Jump to content
منتدى العقاب

جريدة الراية: خفض الليرة التركية بين هشاشة اقتصاد تركيا وسياسة أردوغان


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

DmSKI-_X4AAr3kA.jpg

 

2018-09-05

 

جريدة الراية: خفض الليرة التركية بين هشاشة اقتصاد تركيا وسياسة أردوغان

 

 

في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، أعلنت إدارة الأصول العالمية "جام" (GAM) السويسرية، والتي تدير أصولا قدرها 186 مليار دولار، عن تصفية محفظة استثماراتها وجميع أصولها في تركيا مع توقعها بحدوث أزمة مالية في تركيا بسبب التضخم المرتفع والمرشح للزيادة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وبسبب الارتفاع الكبير في الاقتراض الخارجي لبنوكها المحلية. وقد ساعد على تسارع حصول الأزمة زيادة أسعار الفائدة الأمريكية حيث إن تركيا كانت تعتمد بشدة على الاقتراض الخارجي خاصة اقتراض ما يعرف بالأموال الساخنة، أي تلك التي تسعى إلى الربح السريع في وقت قصير.

 

وذلك أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية يعني توجه مستثمري الأجل القصير إلى أسواق الاستثمار الأمريكية وخروجهم من تركيا ومن ثم تقييد وصول تركيا الائتماني إلى الأموال الخارجية، وهو شيء يمكن له أن يتسبب وبنسبة معقولة في انهيار الاقتصاد التركي وبمتتالية سريعة. خاصة وأنه على مدار العقد الماضي اقترضت الشركات التركية غير المالية مبالغ ضخمة بالعملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار ما جعل تلك الشركات تحتل المرتبة الثانية لأكبر ديون شركات غير مالية في العالم بعد الشركات الصينية.

 

وكان البنك المركزي التركي قد أعلن في أواخر عام 2016 أن ديون الشركات التركية بالعملة الأجنبية بلغت نحو 210 مليار دولار، واستمرت بالاقتراض بمعدلات فائدة مرتفعة لجدولة الديون وتعظيم الأرباح المدفوعة بالديون.

 

من هنا فإن النمو الاقتصادي الذي أعلنته تركيا أواخر آذار الماضي، والذي بلغ 7.4% عام 2017، هو نمو مدفوع بالديون. ففي الوقت الذي كانت تحتفي فيه الحكومة التركية بذلك المعدل الكبير للنمو، كانت إحدى أكبر الشركات التركية العالمية المشهورة بتصنيع المنتجات الغذائية "يلديز القابضة" تعلن عن اتفاق لإعادة تمويل مبلغ وصل إلى 7 مليارات دولار مع مقرضيها.

 

وبالتالي فقد قررت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تخفيض تصنيف تركيا إلى BA2 في أوائل آذار/مارس الماضي، وعللت ذلك بأن الحكومة التركية لا تزال تركز على التدابير قصيرة الأجل، على حساب السياسة النقدية الفعالة والإصلاح الاقتصادي الأساسي، وحذرت تركيا من مخاطر أزمة مالية تركية مرتقبة.

 

ثم إن وزارة الخزانة التركية أعلنت في آذار/مارس 2017 عن إجمالي الدين الخارجي لتركيا والذي بلغ 453.2 مليار دولار، وهو رقم يتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي، فيما كان نصيب الديون الحكومية من تلك الديون أكثر من النصف مطلع 2018. وكانت إحدى نتائج التوسع بالاقتراض زيادة العجز في الميزان التجاري (74.4 مليار دولار) لصالح الواردات على حساب الصادرات، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي المدفوع بالاستهلاك لا المدفوع بالإنتاج. ولعل هذا العجز في الحساب الجاري يعد أحد الأسباب الرئيسة في هبوط سعر الليرة التركية.

 

وهذه الحالة تشبه إلى حد ما الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 حيث إن البلدان التي سحقتها الأزمة كانت تعاني من عجز كبير في حساباتها الجارية عندما عمدت لجذب رؤوس أموال أجنبية قصيرة الأجل أو ما يعرف بالأموال الساخنة لتمويل هذا العجز، وحينما انخفضت الثقة جفت هذه التدفقات النقدية الساخنة، لتترك اقتصادات دول شرق آسيا في ورطة حقيقية، واجدة نفسها في واحدة من أسوأ الأزمات المالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولا شك أن اعتماد اقتصاد الدولة على الأموال الساخنة خطير بما يكفي بسبب قدرة تلك الأموال شبه الدائمة على استشعار الخطر، ونفورها السريع من أي اضطرابات سواء سياسية أو اقتصادية، ليس في داخل الدولة المعنية فقط، وإنما في محيطها الإقليمي والعالمي أيضا. ويعتمد الاقتصاد التركي بنسبة كبيرة على تلك التدفقات من رؤوس الأموال قصيرة الأجل منذ إلغاء القيود على حركة رأس المال عام 1989.

