اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

من مفضلتي / متجدد


Recommended Posts

القروض الماليه وسيلة الاستعمار الامريي لفرض السيطره على البلاد

 

 

301553_572245499467025_1219074837_n.jpg

 

 

 

 

مؤتمران مهمان انعقدا في نهاية الحرب العالمية الثانية:

 

الأول: سياسي، وهو مؤتمر يالطا، والذي بموجبه تم تقسيم تركة الحرب بين الحلفاء.

 

الثاني: اقتصادي، وهو مؤتمر (بريتون وودز) وهو الذي أفرز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

انعقد هذا المؤتمر المالي والنقدي في منطقة بريتون وودز في ولاية نيو هامبشير في الولايات المتحدة الأميركية في 22 تموز(يوليو) سنة 1944م، حضره ممثلو (44) دولة، إضافة إلى مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الكبار، وعلى رأسهم اللورد كينز البريطاني، والأستاذ هاري وايت الأميركي.

والصندوق تم التصديق على إنشائه في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1945، وبدأ بمزاولة أعماله في آذار (مارس) سنة 1947 وبلغ عدد أعضائه آنذاك 49 عضواً، وكانت باكورة أعماله تثبيت عملات 32 دولة عضواً فيه. وفي آذار سنة 1974 بلغ عدد الدول الأعضاء 154 دولة، وارتفع هذا العدد إلى 182 دولة بعد انضمام روسبا وعدد من دول أوروبا الشرقية.

فالقيادة المركزية للنظام الاقتصادي العالمي تتمثل في ثلاث ركائز: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأُضيف إليهما منظمة التجارة الدولية.

ولكن صندوق النقد الدولي يختلف عن جميع المؤسسات الدولية بفارق كبير وأساسي، يكمن في امتلاكه لسلطة وأدوات يستطيع بها فرض قراراته على جميع أعضائه. وبما أن جميع النشاطات الاقتصادية تدخل في مجال عمل الصندوق، فإن آثار قراراته تمتد لتشمل جميع دول العالم، ويكون دوره شديد الأهمية بالنسبة للدول النامية، حيث إن الصندوق هو أهم مفاتيح السياسة الداخلية والخارجية، ويفرغ استقلال هذه الدول من جوهره الحقيقي، ليحوله إلى مجرد استقلال نظري أجوف، ويُدخلها في إطار نظام التبعية.

وصندوق النقد الدولي وإن كان هو القلب النابض المحرك للنظام النقدي الدولي، فإنه في حقيقته هو الأداة الرئيسة لتنفيذ عملية الانتقال إلى الاستعمارالجديد، والمحافظة عليه، وبالنظرة العميقة إلى بنود ميثاق الصندرق يتبين أنه إنما وُجد لخدمة الدول الاستعمارية عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص في سعيها لتنفيذ مخططها الجديد الذي رسمته في نهاية الحرب العالمية الثانية لاستغلال العالم الثالث أولاً، ثم تكريس سيادنها لتكون هي الدولة الأولى في العالم. فكان البنك الدولي توأماً للصندوق تولدا من رحم بريتون وودز. ثم جيء بمنظمة التجارة الدولية، لتكوّن إطاراً شرعياً تدور في داخله بقية الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.

والإطار الذي تتحرك فيه الهيكلية الاقتصادية في العالم هو قاعدة تشغيل المال بالمال، فكان الاهتمام منصباً على تنمية (رأس المال المالي) وأصبح (رأس المال التجاري) ثانوياً. فتنمية رأس المال المالي مضمونة مرابحها ولا تلحقها الخسارة البتة. أما تشغيل رأس المال التجاري، فإنه من الممكن أن تكون مرابحه طائلة، ولكن لا ضمانة لعدم تعرضه للخسارة. ومرابح رأس المال المالي تتجلى في الفوائد الربوية، ولذلك وجدت التسهيلات الائتمانية بكافة أنواعها، وكلها تقوم على الاقتراض بفوائد ربوية، مع وجود ضمانات وتوثيقات لسلامة هذه القروض ثم سدادها في موعدها.

وكونت رأساً هرمياً أركانه وقواعده التحتية هي هذه المجالات والمواقع التي ترسي فيها هذه القروض. فمن هذه المواقع والقروض أو الأرضية التحتية التي تصبح محلاًّ لتشغيل هذه القروض أو استثمارها ميزانيات الدول الضعيفة سواء ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري ثم المنشآت التحتية كالموانئ والمطارات والمصانع الكبرى، ثم العمل في أسواق المال والبورصات، ورائد كل هذه التحركات هو تحصيل الفوائد الربوية مع ضمانة سداد رأس المال. وظاهرة الديون على الدول النامية وجدولة هذه الديون كانت تعبر أصدق تعبير عن عن مدى الجشع القاتل الماحق فيما يتركه من آثار تدميرية لتلك الدول الضعيفة، ثم وقوعها في أزمات اقتصادية تؤدي إلى اضطرابات وتحركات جماهيرية، وتترك البلد يعيش في مشاكله طيلة بقائه، ناهيك عن الفقر والذل والتبعية وظلم الحكام، وتسلط المتنفذين.

كل هذا وصندوق النقد الدولي في وسط المعركة، فهو أكبر مؤسسات التآمر، وهو الذي يعطي شهادة حسن سيرة وسلوك، تؤهل البلد المقترض لأخذ القروض، كما إن شهادة الصندوق هذه هي التي تعطي الموافقة لنوادي المال بجدولة ديون البلد الذي يعجز عن السداد.

ولا يمنح الصندوق هذه الشهادة إلا بعد تدخلات ومفاوضات مع البلد المدين والخضوع إلى شروط الصندوق التي يفرضها كبرنامج للإصلاح الاقتصادي في البلد ذاته وهذه الشروط هي التي تؤدي بالبلد إلى الدمار والخراب.

وبعثات صندوق النقد الدولي تجوب الأقطار لِلمراقبة والتفتيش والمحاسبة والاطلاع على كل برامج الاقتصاد في البلد ودراسة التقارير عن النفقات والمدخولات لميزانيات تلك الأقطار. فالصندوق هو عبارة عن شرطي الاقتصاد العالمي، يتحرك لمصلحة أميركا والدول الصناعية الكبرى. فتحركه سياسي أكثر منه اقتصادي أو مالي، ويشارك بعثات الصندوق أعضاء من موظفي البنك الدولي، حيث يتم التنسيق والتعاون بينهما.

عضوية الصندوق:

الأعضاء المشاركون في الصندوق، هم الأعضاء المشاركون في البنك الدولي، ولا تُقبل عضوية أية دولة في أحدهما إلا بالعضوية في المؤسسة الثانية. وجميع الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، هي نفسها الأعضاء في المؤسستين: الصندوق والبنك، باستثناء دول المنظومة الاشتراكية حتى بداية التسعينيات.

وينص نظام التصويت القائم في صندوق النقد الدولي على أن لكل دولة (250) صوتاً، يضاف إليها (10) أصوات عن كل مليون دولار إضافية في مساهمتها، وبالتالي كلما تعاظم حجم مساهمة الدولة ازدادت قوتها التصويتية، أي أن المانحين الرئيسيين للأموال يمتلكون سلطة اتخاذ القرار في الصندوق. وهكذا فإن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك 17.35٪ من الأصوات، واليابان تمتلك 6.23٪ من الأصوات، وأوروبا مجتمعة 35٪.

وظائف الصندوق:

1 - الرقابة على تثبيت أسعار الصرف: يقوم الصندوق بالرقابة الشديدة على سياسات الصرف التي يتبعها الأعضاء، ولهذه الرقابة أسلوبان، الأول: تحديد المعايير التي يفترض أن يكون السلوك الاقتصادي والمالي للدولة العضو مطابقاً لها.

الثاني: التأكد عن طريق الفحص الدقيق والمشاورات والمناقشات أن العضو المعني ملتزم بتطبيق تلك المعايير. وعلى كل عضو أن يتعهد بصفة خاصة بالآتي:

أ - السعي إلى توجيه سياساته الاقتصادية والمالية نحو هدف دعم النمو الاقتصادي المنظم في ظل ثبات معقول للأسعار.

ب - السعي إلى دعم الاستقرار الدولي بتعزيز الشروط الاقتصادية والمالية الأساسية بطريقة منظمة، ونظام نقدي لا يتجه إلى خلق اضطرابات.

ج - تجنب التلاعب في أسعار الصرف أو النظام النقدي الدولي.

د - اتباع سياسات الصرف التي تتفق مع التعهدات الواردة في النظام الأساسي للصندوق، وإجراءات الصرف المحددة.

أما الرقابة التي يقوم بها الصندوق، فتتم على أساسين: ثنائي وجماعي. فالأساس الثنائي يكون بين الصندوق والدولة العضو، حيث تقوم بينهما مناقشات تتسم بالسرية التامة يحرص فيها خبراء الصندوق وفنيوه على تحليل ودراسة سياسات الدولة العضو الاقتصادية، وأوضاعها المالية، والتأكد من مدى مظابقتها لقواعد السلوك الدولي، وتبرَّر هذه السرية بالحرص على سلامة القرارات الاقتصادية التي تتخذ بشأن الدولة.

وهذا في حقيقته يضع الصندوق في موضع الاتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العضو، وفرض كثير من القرارات المالية والاقتصادية، وإخضاعها للشروط في ظل هذه السرية، خاصةً وأن الصندوق يباشر المناقشات الثنائية بصفة دورية.

وهناك رقابة جماعية، تكون على شكل تنسيق السياسات بين الدول الصناعية الكبرى، ووضع المعالم والموجِّهات التي تحكم سير النظام النقدي الدولي، وبالتالي تكون هذه الرقابة خالية من الفحص الذي يتم لاقتصاد الدول النامية؛ ولا تخضع الدول الصناعية الكبرى لأية مساءلة من جانب الصندوق.

وهناك لجنة (التنمية) وهي من اللجان المتفرعة عن الصندوق، وهي لجنة وزارية مشتركة بين الصندوق والبنك الدولي، وتقوم بدراسة نقل الموارد الحقيقية اللازمة للدول النامية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، والتغلب على المشاكل التي تواجه سير نموها الاقتصادي.

نشأت الحاجة لإيجاد هاتين المؤسستين من ضرورة وجود نظام اقتصادي عالمي يضمن ترتيب عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، على أساس جديد يشمل النواحي التجارية، والمالية، والنقدية. وحاولت أميركا أن تفرض تصوراتها عند تصميم مشروعات اتفاقية بريتون وودز، وتستغل نفوذها الاقتصادي والسياسي الكبيرين لتحقيق السيطرة التامة من خلال المؤسسات الدولية، ما يضمن لها الاستقرار ويخدم أهدافها الاستراتيجية التي كان من بينها يومئذٍ إعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب للاستعانة بها في الصراع مع الاتحاد السوفييتي، وتعزيز دورها التجاري، وتوسيع نفوذها في المناطق التي كانت تحت سيطرة الحلفاء الأوروبيين.

ولصندوق النقد الدولي وظائف تمويلية تتمثل في مد أعضائه بوسائل الدفع الدولية سواءً كان ذلك في شكل قروض أو تسهيلات ائتمانية، لمواجهة الاختلال الطارئ في موازين المدفوعات على المدى القصير.

وتتمثل الوسائل التمويلية للصندوق في:

1 - حقوق السحب العادية (العامة).

2 - حقوق السحب الخاصة.

والتسهيلات الائتمانية في مجملها تتمثل في حوالي اثنتي عشرة حالة.

وأما موارد الصندوق: فإنه غالباً ما يربط الصندوق بين الاستفادة من تسهيلاته التمويلية، وبين التزام الدولة المستفيدة ببرنامج للتصحيح الاقتصادي، يستند إلى رؤية خبراء الصندوق. وتكلفة هذه البرامج باهظة لأنها لا تراعي متطلبات التنمية، وطبيعة المشكلات الاقتصادية الهيكلية.

وتكون تسهيلات الصندوق قصيرة الأجل، ولعلاج المشكلات الطارئة، بينما معظم الدول النامية تكون في حاجة ملحة لتمويل طويل الأجل.

