اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

الصيام جُنَّة .... و الإمام جُنَّة


Recommended Posts

الصيام جُنَّة .... و الإمام جُنَّة

الصيام من أعظم العبادات وأشقها على النفوس، ذلك أن الصيام لا يعني الإمتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات فحسب، بل يعني الإمتناع عن كل المحرمات التي من شأنها أن تخرق الصوم. فعن عمر رضي الله عنه قال: "ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو"، وعن جابر رضي الله عنه: "إذا صمتَ فلْيَصُم سمعك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء".

فالمقصد من فرض الصيام هو التقوى كما بيّن الله تعالى ذلك في قوله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" ومن كرمه سبحانه أنه جعل لهذه العبادة الشاقة ميزة عظيمة أنها جُنّةٌ تدفع عن صاحبها النار يوم القيامة وتحجزه في الدنيا عن كل ما يمكن أن يورده النار يوم الحساب، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جُنَّة وحصن حصين من النار).قيل في معنى(جُنَّة): أي وقاية وسترة من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها، ولذا قيل:[إنه لجام المتقين وجُنَّة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين] وقيل:[جُنَّة من النار] وبه جزم ابن عبد البر لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها. ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة:[ الصيام جُنَّةٌ وحصن حصين من النار] وللطبراني عنه:[ الصيام جُنَّة يَسْتَجِنُّ بها العبد من النار] وللبيهقي :[ الصيامُ جُنَّةٌ من عذاب الله]

 هذا هو حال الصيام أنه جُنَّة يحفظ صاحبه في الدنيا ويقيه النار يوم القيامة، يحفظ المسلم من كل خلق سيء و يساعده على تحقيق المقصد من صيامه ألا و هو التقوى، و هذا المقصد قد يتحقق و قد لا يتحقّق للمسلم حسب درجة التزامه بأوامر الله و انتهائه بنواهيه، فمن أراد أن يحقّق المقصد من تشريع الصوم فعليه أن يترك الخصام واللجاج، فقد ورد في صفته عليه الصلاة والسلام كما في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه  في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر." ألا فليتق الله ذوي الألسنة الطويلة، والأيادي الباطشة، وَلْيَدَعُوا تحرشاتهم بالمسلين، وليصونوا ألسنتهم وليحفظوا أيديهم من هتك أعراض المسلمين.

و من أراد أن يكون له الصوم جنّة فعليه ترك أذية المسلمين، و غض البصر، و أن يفي بالعهود و العقود، و أن يحذر من مفسدات الصوم و خاصة في الأسواق التي تكثر فيها الأيمان الكاذبة و الغش و تطفيف الكيل و الميزان و البيوع المحرمة، والتي تفشت حتى في رمضان في هذا الزمان، زمن الغربة عن أحكام الله عزّ و جل.

و قد يسأل سائل: لماذا لم يعد الصوم جنّة للعديد من المسلمين؟ كيف لصائمٍ أن يمسك نفسه على المحرمات في ظل مجتمع فسدت قوانينه و أنظمته؟ يمسك نفسه عن المباحات حتى إذا أذّن المؤذن لصلاة المغرب فيجلس مع أبنائه أمام تلفاز و أمام إعلام ممنهج من أجل أن يفسد عليه فرحة إفطاره، برامج ماجنة، رقص و قمار، إعلاء لقيم الرذيلة عبر مسلسلات و أفلام هابطة، و كل رمضان بعد أن نعتقد بأن القوم وصلوا لقاع الإنحطاط يفاجئوننا بانحدار آخر إلى أن وصل الأمر بهم، إلى التطبيع مع كيان يهود عبر برنامج يحمل اسما عبريا و يُمَرِّرُ عَلَمَ كيان يهود في مسرحية سمجة، لم تعد تنطلي حتى على الصبيان، كيف يمكن لصائم أن يكون صومه له جنّة و هو يدخل إلى الأسواق و يرى فيها ما يرى من فساد أخلاق و خصومات و فجور، دون أي رقيب؟؟؟

نعم الصوم جنّة و لكنّه مُقَوَّمٌ فرديٌ يُصلح الفرد -بنسب متفاوتة- إذا التزم بشرع الله في خاصة نفسه، و لكنّه لا يملك لمجتمعه شيئا، لا يستطيع أن يحقّق المقصد الشرعي من الصيام على أعلى درجة في ظل مجتمع ليس له من يقيه و يحميه من الفجور و الشرور، فهل جعل الإسلام للمجتمع جُنَّة، كما جعل للصائم جُنّة؟؟

من المعلوم أنَّ الإسلام دين و منه الدولة، عقيدة ينبثق عنه نظام جُعل ليعالج مشاكل الناس، فلم يترك شاردة و لا واردة و إلا و جعل لها حكما علمه من علمه و جهله من جهله، فعنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ":إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ " .رواه مسلم ، فالله عزّ و جل جعل الإمام جنة وسِتْرًا يُتَّقَى به الأعداء، وتُؤَمَّنُ به السُبل، و تُحَصَّنُ به أسواق المسلمين، وتَخَافُ به الأعداء، ويمنع به العدو من أذى المسلمين، ويمنع به الناس من ظلم بعضهم بعضًا فهو جنة ووقاية للفرد والجماعة.

فما دام أن الإمام جنة كالصيام، فَلِمَ لا يوليه المسلمون ذاك الاهتمام الذي يولونه للصيام؟ مع أن الخير الذي يحصل من وجود الإمام يعم الأفراد والجماعة بل ويتعداهم ليعم العالم بأسره. و قد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين الإمام العادل و الصائم في حديث واحد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " رواه الترمذي  وصححه الألباني

فواجب على كل مسلم حينما يشرع بصوم رمضان أن يتذكر كيف يكون الصيام والإمام جُنّتان وكيف هما اليوم مفترقان، و أن يعمل على إيجاد الإمام الجُنّة استجابة لأمر الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}

 

فريد سعد

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...