اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

كيف ننتفع بالقرآن؟


Recommended Posts

كيف ننتفع بالقرآن؟

 

عن زياد بن لبيد ، قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال : " وذاك عند أوان ذهاب العلم " قال : قلنا : يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ قال : " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة ، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء ؟ " (رواه أحمد في مسنده و ابن ماجة في سننه)

 

من الأسئلة الوجودية التي يجب أن يطرحها كل مسلم على نفسه، خاصة ونحن في شهر رمضان المبارك بخيراته وبركاته ونفحاته العلوية، تلكم الأسئلة المتعلقة بالقرآن الكريم، و كيفية الإستفادة منه، فرمضان هو شهر نزول القرآن، وهو أفضل مناسبة لطرح هذا النوع من الأسئلة. أسئلة فاصلة ومصيرية في حياة المسلم ومسيرته إلى ربه. أسئلة مثل :

لماذا لا نستفيد من القرآن الكريم؟ لماذا لا يمس القرآن شغاف قلوبنا؟ لماذا لا يغير القرآن في حياتنا؟ لماذا أثر القرآن ومفعوله لا يدوم طويلاً في القلب والنفس والسلوك والحركة؟

وعند البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة الهامة والمصيرية سوف نصطدم بواقع أليم راكمته سنوات التيه والبعاد والهجران، كما راكمته سنوات من التعامل الخاطئ مع كتاب الله تعالى حتى كانت المحصلة النهائية هي أنّ أعظم معجزات الرسل بين أيدينا ولا ننتفع بها، ولا تؤثر في حياتنا، ولا تصل أنوارها إلى قلوبنا ونفوسنا، فقد استقر في الأذهان، وفي العقل الباطن، صورة مبتورة عن القرآن، وتكوَّن حاجز نفسي سميك بين القلب وبين الآيات المسموعة والمقروءة، وكأنها بلغة أخرى غير اللغة التي ننطقها، حتى ارتضى العقل ألا يبذل أي محاولة لفهم المراد منها، هذا الحاجز يبدأ في التكون داخل المسلم منذ نعومة أظافرهفلقد توارثت الأمة جيلا بعد جيل هذا التعامل الخاطئ مع القرآن، ورسخ في الأذهان مفاهيم خاطئة حول الطريقة المثلى لخدمته، من أبرز هذه المفاهيم الخاطئة:

 1- الخلط بين الوسائل والأهداف:

 فقد أصبح غاية المطلوب من القرآن هو إتقان تلاوته، وحفظ حروفه، وكثرة قراءته لتحصيل الأجر والبركة دون ربط هذا كله بمعانيه، مع أن النصوص القرآنية واضحة الدلالة بأن الهدف من قراءة القرآن: فهمه وتدبره، والفقه فيه والعمل به، وما التلاوة والسماع والحفظ إلا وسائل للانتفاع بكنوزه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "نزل القرآن ليُعمل به، فاتَّخَذُوا تلاوته عملا"، وقال ابن القيم رحمه الله: "أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب. وأما من حفظه ولم يفهمه، ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم".

 ومع قوة ووضوح وكثرة النصوص الدالة على ذلك إلا أنها لم تقع مواقعها الصحيحة في النفوس، وغالبية المسلمين لم يعودوا يدركون قيمة القرآن الحقيقية، ومقصد نزوله: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15 - 16].

 و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - و كأنه يصف حالنا ويكشف سبب دائنا- ، قال: "لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليُؤْتَي الإيمان قبل القرآن، وتنزِلُ السورةُ على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يُوقَفَ عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأيت اليوم رجالاً يُؤْتَي أحدُهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمِرُه، ولا زاجِرُه، وما ينبغي أن يُوقَفَ عنده، وكل حرف ينادي: أنا رسول الله إليك لتعمل بي، وتتعظ بمواعظي". (رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين).

 والإيمان الذي أشار إليه ابن عمر رضي الله عنه: "وإن أحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن" هو الإيمان بأن القرآن إنما أُنزل لتدبر آياته والعمل بما فيه.