كما أن حجم الموارد المالية المتاحة للدول النامية بموجب الاتفاقيات الائتمانية غير كافٍ لأنه مرهون بحجم حصة العضو. ومعلوم أن حصص الدول النامية تكون ضئيلة ولا تلبي احتياجاتها المالية.

وهناك شروط تفرض عند سداد قيمة التسهيلات والموارد التي اقترضت، ويطلب من الدولة المستفيدة أن تتعهد بالسداد وفق برنامج زمني معين، وإلا واجهت عقوبات صارمة بوصفها دولة غير متعاونة أو غير مؤهلة، وذلك يعني حرمانها من أية قروض أخرى، وكذلك منع مصادر التمويل الأخرى من إقراضها.

ولكن حدثت تطورات مهمة في نظام صندوق النقد الدولي وكان لها انعكاساتها على الوظائف التي يقوم بها. وتتلخص في النقاط التالية:

أولاً: بدأ الصندوق يزاول أعماله في 1/3/1947 بعد أن أكملت الدول الأعضاء سداد حصصها، وتحديد سعر التعادل الذهبي للعملات. وكان النظام النقدي وقتئذٍ يقوم على قاعدة الدولار الذهبي، فهو العملة الرئيسية التي تستخدم في تسوية المدفوعات الدولية، وتستعملها السلطات النقدية في جميع الدول للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي، كما أنه العملة الاحتياطية لكل الدول.

ثانياً: في سنة 1961 قام الصندوق بدور الوسيط بين مجموعة عشر دول صناعية في عملية إقراض متبادل فيما بينها، وهي مجموعة نادي باريس الدولي. والقروض التي تقدم لا تستفيد منها إلا أعضاء هذه المجموعة. ويكون دور الصندوق كضامن القروض الممنوحة التي تتراوح بين 3-5 سنوات بفائدة منخفضة. وواضح أن الغرض من هذه الترتيبات العامة للاقتراض هو معالجة المشاكل الخاصة للبلدان الصناعية، وتوفير السيولة الدولية من العملات الرئيسية، وضمان سلامة النظام النقدي الدولي. حيث صار لمجموعة بلدان نادي باريس دور متعاظم في النظام العالمي*.

ثالثاً: في 15 آب سنة 1971 أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إنهاء قابلية تحويل الدولار الورقي إلى ذهب أو أية أصول احتياطية أخرى، وقصدت أميركا معالجة مشاكلها على حساب الدول الأخرى، وحافظت على دورها الاقتصادي في النظام الدولي بالإبقاء على الدولار الورقي.

ومنذ بداية عقد الثمانينيات كان هناك خصائص جديدة لصندوق النقد الدولي:

مثلاً عندما واجهت المكسيك مشكلة عدم القدرة على سداد دينها الخارجي البالغ (80) مليار دولار سنة 1982 تدخّل صندوق النقد الدولي لإنقاذها من الإفلاس، وإنقاذ البنوك التجارية الأميركية والأوروبية الدائنة لها من الانهيار، واستطاع الصندوق أن يقنع الأطراف صاحبة المصلحة بضرورة حل الأزمة، وذلك بأن يقدم الدائنون قروضاً جديدة للمكسيك حتى تستطيع أن تسدد الدين المستحق عليها، وبالمقابل تتعهد المكسيك بتنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي، ومن خلاله تعود الثقة في قدرة المكسيك على سداد الدين.

وبعد هذه التجربة الجديدة صار صندوق النقد الدولي يشترط الجمع بين توفير التمويل الجديد، وإعادة جدولة الديون التجارية والقروض الإسعافية وبرنامج التصحيح الاقتصادي فيما يسميه بـ (رابطة الإنقاذ) وهذا ما يعرف بالدور التحفيزي لصندوق النقد الدولي، حيث يقوم بدور الوسيط لدى مصادر التمويل الأخرى وإقناعها بتقديم موارد مالية ومساعدات للدولة المدينة، وصارت مصادر التمويل الأخرى مثل البنوك التجارية والحكومية الدائنة، وبنك التسويات الدولية تشترط شهادة حسن سيرة وسلوك من صندوق النقد الدولي عندما تتقدم أية دولة بطلب الاقتراض.

لذلك لا تستطيع أية دولة أن تلجأ إلى نادي باريس لجدولة ديونها إلا بالحصول على شهادة حسن سيرة وسلوك من الصندوق، وهذا ما سماه بعض الاقتصاديين بدور الشرطي في النظام المالي العالمي.

إن مكمن الخطر في البرامج التي يعدها صندوق النقد الدولي خاصة إذا علمنا أن الدول الصناعية ذات الوزن الاقتصادي والسياسي المسيطر على العالم، هي التي تفرض البيئة الاقتصادية بالقدر الذي يجعل الدول النامية تدور في فلكها، ولا تنفك عنها المشكلات المزمنة، كما أن الدول الكبرى تسعى لأن تجعل شبكة العلاقات التجارية والنقدية والمالية الدولية خادمة لاقتصادياتها، مما يكرس وضع التخلف والتبعية الذي تعيشه الدول النامية.

وهناك تنسيق وتعاون بين المؤسسات الدولية. وقد ظهر هذا التعاون جلياً بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات التابعة له، وأصبح هناك تكامل وتنسيق تام بينهما. فمثلاً تشترط المؤسستان الصندوق والبنك الدوليان عند تصميم برامج اقتصادية في ظل التسهيلات التمويلية، بغرض التصحيح الهيكلي، ضرورة الاتفاق مع العضو حول السياسات المطلوب اتباعها. وعلى ضوء ذلك يتحدد التمويل المسموح من المؤسستين، كما يشارك خبراء الصندوق ضمن بعثات البنك الدولي الفنية الموفدة للبلاد النامية. وكذلك عند وضع برامج الإصلاح متوسطة الأجل. وهناك أيضاً تعاون بين موظفي الصندوق ونظرائهم في منظمة العمل الدولية واليونيسيف.، وتجمع بينهم اجتماعات لمناقشة القضايا المشتركة.

ولقد أخذ الصندوق يتشدد في فرض شروط صارمة وواسعة عندما يود أي عضو أن يستفيد من التسهيلات التي يقدمها، ويشترط الصندوق اتفاق الدولة العضو وخبراء الصندوق الذين يقومون بتصميم برامج التصحيح الاقتصادي، وقد يستعينون بالفنيين من البنك الدولي، ولا بد أن يكون تقديم أية قروض من الصندوق والبنك الدولي مرتبطاً بتنفيذ الدولة لما ورد في وثيقة التصحيح وتسمى ورقة (سياسات التصحيح والتكيف) وتحاول هذه السياسات أن تضع اقتصاد الدولة النامية متكاملاً بدرجة مترابطة وقوية مع الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يساهم في إيجاد اقتصاد عالمي يجمع كل الدول تحت مظلة الرأسمالية التي تعتبر أن السوق هي الأداة الرئيسية القادرة على تخصيص الموارد الاقتصادية.

وللبنك الدولي روابط دستورية وعلاقات عمل وثيقة مع الصندوق، وهما يعقدان معاً اجتماعات سنوية مشتركة.

أما البنك الدولي:

فقد كانت فكرة تأسيسه سابقة لتأسيس الصندوق، وكان عمله أشمل من عمل الصندوق، إذ إن الصندوق كان عمله منحصراً في متطلبات الدول الغنية واهتماماته منصبة على تنظيم مصالحها التجارية والمالية، ولم يتحول إلى مشاكل الدول النامية إلا بعد الستينيات.

وأما البنك الدولي، فإن فكرة إنشائه كانت مرتبطة بالدمار الذي أتى على البنى الأساسية في القارة الأوروبية، ثم إعطاء القروض لبناء الصناعات ومشروعات التنمية وإقامة مشاريع البنى التحتية ولم يكن اهتمامه بالدول الكبرى الغنية والصناعية كالصندوق وإنما كان اهتمامه منسحباً على جميع الدول الغنية والنامية.

المراحل التي يمر بها القرض من البنك:

إن أول خطوة على طريق الاستجابة من قبل البنك لطلب العون المالي الذي يتقدم به بلد ما، هي قيام البنك بدراسة شاملة لاقتصاد هذا البلد، وهذه تأخذ صورة (تقرير اقتصادي) ويتخذ أساساً لقرارات البنك فيما يتعلق بالمعونة المالية والفنية التي تُؤدى للدولة، ويجري تحديث التقرير بين حين وآخر. وهو يعد وثيقة أساسية لوكالات التمويل، ويوضع برنامج عمليات البنك وهيئة التنمية الدولية على أساسه. هذا وتبدأ عمليات البنك في الدولة المعنية بالتعرف على المشروعات بوساطة بعثة يطلق عليها (بعثة التعرف على المشروعات) ويتلو ذلك إعداد المشروعات بوساطة (بعثة إعداد المشروعات) ثم تتم بعد ذلك عملية التقييم بوساطة (بعثة التقييم) وتجري مناقشة تقرير هذه البعثة مع المسؤولين المختصين في الحكومة، وبعد أن يتفق البنك والمقترض على كافة العناصر، تبدأ المفاوضات الخاصة بالقرض بوساطة (بعثة التفاوض بشأن القرض) يقدم بعدها رئيس البنك تقريراً عن القرض إلى المديرين التنفيذيين، وفي حالة موافقتهم يجري التوقيع على اتفاقية القرض الذي تسجل مستنداته لدى الأمم المتحدة، وتصبح سارية المفعول بعد ستين يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، ويبدأ احتساب رسوم الارتباط من هذا التاريخ، كما يبدأ دور المقترض بأن يقوم بإعداد مواصفات المعدات والخدمات المطلوبة للمشروع، وعرض العقود في مناقصة دولية، وفقاً للقواعد والإجراءات الموضوعة من البنك.

ويتبع البنك الدولي منظمتان ماليتان دوليتان هما: (هيئة التنمية الدولية) و(مؤسسة التمويل الدولية) كما يتبعه المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وتسمى هذه مع البنك (مجموعة البنك الدولي).

يشترط البنك أن يتم سداد القرض على (20) سنة بفائدة تحدد حسب الأسعار السائدة في الأسواق المالية (8٪) مثلاً أو أكثر أو أقل. ويركز البنك نشاطه على الدول النامية، على أن تكون على درجة من القوة الاقتصادية التي تمكنها من تمويل مشروعاتها الائتمانية من مواردها.

استقر الاتفاق على أن يتكون رأسمال البنك من (10) بلايين دولار. وينقسم اكتتاب كل دولة عضو إلى قسمين:

القسم الأول: هو عبارة عن 20٪ من قيمة الاكتتاب، ومن هذه النسبة 2٪ تدفع بالذهب أو بالدولار.

أما النسبة البالغة 18٪ فتبقى تحت طلب البنك وتدفع بعملة العضو.

القسم الثاني: وهو عبارة عن 80٪ من قيمة الاكتتاب. وهذا المبلغ لا يطلب إلا عندما يحتاج إليه البنك لمواجهة التزاماته الناشئة عما يكون قد اقترضه لمصلحة دولة ما، أو عما يكون قد ضمنه من قروض، ويكون الدفع بالدولار أو بالعملة اللازمة لكي يواجه بها البنك تلك الالتزامات.

ورأسمال البنك القابل للاستدعاء هو الـ (80٪) من اكتتاب الأعضاء المضمون في يد البنك، يستدعيه أي يأخذه ويحصله متى يشاء.

الأعضاء في البنك الدولي ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأول: هي الدول التي تسمى دول الفائض.

القسم الثاني: هي الدول التي تسمى دول العجز.

