد منه التحويل في الصفات والعناصر التركيبية من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع، ومن هيئة إلى هيئة، ومن خصائص إلى خصائص، دون زيادة شيء على المادة الأولى من العدم المطلق، بل بإيجاد خصائص لازمة للشيء بها قوامه، ينتج عنها المسبَّب، لم تكن في الأصل الذي أُوجِدَ الشيءُ منهُ، فنقول أن تلك الخصائص كانت معدومة في ذلك الأصل، وأوجدت فيه بعد عدمها منه أو لزم اجتماع مجموعة خصائص على وفق نظام معين، صممه خالقه، لتصلح علة لتحويل الشيء من صورة إلى صورة، أو من خصائص إلى خصائص، فأطلق على التحول الكلي للشيء من صورة وخصائص أولية إلى صورة وخصائص ثانية، وفقا للتصميم والإبداع، خلقا، حين خضع للنظام السببي، فوُجدت من اجتماع خصائصَ وصورٍ معينةٍ على نحو ٍما، قابليةُ إيجادِ المسبَّب وفقَ إرادة المسبِّب، وتصميمه وإبداعه، فنتج خلقٌ جديدٌ، عن خلقٍ آخرَ، وفي حدود هذا الاستعمال، وبوجود إرادة الله تعالى على أن يخلق خلقا، نجد قول الله تعالى في سورة (المؤمنون): ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ من طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.

 

تلاحظ تبادلا في استعمال الخلق والجعل، فهما بمعنى واحد، قد يطلق على الإنشاء من العدم، وقد يطلق على التحوير والتصيير

من هنا فاستعمال: وجعلنا من الماء، على نحو استعمال وخلقنا من الماء، لا يلزم أن يكون إيجادا من عدم بمعنى الإنشاء من العدم بالكلية، بل تصيير خصائص معينة لم تكن موجودة، على وفق مخطط معين لتنتج

منها مخلوقا له خصائص أخرى فهذا معنى: وجعلنا من الماء

 

{ وجعلنا } إن تعدت لواحد كانت بمعنى وخلقنا

وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه، ومن هذا نحو من في قوله عليه السلام: " ما أنا من دد ولا الدد مني " وقرىء حياً وهو المفعول الثاني.

كما قال الرازي في تفسيره

فالسؤال الآن: هل كل مخلوق من ماء؟ والجواب أن الله تعالى بين أن الملائكة مخلوقة من نور، والجن من نار، وقد أجاد الرازي في تفسيره إذ شرح ذلك بقوله:

وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام:

{ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى }

[المائدة: 110] وقال في حق آدم:

{ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ }

[آل عمران: 59] والجواب: اللفظ وإن كان عاماً إلا أن القرينة المخصصة قائمة، انتهى

وقيل: الكل قد يذكر بمعنى البعض كقوله:

{ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ }

وما أوتيه سليمان عليه السلام أضعاف أضعاف ما أوتيته بلقيس

[النمل: 27] وقوله: «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ»

قال تعالى بعد قوله تدمر كل شيء: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}

وقال عز وجل: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} وقد أتت الريح على الأرض والجبال والمساكن والشجر وغير ذلك فلم يصر شيئا منها كالرميم

قال النبهاني رحمه الله في الشخصية الثالث: التخصيص أولى من المجاز؛ لأن الباقي بعد التخصيص يتعين فيعرف؛ لأن العام يدل على جميع الأفراد، فإذا خرج البعض بدليل بقيت دلالته على الباقي من غير تأمل لتعينها. انتهى

من هنا فخروج بعض الخاص عن العام بدليل يبقي الباقي على الأصل وهو أن الباقي مخلوق من ماء

من حرف جر، وتبنى ( مِنْ ) إذا سبقت كلمة تبدأ بساكن علي( الفتح العارض ) . لذلك قال: مِنَ الماءِ

معنى حرف (مـن) في الآية الكريمة:

 

من أسرار اللغة العربية تعدد معنى الحرف الواحد فمثلاً:

 

حرف الجر (مِن) قد يستعمل لغويٌّا لثلاثة أغراض رئيسة: حيث إن (مِن) بالكسر هو حرف خافض وهو أولاً يستعمل لابتداء الغاية، كقولك: خرجت مِن بغداد للكوفة، حيث إن بغداد هنا هي بداية الرحلة.

 

وثانيًا: قد يكون للتبعيض(بعض الشيء) كقولك: (هذا الدرهم مِن الدرهم).

 

وثالثًا: قد يكون للبيان والتفسير كقولك: (لله دره من رجل)، وقد ساق الإمام الرازي في مختار الصحاح مثلاً قرآنيٌّا رائعًا تظهر فيه الثلاثة مواضع السابقة في قوله تعالى: ﴿ وَيُنَزِلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾[النور: 43]. حيث إن (مِن) الأولى لابتداء الغاية، و(مِن) الثانية للتبعيض، و(مِن) الثالثة للتفسير والبيان.

من في الآية: وجعلنا من الماء، قد تكون بمعنى التبعيض، أي بعض الأحياء من الماء، وقد تكون بمعنى ابتداء الغاية، أي ابتدأ الخلق من الماء،

 

أما الإعراب: ( وجعلنا ) أي وخلقنا ، والمفعول " كل شيء " ، و " حي " صفة ، و " من " لابتداء الغاية .

ويجوز أن يكون صفة ل"كل" تقدم عليه فصار حالا . ويجوز أن يكون جعل بمعنى : صير ; فيكون " من الماء " مفعولا ثانيا .

ويقرأ " حيا " على أن يكون صفة لـ " كل " ، أو مفعولا ثانيا .

 

من هنا: وجعلنا: أي خلقنا فعل وفاعل، والمفعول هو كل شيء، وحي صفة شيء، أو صفة كل وهي منصوبة فيكون حيا منصوبا، أي جعلنا الانسان حيا، والحيوان حيا،

والنعت أو الصّفةُ، تابعٌ يُذكرُ بعدَ اسمٍ لبيانِ صفتِه أو تمييزِه عن غيرِه،

فهنا يميز بين الحي والميت: وجعلنا من الماء الانسان الحي، مقابل الميت، فيصح أن تكون حيا،

ونحن نعلم أن النعت في حركة الإعراب يكونُ مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً بحسبِ موضعِ المنعوتِ من الإعرابِ

فالمنعوت: كلَّ منصوب، فيصح أن يكون النعت: حيا منصوبا

أما إذا كان إعراب حيا مفعول ثان، فمعناه: جعلنا الانسان حيا، أي صيرناه حيا، فالانسان وحيا مفعولان به.

بقي أن نفهم وجه إعراب حي بالخفض: كل شيء حيٍّ

 

شيءٍ مجرورة، وحي صفة لشيءٍ وعليه: فالآية قد تكون أرادت تمييز شيء بالحياة تمييزا يفصله عن غيره، فكأنها تلفت النظر إلى كل شيء بعينه، فالانسان ، والبقرة، والغزال .... الخ كل شيء من هذا إذا تأملته رأيته حيا بالماء

وقد يكون حيا نعتا لكل، فحينها أنت تنظر إلى الكليات، فجنس الانسان، وجنس الحيوان، والمخلوقات بشكل عام كلها حياتها بالماء

فالتركيز هنا على أهمية الماء في الخلق، بينما التركيز في الثانية، أي في المجرورة من أجل التفكر في كل مخلوق بعينه

هذا والله تعالى أعلم.

 

عن صفحة:

إعجاز القرآن الكريم - فأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ Miracles Of The Quran