واعي واعي Posted June 22, 2018 Report Share Posted June 22, 2018 بسم الله الرحمن الرحيمالنداء الأول نهى الله المؤمنين عن التشبه بالكافرين في مقالهم نَهى اللهُ تَعالَى المؤمنينَ أنْ يَتَشَبَّهُوا بِالكَافِرِينَ فِي مَقَالِهِمْ وَفِعَالِهِمْ، وَذَلِكَ أنَّ اليَهُودَ كَانُوا يُعَانُونَ مِنَ الكَلامِ مَا فِيهِ تَورِيَةٌ لِمَا يَقصِدُونَهُ مِنَ التَّنقِيصِ - عَلَيهِمْ لَعَائِنُ اللهِ - فَإِذَا أرَادُوا أنْ يَقُولُوا: اسْمَعْ لَنَا يَقُولُونَ: رَاعِنَا. يُوَرُّونَ بِالرُّعُونَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَينَا وَاسْمَعْ غَيرَ مُسمَعٍ وَرَاعِنَا لَــيًّا بِأَلسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَو أنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ وَأقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً). (النساء46) وكَذَلِكَ جَاءَتِ الأحَادِيثُ بِالإِخْبَارِ عَنْهُمْ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَلَّمُوا إِنَّمَا يَقُولُونَ: "السَّامُ عَلَيكُمْ", وَالسَّامُ: هُوَ الموتُ. وَلِهَذَا أُمِرْنَا أنْ نَرُدَّ عَلَيهِمْ بِـ "وَعَلَيكُمْ". وَإِنَّمَا يُستَجَابُ لَنَا فِيهِمْ، وَلا يُستَجَابُ لَهُمْ فِينَا. وَالغَرَضُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى نَهَى المؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الكَافِرِينَ قَولاً وَفِعْلاً. فَقَالَ: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وَقَالَ الإِمَامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الجُرَشِيّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيفِ، حَتَّى يُعبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنْهُم". وَرَوَى أبُو دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبِي شَيبَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ القَاسِمِ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّهْيِ الشَّدِيدِ وَالتَّهدِيدِ وَالوَعِيدِ، عَلَى التَّشَبُّهِ بِالكُفَّارِ فِي أقْوَالِهِمْ وَأفْعَالِهِمْ، وَلِبَاسِهِمْ وَأعيَادِهِمْ، وَعِبَادَاتِهِمْ, وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ الَّتِي لَمْ تُشَرَّعْ لَنَا وَلَمْ نُقَـرَّ عَلَيهَا. وَمِنْ أقوَالِهِمُ الَّتِي يُرَدِّدُونَهَا هَذِهِ الأَيَّامِ, وَيَنبَغِي لَنَا أنْ نَقِفَ تُجَاهَهَا مَوقِفَ العَدَاءِ: "العَلْمَانِيَّةُ, وَالدِّيمُقرَاطِيَّةُ, وَالقَومِيَّةُ, وَالبَعثِيَّةُ, وَالرأسمَالِيَّةُ, وَالوَطَنِيَّةُ, وَالدَّولَةُ المدَنِيَّةُ, وَاحْتِرَامُ الآخَرِ, وَالحَلُّ الوَسَطُ, وَالحُريَّاتُ المطلَقَةُ مِنْ أيّ قَيدٍ شَرعِيٍّ, وكُلُّ هَذِهِ الأقوَالُ مَرفُوضَةٌ فِي دِينِنَا, وَفِي شَرْعِنَا الحَنِيفِ رَفضًا باتـًا قَاطِعًا". Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
واعي واعي Posted June 22, 2018 Author Report Share Posted June 22, 2018 " نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا " بسم الله الرحمن الرحيمالنداء الثاني أمر الله المؤمنين بأن يستعينوا بالصبر والصلاة جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «عَجَبًا لِلمُؤْمِنِ، لا يَقضِي اللهُ لَهُ قَضَاءً إِلاَّ كَانَ خَيرًا لَهُ: إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيرًا لَهُ; وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ, وَلَيسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلمُؤْمِنِ». وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ أَجْوَدَ مَا يُستَعَانُ بِهِ عَلَى تَحَمُّلِ المصَائِبِ الصَّبرُ وَالصَّلاةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَولِهِ: (وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ). (البقرة 45), وَفِي الحَدِيثِ عَنْ حُذَيفَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ». وَالصَّبرُ صَبرَانِ: فَصَبْرٌ عَلَى تَرْكِ المحَارِمِ وَالمآثِمِ، وَصَبْرٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ. وَالثَّانِي أكْثَرُ ثَوَابًا؛ لأنَّهُ المقصُودُ. كَمَا قَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بْنُ زَيدٍ بْنُ أسْلَمَ: "الصَّبرُ فِي بَابَينِ: الصَّبرُ للهِ بِمَا أحَبَّ - وَإِنْ ثَقُلَ عَلَى الأَنفُسِ وَالأبدَانِ- وَالصَّبرُ للهِ عَمَّا كَرِهَ, وَإِنْ نَازَعَتْ إِلَيهِ الأهوَاءُ. فَمَنْ كَانَ هَكَذَا، فَهُوَ مِنَ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ يُسَلَّمُ عَلَيهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ". وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ زَينُ العَابِدِينَ: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يُنَادِي مُنَادٍ: أينَ الصَّابِرُونَ لِيَدْخُلُوا الجَنَّةَ قَبْلَ الحِسَابِ؟ قَالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، فَتَتَلَقَّاهُمُ الملائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: إِلَى أينَ يَا بَنِي آدَمَ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى الجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: وَقَبْلَ الحِسَابِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالُوا: وَمَنْ أنتُم؟ قَالُوا: الصَّابِرُونَ، قَالُوا: وَمَا كَانَ صَبْرُكُم؟ قَالُوا: صَبَرْنَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَصَبَرْنَا عَنْ مَعصِيَةِ اللهِ، حَتَّى تَوَفَّانَا اللهُ. قَالُوا: أنتُمْ كَمَا قُلْتُم، ادخُلُوا الجَنَّةَ، فَنِعْمَ أجْرُ العَامِلِينَ". قُلْتُ: وَيَشهَدُ لِهَذَا قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ). (الزمر10) فَهَنِيئًا لَكْمْ يَا حَمَلَةَ الدَّعْوَةِ, يَا مَنْ صَبَرتُمْ, وَتَحَمَّلْتُمُ الأذَى فِي سَبِيلِ اللهِ, وَظَلَلْتُمْ ثَابِتِينَ عَلَى الحَقِّ, نَسأَلُ اللهَ أنْ يُكرِمَكُمْ فِي الدُّنيَا بِنَصرِهِ, وَفِي الآخِرَةِ بِالفِردَوسِ الأَعْلَى مِنْ جَنَّتِهِ! Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
واعي واعي Posted June 22, 2018 Author Report Share Posted June 22, 2018 بسم الله الرحمن الرحيمالنداء الثالث أمر الله المؤمنين بأن يأكلوا من الطيبات, وأن يشكروه على نعمه جل وعلا يَأمُرُ اللهُ عِبَادَهُ المؤمِنِينَ بِالأكْلِ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقَهُمْ, وَأنْ يَعمَلُوا صَالِحًا, وَأْن يَشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ إِنْ كَانُوا عِبَادًا لَهُ حَقًا, وَإِنَّ الأكْلَ مِنَ الحَلالِ الطَّيبِ سَبَبٌ لِتَقَبُّلِ الدُّعَاءِ وَالعِبَادَةِ، كَمَا أنَّ الأكْلَ مِنَ الحَرَامِ الخَبِيثِ يَمنَعُ قَبُولَ الدُّعَاءِ وَالعِبَادَةِ. جَاءَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنَا أبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الفُضَيلُ بْنُ مَرزُوقٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيّبًا، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيمٌ). (المؤمنون 51) وَقَالَ: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ), ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، وَمَطعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُستَجَابُ لِذَلِكَ». (رَوَاهُ مُسلِمُ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ) وَرَوَى الإِمَامُ أحْمَدُ فِي مُسنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ, النَّارُ أولَى بِهِ». لَقَدْ كَانَتِ الزَّوجَةُ الصَّالِحَةُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ تَقُولُ لِزَوجِهَا إِذَا خَرَجَ إِلَى عَمَلِهِ: "اتَّقِ اللهَ فِينَا, وَلا تُطْعِمُنَا مِنْ حَرَامٍ؛ فَإِنَّا نَصبِرُ عَلَى الجُوعِ, وَلا نَصْبِرُ عَلَى النَّارِ", فَأينَ نَحْنُ فِي عَصْرِنَا هَذَا مِنْ سَلَفِنَا الصَّالِحِ, لا يُبَالِي المرْءُ فِينَا - إِلا مَنْ رَحِمَ رَبَّي - أمِنْ حَلالٍ كَانَ مَطعَمُهُ أمْ مِنْ حَرَام؟ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ؟! تَفسيرُ ابن كثير (بتصرف) Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
واعي واعي Posted June 23, 2018 Author Report Share Posted June 23, 2018 بسم الله الرحمن الرحيمالنداء الرابع أمر الله المؤمنين بإقامة حد القصاص على القتلة المجرمين يَقُولُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيكُمُ العَدلُ فِي القِصَاصِ أيُّهَا المؤمِنُونَ حُركُمْ بِحُرِّكُمْ، وَعَبدُكُمْ بِعَبدِكُمْ، وَأُنثَاكُمْ بِأُنثَاكُمْ، وَلا تَتَجَاوَزُوا وَتَعتَدُوا، كَمَا اعتَدَى مَنْ قَبلَكُمْ وَغَيَّرُوا حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ، وَسَبَبُ ذَلِكَ قُرَيظَةُ وَبَنُو النَّضِيرِ، كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ قَدْ غَزَتْ قُرَيظَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَقَهَرُوهُمْ، فَكَانَ إِذَا قَتَلَ النَّضَرِيُّ القُرَظِيَّ لا يُقْتَلْ بِهِ، بَل يُفَادَى بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ، وَإِذَا قَتَلَ القُرَظِيُّ النَّضَرِيَّ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ فَادَوهُ فَدَوهُ بِمِائَتَي وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ ضِعْفَ دِيَةِ القُرَظِيِّ، فَأَمَرَ اللهُ بِالعَدْلِ فِي القِصَاصِ، وَلا يُتَّبَعُ سَبِيلُ الـمُفسِدِينَ الـمُـحَرِّفِينَ، الـمُخَالِفِينَ لأَحكَامِ اللهِ فِيهِمْ كُفْرًا وَبَغيًا، فَقَالَ تَعَالَى: (كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى). وَذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أبُو محمد بنِ أبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أبُو زَرعَةَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ عَبدِ اللهِ بْنُ بَكِيرٍ حَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ لُهَيعَةَ, حَدَّثَنِي عَطَاءُ بنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيرٍ، فِي قَولِ اللهِ تَعَالَى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى). يَعنِي: إِذَا كَانَ عَمْدًا، الحُرُّ بِالحُرِّ. وَذَلِكَ أنَّ حَيَّينِ مِنَ العَرَبِ اقتَتَلُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ قَبلَ الإِسلامِ بِقَلِيلٍ، فَكَانَ بَينَهُم قَتْلٌ وَجِرَاحَاتٌ، حَتَّى قَتَلُوا العَبِيدَ وَالنِّسَاءَ، فَلَمْ يَأخُذْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى أَسْلَمُوا، فَكَانَ أحَدُ الحَيَّينِ يَتَطَاوَلُ عَلَى الآخَرِ فِي العُدَّةِ وَالأموَالِ، فَحَلَفُوا أَلاَّ يَرضَوا حَتَّى يُقْتَلَ بِالعَبدِ مِنَّا الحُّرُّ مِنهُمْ، وَبِالمرْأةِ مِنَّا الرَّجُلُ مِنهُمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: (الحُرُّ بِالحُرِّ, وَالعَبدُ بِالعَبدِ, وَالأُنثَى بِالأُنثَى). وَهِيَ مَنسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةُ (النَّفسَ بِالنَّفسِ). (المائدة 45) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلحَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ: (وَالأُنثَى بِالأُنثَى). وَذَلِكَ أنَّهُمْ لا يَقتُلُونَ الرَّجُلَ بِالمرأَةِ، وَلَكِنْ يَقتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ، وَالمرأةَ بِالمرأةِ, فَأنزَلَ اللهُ: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ, وَالعَينَ بِالعَينِ). فَجُعِلَ الأحْرَارُ فِي القِصَاصِ سَوَاءً فِيمَا بَينَهُمْ مِنَ العَمْدِ: رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِي النَّفسِ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَجُعِلَ العَبِيدُ مُستَوِينَ فِيمَا بَينَهُمْ مِنَ العَمْدِ فِي النَّفْسِ, وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أبِي مَالِكٍ أنَّهَا مَنسُوخَةٌ بِقَولِهِ: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). وَيَا لَلأسَفِ أشَدَّ الأَسَفِ فِي أيَّامِنَا هَذِهِ, وَفِي ظِلِّ هَدْمِ دَولَةِ الإِسلامِ, وَغِيَابِ خَلِيفَةِ المسلِمِينَ الَّذِي يُتَّقَى بِهِ, وَيُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ انتَشَرَ القَتلُ وَالموتُ وَالدَّمَارُ, وَصَارَ المسلِمُ يُقتَلُ, لا لِشَيءٍ إِلاَّ لأنَّهُ مُسلِمٌ فَلا يُثأَرُ لَهُ, وَغَابَ الأمْنُ وَالأمَانُ مِنْ حَيَاةِ المسلِمِينَ, وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ إِذْ يَقُولُ: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الألبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).!! (البقرة 179) Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
واعي واعي Posted June 23, 2018 Author Report Share Posted June 23, 2018 بسم الله الرحمن الرحيمالنداء الخامس أمر الله المؤمنين بالصيام لعلهم يتقون يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا المؤمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَآمِرًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ، وَهُوَ: الإِمسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالوِقَاعِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِمَا فِيهِ مِنْ زكَاةِ النَّفْسِ وَطَهَارَتِهَا, وَتَنقِيَتِهَا مِنَ الأخْلاطِ الرَّدِيئَةِ, وَالأخْلاقِ الرَّذِيلَةِ. وَذكَرَ أنَّهُ كَمَا أوجَبَهُ عَلَيهِمْ, فَقَدْ أوجَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبلَهُمْ، فَلَهُمْ فِيهِ أُسوَةٌ، وَلْيَجْتَهِدْ هَؤُلاءِ فِي أدَاءِ هَذَا الفَرْضِ أَكْمَلَ مِمَّا فَعَلَهُ أُولَئِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنهَاجًا وَلَو شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيرَاتِ). (المائدة 48) قَالَ سُبحَانَهُ: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لأَنَّ الصَّومَ فِيهِ تَزكِيَةٌ لِلبَدَنِ وَتَضيِيقٌ لِمَسَالِكِ الشَّيطَانِ; وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَينِ: «يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَستَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». ثُمَّ بَيَّنَ مِقدَارَ الصَّومِ، وَأنَّهُ لَيسَ فِي كُلِّ يَومٍ، لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَى النُّفُوسِ فَتَضْعُفَ عَنْ حَمْلِهِ وَأدَائِهِ، بَلْ فِي أيَّامٍ مَعدُودَاتٍ. وَقَد رُوِيَ أنَّ الصِّيَامَ كَانَ أوَّلاً كَمَا كَانَ عَلَيهِ الأُمَمُ قَبلَنَا، مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ. عَنْ مُعَاذٍ، وَابنِ مَسْعُودٍ، وَابنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءَ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ. وَزَادَ: «لَمْ يَزَلْ هَذَا مَشرُوعًا مِنْ زَمَانِ نُوحٍ إِلَى أنْ نَسَخَ اللهُ ذَلِكَ بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ». وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنصُورَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: "نَعَمْ، وَاللهِ لَقَدْ كُتِبَ الصِّيَامُ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ كَمَا كُتِبَ عَلَينَا شَهْرًا كَامِلاً". وَرَوَى ابنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبدِ الرَّحْمَنِ الـمُقْرِي حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أيُّوبَ , حَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ أبِي الرَّبِيعِ، رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الـمَدِينَةِ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «صِيَامُ رَمَضَانَ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى الأُمَمِ قَبلَكُمْ». وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أُنزِلَتْ (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبلِكُم). كُتِبَ عَلَيهِمْ إِذَا صَلَّى أَحَدُهُمُ العَتْمَةَ, وَنَامَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالنِّسَاءَ إِلَى مِثْلِهَا». وَقَالَ عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبلِكُم). يَعْنِي بِذَلِكَ أهْلَ الكِتَابِ. هَذَا, وَلا خَيرَ فِي صِيَامِ مَنْ صَامَتْ مَعِدَتُهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ, وَلَمْ تَصُمْ جَوَارِحُهُ عَنِ ارتِكَابِ الـمُحَرَّمَاتِ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ, فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه». Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
واعي واعي Posted June 23, 2018 Author Report Share Posted June 23, 2018 بسم الله الرحمن الرحيمالنداء السادس أمر الله المؤمنين بأن يأخذوا الإسلام كاملا يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الـمُؤمِنِينَ بِهِ الـمُصَدِّقِينَ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَأخُذُوا بِجَمِيعِ عُرَى الإِسلامِ وَشَرَائِعِهِ، وَالعَمَلَ بِجَمِيعِ أوَامِرِهِ، وَتَركَ جَمِيعِ زَوَاجِرِهِ مَا استَطَاعُوا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ العُوفِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ, وَمُجَاهِدَ, وَطَاوُوسَ, وَالضَّحَّاكِ, وَعِكرِمَةَ, وَقَتَادَةَ, وَالسُّدِّيِّ, وَابنِ زَيدٍ فِي قَولِهِ تَعَالَى: (ادخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يَعنِي: الإِسلامَ, وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَأبُو العَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ: (ادخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يَعنِي: الطَّاعَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ أيضًا: السِّلْمُ: الـمُوَادَعَةُ. وَقَولُهُ: (كَافَّةً) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدُ, وَأبُو العَالِيَةِ, وَعِكرِمَةُ, وَالرَّبِيعُ, وَالسُّدِّيُّ, وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانٍ, وَقَتَادَةُ, وَالضَّحَّاكُ: (كَافَّةً) أيْ (جَمِيعًا). وَقَالَ مُجَاهِدُ :أيِ اعْمَلُوا بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ وَوُجُوهِ البِرِّ. وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ اليَهُودِ وَغَيرِهِمْ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَّامٍ, وَثَعلَبَةَ وَأسَدَ بْنِ عُبَيدٍ وَطَائِفَةٍ استَأذَنُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أنْ يُسبِتُوا، وَأنْ يَقُومُوا بِالتَّورَاةِ لَيلًا. فَأَمَرَهُمُ اللهُ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الإِسلامِ وَالاشتِغَالِ بِهَا عَمَّا عَدَاهَا. وَفِي ذِكْرِ عَبدِ اللهِ بْنِ سَلَّامٍ مَعَ هَؤُلاءِ نَظَرْ، إِذْ يَبعُدُ أنْ يَستَأذِنَ فِي إِقَامَةِ السَّبْتِ، وَهُوَ مَعَ تَمَامِ إِيمَانِهِ يَتَحَقَّقُ نَسْخُهُ وَرَفْعُهُ وَبُطلَانُهُ، وَالتَّعوِيضُ عَنهُ بِأعيَادِ الإِسلامِ. وَمِنَ الـمُفَسِّرِينَ مَنْ يَجعَلُ قَولَهُ: (كَافَّةً) حَالًا مِنَ الدَّاخِلِينَ، أيِ: ادْخُلُوا فِي الإِسلامِ كُلُّكُمْ مُجتَمِعِينَ. وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ، وَهُوَ أنَّهُمْ أُمِرُوا (كُلُّهُمْ) أنْ يَعمَلُوا بِجَمِيعِ شُعَبِ الإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الإِسلامِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًا مَا استَطَاعُوا مِنهَا. وَيُؤَيَّدُهُ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ: «إِنَّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنصُرَهُ إِلَّا مَنْ أحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ». (حَسَّنَهُ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ). وَقَالَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ: أخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ، أخبَرَنَا أحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. أخَبَرَنِي الهَيثَمُ بْنُ يَمَانٍ, حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ زكَرِيَّا, حَدَّثَنِي محمد بْنُ عَونٍ, عَنْ عِكْرِمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) كَذَا قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ يَعنِي مُؤمِنِي أهْلِ الكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَعَ الإِيمَانِ بِاللهِ مُستَمْسِكِينَ بِبَعْضِ أَمْرِ التَّورَاةِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أُنزِلَتْ فِيهِمْ، فَقَالَ اللهُ: (اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يَقُولُ: اُدخُلُوا فِي شَرَائِعِ دِينِ محمد صلى الله عليه وسلم, وَلا تَدَعُوا مِنهَا شَيئًا, وَحَسْبُكُمْ بِالإِيمَانِ بِالتَّورَاةِ وَمَا فِيهَا. وَقَولُهُ: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ) أيْ: اعْمَلُوا الطَّاعَاتِ، وَاجتَنِبُوا مَا يَأمُرُكُمْ بِهِ الشَّيطَانُ فَهُو: (إِنَّمَا يَأمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالفَحْشَاءِ وَأنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعلَمُونَ). (البقرة169) وَهُوَ :(إِنَّمَا يَدعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ). (فَاطِر6); وَلِهَذَا قَالَ: (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ). قَالَ مُطَرِّفُ: "أَغَشُّ عِبَادِ اللهِ لِعَبِيدِ اللهِ الشَّيطَانُ". وَقَولُهُ: (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَتْكُمُ البَيِّنَاتُ). أيْ: عَدَلْتُمْ عَنِ الحَقِّ بَعدَ مَا قَامَتْ عَلَيكُمُ الحُجَجُ، فَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَزِيزٌ - أَيْ فِي انتِقَامِهِ - لَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ، وَلَا يِغلِبُهُ غَالِبٌ. حَكِيمٌ فِي أَحْكَامِهِ وَنَقضِهِ وَإِبرَامِهِ; وَلِهَذَا قَالَ أَبُو العَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ :"عَزِيزٌ فِي نِقْمَتِهِ، حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ". وَقَالَ محمد بْنُ إِسحَاقَ: العَزِيزُ فِي نَصْرِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ إِذَا شَاءَ، الحَكِيمُ فِي عُذْرِهِ وَحُجَّتِهِ إِلَى عِبَادِه". Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.
× Pasted as rich text. Paste as plain text instead
Only 75 emoji are allowed.
× Your link has been automatically embedded. Display as a link instead
× Your previous content has been restored. Clear editor
× You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.