أبو الحسن Posted August 23, 2018 Report Share Posted August 23, 2018 الفتنة والبلاء قال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) وقال جل وعلا :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31). فالفتنه والبلاء لفظان لهما معان مشتركه عديدة ، واحد هذه المعاني واكثرها استعمالا هو الاختبار ، وهو المعنى المقصود في موضوع البحث وقد يكون اختبارا بالشر ،والاختبار اشد واقسى عند استعمال لفظة الفتنة منه عند استعمال لفظة البلاء ، وقد ورد هذان اللفظان في الكتاب والسنة بمعانيهما اللغوية المختلفة، وليس لهما اية معان شرعية او اصطلاحية قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35))، وقال :( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)). فمعنى ( نبلوكم ) نختبركم، ومعنى (فتنة ) اختبار. عن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ان عظم الجزاء مع عظم البلاء، وان الله تعالى اذا احب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ان الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه اياها )فمعنى ( البلاء) هنا الاختبار. وكل من يدعي الايمان لا بد وان يختبر بإيمانه في هذه الحياة الدنيا، أي لا بد وان يفتن ويبتلى في منطق ايمانه لإظهار مدى صدقه فيما يدعى قال تعالى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2))معناها لا يظن الناس اذا قالوا آمنا أي تلفظوا بكلمة الايمان انهم يتركون من غير فتنة، أي من غير اختبار اذ الخطاب في الآية موجه الى الناس الذين يتقولون بالإيمان، وكلمة الناس تعني كل الناس، لأنه اسم جنس محلى بالألف واللام، فيفيد العموم والاستفهام الوارد في الآية استفهام ( انكاري )، بمعنى النفي فالله سبحانه وتعالى ينفي صحة الاعتقاد بترك الناس الذين يتلفظون الايمان دون اختبار، ومنه فان من يدعي الايمان ويتلفظ مدعيا به عليه ان يعتقد باختبار الله له في ذلك ، فعليه ان يتوقع الفتنة والبلاء في كل لحظة من حياته، فالعبد المؤمن لا يترك سدى بدون امتحان واختبار من الله عز وجل، وقد ورد ان هذه الاية نزلت في مكة بمناسبة قيام الكفار بتعذيب عديد من المسلمين ،منهم آل ياسر وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد وعدة من بني مخزوم، فكانت صدور هؤلاء تضيق بتعذيب الكفار لهم، وربما استنكر ان يمكن الله الكفار من المؤمنين ، فنزلت هذه الآية معلمة لهم ان اختبار الله للمؤمنين سنة الله في خلقه، وقال ائمة التفسير، ان هذه الآية وان نزلت لهذا السبب، او ما في معناه من الاقوال فهي باقية في امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، موجود حكمها بقية الدهر، اذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد وردت آيات اخرى ونصوص كثيرة تبين حتمية ابتلاء الله للمؤمنين في هذه الحياة الدنيا ،كما وتؤكد المعنى نفسه الوارد في الآية قال تعالى:( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)). وهكذا فان كل مؤمن مبتلى في هذه الحياة الدنيا، وعليه ان يتوقع الفتنة او الاختبار من الله تعالى في كل لحظة من حياته، وعليه ان يعتقد بذلك اعتقادا جازما لأنه ورد في آيات قطعية الدلالة وبشكل مستفيض لا يترك ادنى شك في صحة دلالتها . والفتنة والبلاء سنة من سنن الكون الذي نعيش فيه كغيرها من السنن الاخرى، مثل الحياة والموت والرزق وغيرها، وهي ليست خاصة بالأمة الاسلامية امة محمد عليه الصلاة والسلام ، بل حصلت مع جميع افراد الامم السابقة وستظل تحصل مع كل واحد ينتسب الى امة الاسلام، وذلك الى أن يرث الله الارض ومن عليها، قال تعالى:( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) أي اختبرنا من سبقهم من الامم قال الامام البيضاوي رحمه الله (بمعنى انها سنة قديمة جارية في الامم كلها ولا ينبغي ان يتوقع خلافه) وقال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) ولفظة ( مثل ) تعني شبه فالمعنى احسبتم ان تدخلوا الجنة ولما تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم او ولما يصيبكم مثل الذي اصاب اللذين من قبلكم من البلاء. ولم يسلم من الفتنه والبلاء احد من المؤمنين السابقين، ولن يسلم احد من اللاحقين حتى الانبياء والرسل لم يسلموا وهم احب خلق الله اليه، ورد في الصحيح من حديث سعد بن ابي وقاص قال : قلت يا رسول الله، أي الناس اشد بلاء ؟ قال ( الانبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فان كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وان كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الارض وليس عليه خطيئة) وعن ابي سعيد قال : يا رسول الله من اشد الناس بلاء؟ قال : ( الانبياء قال : ثم من ؟ قال: العلماء قال ثم من ؟ قال : الصالحون) فقد ابتلي ابراهيم عليه السلام خليل الرحمن اشد البلاء، حين امر بذبح ابنه اسماعيل وابتلي بأذى قومه له بالإحراق في النار، كما وابتلي سيد المرسلين محمد عليه الصلاء والسلام، ابتلي بأذى قريش له وتكذيبه وصدهم العنيد عنه، وعن دعوته ومحاربته بالمقاطعة والتكذيب والسخرية والاستهزاء، وتعذيب اصحابه اشد انواع العذاب وبالتآمر على قتله ومحاربته بحد السيف، ورد في الحديث قوله عليه السلام :(....انما بعثتك لأبتليك وابتلي بك.....) كما وابتلي سيدنا ايوب بالمرض، وسيدنا يوسف بامرأة العزيز، وهكذا فالفتنة سنة ثابته لا مناص لمؤمن من وقوعها عليه مهما كانت ايمانه درجة قوة وضعفا. ان ادراك مفهوم (الفتنة والبلاء) وادراك وجوب الصبر عند وقوعها، وما يترتب عليه من فوز في الدنيا والاخرة، ونيل الرضوان كل ذلك يجعل من اسلم شخصية فريدة في كفاحها السياسي ضد الكفر والطاغوت، او ضد اهل الجور من الحكام الظلمة الخارجين عن طاعة الله، وفي الوقت نفسه يجعل المسلم يقظا مستعدا ليوم البلاء، فان حل به لا يعرف الجزع لنفسه سبيلا، بل يصبر ويحتسب ويستبشر بقرب الفوز الكبير، قال عليه الصلاة والسلام في ابتلاء الصالحين(...ولاحدهم كان اشد فرحا بالبلاء من احدكم بالعطاء) وقد ادى ادراك هذا المفهوم، وادراك غيره من مفاهيم العقيدة الاسلامية من قبل صحابة رسول الله الى جعلهم اقوى شخصيات بعد الانبياء والرسل، عرفها الجنس البشري وجعلهم اصلب الشخصيات في صدعها للحق وصراعهم مع الباطل، وقد سطروا في صراعهم الفكري وبعدها الدموي مع قريش سطروا اعظم ملحمة شهدها التاريخ، تحدوا عتاولة مكة واجلافها واستخفوا بهم، وكان الصحابة عزلا لا يملكون من اسباب القوة سوى عقيدتهم الاسلامية البكر الصافية، وقد نقل الينا بطريق التواتر المقطوع في صدقه، انهم اعتنقوا الاسلام وطبقوه وحملوه رسالة عالمية وصبروا وتحملوا المشقة والعذاب والاهوال من اجل ذلك، وكان عملهم وصبرهم خالصا لإرضاء وجهه، فرضي عنهم وارضاهم، فازوا في الدنيا والاخرة ونصرهم نصرا عزيزا مؤزرا ودان لهم القاصي والداني، ولم يمض عصر التابعين وتابعيهم حتى فتحوا معظم العالم القديم وحكموه بالإسلام. وزبدة القول فانه يحرم على شاب الحزب ان يجزع اذا ابتلي يوما بكلاب السلطة وجلاوزتها، ولم يجعل الشارع امامه طريقا الا الصبر حتى لو تعرض الى الاذى البليغ، او الاضرار بالمصالح، بل عليه ان يقف موقف التحدي، فالله لا يقبل منه الدنية ولا يقبل منه المسكنة والاستخذاء، وعليه ان يتخذ من شخصية ابي القاسم الكفاحية، وشخصية صحابته نبراسا يستضيء به على الدوام، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حملوا الرسالة في العسر واليسر، في المكره والمنشط ،حملوها حتى الموت والاستشهاد في سبيل اعلاء كلمة (لا اله الا الله محمد رسول الله )، وهكذا يجب ان تحمل اليوم حتى الموت والاستشهاد، فان حصل البلاء يوما في لقاء المجرمين علينا ان نعيد الى ذاكرتهم العفنة النتنة الصورة الحية لكفاح الرسول عليه السلام، وكفاح صحابته، امثال بلال وياسر وسمية وغيرهم كثير حتى يستيقن هؤلاء المجرمون انه ما زال في العرين اسود لا تهاب الموت ، وانهم مهما حاولوا فلن يطفئوا نور الله قال تعالى:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)) وقال تعالى: ) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175) واعي واعي 1 Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.