وعلى خلاف منظمات الأمم المتحدة – وإن كان البنك منظمة حكومية - فإن حقوق الدول الأعضاء غير متساوية حيث إن حقوق التصويت تتحدد بمدى مساهمتها في رأسمال البنك، الأمر الذي يتحدد وفقاً لمعايير معقدة تأخذ في الاعتبار الوزن الاقتصادي للدول. لذلك فإن الدول الصناعية الكبيرة تتمتع بقوة تصويت كبيرة تمكنها من السيطرة الفعلية على مقدرات البنك. فخمس دول (الولايات المتحدة الأميركية واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا) تتمتع بما يقرب من 42 في المائة من رأس المال، وبالتالي من الأصوات. وتتمتع الولايات المتحدة بدور متميز في إدارة البنك، ليس فقط لأنها تملك أكبر حصة (حوالي 18٪) وكانت في البداية تملك حوالي (27٪) بل لوجود مقر البنك في واشنطن، والاتفاق غير المكتوب بأن يكون رئيس البنك أميركياً ترشحه الحكومة الأميركية. ومبنى البنك الدولي هو مبنى صندوق النقد الدولي.

فالمؤسستان الصندوق والبنك، ما كان وجودهما إلا ليضمن مصالح الدول الغنية الكبرى. فهما مؤسستان يتركز فيهما تجمع المال، وهذا المال بدوره يتحرك لمصالح الدول الغنية على شكل قروض ربوية دورية، حسب نظام كل مؤسسة منهما، وتقوم المؤسستان بدورهما الاقتراضي.

فالبنك كما يمنح القروض فإنه يقترض أيضاً، ويبيع البنك أسهمه في الأسواق العالمية. ويغطي البنك موجوداته بأن يبيع إلى المستثمرين الخارجيين السندات التي يتلقاها من المقترضين. وكل ذلك يتم بطرق المعاملات الربوية، فيكون الربا هو المحرك لدورة المال والاقتصاد والتجارة في العالم.

أما الناحية الثانية: فإن عمل المؤسستين هو عمل سياسي بوسائل مالية، وذلك بدعم اقتصاد الدول الكبرى، ليتسع ويشمل مناطق عديدة في العالم، فتكون الدول النامية هي الضحية، لأنها ستكون عبارة عن ساحات مفتوحة لتنمية أموال المستثمرين من الدول الغنية، هذا مع استئثارها بالخامات والثروات الطبيعية، وعلى رأسها البترول، وهذا يقتضي أن تحمل هذه البلدان التبعية، وتكون مجالاً للمنافسة، ومحلاً للصراع على النفوذ وأسواقاً مفتوحة لمؤسسات الإنتاج الغربية. ويقتضي كل هذا أن تتكيف الإدارة السياسية في البلد لما فيه ضمانة حرية السوق وحرية الدخول والخروج للأموال المستثمرة، وهنا تكمن التبعية والخضوع للنفوذ والسيطرة. بل هذا ما يسمى بالاستعمار الجديد.

جاء الإسلام رسالة عالمية للناس كافة، وبدأت الفتوحات الإسلامية لنشر هذا المبدأ وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وضمان الحياة الهنيئة في الدنيا والسعادة في الآخرة.

دخل الناس في دين الله أفواجاً في مشارق الأرض ومغاربها، واجتمعوا على عقيدة واحدة صحيحة، وذابت القوميات وتلاشت الفوارق الطبقية، ووضعت شؤون المال وأحكام الاقتصاد في موضعها، فما كان هناك من غني متكبر ولا فقير مستذل.

إنهم كانوا يدركون معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» وكانوا يدركون قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم» وكانوا يدركون معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلأً فلبيت المال».

إن حرمة الربا صريحة في القرآن الكريم: ]وأحل الله البيع وحرم الربا[ [البقرة/275]، وحرمة كنز المال صريحة في القرآن الكريم: ]والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم[ [التوبة]، وحرمة تداول المال بين فئة الأغنياء صريحة في القرآن الكريم: ]كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[ [الحشر/7].

بعد هذا لا مجال لوجود احتكارات ضخمة، ولا لوجود ديون تستغرق الإنتاج المحلي أقساطها وفوائدها. ولا وجود لفئة تتربع على عرش المال والاقتصاد، وبقية العالم يئن تحت وطأة الجوع والفقر والذل.

وتحقيق كل ذلك مرهون بإعلان الخلافة وتطبيق الأحكام الشرعية، والتقيد بالحلال والحرام، والتطلُّع لليوم الآخر عند العمل للدنيا.

والله وعد بإظهار دينه على الدين كله، ووعد بنصر عباده المؤمنين العاملين. فهيئوا أنفسكم أيها المسلمون لتحقيق هذه المهمة وإنجاز هذا الواجب والفوز بنصر الله في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة q

أبو غازي

 

* دول نادي باريس هي: أميركا، إنجلترا، ألمانيا، فرنسا، اليابان، إيطاليا، كندا، هولندا، بلجيكا، والسويد.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

67386_572364332788475_14180682_n.jpg

 

 

 

العلمانية بثوبها الجديد

تحت شعار الوسطية

 

 

إن مصطلح الوسطية , لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث و هو مصطلح دخيل مصدره الغرب و المبدأ الرأسمالي و ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته على الحل الوسط هو الحل الذي نشأ نتيجة الصراع بين الكنيسة و الملوك التابعين لها من جهة و بين المفكرين و الفلاسفة من جهة أخرى،الفريق الأول:كان يرى أن الدين النصراني دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة ،والفريق الثاني:كان يرى أن الدين غير صالح لذلك فهو سبب التأخر و النهضة و الذل .

 

و إن العقل هو القادر على وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة . و بعد صراع مرير بين الفريقين اتفقوا على حل وسط و هو الاعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان و الخالق على أن لا يكون لهذا الدين شأن في الحياة و ترك تنظيم شؤون الحياة للبشر.

 

و أصبح أثر هذا الحل الوسط الذي بنوا عليه عقيدتهم , منهجا لحياتهم , و طريقة لمعالجة المشاكل . فمثلا : في قضية فلسطين المحتلة التي يطالب بها المسلمون كاملة , و اليهود يرونها أرض الميعاد التي وعدهم الله بها , تطالب دول الغرب التي اتخذت الحل الوسط منهج لها , أن يكون كلا من الفلسطينيين و اليهود كيان بها , فالحل الوسط هو تنازل عن المبدأ , و دائما ما يكون التنازل الأكبر للأضعف من الطرفين المتنازعين .

 

و بدل أن ينتقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط , و يبينوا خطورتها و خطئها و زيفها أخذوا بها و صاروا يدعون لها كمنهج للحياة , و زعموا أنها موجودة في الإسلام , بل ادعوا أن الإسلام قائم عليها و قالوا أن من استقراؤنا للأشياء , وجدنا أن لكل شئ طرفين ووسط،و الوسط دائما يكون من منطقة أمان , بينما الأطراف تتعرض للخطر و الفساد، ومادام للوسط و الوسطية هذه الميزة , فلا عجب أن تتجلى الوسطية في كل جوانب الإسلام فالإسلام وسط في الاعتقاد و التعبد , و وسط في التشريع و الأخلاق...،

 

و بعد أن قاسوا أحكام الإسلام على واقع الأشياء , قياسا عقليا بحثوا في بعض النصوص الشرعية , فلووا أعناق الأدلة , و أخضعوها لفهمهم الجديد كي تتلاءم مع ما ذهبوا إليه .

 

مستدلين لهذه القاعدة , بقوله تعالى {و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا} . فقالوا أن وسطية الأمة هي مستمدة من وسطية منهجها و نظامها , و أن كلمة ( الوسط) تعني العدل , و أن العدل - على حد زعمهم - التوسط بين الطرفين المتنازعين , فجعلوا العدل بمعنى الصلح ليخدموا فكرة الوسطية و الناظر لهذا التأويل السقيم يرى مدى هشاشة ما ذهبوا إليه في تفسيرهم لكلمة ( وسطا ) و لبيان فساد أي فكرة دخيلة على الإسلام لا بد من مناقشة أساسها , فوجدنا عمدة أدلتهم التي بنوا عليها هذه الفكرة , هو تفسيرهم لقوله تعالى

 

{و كذلك جعلناكم أمة وسطا }... الآية و تفسيرهم لكلمة ( وسطا ) بأنها التوسط ين الطرفين المتنازعين.

جاء في القاموس: ( الوسط محركه من كل شئ أعدله ) 2 . و قال في النهاية: ( يقال هو أسط قومه أي من خيارهم ) و منهم قول الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة عن قريش ( هم أسط العرب نسبا و دارا )3،و قال: الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى: { و كذلك جعلناكم أمة وسطا ... الآية } أي: (خيارا و عدولا ، و يدل على أن الوسط الخيار العدول ) 4 , قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس }. قال ابن حجر في الفتح : ( و شرط قبول الشهادة، العدالة ، و قد ثبتت لهذه الأمة هذه الصفة لقوله وسطا ،والوسط العدل )5 . قال الطبري رحمه الله : ( فمعنى ذلك : و كذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا لتكونوا شهداء لأنبيائي و رسلي على أممهم للبلاغ ... )6 ،ثم قال :و هذا التفسير , مروي عن جمع غفير من السلف منهم ابن عباس ومجاهد و قتادة و عطاء و غيرهم 7 .

 

و بهذا التفسير جاءت السنة المطهرة أيضا , ففي الحديث الصحيح , عن أبي سعيد الخدري , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يجئ نوح و أمته , فيقول الله تعالى : هل بلغت ؟ فيقول نعم أي رب , فيقول لأمته : هل بلغتكم ؟ فيقولون : لا ما جاءنا من نبي . فيقول لنوح من يشهد لك ؟ فيقول محمد صلى الله عليه وسلم و أمته . فنشهد أنه قد بلغ . و هو قوله جل ذكره ( و كذلك جعلناكم أمة وسطا . .. الآية ) و الوسط العدل )8

 

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( أن قوله الوسط العدل ) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم و ليس مدرجا كما توهم البعض )9 . هذا هومفهوم قوله تعالى لكلمة( وسطا ) , و عليه يكون التفسير الصحيح للآية , أن الأمة الإسلامية أمة عدل , و العدالة من شروط الشاهد في الإسلام , و هذه الأمة ستكون شاهد عدل على الأمم الأخرى على أنها بلغتهم الإسلام .

 

و الذين يحملون شعار الوسطية منهج حياة يذكروننا، بؤلائك الذين توصلوا إلى الحل الوسط في الصراع الذي نشب بين الكنيسة و الملوك , و المفكرين و الفلاسفة , و اتفقوا على حل وسط و هو الاعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان و الخالق، على أن لا يكون لهذا الدين شأن في تنظيم شؤون الحياة ...(العلمانية)

 

فالدعوة للوسطية هي دعوة لتمييع أحكام الإسلام , و قضايا الأمة المصيرية .

 

و إنا نسأل أصحاب هذا المنهج كيف يكون الوسط بين الكفر و الإيمان ؟! , و كيف الوسط بين الإلحاد و التوحيد ؟! , و بين منكر لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم و مؤمن بها , و بين إباحة الربا و تحريمه ...

 

ستجدون الجواب أن الوسط دائما يكون في منطقة الخطر .

 

و عليه نقول بأن نصوص الإسلام و أحكامه، ليس بها حل وسط بل دقة و وضوح و مفاصلة , حتى سماها الله حدودا , بسبب دقتها و استقامتها , قال تعالى: {و تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون } و قال :

{و من يعصي الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها} . فالوسطية فكرة غريبة عن الاسلام يريد الغرب و المضبوعين بثقافته أن يلصقوها بالاسلام و يسوقوها للمسلمين قاصدين حرفنا عن حدود الاسلام و أحكامه الفاصلة .

--------------------- 1- البقرة ( 143 )

2- القاموس المحيط ( وسط ) باب الطاء فصل الواو .

3- أخرجه البخاري ( 6830 )

4- أضواء البيان ( 1-75 )

5- فتح الباري ( 13- 316 )

6- انظر تفسير الطبري ( 3- 145 )

7- تفسير الطبري ( 3- 144, 145 )

8- أخرجه البخاري ( 3339 ) , الترمذي ( 2961 ) , بن ماجة ( 4284 )

9- فتح الباري ( 8- 172 )

10- البقرة ( 230 )

11- النساء ( 14 )

 

 

بقلم / هاني الشمري

رابط هذا التعليق
شارك

مجلة الوعي العدد 224 ، السنة العشرون ، رمضان 1426هـ ، تشرين الأول 2005م

 

 

 

 

 

62690_10200887077318965_1205889059_n.jpg

 

قاعدة أهون الشرين

 

 

يستدل بعض المشايخ المعاصرين وغيرهم من المتصدّرين لبعض نواحي العمل الإسلامي بهذه الأقوال: أهون الشرين، أو أقل الضررين، أو أخف المفسدتين، أو درء المفسدة الأكبر بالمفسدة الأصغر، أو بما في هذا المعنى؛ لتبرير بعض المواقف والأعمال المحرَّمة سواء لأنفسهم أم لغيرهم من أولياء مصالحهم. وسنبين، بحول الله تعالى، في هذه المقالة حقيقة المعنى الشرعي لهذه الأقوال.

وقد كان الدافع لهذه المقالة الجهل الواقع في فهم هذه الأقوال، وتحريف الأحكام الشرعية من خلال تطبيقها في غير مواضعها؛ لذلك ينبغي قبل البداية الإشارة إلى بلاءٍ تعاني منه الأمة، وينبغي العمل على معافاتها منه، ونسأل الله تعالى العون.

 

إن هذا البلاء هو أن الأمة ابتليت بأشخاص حظهم من العلم قليل، وزادهم من التقوى ضئيل، يُـنَـصَّـبون على منابرها، ويتصدرون مجالس التعليم الفقهي، ويتسلمون مراكز البيان والتوجيه الشرعي، في ظل واقع يروَّج فيه للفكر الغربي ونُـظُـمه، وتوضع فيه مناهج التعليم الشرعي على أساس التوفيق بين أحكام الإسلام والقوانين الغربية بما يُرضي الحكام وأسيادهم، وفي ظل أوضاع يُـستبعد فيها العلماء الحقيقيون الورِعون، ويُـغَـيَّـبون؛ لأن مواقفهم لا ترضي الحكام ولا تناسب أنظمتهم وسياساتهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وإذا كان من هم مفترضٌ فيهم أن يكونوا قادةً للأمة يدلونها على الخير لتقدم عليه، وينبهونها على مواطن الخطر لتحذره، والحرام لتحجم عنه، قد غلبَ على الكثير فيهم المقياس المادي النفعي، فبمنحةٍ ماديةٍ، أو بوظيفة أو منصب يخرجون الفتوى والبيان (الشرعي) بأن يشارك الناس في الانتخابات ولو كان إثماً، أو بأن ينتخبوا فلاناً ولو كان لا يقيم للشرع وزناً، أو بأن يؤيدوا ويساندوا هذه الفئة أو تلك ولو كانت ترى الإسلام إرهاباً أو تعدُّه تخلُّـفاً، أو بأن يشاركوا في هذا العمل أو ذاك ولو كانت شعاراته فسقاً وكفراً وراياته صليبيةً، بل صلبانَ مخنجرةً تقطر دماً، أو يدعون إلى التقارب بين الإسلام والكفر تحت عناوين الحوار بين الأديان، أو يطلقون على أصحاب القلوب الفاسدة والأيادي السوداء بأنهم أصحاب الأيادي البيضاء في خدمة الإسلام والمسلمين، ولو كانوا عملاء للكافر، ويفتحون البلاد قواعد عسكرية له؛ ليسيطر على البلاد والعباد، وينهب ثرواتها، ويأكل خيراتها، ويحارب الإسلام والدعاة إليه، تحت اسم الحرب على الإرهاب. إذا كانت هذه حال من يفترض فيهم أن يكونوا رواداً وفي طليعة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكم يكون إذ ذاك خطرهم عظيماً؟! وهل هم بهذه الحال دعاةٌ إلى الله أو عقبةٌ في طريق الدعوة؟ ! وهل هم عاملون لإنهاض الأمة أو هم معاول هدم في أيدي الحكام والسياسيين العلمانيين وأصحاب المال، يخدعون بذلك الأمة، ويفرغون جهودها، ويوهنون طاقاتها، في سياسات ومشاريع تخدم أعداء الأمة، بل قَـتَـلَـتَـهَـا؟!

وليعذرنا الشيخ الشهيد عبد القادر عودة وقد عنون لرسالته بـ(المسلمون بين جهل أبنائهم وعجز علمائهم)، فقد آل الأمر أيها الأخ الشهيد إلى العكس، فالمسلمون يعانون اليوم من عجز أبنائهم وجهل علمائهم.

نعم، جهل بالشرع، بل جهل بمعنى عقيدته، يُـنبئُ عنه ضعف حاد في الإيمان، نراه واضحاً في أقوال، ومواقف، وفتاوى، مخالفة للشرع. وقد صارت الشهادة في العلم الشرعي أداة استرزاق، وصارت المشيخة مهنة يؤكل بها، وصار موقف الحق عند أمثال هؤلاء المشايخ جهلاً وعدم فهم أو سوء تقدير لصعوبة الواقع، ومواقف غير عقلانية. وصار المحدِّد للحكم الشرعي وللموقف الشرعي -عندهم- هو مقدار ما يرجع على هذا الموجِّه، أو المعتلي للمنبر، من منفعة، أو مقدار ما يدرأ عن نفسه من ضرر. وانتشر لديهم مفهوم خاطئ وهو أننا ضعفاء وعاجزون، وعلينا أن نقبل بهذا الواقع؛ لأن الزمان ليس زماننا! وعلينا أن نحافظ على ما تبقى لنا ونرضى بما أُلقيَ إلينا من فتاتٍ أو يُـلقى، وإلا فالبديل أسوأ وأخطر!

لقد جمعوا بين الجهل واليأس فصاروا دعاة هلاك ومروجي فتنة، لقد صاروا تجربةً فاشلةً، ومثالاً فاسداً، وسبَّةً على الداعين إلى الإسلام، وحجةً عليهم، فما أعظمها فتنةً!

علماء بغير علم، يتعلمون الفقه من الواقع، ويستدلون عليه بهوى النفس، وربما بحكمة الزعيم، وليس بالقرآن والسنة، فما أعظمها فتنةً! يفتون بحسب ظروفهم وأوضاعهم، وبحسب مصلحة الجهة التي يوالونها، ويعلِّمون العقيدة علمَ كلامٍ، خاليةً من الإيمان، فما أعظمها فتنةً!

غلبت عليهم النفس الأمارة بالسوء، فنفوسهم يائسة، وخوفهم من العبد أكبر من خوفهم من رب العبد، ومقياسهم كمْ، فما أعظمها فتنة!

إن من كانت هذه أحوالهم، وأصرُّوا عليها، فالأمة -بصحوتها الصاعدة- ستلفظهم وتتعافى من الثقة بهم وتأنف الرجوع إليهم، كما تعافت قبل ذلك من الثقة بأسيادهم، وأخرجت من قلبها كلَّ أثر لولاء لهم أو انتظار خير منهم.

أيها العلماء: إن الدور الذي ينبغي أن يكون منوطاً بكم كبير، والمسؤولية التي ينبغي أن تكون على عواتقكم كبيرة، وقد حُمِّلتموها فاحملوها، ولا تكونوا كالذين حمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها، وإن تتولوا يستبدل الله بكم قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، وستقفون يوم القيامة بين يدي الجبار، وستُسألون، فبماذا ستجيبون؟ إنه لأمر عظيم لا يهوِّن من شأنه أن تحسبوه هيناً، أو أن تمروا عليه بسرعة. فارجعوا إلى كتابكم وتدبروا فيه معنى الإيمان، وبادروا إلى قول الحق وموقف الحق. وإن الصحوة قد نالت من الأمة ونالت الأمة منها، والأمة تبحث عن روّادها لتنقاد لهم في مسيرة إعزاز دينها وإعزازها، وفي مسيرة الشهادة على البشرية. فاحذروا أن تكونوا عقبةً في طريق دولة الأمة، أو أن تكونوا أدواتٍ ومروجين لسياسيين علمانيين وفسقة أو لآخرين بائسين، ولا تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية 23].

إن الله تعالى هو النافع وحده، وهو المعز والمذل، وهو الرافع والخافض، فتدبروا معنى الإيمان ومعنى التوكل على الله في المواقف، كل المواقف، وأفتوا الناس حينئذٍ بحكم الشرع وعلِّموهم كما يعلمكم الشرع، حينئذٍ تكونون علماء حقيقيين ورواداً صادقين للأمة، والفظوا من بين صفوفكم الجواسيس، والدجالين، والمنحرفين، والمرتزقة.

أما فيما يتعلق بالقواعد المذكورة آنفاً، الأخذ بأهون الشرين وما في معناها، فإن العلماء الذين يأخذون بها، يدركون ضوابطها ومواضع إعمالها، فلا يصح أن يؤخذ نص القاعدة وكأنه شرعي مطلق، أو يأخذ مبتوراً عن شروط تطبيق القاعدة، ثم تعطى بناءً عليه فتاوى تُـبَـرَّرُ بها الأعمال المحرمة ويخدع بها الناس.

والقاعدة الشرعية ليست نصاً شرعياً، وإنما هي حكم شرعي؛ لأن نصها صياغة بشرية، صاغه فقيه أو مجتهد. والنصوص الشرعية هي نصوص القرآن والسنة فقط. ولكن كان من الأدق أن يطلق عليها اسم قاعدة شرعية، وليس حكماً شرعياً؛ لأنها في واقعها قاعدة إضافةًً إلى كونها حكماً، أي أنها تتسم بالعموم أو بالكلية؛ لأنها تنطبق على أفراد كثيرة بناءً على لفظ عام، أو على جزئياتٍ كثيرة بناء على علة؛ وعلى ذلك فإذا حصل خلاف في القاعدة أو في تطبيقها فيجب الرجوع إلى المصادر، أي النصوص الشرعية التي استنبطت منها القاعدة، فهي التي تبيِّـن معنى القاعدة، وحدود تطبيقها ومواضعه، وحالات الاستثناء منها أو تخصيصها.

وهذه القاعدة المذكورة أعلاه بنصوصها المختلفة، عند العلماء الذين يأخذون بها، ترجع إلى معنى واحد، وهو جواز الإقدام على أحد الفعلين المحرّمين، وهو الفعل الأقل حرمة منهما، وهي ليست مطلقةً بهذا المعنى، وإنما مقيدة فيما إذا كان المكلَّف لا يسعه إلا القيام بأحد الحرامين، ولا يمكنه أن يترك الاثنين معاً؛ لأن ذلك متعذر أي خارج عن الوسع، أو في حالة يسعه فيها ألا يقدم على أيٍّ من الحرامين، ولكنه إذا فعل ذلك فسيقع الحرامان معاً، أو سيقع أشدهما حرمةً، أو سيقع حرامٌ أشد من الاثنين، فهذه من شروط أو ضوابط إعمال هذه القاعدة. ولإعمالها ضوابط أخرى تختلف بحسب اختلاف المسائل أو الأوضاع، ويتحدد الفقه فيها في كل مسألةٍ على حدة.

أما مستند هذه القاعدة فهو المعلوم ضرورة من الدين أن الحرام يُـترك والواجب يُـفعل، فإذا كثرت الأفعال المحرمة فيجب تركها كلها سواء كانت اثنتين أم أكثر، وإن كثرت الواجبات فيجب فعلها كلها سواء كانت واجبين أم أكثر، وكذلك يقال في المكروهات والمندوبات مع فارق أن المكروه يُـكره ولا يحرم، والمندوب يُـستحب ولا يجب.

