اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

الإسلاميون في السلطة..انتصار للإسلام السياسي أم هزيمة له؟


Recommended Posts

د.علي الإدريسي

حين بدأ الشارع العربي يتحرك ضد الاستبداد استبشر الرأي العام المحلي والدولي المتعاطف معه، بأن الشعوب العربية تحركت أخيرا لتزيل عن كاهلها نير الاستبداد الشرقي، وترمي عنها أسمال الذل والهوان الذي أذاقته إياه ما اصطلح عليه بـ"النظام العربي".

وحدث أن التيارات الإسلامية كانت من بين كبار الفاعلين في حركة الشارع العربي. والأمر لا يتعلق هنا بمن أطلق الشرارة الأولى. وحيث أن كثيرا من الملاحظين كانوا يعتقدون أن الغرب سيقف ضد ذلك الحراك، إذا ما تبين أن غالبية المنخرطين فيه من التيارات الإسلامية، المصنفة لديه في عداد الجماعات الإرهابية. وهنا يتذكر الجميع كيف سارعت فرنسا ساركوزي إلى عرض مساعدتها على نظام بن على لقمع احتجاجات الشارع التونسي، كما نتذكر أيضا كيف كان يكرر بن علي في خطبه أن ما يحدث في تونس من فعل الجماعات الإسلامية الإرهابية، استعطافا لحماته في الغرب. وكذلك فعل بعده حسني مبارك ثم القذافي وعلي صالح بعدهما. ولا يزال بشار الأسد يلح في محاربة معارضيه بأنه يحارب الإرهابيين الإسلاميين. اعتمادا على محفوظات كانت يوما مبررا كافيا للاستبداد بشعوب المنطقة.

غير أن أمريكا بالذات تكون قد حولت اتجاهها مرحليا بنسبة 180 درجة، فقد تغاضت "طنّشت" عن مشاركة التيارات الإسلامية في المطالبة بإسقاط الأنظمة المستبدة، بل مارست ضغوطا قوية لتأييد مطالب الشارع، ولم تبد أي اعتراض عن إمكان وصول تلك الحركات إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، عكس موقفها تماما من حركة حماس الفلسطينية حين انتخبها الفلسطينيون في 2006، كما هو معروف.

ويبدو أن أمريكا تقود حلفاءها الغربيين دون أن تطلعهم على المضمون الكامل لخططها، وإلا لما سارعت وزارة الخارجية الفرنسية، في الإبان، إلى إعلان استعدادها لتقديم مساعدات لقمع معارضي نظام بن علي. ويبدو أنها لم تدرك التحول الأمريكي إلا عند هروب بن علي إلى السعودية. ولذا كانت سباقة إلى تأييد حراك الشارع الليبي بكل قوة، تكفيرا عن خطئها في تونس ولتحقيق مآرب أخرى.

ومن ناحية ثانية، ووفقا لمقولة "ليس في السياسة صداقات دائمة بل مصالح دائمة"، تقرر إنهاء صلاحية حكام عرب، ارتأت أمريكا أنهم قد استُهلكوا، بعد أن أصبح وجودهم في السلطة عنصرا لتأجيج الرأي العام العربي ضدها وضد إسرائيل، ولم تشفع لهم الخدمات التي قدموها لها ولحليفتها في المنطقة؛ لأنهم اليوم أصبحوا جزءا من مشاكلها في المنطقة التي يزداد فيها التطرف، وتتسع فيها القلاقل والكراهية لأمريكا.

ومن هنا ظهرت ضرورة وبرجماتية تغيير الشعارات والتعبيرات التي أضرت بالسياسة الأمريكية وسمعتها مع الإبقاء على مواقفها وسياساتها وخططها فيما يتعلق بالتيارات الإسلامية. إنها خطط ستحقق لها نفس الأهداف التي عجزت عنها خطط إعلان الحرب على تلك التيارات، لمدة تزيد عن عقدين من الزمن كما يعلم الجميع.

يتعلق الأمر باحتواء حراك الشارع العربي، وبالذات تيارات الإسلام السياسي بمنهجية جديدة، بعد عجز الخطط الحربية من النيل منها وهزمها عسكريا، وبعد فشل الاعتماد على إسلام بعض الطرق الصوفية لمساعدتها عل تحقيق غاياتها ، كما كان الشأن زمن الغزو الاستعماري، كبديل للإسلام السياسي، وظهور دعوات هنا وهناك قصد توحيد الأديان الإبراهيمية تحت مبررات ومسميات متعددة، لكن دون جدوى.

والمنهجية الجديدة تقوم في هذه المرحلة على ثلاث ركائز:

ـ التوقف عن مساعدة حكام كانوا سببا في تضخم جسم تلك الحركات بسبب الممارسات القمعية، وفي استشراء الفساد الإداري والرشوة واقتصاد الريع، وانسداد الأفق السياسي ، إضافة إلى انتشار مهول للبطالة بين الشباب،

ـ اعتماد سيناريو إلحاق الهزيمة بالإسلام السياسي من الداخل، بدلا من استمرار محاربته من الخارج فقط. وذلك من خلال دعم وصول تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدانها بواسطة صناديق الاقتراع، مع العلم أن النخب المنتمية إلى قيم الثقافة الغربية بلبراليتها ويساريتها, والنخب الأخرى التي ترعرعت في ترف الأنظمة السابقة لفترة تقارب قرنا من الزمن لن تقبل بتولي الإسلاميين السلطة، بأي صفة من الصفات.

ـ إضعاف الضغوط السيكو ـ اجتماعية، التي كانت وراء مظاهر التضامن بين كل مكونات الشعوب العربية نحو سياسات أمريكا العربية الإسلامية، بسبب حربها الصليبية، التي أعلنها بوش الثاني. والمجتمعات كل المجتمعات تتوحد أمام الأخطار الخارجية،ة كما هو معلوم. فإذن لا بد من تغيير الخطط وآليات التنفيذ.

واليوم نرى أن هذه المنهجية بدأت تؤِتي أّكلها بين فرقاء المشهد السياسي في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة مشرقا ومغربا.

ونظرا إلى أن الحروب تحركها المصالح والانتماءات الفكرية أو الإيديولوجية، ونظرا إلى غياب أي شكل من أشكال لغة التوافق بين مكونات المجتمع السياسي والثقافي، أي بين الفئات المنتمية للقيم الثقافية الغربية، والجماعات التي تتخذ من الإسلام مرجعية عامة لها، فقد انبرت الفئات الأولى لمواجهة الإسلاميين ننفس الأساليب التي كانت تقوم بها التيارات الإسلامية ضد الأنظمة الناجمة عن الانقلابات العسكرية، أو غيرها المحمية غربيا وإسرائيليا.

صحيح، أن هؤلاء المعارضين ليس لهم امتداد جماهيري يماثل جماهير التيارات الإسلامية، أو عمق شعبي يتجاوب مع شعاراتهم، لكنهم أصحاب توغل في كل أوصال الدولة الوريثة للاستعمار وقيمه، ويملكون أدوات إعلامية قوية منبثة في كل زوايا المجتمع، ولهم تمرس لا يضاهى على ممارسة الجدال المراوغ، (La polémique) كما أن لهم قدرة بلاغية في توظيف أخطاء خصومهم مهما تكن طبيعتها. ومع أن الواصلين الجدد إلى السلطة تنقصهم تجارب ممارسة الحكم، مع تراكم الفقر في مجتمعاتهم وازدياد نسبته، وغياب مؤشرات تقليص انتشار البطالة بين الشباب في المدى المنظور، زيادة على ضعف الأمن العام نتيجة حراك الشارع، فإنه ستكون حينئذ الظروف مواتية لخلق العراقيل أمام الحكام الجدد والطعن في شرعيتهم، وتخويف الناس بخطر الرجوع بهم القهقرى إلى عصور الانحطاط بالانقضاض على الحريات العامة والفردية، وعلى حقوق المرأة، وكل الحقوق المدنية، باعتبارها قيما كونية... إلخ.

