خلافة راشدة Posted August 30, 2014 Report Share Posted August 30, 2014 بسم الله الرحمن الرحيم حمل الدعوة بين تحريك الشعور الفكري وخطر اتباع المشاعر - الجزء الأول - كثيرة هي الأحداث والوقائع التي تؤثر في الإنسان وتتفاوت درجات التأثّر والتفاعل معها حسب المفهوم الذي يحمله ذلك الإنسان عن واقعها. فالتعبير عن الفرح والحزن والميل والخوف تتفاوت وإن كان طريق الإحساس بها واحداً. فتقبّل خبر النجاح لا يختلف من جهة الإحساس بمظاهر الفرح به لكن الاختلاف يكمن في درجة الشعور بهذا الفرح وبالتالي يتفاوت التعبير عنه حسب ما ينتظره المرء من هذا الأمر وحسب أهميته بالنسبة له. ومن الوقائع ما يختلف الشعور بها حسب عقلية الإنسان المتبناة (الفكرة أو الأفكار التي على أساسها يبني أحكامه) فيؤثر - هذا الشعور - على نفسيته (الطريقة التي وفقها يصرّف ميوله تجاه واقع معين) فيتكون له بذلك شعور مرتبط بفكره وهذا يسمى الشعور الفكري أي الشعور المنبثق عن فكرٍ وعن مفاهيم. فالشوق لبلد الله الحرام لا يشعر به إلا من ينتمي للمسلمين. وغياب مفهوم المُحْرم والعورة عند غير المسلمين جعل العلاقات شاذة في مجتمعاتهم. بصفة عامة الشعور الفكري يشذ عن الفطرة البشرية إذا كان أساس الفكر والعقيدة المتبعة يخالف هذه الفطرة. والشعور الفكري الوحيد الصحيح هو ذلك الذي يبنى على أساس العقيدة الإسلامية. فالنظرة للإنسان بوصفه مخلوقاً لخالق وتنظيم العلاقات معه تبنى على أساس الأحكام الشرعية الإسلامية فالنظرة للكافر المحارب ليست كالنظرة للكافر المسالم تقيدا بحكم الله: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. وتختلف درجة تأثر الإنسان بشعوره الفكري حسب قوة اطمئنانه للفكر. فالمسلمون يتفاوتون في شعورهم بقضايا الأمة بحسب درجة وعيهم بخطورتها وعظمها وبحسب تغلغل مفاهيم الإسلام في قلوبهم. فالشّعور بالألم لجراح المسلمين المضطهدين والفرح لفكّ الكرب عن آخرين يكون أشد عند الذي أشغل نفسه بنصرة الأمة من الذي اقتصر اهتمامه بالدنيا وانشغل بنفسه. والشعور فكريا كان أو فطريا جبليّا أثره زائل وسريع الانطفاء بزوال سبب تحركه أو طول الأمد الذي يصيب المرء بالملل والفتور. لهذا كان لزاما على المسلم أن يجعل الفكر أساس حكمه على الأشياء والأحكام الشرعية أساس ميوله وسلوكه مع ما حوله. إلاّ أن الخطر يكمن في سيطرة الشعور على عملية التفكير ما قد يؤدي لارتكاب خطأ عوض اتخاذ الإجراء الصحيح الصائب. فنجد من المسلمين من يتحمس لعمليات استهداف جيوش المحتل أو لاعتصام ناجح أو عمل جماهيري كبير حتى يكاد يُخيّل له أن هذا العمل سيحقق التغيير المنشود وتقوم دولة الإسلام. فتأثره الكبير بالعمل يجعله يرد الفعل تجاه عمل جزئي وإن كان ذا أهمية فيعتبره عملا من الطريقة عوض أن يبني عليه ويفتح أبوابا في التفاعل مع الأمة، فيخطئ تقدير نتيجة العمل ولا يحسب حساب المرحلة التالية لذلك العمل، فيضّيع الهدف مما يؤدي لزاما لانحراف سيره في طريق تحقيق الغاية المنشودة. وقد يؤدي أيضا للتركيز على جزء من قضايا المسلمين ويُغَضَّ الطرف عن باقي قضايا المسلمين التي ترزح تحت نير عدوان الكفار غربا وشرقا. على حامل الدعوة أن يعي جيدا أن الشعور لا يجب أن يؤثر على عملية التفكير وأن يتقي بذلك عدة أخطار قد توضع عقبات في دعوته تؤثر سلبا على تفاعل الناس معه وحتى على تفاعله هو مع الواقع المحيط به. سنتعرض في الجزء الثاني إلى ما يجب على حامل الدعوة القيام به وما يحذر الوقوع فيه. كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير أسامة بن شعيب - تونس www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_39201 Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
خلافة راشدة Posted August 30, 2014 Author Report Share Posted August 30, 2014 بسم الله الرحمن الرحيم حمل الدعوة بين تحريك الشعور الفكري وخطر اتباع المشاعر - الجزء الثاني - تعرضنا في الجزء السابق إلى الشعور بنوعيه الفطري الجبليّ والفكري وبيّنا أهمية الأخير في حمل الدعوة. وقد أشرنا لأثر الشعور في حمل الدعوة وخطره على عملية التفكير في اتخاذ الأحكام على واقع الأمة حين التفاعل معها. وسنتعرض بإذن الله في هذا الجزء الثاني من المقال إلى تأثير المشاعر على حامل الدعوة والأخطار التي يمكن أن تواجهه. إن حامل الدعوة صاحب حس مرهف وصاحب الشعور الفكري الأقوى - ويجب أن يكون - إلا أنه الأقدر على عدم الانجرار وراء المشاعر ولا ينبغي له حتى يبقى الفكر الذي يعمل به واضحا صافيا وتبقى الغايات المرسومة بائنة جلية. فهذا قد يجعل حامل الدعوة يذوب في الجماعة فتغلب مفاهيمها مفاهيمه وعوض أن يغير فيها هو ويؤثر فيها، يتأثر هو بالحراك المشاعري حوله فيصبح في أحسن حالته مجرد مترجم لما يشعر به الناس وقد يجره هذا للتعبير بأساليب خاطئة وشعارات تناقض الفكر دون وعي كشعارات العروبة أو الميل للعمل المادي بقصد التغيير. حتى إذا زال هذا الشعور وفتر وجد حامل الدعوة صعوبة في التفاعل مع الناس وبناء الوعي العام لديهم ما يسبب تفويت فرص كسب أشواط ويقدّم في المقابل سبيلا للعدو لمزيد من التغلغل ماديا وفكريا وفرصاً لنهش الأمة لمزيد من الزمن. إن حامل الدعوة يستغل تأثر الناس بما يحدث للأمة وتَحرّك مشاعرهم ليبني الرأي العام الصحيح على الوعي العام الصحيح تجاه قضايا الأمة. فهو بالأساس يحاول في دعوته تحريك مشاعر الناس حتى تهوي القلوب إليه وتطمئن لمشروعه وترتقي لمستوى تفكيره لأن عامة الناس يحركها الشعور الجماعي إزاء الواقع العام، وكلما كانت الدعوة أقرب لمشاعرهم كان إيجاد الرأي العام بينهم أيسر وأوضح. ولهذا عمد العدو إلى قتل المشاعر الإسلامية في بلاد المسلمين بتلويث مفاهيمهم ودس سموم أفكاره فيها حتى يغيّب عنهم اتباع الطريق القويم ويرسم لهم طرقاً مجانبة للسبيل القويم للنهضة مرةً بالإسلام المعتدل وقبلها بالإسلام الكهنوتي واليوم يضخم صورة التنظيمات القتالية فيجذب الشباب المتحمس لتبني هذا المنهج وتنفير البقية من الإسلام بالتركيز على أخطاء ومخالفات هذه التنظيمات فيتوجه الرأي العام للمسلمين بين مدافع عنها وخائف منها، فيصير السؤال أي نموذج للإسلام تريدون؟ بدل أن يكون ما حكم الإسلام في هذه النماذج، فيتشتت فكر الناس عن المشروع الحقيقي للأمة. لقد أتيحت اليوم فرصة بيان ضعف الكفار أمام عزم المسلمين بعد أحداث غزة، فما على المسلمين إلاّ اتخاذ الإجراء الصحيح لقلع الكيان الغاصب وتحريك جيوش المسلمين لنصرة أهل غزة بل فلسطين وكل المسلمين في العالم. إن إشعار الناس بوهن المحتل وضعف من وراءه أمام عزيمة المسلمين وإرادتهم لا يكون بتصوير أعمال المجاهدين المخلصين انتصارات، لأن عملهم هذا واجب يلقون بإذن الله جزيل الثواب عليه في الآخرة لذودهم عن الأرض والعرض، بل ببيان أن هذه الأعمال، على جميل أثرها في نفوس المسلمين وشديد وقعها على الكيان المغتصب لا تكفي لتحقق التغيير الجذري المنشود ولا يمكنها قلع الاستعمار وإن طالت ولن تحرر الأرض مهما بلغت أذيتها للمحتل، فأقصى ما قد ينتج عن هذه الأعمال المباركة هو درء الأذى ودفعه لفترة من الزمن قد تقصر أو تطول. على حامل الدعوة أن يحرك مشاعر الناس نحو التغيير الجذري ببناء الرأي العام بضرورة حمل الإسلام مشروعا مفصلا كحل لإنقاذ كل بلاد المسلمين من قيود النظم الجائرة والحكام الخونة والمستعمرين المجرمين. إن من أصعب المراحل التي يمر بها حامل الدعوة وأخطرها حين يتعارض ما يحمله مع ما يطلبه الناس من حلول آنية ملحة يلتمس فيها الناس منفذا ومتنفسا من وحل الانحطاط، دون وضع أهداف واضحة ورسم غايات دقيقة من الأعمال المُطالَبُ بها حامل الدعوة أمام أمته. على حامل الدعوة أن يدرك أن الخطأ في تقدير التعبير عن المشاعر والانقياد لها قد يؤدي لاتخاذ إجراءات خاطئة وتبني مواقف مجانبة للصواب وبناء أحكام قد تخالف المبدأ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير أسامة بن شعيب - تونس www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_39202 Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.