وإنما يقولون بجواز الإقدام على أقل الحرامين مع أنه حرام، وبأفضلية الإقدام على أقل المكروهين مع أنه مكروه شرعاً، وبتعبير آخر أخف المفسدتين أو الشرين أو الضررين، أو يقال بدرء المفسدة الأعظم بالمفسدة الأخف، فيما لو كان لا يمكن درء المفسدتين معاً أو كان درؤهما معاً يؤدي إلى مفسدة أعظم. قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن 16] وقال: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة 286]. ومن هذه النصوص يتبين معنى هذه القاعدة وكيفية تطبيقها؛ وبناءً عليها -أيضاً- يقال بفعل الأوجب ولو عن طريق ترك الأقل وجوباً إذا تعذر إيقاع الواجبين معاً، أو يقال جلب المصلحة الأكبر بترك المصلحة الأصغر. وينبغي أن يلاحظ أن لفظ المصلحة والمفسدة هنا لا يطلق بمعنى المنافع والمضار بحسب الأهواء وحظوظ النفس، وإنما بحسب ما طلبه الشرع أو نهى عنه. قال الغزالي: «أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهي: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم»1.

وبناء على ما سبق، فإن استخدام هذه القواعد للإفتاء بفعل المنهي عنه في غير هذه الحالات هو فتوى بغير ما أنزل الله، ولا يقول بذلك أحد من العلماء الصادقين، قال : «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض» أخرجه السيوطي في (الجامع الصغير) وقال حسن؛ وعلى ذلك فإن قول من يقول انتخبوا فلاناً وإن كان علمانياً كافراً أو فاسقاً، أو أيدوا فلاناً ولا تؤيدوا الآخر؛ لأن الأول يساعدنا والثاني لا يساعدنا، أو ما شاكل ذلك، وسواء أكان القائل شيخاً، أم عالماً، أم لم يكن، هو قولٌ مردودٌ شرعاً، ولا يصح الاستناد فيه أو في مثله إلى هذه القواعد، وإنما الذي يقال هنا: إن الأمرين المعروضين أمامنا محرَّمان، فلا يجوز انتخاب العلماني ولا يجوز توكيله أو إنابته لتمثيل المسلم في الرأي؛ لأنه لا يلتزم بالإسلام، ولأنه يقوم بأعمال محرَّمة لا يجوز للموكِّـل أن يقوم بها كالتشريع والمصادقة على مشاريع محرَّمة، وكالمطالبة بالمحرمات والقبول بها والسير فيها، وبالجملة فهو ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر؛ ولذلك فلا يجوز انتخاب أي منهما؛ لأن انتخاب هذا أو ذاك حرام. وترك انتخاب هذا أو انتخاب ذاك داخل في الوسع. ولا يقال مثلاً: إن لم ننتخب ونساعد في إنجاح فلان فسينتخب غيرنا شخصاً أكثر ضرراً. لا يقال ذلك مثلما أنه لا يقال: إن لم نفتح الخمَّـارة نحن ونتقوَّى بمكاسبها فسيفتحها غيرنا (سيفتحونها هم) ويكسبون هم. وإنما السبيل هنا أن يُـترك الحرامان، وأن يُـدعى الآخـرون إلى أن يلتزموا أيضاً بترك المحرمات، فإن فعلوا كان خيراً لهم وإن لم يفعلوا كان شراً لهم. قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة]. وأخرج الترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، عن قيس بن أبي حازم قال: «قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنكم تضعونها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيِّروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب». وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة عن أبي أمية الشعثاني قال: «أتيتُ أبا ثعلبة الخُـشَـني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال: أما واللهِ، لقد سألت عنها خبيراً. سألتُ عنها رسول الله فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوْا عن المنكر، حتى إذا رأيتَ شحاً مطاعاً، وهوًى متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوامِّ، فإن من ورائكم أياماً، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم»، وفي لفظ: «قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين رجلاً منكم».

فمن هذه النصوص يتبين أن الحرامين يتركان، ويؤمر الناس بترك الحرام. ولا تنطبق هنا قاعدة أهون الشرين.

وإنه لمن المهازل أن يعترض هنا، ومن قِـبَـل مشايخ، بقولٍ سخيف: «يعني نقعد، لا نعمل شيئاً!» والجواب: إذا كنت بين أمرين إما أن تعمل حراماً وإما أن لا تعمل شيئاً ولا ثالث لهما، أي لا تستطيع أن تعمل خيراً، فالواجب أن تقعد وتكف أذى نفسك عن الناس، ولسانك عن تحريف الدين. قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» رواه الشيخان. والأصل أن تقوم ولا تقعد، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تسعى لوجود من يستحق أن يُـنتخَـب، أو أن تسعى لتغيير الأوضاع كلياً؛ لأن الواجب هو أن لا تَحكُـمَ أو تُـحكَم إلا بالإسلام، وأن لا تحتكم إلا إلى الإسلام. فقم لرفع شأن أمتك: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد 11].

إن هذا الموضع وأمثاله لا تنطبق عليه هذه القواعد، والذين يطبقونها في مثل هذه المواضع ينطبق عليهم قوله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة 52].

وإن مثال ما يطبق فيه هؤلاء المخطئون هذه القواعد هو كأن يُـعرضَ على المكلَّف طعامان أحدهما فيه ميتة والآخر فيه لحم خنـزير، فهل معنى القاعدة هو أن يبحث المكلف عن أقلهما حرمةً ثم يأكله، أو أن كليهما طعام حرام وعليه تركهما؟ نعم، كلاهما حرام، وعليه أن يجد طعاماً مما أحل الله أو فليصبر.

وأما العلماء الذين يأخذون بهذه القواعد، المدركون لحقيقتها، فهذه أمثلة من تطبيقاتهم لها:

1- إذا ما وصل الإنسان إلى حد الاضطرار الذي يخشى معه فوت الروح، وعند ذاك فإذا وجد حرامين فعله بالأقل حرمةً وإذا وجد حلالاً فلا.

إن هذه القواعد ليست معقدة ولا غامضة، وإنما هو البلاء المذكور، بلاء الجهل واليأس وقلة الدين. وسأذكر فيما يلي مثالين لتطبيق هذه القواعد لأجل مزيد من الوضوح، ثم أذكر أمثلةً مما ذكره بعض الأئمة ليكون القارئ على بيِّـنة من الأمر وطمأنينة.

2- إذا تعسَّـرت ولادة الأم ووقع العجز عن إنقاذ الأم والجنين معاً، واحتاج الأمر إلى قرار سريع: إما إنقاذ الأم وهذا يقتضي موت الجنين، وإما إنقاذ الجنين وهذا يقتضي موت الأم. وإذا تُـرك الأمر ولم يُـعمل على موت أحدهما لإنقاذ الآخر، أو إحياء أحدهما بموت الآخر، فقد يؤدي إلى موت الاثنين. ففي مثل هذه الحالة يُـقال بأهون الشرين، أو أقل الحرامين، أو أخف المفسدتين، وهو أن يقدم على الفعل الذي ينقذ المطلوب إنقاذه وهو الأم، ولو كان هذا الفعل نفسه قتلاً للآخر.

وينبغي أن يلاحظ هنا أن تعيين الفعل الأقل حرمةً لا يرجع إلى هوى أو مشيئة وليِّ أمر الأم والطفل، وإنما يرجع إلى الشرع، فكما أن الشرع هو الذي يبين ما هو حلال وما هو حرام، فهو أيضاً الذي يبين أيهما آكد في الشرع.

3- أن يتعرض شخص للهلاك غرقاً أو قتلاً من قِـبَـلِ شخص آخر، أو للإصابة بأذىً بليغٍ في بدنه وأعضائه، أو أن يُـعتدى على امرأة بالزنا، بحضور مكلَّـف يستطيع منع هذه المنكرات وعليه صلاة مفروضة قد يفوت وقتها، فإما أن يمنع ذلك الحرام فيفوته أداء الواجب، وإما أن يؤدي الواجب في وقته فيقع ذلك الحرام، والوقت لا يتسع لفعل الأمرين معاً. فهنا يأتي تطبيق القاعدة، وتكون الموازنة أيضاً من قِـبَـلِ الشرع الذي جعل رفع تلك المحرمات المذكورة آكد من أداء الواجب المذكور، ولو أمكن فعل الواجبين معاً لوجبا. ولا يقال: نفعل الأوجب ويجوز القعود عن الأقل وجوباً.

وكما مَرَّ آنفاً فإن الموازنات بين الأحكام ترجع إلى الشرع. وللفقهاء فيها قواعد للقياس، والمشابهة، والتقدير، والمقارنة. ولا يسعنا الدخول فيها وإنما أشير إلى ذلك بما يلفت النظر، وتفاصيل ذلك في الفقه، وربما كانت صعبة المورد ولكنها عذبة المذاق.

فحفظ نفسين أولى من حفظ نفسٍ واحدة والثلاثة أولى وهكذا، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال، وحفظ دار الإسلام داخل في حفظ الدين وهو أَوْلى من حفظ النفس والمال، وكذلك الجهاد والإمامة العظمى فهما داخلان في حفظ الدين من أوَّل وأَوْلى الضرورات، وفي الموازنة بين الإكراه على الزنا والقتل اختلاف والله أعلم. قال الشاطبي في الموافقات: «إن النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة الإحياء بحيث إذا دار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها، أو إتلافها وإحياء المال، كان إحياؤها أَوْلى، فإن عارض إحياؤها إماتة الدين كان إحياء الدين أَوْلى، وإن أدى إلى إماتتها، كما جاء في جهاد الكفار وقتل المرتد وغير ذلك، وكما إذا عارض إحياء نفس واحدة إماتة نفوس كثيرة»2. وقال الغزالي في المستصفى: «ونحن نعلم أن الشرع يؤْثِـر الكليَّ على الجزئي، فإن حفظ أهل الإسلام عن اصطلام الكفار أهم في مقصود الشرع من حفظ دم مسلم واحد... فإن قيل: فتوظيف الخراج (الضرائب) من المصالح، فهل إليه من سبيل أو لا؟ قلنا: لا سبيلَ إليه مع كثرة الأموال في أيدي الجنود، أما إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات (رواتب) العسكر، ولو تفرّق العسكر واشتغلوا بالكسب، لخيفَ دخول الكفار بلاد المسلمين، أو خيفَ ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد المسلمين، فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند، ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي فلا حرج؛ لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران قصدَ الشرعُ دفع أشد الضررين وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم (أي من الأغنياء الذين فرضت الضريبة في أموالهم) قليل بالنسبة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكةٍ يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور»3.

وهذه أمثلة أخرى ذكرها الإمامان الغزالي وعز الدين بن عبد السلام، رحمهما الله، يظهر فيها كيفية إعمال قاعدة أهون الشرين عندهما، ويظهر فيها أيضاً موازنات بين الأحكام. قال العز في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: «إذا اجتمعت المفاسد المحضة فإن أمكن درؤها درأنا، وإن تعذر درء الجميع درأنا الأفسد فالأفسد، والأرذل فالأرذل، فإن تساوت يُـتَـوَقَّـف، وقد يُـتَـخَـيَّـر، وقد يُـخْـتَـلَـف في التساوي والتفاوت، ولا فرق في ذلك بين مفاسد المحرمات والمكروهات»4. ثم ذكر أمثلة فقال: «أن يُـكرَهَ على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قُـتِـلَ، فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصبر على القتل؛ لأن صبره على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه، وإن قدر على دفع المكروه بسبب من الأسباب لزمه ذلك؛ لقدرته على درء المفسدة؛ وإنما قُـدِّم درء القتل بالصبر على القتل لإجماع العلماء على تحريم القتل واختلافهم في الاستسلام للقتل»5. فهذا مثال واضح في أنه اختيار لأخف المفسدتين أو الحرامين لأنه لا فكاك له من أحدهما، ولو أمكنه منع المفسدتين لوجب عليه ذلك.

وقال في مثال آخر: «وكذلك لو أكره بالقتل على شهادة زور أو على حكم بباطل، فإن كان المكره على الشهادة به أو الحكم به قتلاً، أو قطع عضو، أو إحلال بضع محرم، لم تجز الشهادة ولا الحكم؛ لأن الاستسلام للقتل أولى من التسبب إلى قتل مسلم بغير ذنب، أو قطع عضو بغير جرم، أو إتيان بضع محرَّمٍ. وإن كانت الشهادة أو الحكم بمالٍ، لزمه إتلافه بالشهادة أو بالحكم حفظاً لمهجته كما يلزمه حفظها بأكل مال الغير. وكذلك من أكره على شرب الخمر أو غَـصّ ولم يجد ما يسيغ به الغصة سوى الخمر، فإنه يلزمه ذلك؛ لأن حفظ الحياة أعظم في نظر الشرع من رعاية المحرمات المذكورات»6. وقال في مثال آخر: «إذا اضطر إلى أكل مال الغير أكله؛ لأن حرمة مال الغير أخف من حرمة النفس، وفوات النفس أعظم من إتلاف مال الغير ببدل، وهذا من قاعدة الجمع بين المصلحتين وبذل المصلحة الأخرى»7.