ولعل ما يتداول في بعض الصحف من أن شخصيات مصرية، معروفة بعدائها للإسلاميين، وبعلاقتها مع القوى النافذة في المنطقة، يندرج جملة وتفصيلا فيي تجسيد المنهجية الجديدة لهزم الإسلام السياسي من الداخل. ونحن نشاهد كيف يتم إرباك رئيس مصر الجديد القادم من الإخوان المسلمين، والتحريض على معارضة سياساته جملة وتفصيلا، قصد الوصول إلى إجهاض ثورة 25 يناير 2011 بإسقاط الرئيس المنتخب من الشعب، وكذلك ما تعانيه تونس، التي فاز فيها حزب حركة النهضة الإسلامية بقيادة السلطة التنفيذية، بعد إسقاط بن علي، من قبل جماعات لا تختلف في العمق مع ما يخطط له في مصر. إضافة إلى ما تتخبط فيه ليبيا من الفوضى وانعدام الأمن بعد انتصار الشعب الليبي في ثورته على القذافي، بتحميل الإسلاميين المسؤولية في ذلك. وفي المغرب لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يرأس الحكومة في منأى عما يخطط له في مصر وليبيا وتونس.

إن منهجية إلحاق الهزيمة بالإسلام السياسي من الداخل، إذن، هو أكبر مؤشر على إمكان نجاح خطة أوباما في الانتصار بالدبلوماسية على خصوم أمريكا التي أشار إليها في خطاب التنصيب الرئاسي، بتاريخ 20 يناير 2009، الذي جاء فيه "انتصرنا على الشيوعية بالمبادئ والتحالفات وليس بالصواريخ والمدافع". وذلك يعني من بين ما يعني أن انتصار أمريكا أمر حتمي، لكن بالدبلوماسية قبل المدافع والصواريخ، على عكس سلفه الذي أعطى الأسبقية للحرب على الدبلوماسية، فتسبب في كراهية العالم لأمريكا؟

والحال هذه، نعتقد بأن الدور الأمريكي، المدعوم بالحركة الصهيونية في العالم، سيستمر في كبح حرية الشعوب وطموحها إلى الانعتاق من الاستبداد الشرقي. وأن الإشارات الصادرة عن أوباما بأن علاقات أمريكا بالآخرين ستتغير عما كان يقوم به المحافظون الجدد، المتزعمون للحزب الجمهوري، قد لا يتجاوز هذا التغيير المواقع والأساليب، وليس المبادئ والمواقف.

مما لا شك فيه أن شعار التغيير كان شعار أوباما في حملته الانتخابية الأولى للرئاسيات سنة 2008، وقد لقي تجاوبا كبيرا من قبل غالبية الأمريكيين الذين كرهوا أن يساقوا إلى خندق الخوف والرعب الذي حفره لهم المحافظون الجدد برئاسة بوش الثاني، بإعلانه الحرب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين، بل على كل من يخالفه الرأي، وكرهوا أن يروا أنفسهم خارج دائرة الأمان، وأن يخضعوا بالتالي للهاجس الأمني، مثلهم مثل شعب أي دولة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فاقتنعوا بضرورة تبني خطاب الأمل واستعادة الشعور بالأمان لأنفسهم أولا، وتغيير صورة أمريكا الكريهة في العالم، وبالذات عند أكثر من مليار مسلم ثانيا. دون أن يؤثر ذلك على مطامح أمريكا إلى إحكام سيطرتها على كل ما هو حيوي في العالم الإسلامي، وهزم الإسلام السياسي من الداخل.

إن دولة مثل أمريكا تمتلك مكاتب ومؤسسات ومعاهد للبحث والدراسة والاستخلاص (Synthèse) لا تتردد عن تغيير خططها وإستراتيجيتها لضمان أكبر قدر من نجاح لخططها وسياساتها ودورها في قيادة العالم؛ لأنها لا تخضع لرؤية دوغمائية وثوقية، كما هو الشأن عندنا، بل تجعلها تتجدد في وسائلها وأساليبها، دون أن يمس ذلك مبادئها في قيادة صدام السياسات والحضارات المؤدي في نهاية المطاف إلى انتصار السياسة الأمريكية وقيم الحضارة الغربية على غيرها من قيم الحضارات الأخرى وفي مقدمتها قيم الحضارة الإسلامية.

يمكن أن يتحقق ذلك وأكثر ما دامت لغة التوافق غائبة عن فرقاء المشهد السياسي، بل حتى عن الجدل الفكري البناء، وعن لغة الإعلام في أقطارنا، فالاختلاف عندنا عداء وعداوة، بغض النظر عن شعارات هذا أو ذاك، ما دام المختلف معه عدوا وليس مجرد خصم سياسي؛ لأن الزمن السياسي عندنا لم يتجاوز بعد زمن الذهنية القبلية، فـ"عقول الناس على قدر زمانهم"، كما قال الحكماء.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...