 

واللافت للنظر أن هناك من يرى أن تصريحات أردوغان حول الاقتصاد التركي وسياسته المالية هي السبب الرئيس في هروب الأموال الساخنة من تركيا ومن ثم انخفاض الليرة التركية، وهي تصريحات تجلت أكثر ما تجلت في إعلانه بتوجهه الفترة القادمة نحو التحكم بشكل أكبر في السياسة النقدية حال فوزه في انتخابات 24 حزيران/يونيو، كما جاء في مقابلته مع بلومبيرج في 14 أيار/مايو الماضي، وادعاءاته المتكررة حول أسعار الفائدة بأنها "أصل كل الشرور"، رغم أن الأموال الساخنة - التي يعلم الرئيس جيدا أنها المصدر الأول لتمويل عجز الحساب الجاري - تأتي من أجل أسعار الفائدة في الأساس. لذا، وبعد مقابلته مع بلومبيرج انخفضت قيمة الليرة والسندات التركية في اليوم التالي مباشرة بسبب خوف المستثمرين مما قاله، ومن ثم ارتفعت مخاطر الائتمان. وهذا يشير بشكل واضح أن أردوغان عمل بتصريحاته وإشاراته للمستثمرين إلى خفض سعر الليرة التركية بشكل كبير، حتى وإن حاول طمأنة المستثمرين المرابين على سلامة استثماراتهم. وسياسة أردوغان هذه تتماشى مع وجهة نظر صندوق النقد الدولي نظريا، أي أن صندوق النقد لا يرى بأسا في سياسة أردوغان التي أصرت على تخفيض سعر الفائدة ومن ثم خفض سعر الليرة، وإن بدت كأنها ناتجة عن انسحاب أموال المستثمرين الساخنة.

 

فإذا صح أن أردوغان يقف وراء تخفيض قيمة الليرة التركية، فما هي دوافعه وراء ذلك؟ لا شك أن هناك مخاطر تترتب على خفض قيمة الليرة أهمها زيادة الضغط على قطاع الطاقة الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد وسداد الفواتير وأقساط القروض بالدولار. ومع ذلك فهناك ثمة فوائد قد تتحقق من تخفيض سعر الليرة تكمن أولا في تخفيض العجز التجاري والذي بلغ أكثر من 70 مليار دولار. ذلك أن انخفاض سعر الليرة يجعل من البضائع التركية أقل ثمنا من منافسيها في السوق العالمية كما هو حال البضائع الصينية وانخفاض قيمة العملة الصينية. وفي الوقت نفسه فإن الاستيراد يصبح أكثر كلفة في تركيا ما يعمل على خفض الاستيراد إلا في الحالات الضرورية كالطاقة مثلا. ثم إن انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار يتيح للحكومة تخفيض كمية احتياطي الدولار اللازم للحفاظ على سعر صرف مرتفع، ما يعني توفير أكثر من 50 مليار دولار للدولة يمكنها من توظيف هذا المبلغ في مشاريع إنمائية أو إنتاجية. ولعل أهم ما يمكن أن ينتج عن خفض سعر الليرة هو تقليص قيمة الديون المستحقة بالليرة التركية، وسعر خدمة الديون الخارجية والتي تستحق بالليرة التركية بدلا من الدولار، وهذا من شأنه توفير أموال كثيرة قد تصل إلى 25% من قيمة المدفوعات المستحقة على الديون.

 

ولا يخفى أن الدعاية التي ترافق انخفاض قيمة الليرة والتي تقول إن أمريكا والمضاربين يقفون وراء خفض الليرة من أجل إسقاط أردوغان، توفر لأردوغان دعاية تجعله بطلا قوميا في تركيا! علما بأنه لا يخفى على الساسة والاقتصاديين أن خفض سعر صرف عملة أي بلد خاصة إذا كان يحمل دينا كبيرا لدائنين دوليين، لا يتم جزافا هكذا ودون تسهيل وتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدوليين ومن ورائهما أمريكا كما حصل مع المكسيك خلال أزمة سنة 1994 التي دفعت المكسيك لتعويم عملتها البيسو، ما اضطر البنك الدولي وصندوق النقد وأمريكا لضخ 50 مليار دولار في اقتصاد المكسيك ليعود عن قرار تعويم البيسو.

 

من هنا فإن خفض سعر الليرة على الأغلب أنه عمل سياسي يقف وراءه أردوغان وحزبه ويحظى بتأييد ودعم صندوق النقد والبنك الدوليين ومن ورائهما أمريكا، ومن المرجح أن يستمر الانخفاض إلى أن يتم خفض العجز التجاري، وتخفيف حدة الديون الداخلية والخارجية، أو أن يتدخل الصندوق الدولي بضخ ما يلزم من المال لإنقاذ تركيا من شبح انهيار اقتصادي وزعزعة نظامها السياسي ورئيسه أردوغان.

 

ولعل أهم ما يمكن أن نخلص إليه من هذه الظاهرة هو أن الاقتصاد والمال ما هو إلا بناء ذو أركان، فإن كانت أركانه واهية متهاوية مبنية على وهم وافتراض وربا، فلا شك أن البيت والبناء إلى زوال ومحق. وإن كانت أركانه قائمة على أسس حقيقية ليست وهمية، وقوامه الإنتاج لا الاستهلاك، وقاعدته الذهب والفضة لا الدولار ولا اليورو ولا أي نقد آخر، فحينها يكون بناء صلبا عصيا على المضاربين واللاعبين والعابثين.

 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

 

بقلم: الدكتور محمد جيلاني

 

المصدر: جريدة الراية

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
 Share

×
×
  • Create New...