ومن أمثلته أيضاً: «إذا وجد المضطر إنساناً ميتاً أكل لحمه؛ لأن المفسدة في أكل لحم ميت الانسان أقل من المفسدة في فوت حياة الإنسان»8. ومنها: «إذا وقع رجل على طفل بين الأطفال إن قام على أحدهم قتله وإن انفتل إلى آخر من جيرانه قتله، فقد قيل: ليس في هذه المسألة حكم شرعي، وهي باقية على الأصل في انتفاء الشرائع قبل نزولها، ولم ترد الشريعة بالتخيير بين هاتين المفسدتين. فلو كان بعضهم مسلماً وبعضهم كافراً فهل يلزمه الانتفال إلى الكافر لأن قتله أخفُّ مفسدةً من قتل الطفل المحكوم بإسلامه؟ فالأظهر عندي أنها تلزمه؛ لأنا نجوِّز قتل أولاد الكفار عند التترس بهم حيث لا يجوز مثل ذلك في أطفال المسلمين»9. أما قوله إن المسألة باقية على الأصل في انتفاء الشرائع قبل نزولها، فهو لجهة أن الأطفال جميعاً متساوون نظرياً، فإذا وقعت الحادثة فسيكون فيها من الحيثيات ما يُـرجعَ مناط الحكم فيها إلى أوصاف أخص من مجرد عموم كونهم أطفال أو أي عموم آخر فيها. وهذه المسألة أول من أوردها -والله أعلم- هو إمام الحرمين الجويني في كتابه غياث الأمم عند التياث الظلم، وذكر أنها ليست لها في الشريعة حكم، مع أنه أكد في كتابه نفسه أنه ما من واقعة إلا ولها في الشريعة حكم.

ومن أمثلة العز بن عبد السلام أيضاً: «إذا اغتلم البحر بحيث علم ركبان السفينة أنهم لا يخلصون إلا بتغريق شطر الركبان؛ لتخف بهم السفينة، فلا يجوز إلقاء أحد منهم في البحر بقرعة ولا بغير قرعة؛ لأنهم مستوون في العصمة، وقتل من لا ذنب له محرم، ولو كان في السفينة مال أو حيوان محترم لوجب إلقاء المال، ثم الحيوان؛ لأن المفسدة في فوات الأموال والحيوانات المحترمة أخف من المفسدة في فوات أرواح الناس»10. ومن أمثلته: «لو أكره بالقتل على إتلاف حيوان محترم من حيوانين يَـتَـخَـيَّـر بينهما». «ولو أكره على شرب قدح خمر من قدحين يتخير بينهما». «ولو وجد حربيَّـين في المخمصة فإن تساويا تخير في أكل أيهما شاء، وإن تفاوتا بأن كان أحدهما أجنبياً والآخر أباً، أو ابناً، أو أماً، أو جدةً، كره أن يأكل قريبه ويدع الأجنبي، كما يكره أن يقتله في الجهاد. ولو وجد صبياً أو مجنوناً مع بالغ كافر أكل الكافر بعد ذبحه وكف عن الصبي والمجنون، لما في أكلهما من إضاعة مالِـيَّـتِـهما على المسلمين، ولأن الكافر الحقيقي أقبح من الكافر الحكمي»11. ومن أمثلته أيضاً: «قتل الكفار من النساء والمجانين والأطفال مفسدة لكنه يجوز إذا تترس بهم الكفار بحيث لا يمكن دفعهم إلا بقتلهم». «قتل من لا ذنب له من المسلمين مفسدة إلا إذا تترس بهم الكفار وخيفَ من ذلك اصطلام المسلمين ففي جواز قتلهم خلاف؛ لأن قتل عشرة من المسلمين أقل من مفسدة قتل جميع المسلمين»12. وللغزالي تفصيل في هذا المثال الأخير حيث يقول: «إن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً لم يذنب ذنباً، وهذا لا عهد به في الشرع، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم ثم يقتلون الأسارى أيضاً، فيجوز أن يقول قائل: هذا الأسير مقتول بكل حال فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع؛ لأنا نعلم قطعاً أن مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل»13.

فهذا المثال واضح في أن الوضع الذي يُـلجأ فيه إلى العمل بأخف الحرامين أو المفسدتين هو وضع العجز عن تجنب الحرامين جميعاً أو منعهما جميعاً، انظر قوله: «فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً» وقوله «فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على القليل».

ثم يقول الغزالي: «وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم إذ لا يحل رمي الترس إذ لا ضرورة، فبنا غِـنْـيَـةٌ عن القلعة»14.

بهذه الأمثلة التي ذكرها بعض الأئمة على إعمال قاعدة أهون الشرين يتبين معنى القاعدة ومواضع إعمالها، ويتبين أيضاً كيفية الموازنة بين المصالح والمفاسد، كما ويتبين مقدار البلاء الذي ترزح تحته الأمة في ظل أقوال وتوجيهات تصدر باسم العلم والفقه، وما هي إلا دلالة على الانحطاط الذي أصاب الأمة بسبب هيمنة عدوها وزبانيته عليها؛ ولذلك وجب التنبيه إلى الخطأ في إعمال هذه القاعدة وإلى خطأ الموازنات غير الشرعية التي تقلب أحكام الشريعة رأساً على عقب. ولعل من هؤلاء المخلصين من يتنبه إلى مقدار خطئه وخطره على أمته، فيسعى إلى التوبة مما باء به، ويقرر التخلص مما يحوك في صدره، والله من رواء القصد.

 

محمود عبد الكريم حسن

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

303106_10200910704549631_979956539_n.jpg

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التدرّج

 

 

إن الدعوة إلى التدرج ليست من الإسلام في شيء، فهي فكرة مستحدثة وجدت لدى المسلمين نتيجة تأثرهم بالفكر الغربي. أما تبرير الدعوة إليها عند الداعين لها فهو عدم القدرة على التطبيق الكامل للإسلام، أو عدم ملاءمة الظروف الحالية لتطبيقه، أو لأن الرأي العام العالمي لا يقبل بتطبيقه، أو لأن الدول الكبرى لا تترك لنا مجالاً لتطبيقه، أو غير ذلك من الذرائع الواهية غير الشرعية التي يعتبر العمل بها طاعة للغرب ومعصية لله سبحانه وتعالى. إن القول بالتدرّج فيه مخالفة لطبيعة الإسلام، ولطريقة القرآن، ولسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الإسلام وفي الدعوة إليه، ولِما كان عليه الخلفاء الراشدون والسلف الصالح المشهود لهم بالخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

 

أما مخالفته لطبيعة الإسلام، فذلك أن طبيعة الإسلام أول ما تقوم على الإيمان بالله تعالى أنه وحده الخالق المدبّر،أي أن له وحده الخلق والأمر. ومن مستلزمات هذا الإيمان عند المسلم أنه كإنسان لا يستطيع أن يشرّع لنفسه التشريع الصحيح. على هذا الأساس يطيع المسلم ربّه عندما يَحكُم، قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) وعندما يُحكَم، قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ )؛ ولهذا كان لا يجوز أن يخرج المسلم عن هذا التلازم بين الإيمان والطاعة أدنى خروج، خاصة بعدما اكتمل نزول الإسلام وأصبح المسلم مسؤولاً عنه كاملاً في الإيمان والالتزام والتطبيق والدعوة له...

 

 

أما مخالفته لطريقة القرآن، فالقرآن أمر المسلمين أن يتبعوا بإحسان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، قال تعالى: ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ). والقرآن أمر المسلمين أن يحكموا بالإسلام كل الإسلام، وحذرهم من ترك أحكام الإسلام ولو كان حكماً واحداً، قال تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ). والقرآن أمر المسلمين أن يكونوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ).

 

 

أما مخالفته لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيق الإسلام وتبليغه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».متفق عليه. وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيق الإسلام وتبليغه وحمل دعوته كانت مطابقة لهذا التوجه الذي فرضه الإسلام. فهو في حياة دعوته مرّ بظروف ضاغطة جداً فلم يخضع لها، وعرضت عليه العروضات المغرية فلم يستجب لها. وودّ الكافرون لو يدهن صلى الله عليه وسلم في دعوته فأبى ذلك كل الإباء، وقال وهو في أشد حاجته للنصرة لوفد بني عامر بن صعصعة حين عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أيكون لهم الأمر من بعده: «الأمر لله يضعه حيث يشاء» فلم يتنازل ولم يداهن... ورفض المال والجاه وحتى الملك بعيداً عن الحكم بالإسلام. ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يتعامل مع البلاد التي فتحها وتغلّب عليها وطبق الإسلام فيها إلا بالإسلام، فرفض أن يترك لبعضهم صنمهم ليعبدوه، ورفض أن يعفي أحداً منهم من الصلاة...

 

 

أما مخالفته لسنة الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعضّ عليها بالنواجذ، ولما كان عليه السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية، فإن حياتهم كانت قائمة على الجهاد وفتح البلاد وإدخال الناس في دين الله، فإذا فتحوا بلداً طبقوا الإسلام كاملاً عليه، فلا يسمحون له بشرب الخمر سنة أو شهراً، بل ولا ساعة من نهار، فالفرض يُنفذ فوراً، والحرام يُمنع فوراً، وتقام الحدود وتطبق الأحكام دونما تدرج أو "فترة سماح"!

 

 

أيها المسلمون: لقد فوجئ الغرب بالثورات الشعبية في بلاد المسلمين، وفوجئ أكثر بالمشاعر الجياشة للمسلمين المنادية بتحكيم شرع الله، وبدء تحركاتهم من المساجد، وتكبيراتهم المتصاعدة إلى عنان السماء، فأوجس في نفسه خيفة من وصول الإسلام للحكم، وهو يدرك أن في هذا هلاكه، فصار يجد ويجتهد لمنع ذلك بأساليب خبيثة ملتوية أمام مشاعر المسلمين، وكان من هذه الأساليب فكرة التدرج، حيث وجد فيها ضالته، فهي تجيز لحاملها ترك حكم وتطبيق حكم... فيسهل بها التنازل عن أحكام الإسلام خطوة خطوة، بل خطوات متراكمة! وساعده في ذلك من يسمَّون المسلمين المعتدلين، فهم أيضاً وجدوا ضالتهم في فكرة التدرج حيث هم بها يجدون مخرجاً أمام العامة الذين انتخبوهم، فإذا قالوا لهم لماذا لا تطبقون الإسلام وقد انتخبناكم من أجله؟ أجابوهم نحن سنطبقه ولكن بالتدريج فأمهلونا! وظنوا أنهم بذلك قد وجدوا مخرجاً في الوقت الذي هم فيه قد خرجوا من الحرام بعدم تطبيق الإسلام إلى الحرام بالقول بالتدرج!!

 

 

إن هذه الثورات كما كشفت حقد الغرب بزعامة أمريكا على الإسلام المسلمين، فهي كذلك قد كشفت من يسمَّون "المسلمين المعتدلين" الذين أصبحوا في واجهات الحكم بأنهم لا يريدون تطبيق أحكام الإسلام كما فرضها الله سبحانه، بل هم غير قادرين على تطبيق أحكام الإسلام لأن هؤلاء طوال سنيّ حياتهم لم يهيئوا أنفسهم لتطبيق أحكام الإسلام، فشكْلُ الحكم في الإسلام وأنظمة الحكم فيه من اقتصاد واجتماع وسياسة وتعليم وسياسة خارجية لم تكن في مفكرتهم أبداً؛ لذلك وجدوا ضالتهم في فكرة التدرج يخادعون الناس بها وما يخدعون إلا أنفسهم... إن الواجب على الأمة وقد وعت على هؤلاء أن تُقبِل على الجماعة التي تملك طريقة الفهم الصحيح للإسلام، وتملك الأحكام الشرعية المتعلقة بالحكم، وتملك الخبرة السياسية في العمل، وعندها التتبع السياسي والإلمام بالسياسة الدولية وفضحها، والأفكار الغربية الكافرة ودحضها، وعندها مشروع دستور أعدّته وبقيت تنقّحه حتى وصلت إلى ما يمكّنها به إقامة الحكم بما أنزل الله عن طريق دولة الخلافة الراشدة، وهذه الجماعة هي حزب التحرير.