 وذلك الإيمان هو الذي دفع الصحابة رضوان الله عليهم لتحقيق النصيحة لكتاب الله على ذلك الوجه، فكانوا فور نزول السورة أو الآية يبادرون لتعلمها والعمل بها، كما قال ابن عمر في حديثه السابق: وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها.

 2- غياب الجانب التطبيقي:

عندما غاب الجانب التطبيقي للقرآن، بغياب الكيان التنفيذي لقناعات الناس و مقاييسهم المنبثقة من القرآن الكريم، بغياب  هذا الكيان التنفيذي ألا وهو الدولة التي تطبقه، ما عاد له أثر في نفوس المسلمين حتى وجد من المسلمين من يقول بأن كلام الله جميل و لكن لا يمكن تطبيقه الآن، فتجده يقرأ الآية و لا يستشعر بأنّه هو المخاطب بها و أنّها بإمكانها أن تعالج مشاكل حياته، فمجرد أن يتم ما عليه من قراءة ورده يطوي القرآن و يجعله وراء ظهره و يتطلب حلولا لمشاكله من خارج القرآن، فما عاد القرآن منهج حياة للمسلمين، و ما عادت آياته تترك أثرا في نفوسهم

 3- محاور تأثير القرآن:

 إن الإيمان بقيمة القرآن العظيم هو الخطوة الأولى على طريق تحقيق التأثير والتغيير، فالإيمان بالقرآن هو الذي يولد الانبهار به، والاستسلام له، وفتح منافذ الاستماع والتلقي منه، والعكس صحيح فعدم الإيمان بالقرآن يدفع لإغلاق منافذ الاستماع له، وعدم الاكتراث به، بمثل هذا تحدث عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِين)

والمغزى واضح في ختام الآية: فإن لم تكونوا مؤمنين بي كرسول فلن تستقبلوا هذا الآيات استقبالا صحيحًا.

 ونفس الأمر بالنسبة للقرآن فإن لم يزدد الإيمان بقيمة القرآن، وبالهدف من نزوله، وبأنه قادر بإذن الله على تحقيق التغيير في حياتنا كأفراد و في حياة أمتنا كجماعة، فإن لم يحدث هذا فإن أي كلام يقال عن تدبر القرآن، والتمهل في حفظه، وضرورة التخلق بأخلاقه لن يجد الاستجابة الكافية في نفوس مستمعيه.

 و حتى نصل إلى درجة تأثير القرآن في القلوب وتغييره للنفوس، فيجب علينا فهمه كما فهمه الصحابة،و أن نعمل به كما عمل به الصحابة فجعل منهم جيلا قرآنيا فريدا كما وصفهم بذلك سيد قطب رحمه الله في كتابه معالم في الطريق فقال عنهم :" إنهم لم يكونوا يقرءون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا بقصد التذوق والاستمتاع. لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جعبته. إنما كان يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها، وشأن الحياة التي يحياها هو وجماعته، يتلقى ذلك الأمر ليعمل به فور سماعه، كما يتلقى الجندي في الميدان" الأمر اليومي" ليعمل به فور تلقيه! ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة، لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه  .

هذا الشعور.. شعور التلقي للتنفيذ.. كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتعة وآفاقًا من المعرفة، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع، وكان ييسر لهم العمل، ويخفف عنهم ثقل التكاليف، ويخلط القرآن بذواتهم، ويحوله في نفوسهم وفي حياتهم إلى منهج واقعي، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف، إنما تتحول آثارًا وأحداثًا تحوِّل خط سير الحياة.

إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل. إنه لم يجيء ليكون كتاب متاع عقلي، ولا كتاب أدب وفن، ولا كتاب قصة وتاريخ - وإن كان هذا كله من محتوياته - إنما جاء ليكون منهاح حياة. منهاجًا إلهيًّا خالصًا". انتهى كلامه رحمه الله، و نسأل الله أن يمنحنا كنوز القرآن و أن يلهم هذه الأمة رشدها و أن يجمعها على إمام و أن ينصرها على الكفار اللئام و أن يجعلها أهلاً للشهادة على الأنام، إنّه ولي ذلك و القادر عليه

فريد سعد

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...