اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مثال القطار وأهل الإلحاد


ألب أرسلان

Recommended Posts

مثال القطار وأهل الإلحاد

------------------------

فتح صاحبنا عينيه فوجد نفسه في قطار كأن الأرض تطوى من تحته, لا يذكر إلا أنه وجد نفسه هنا, نبت في رأسه السؤال: "من جاء بي إلى هنا وإلى أين أسير؟" نظر حوله فوجد الناس منهمكين في مشاغلهم, فهذا يقرأ والآخر يلعب بجواله وتلك تُسَكِّتُ صغيرها, بدا عليهم السكون فغلب على ظنه أنهم يعلمون من أمر الرحلة ما جعلهم مطمئنين.

 

التفت إلى الكهل عن يمينه فسأله: " عفوا, إلى أين يتجه بنا القطار؟" نظر إليه دون أن يرفع بصره عن الجريدة وقال: " المهم أننا في القطار." ثم أطرق ليغرق في كومة الأوراق الرمادية من جديد. هم صاحبنا أن يلح عليه في السؤال لكنه عدل عن ذلك وقام إلى شاب في مقدمة العربة فسأله:

"معذرة, ما هي وجهة القطار؟" نظر إليه الشاب مستغربا وقال: "القطار هو الوجهة, هذا كل شيء." كان وقع هذا الجواب أشد عليه من سابقه, فعاد إلى مكانه وحاول أن يصنع كما يصنع الآخرون لعله يشعر ببعض السكينة, لكن الأسئلة انهالت عليه كالسهام: "لماذا؟ كيف؟ إلى أين؟" عندها قام وتنحنح وبدأت الكلمات تسيل من فيه: " أيها السادة, امنحوني لحظات من وقتكم رجاء, أنا تائه, لا أذكر شيئا من أمري إلا أني فتحت عيني ووجدتني في هذا القطار, أخبروني إلى أين نمضي ولماذا؟"

نظر حوله فوجد أكثر الناس لم يحفل به, وبعضهم اكتفى بتحريك رأسه, أحس بالضياع, نظر إليه رجل تبدو عليه أمارات النباهة يحمل كتابا, وقال له: "سيدي, لقد ذهب زمان الفلسفة, إننا في زمان العلم والتقنية والسرعة والمعلومات, فكيف تزعجنا بأسئلتك الأفلاطونية؟"

قام إليه مسرورا بجوابه قائلا: "شكرا لك أيها الأستاذ, حدثني عن العلم: ماذا يقول عن هذا القطار ومنشئه ومبتدئه ومنتهاه."

وضع الكتاب على فخذه و أجابه: "لا أحد يملك جواب سؤالك عن منشإ القطار ولا نقطة انطلاقه ولا محطة نهايته, لقد قرر العلماء أن القطار هو الغاية, وأنه قد يكون ذا صفة لا نهائية, لكنهم اجتهدوا في تحصيل العلم البراجماتي, لقد صاغوا النظريات الدقيقة التي تشرح القوانين والأنظمة التي تتحكم في القطار, وتوقفوا عن طرح مثل أسئلتك الرومانسية."

استمع صاحبنا لهذه الكلمات التي لم تزده إلا حيرة وشعر كأنه عطشان لا يجد إلا ماء أجاجا, فعاود الكرة من جديد: " فهمتك سيدي, لكن أليس من مواضيع العلم البحث عن معنى أو مغزى ما وراء وجودنا في هذا القطار؟" بدأ صبر الرجل المثقف ينفد, فقال متأففا: " للأسف لا يوجد مغزى عميق, اذهب للمطعم واحصل على بعض الطعام والكولا, شاهد بعض الأفلام, استمتع بوقتك يا رجل, هل يصعب عليك ذلك؟ استمتع بوقتك فإنك لا تدري متى تنتهي رحلتك, فاغتنم أيامك كما يفعل الجميع."

قام صاحبنا وهو يتمتم: "ليس القطار كل شيء, حتما إن لهذا الأمر معنى ومغزى, إن عقلي يدلني على ذلك, ولن أرتاح حتى يخبرني أحد ما بالحقيقة, كل الحقيقة."

 

منقول

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...