 

 

أيها المسلمون في سوريا وفي كل العالم الإسلامي:

 

 

إن حزب التحرير يهيب بالمسلمين أن يضعوا أمامهم مرضاة ربهم وإقامة شرعه. وإنه يحذر المسلمين وخاصة المخلصين منهم من الوقوع في فخ دعوات الغرب الكافر من مثل الدعوة إلى التدرج. والحزب يعلن لأهل سوريا ومن ورائهم كل المسلمين أنه يستطيع بكل أمانة وبعون الله أن يقود هذه المرحلة. على طريقة الإسلام الصحيحة في الفهم والتطبيق والدعوة ونشر الإسلام، ويحمّل المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى كلَّ من يتخلّف من المخلصين منهم عن هذه الدعوة؛ فيقبل أن يمد يده للغرب، ويسير على طريقة الغرب في فهم الإسلام، ويترك الفهم الصحيح والقائمين عليه.

 

 

إن حزب التحرير كان وسيبقى بإذن الله تعالى رائد الدعوة إلى الخلافة الراشدة ويطمح أن يكون صاحب وعد رسول الله في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد: «ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» بعد هذا الحكم الجبري الذي نشهد مرحلة الخلاص منه. وهو يدعو المسلمين لأن يكونوا معه في هذه الدعوة المباركة، دعوة الحق التي تنهضهم النهضة الصحيحة، وتعيدهم خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله سبحانه لهم أن يكونوا في محكم آياته ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ).

 

29 من رجب 1433

الموافق 2012/06/19م حزب التحرير

ولاية سوريا

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

527834_10200934181696545_2016475721_n.jpg

 

 

 

خطــاب موجه من حزب التحرير الى رئيس واعضاء اللجنة

المركزية للمقاومة الفلسطينية حول التحذير من قيام

دولة فلسطينية

 

 

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،

حضرات السادة رئيس واعضاء اللجنة المركزية للمقاومة الفلسطينية المحترمين .

 

السلام عليكم ورحمة الله وبعد ,

 

فانه لما كان الاقدام على الدولة الفلسطينية خطرا من الاخطار كالاقدام على دولة فلسطين العلمانية , راينا من واجبنا ان نقدم لكم هذه المذكرة , بعد ان لمسنا ما انتم فيه من التلبس بالعمل لاقامة هذه الدولة , ومن السير في ركاب امريكا وعملاء امريكا لتنفيذ خططها وراينا لزاما علينا ان ننبهكم لهذا الخطر ونحذركم من سوء مغبته ,وما سيجره عليكم وعلى مسألة فلسطين من ويلات وكوارث , ونهيب بكم ان لا تجعلوا اهل فلسطين الاداة الرئيسية لضياع فلسطين , وان لا تكونوا الفراشة التي تحوم فوق النار لتحترق في هذه النار , فانكم انتم اللذين ستكونون وقود النار , واهلكم الذين سيقعون معكم فيها , فوق ما ستجرونه على غيركم من اهل الاسلام لا سيما المجاورين لفلسطين من مصائب فظيعة وكوارث شديدة التأثير . ومن اجل ان يكون الاجرام فيما انتم تقدمون عليه بارزا نلخص لكم المسألة كلها بما يلي :

 

 

اولا: ان المسألة الفلسطينية منذ ان وجدت حتى الان مسألة سياسية وليست مسألة عسكرية , ولا تزال مسألة سياسية , وستظل مسألة سياسية مهما صحبها من اعمال عسكرية , ومهما اصطنعت فيها من مظاهر حروب الى ان تقوم الدولة الاسلامية وتخفق راية الاسلام , اي الى ان يتولى المسلمون بالجهاد حرب الكفار , او حرب الدول الكافرة وتنتهي هذه الترهات والخزعبلات , وينتهي العملاء ورجال العملاء ويصبح الجد وصدق الفعال هو المسيطر على البلاد .

ان الذين خططوا لايجاد فلسطين , او ايجاد اسرائيل , قد خططوا جميعا ان تصحب المسألة السياسية اعمال عسكرية تكون الوسيلة الفعالة لتنفيذ مخططاتهم ومن اجل ذلك صحبت المسألة السياسية اعمال عسكرية منذ ان بدىء بايجاد فلسطين , وبدىء العمل لايجاد اسرائيل حتى الان . وكانت منظمات المقاومة مرحلة من مراحل الاعمال العسكرية لتنفيذ مخططات الكفار . فمنذ سنة 1920 اوجد الانجليز ثورات في فلسطين كاسلوب لادخال اليهود , وسخر اهل فلسطين في ذلك افظع تسخير , ولا يزالون يسخرون حتى الان . فثورة سنة 1929 قام بها الانجليز عن طريق المجلس الاسلامي الاعلى الذي هو دائرة من دوائر الانجليز , وثورة سنة 1933 اشعلها الانجليز عن طريق حزب الاستقلال الذي هو حزب انجليزي وجل من فيه من عملاء الانجليز , وثورة سنة 1936 قام بها الانجليز عن طريق الاحزاب العميلة التي كانت في فلسطين والتي كان رجالها من عملاء الانجليز , ثم ثورة سنة1948-1947 التي نفذت اجلاء اهل فلسطين عن ديارهم قام بها الانجليز عن طريق الحكام العرب وعن طريق زعماء فلسطين وجلهم من عملاء الانجليز , وما صيحة الدكتور فخري الخالدي في شأن دير ياسين الا عملا واحدا من اعمال هذه الثورة التي قامت لاجلاء اهل فلسطين . ثم كانت اخيرا ثورة المقاومة او ثورة الفدائيين التي قام بها الانجليز عن طريق حكام الكويت وامارات الخليج وفيصل بن عبد العزيز . وهكذا كانت الاعمال العسكرية في مسألة فلسطين منذ نشأتها حتى الان الوسيلة الفعالة لتنفيذ مخططات الدول الكافرة من اجل ايجاد فلسطين او ايجاد اسرائيل .

 

 

ثانيا : ان المسألة الفلسطينية لم يستطع الانجليز تنفيذ مخططاتهم بشأنها الا عن طريق عملائه لا سيما الفلسطينيين منهم , ورغم استيلاء الانجليز على فلسطين وحكمهم لها ثلاثين عاما لم يستطيعوا ايجاد دولة فلسطين ولا ايجاد اسرائيل ولولا ما قام به اهل فلسطين من ثورات مصطنعة , وما ضللوا به الناس من مطالب مجرمة مثل استقلال فلسطين ومنع الهجرة وما شاكل ذلك لما تمكن احد من ايجاد اي كيان اسمه فلسطين او اسمه اسرائيل . ولولا ما قام به اهل فلسطين من ثورة سنة1948-1947 ودخول ما يسمى بالجيوش العربية لما اتيح لكيان اسرائيل ان يقوم , ولما خرج اهل فلسطين من ديارهم وصاروا اسوأ المشردين مدة ربع قرن او يزيد وبالتالي لولاالملك عبد الله ومن بعده الملك حسين وما قام به كل منهما من اجل الانجليز وبالتالي من اجل اليهود لما استمر بقاء مسألة فلسطين حتى الان لذلك فان ازالة فلسطين او ازالة اسرائيل ليست بيد انجلترا او امريكا , ولا بيد هيئة الامم ومجلس الامن وانما هي بيد المسلمين وحدهم لا سيما المجاورين لخط النار من اهل مصر واهل الشام ومنهم اهل فلسطين , ولما كانت الدول الكبرى ولا سيما الانجليز والامريكان اصحاب المخططات على يقين من ان هذا وحده هو الدرب لذلك اتخذوا الاعمال العسكرية الخطوة الاولى من قبل اهل البلاد , ولما نجحوا في ذلك انتقلوا للناحية السياسية واخذوا يسيرون اهل مصر واهل الشام ومنهم الفلسطينيون , وجاءوا بما يسمى زعماء المقاومة للسير في الخط السياسي ليسيروهم فيه كما سيروهم في الخط العسكري ليصلوا الى تنفيذ ما خططوا للمسألة من حلول .

 

 

ثالثا : ان المسألة الفلسطينية جانب من مسألة الشرق الاوسط , وهي لا تحل على اساس ارضاء اليهود , ولا على اساس ارضاء الفلسطينيين , ولا على اساس ارضاء مصر وشرق الاردن , او غيرهم , ولا تحل على اساس انها مسألة فلسطين , وانما تحل على اساس مصالح الدولتين الكافرتين انجلترا وامريكا , وعلى اساس مسألة الشرق الاوسط لا مسألة فلسطين . لذلك ليس غريبا ان تدخل في حلها مصر , وا تدخل في حلها شرق الاردن , وان تدخل في حلها سورية , لان المسألة مسألة المنطقة لا مسألة فلسطين .

 

 

رابعا: ان اساس مسألة فلسطين وبالتالي مسألة الشرق الاوسط هو ان يعترف اهل المنطقة بوجود يهودي في البلاد , دولة فلسطين او دولة اسرائيل , او اي شكل من الاشكال التي تضمن وجودا يهوديا يعترف به اهل المنطقة ويقبلونه كما اعترفوا وقبلوا بالوجود النصراني في لبنان . هذا هو اساس المسألة عند الجميع لا فرق بين الانجليز والامريكان , فمتى وجد هذا فقد حلت المسألة ونفذت المخططات ومالم يوجد هذا فانه يستحيل ان يوجد اي حل , وهذا الاساس قد سلم به الملك عبد الله منذ سنة 1947 وسلم به من بعد الملك حسين منذ سنة 1953 , وسجل ذلك رسميا ودوليا في عدة وثائق سرية وعلنية بشكل لا لبس فيه , لذلك لم تعد الاردن طرفا في المسألة من اول يوم وجدت فيه اسرائيل . ولكن المسألة ليست مسألة شرق الاردن , حتى ولا مسألة سورية ولبنان , وانما هي مسألة مصر ومسألة المنطقة كلها وعلى رأسها مصر , ولذلك لم يجد تسليم عبدالله وحسين , وظلت المسألة تسير منذ سنة 1948 حتى الان في انتظار اخضاع مصر .

الا ان مصر لم يكن من السهل على اي حاكم ان يجعلها تسلم بوجود يهودي في فلسطين , واذا كان الملك حسين قد استطاع اذلال الفلسطينيين واذلال اهل شرق الاردن واخضاعهم لكل خيانة يرتكبها , واذا كان حكام سورية من اليمينيين والبعثيين استطاعوا قهر اهل سورية واسكاتهم عن كل خيانة ترتكب فان مصر لم يستطع اي حاكم اخضاع اهلها والتسليم بارتكاب جريمة التسليم بوجود يهودي في فلسطين فضلا عن الاعتراف به او قبوله , لذلك طال امد القضية , ومن اجل ذلك كان ضرب الجيش المصري سنة 1949 بمعاونة الملك عبدالله , وكان ضرب الجيش المصري سنة 1956 بعد ضمانة سكوت الاردن وسورية , ثم كان ما يسمى بحرب حزيران , او على الاصح ضرب الجيش المصري بمؤامرة مدبرة مع الملك حسين ومع حكام سورية من البعثيين , كل ذلك من اجل اجبار مصر على التسليم بوجود يهودي في فلسطين وارغامها على الاعتراف به وقبوله في المنطقة كما قبل الوجود النصراني في لبنان , وبالرغم من ذلك لم يستطع احد على اجبارها على ذلك الى ان قام عبد الناصر بحرب الاستنزاف وجعلت امريكا باساطيلها وقواتها هي اسرائيل , فحينئذ جرؤ حكام مصر على الاعتراف , فكان ما كان من قبول عبد الناصر لمبادرة روجرز , ثم كان ما كان من قبول السادات علنا بالاعتراف باسرائيل وقبولها في المنطقة , فانتهت بذلك القضية والمسألة لانه قد وجد الاساس وهو قبول وجود يهودي في فلسطين من قبل اهل المنطقة كلهم بما فيهم مصر , وبوجود الاساس لم يبق الا شكليات الانتهاء من امر سكان اهل فلسطين.

 

 

خامسا : فالمسألة اذن لم تعد مسألة اسرائيل , ولا مسألة فلسطين , بل اصبحت مسألة اسكان اهل فلسطين , فجاء دور استثمار الفدائيين , وجاء استثمار اهل فلسطين للانتهاء نهائيا من وجود يهودي في فلسطين وبالتالي من مسألة الشرق الاوسط كلها , ومن اجل ذلك تحركت القوى نحو الفدائيين وتحركت القوى نحو الفلسطينيين , ووضعوا في الدوامات المهلكة حتى يتخذوا الاداة الفعالة للانتهاء من مسألة الوجود اليهودي في فلسطين .

لقد اخرج ملف الفلسطينيين ووضع على الطاولة للتنفيذ منذ سنة 1969 , واخذت تتقاذفه ايدي عملاء امريكا امثال عبدالناصر والسادات ومعهم بعض زعماء فلسطين وزعماء الفدائيين , وايدي عملاء الانجليز امثال الملك حسين وحزب البعث ومعهم بعض زعماء فلسطين وزعماء الفدائيين , فكانت محاولة شباط في الاردن سنة 1970 ثم مذبحة ايلول في الاردن سنة 1970 , ثم كانت محاولات الملك حسين ومازن العجلوني ووصفي التل للقضاء على الفلسطينيين ثم على شوكة الفدائيين . كل ذلك كعمل من اعمال اسكان الفلسطينيين لانهاء مسألة فلسطين .

 

اما الانجليز فانهم اتخذوا الاردن قاعدة لهم للمنطقة كلها , واداة لاسكان الفلسطينيين في فلسطين لايجاد الدولة العلمانية , وكشفوا عن ذلك منذ سنة 1964 . واما الامريكان فانهم لم يكشفوا اوراقهم الا سنة 1970 بعد ان جدوا في التنفيذ . فقد كانوا يقولون بايجاد دولة فلسطينية في فلسطين اي بما يسمى بالضفة الغربية , وكانوا يخفون ما يبيتون من تمزيق شرق الاردن واقامة دولة فلسطينية فيها للفلسطينيين , ومن اجل ذلك تورط شرق الاردن باحتضان الفدائيين , وتورطت انجلترا بتشجيع الفدائيين بل ايجادهم , وتورط الفلسطينيون بالتوطن بشكل كاسح في شرق الاردن كل ذلك وامريكا لم تكشف عن مشروعها , الاعن اقامة دولة فلسطينية في فلسطين . فلما انتهت من اخذ موافقة مصر على الاعتراف بوجود يهودي في فلسطين اخذت تعمل لنسف الحكم في شرق الاردن واقامة دولة فلسطين على انقاض الحكم الاردني , فكان هذا الصراع بين حكومة الاردن واهل فلسطين , بين الجيش الاردني والفدائيين , كل ذلك صراع على اسكان اهل فلسطين .

 

 

سادسا : ان المنظمات الفدائية بالرغم من ان الانجليز هم الذين اوجدوها ,وبالرغم من ان منظمة فتح كبرى المنظمات منظمة انجليزية بحتة , ولكن مصر بمساعدة امريكا ثم بمساعدة سورية استطاعت ان تستميل اكثر الفدائيين للدولة الفلسطينية في الاردن , فدخلوا في مفاوضات مع امريكا في اول الامر فاخفقت باقناعهم , لان منظمة فتح كبرى المنظمات كانت ضد هذه الفكرة , ولكن المخابرات المركزية الامريكية , وتأثير مصر قد اوجد رأيا عاما بين الفدائيين وحتى بين الفلسطينيين في اقامة دولة فلسطينية في شرق الاردن وبقايا فلسطين , فتحولت اللجنة المركزية باكثريتها الى جانب امريكا , وسايرهااو سار معها عملاء الانجليز في المنظمة فكانت التحركات الاخيرة التي بدأت في نيسان الفائت واشتد ساعدها حتى صارت مسألة اقامة الدولة الفلسطينية مسألة وقت عند الكثيرين من الفلسطينيين , وبذلك صارت اللجنة المركزية وصار اكثر زعماء الفدائيين يعملون وكأنهم على وشك تسلم الحكم في الاردن لايجاد الدولة الفلسطينية للفلسطينيين .

 

 

هذا هو وضع المسألة : الفلسطينيون هم الذين مكنوا الانجليز من ايجاد اليهود في فلسطين حتى سنة 1948 , والفلسطينيون هم الان بثورتهم يريدون ان يكونوا الاداة الفعالة لاعتراف المنطقة عمليا بالوجود اليهودي في فلسطين , وبانهاء المسألة كلها وانهاء مشكلة اسكان الفلسطينيين , وذلك بان يكونوا حكاما ولو عملاء على اشلاء الاردن بل على جثة فلسطين واهل فلسطين . لذلك فان ما يقدمون عليه هو جريمة من افظع الجرائم لانهم يريدون ان يجعلوا انفسهم الاداة التي لولاها لما استطاع الغرب تنفيذ المخططات , والتي بها يتم تنفيذ هذه المخططات .

 

 

انه مع اعتقادنا بان الفلسطينيين لن ينجحوا في اقامة الدولة الفلسطينية , لا في شرق الاردن ولا في فلسطين ولن ينجحوا في اخذ الحكم في شرق الاردن ما دامت قبائل شرق الاردن على قيد الحياة , وما دام اهل شرق الاردن يقاومون مخططات الامريكان , وما دام المخلصون من الفلسطينيين يقاومون مخططات الانجليز ومخططات الامريكان . الا اننا نشفق على المسلمين ان يكونوا طعام النار في الاشتباك بينهم في السلاح لحساب الكفار , ونأسى على الفلسطينيين ان يكونوا هم الاداة لاضاعة فلسطين وتركيز الاسفين اليهودي في قلب بلاد الاسلام . لذلك جئنا بهذه المذكرة محذرين من مغبة الاقدام على الدولة الفلسطينية انى كانت , منذرين بسوء العواقب من الاقدام على خوض معركة لتمزيق الاردن واخذ قسم منها لاقامة دولة فلسطين , مهيبين بكم ان تتراجعوا عن هذه الفعلة الشنعاء.

 

 

والله نسأل ان يحمي بلاد الاسلام من الخونة وعملاء الكفار .

 

 

وتقبلوا خالص التحيات .

حزب التحرير في 3/6/1971

 

 

http://www.al-aqsa.org/index.php/political-archive/show/354/

 

 

رحم الله الشيخ المؤسس تقي الدين النبهاني ورحم من قضى نحبه من شيوخنا الاجلاء

رابط هذا التعليق
شارك

  • 5 weeks later...

خطورة غياب الوعي السياسي لدى الحركات الاسلامية

 

 

 

531869_588365844521657_1215095889_n.jpg

 

 

 

 

 

خطورة غياب الوعي السياسي لدى الحركات الاسلامية

 

 

ان أعظم ثروة تمتلكها اية حركة اسلامية بل اية جماعة في العالم بعد الاخلاص لله رب العالمين والثقة بوعده هو وعيها السياسي.

فهو صمام الامان والضمان الوحيد للنجاح واستمرار النجاح فهوالذي يحميها من السقوط في دهاليز الكفار والاعيبهم السياسية وهو الذي يقيها شر مكرهم في الليل والنهار .

اما اذا غاب هذا الوعي السياسي فسرعان ماترد الحركة موارد الهلاك وتعود الى الوراء وتنحرف عن مسارها وتخدع و تستخدم لخدمة اهداف الكفار من حيث لا تعلم ولا تدرك ماذا يجري.

لذلك كان لزاما على الحركة الاسلامية ان تعي وعيا فكريا وسياسيا نيرا ومحيطا لئلا تنخدع ولا تنطلي عليها الحيل والضلالات والالاعيب .!!!

 

لقد بين لنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن مواقف العاملين للتغيير لا بد أن تكون مواقف مبدئية لا براغماتية متقلبة فهو صلى الله عليه وسلم رجل سياسة يقوم بالجهاد والمعاهدات ويخاطب رؤساء الدول، ولم يكن عابد صومعة مثل كهّان بني إسرائيل، ولقد علمنا صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «من استن بسنتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني» رواه البخاريّ. وكان عليه الصلاة والسلام يعي على المؤامرات والأعمال السياسية؛ حيث قام بمعاهدة الحديبية وكانت عملاً سياسياً راقياً في إخفاء الأهداف الحقيقية وإظهار أمر آخر للكفار؛ حيث كان الهدف الحقيقي قطع الصلة بين الكفار من قريش وبعض قبائل العرب وقطعها كذلك مع اليهود، وكان ذلك تمهيداً لفتح مكة في العام القادم!

 

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا قال لبني عامر بن صعصعة أثناء سعيه السياسي لحشد طاقات الأمة لتطبيق الإسلام عبر دولة رافضاً اشتراطاتهم التي تمس ما يحمل من أحكام ومنهاج (الأمر لله يضعه حيث يشاء) وفي هذا الموقف مثال صارخ لرفض الحياد عن تطبيق حكم واحد فكيف بمشاركة أنظمة تحكم بأنظمة كفر لا تمت إلى الإسلام بصلة، فهل يعقل أن يمتزج الإسلام بالكفر فينتجان ديناً جديداً أو منهاج حياة مبتكر؟

 

إن قضية الأمة لا تحل بوصول الأشخاص لسدة الحكم بل بوصول الإسلام كمبدأ ومنهاج حياة لسدة الحكم ليعاد صياغة الحياة والدولة والمجتمع وفق أحكام الإسلام ليحيا المسلمون حياتهم بطمأنينة وحياة كريمة عزيزة فتعود لهم الخلافة دولة النور حاملة مشعل الهداية لتنير للبشرية ظلمتها الحالكة.

 

ان الوعي السياسي لا يعني الوعي على الاوضاع السياسيةاوعلى الموقف الدولي او على الحوادث السياسية او تتبع السياسة الدولية والاعمال السياسية وان كان ذلك من مسلتزمات كماله . وانما الوعي السياسي هو النظرة الى العالم من زاوية خاصة وهي بالنسبة لنا زاوية العقيدة الاسلامية زاوية : " لا اله الا الله محمد رسول الله "

" امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحقها"

 

هذا هو الوعي السياسي .فالنظرة الى العالم من غير زاوية خاصة تعتبر سطحية وليس وعيا سياسيا والنظرةالى المجال المحلي او الاقليمي تفاهة وليس وعيا سياسيا ولا يتم الوعي السياسي الا اذا توفر له عنصران ان تكون النظرة الى العالم كله وان تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة ايا كانت هذه الزاوية سواءاكانت مبدءا معينا اوفكرة معينة او مصلحة معينة او غير ذلك .وبالطبع هو للمسلمين زاوية معينة هي العقيدة الاسلامية هذا هو الوعي السياسي وما دام هذا واقعه فانه يحتم طبيعيا على السياسي ان يخوض النضال في سبيل تكوين مفهوم معين عن الحياة لدى الانسان من حيث هو انسان في كل مكان:

أن الدين الإسلامي هو دين يفرض الوعي السياسي في أذهان المسلمين، عن أَبي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي» البخاري.

 

والحقيقة التي لا مراءفيها ان من أكبر العوامل في نجاح الغرب قديما وحديثا في تحقيق اهدافه في بلاد المسلمين هو عدم الوعي السياسي على مخططات الكفار عند جماهير الامة وبعض الحركات الاسلامية فهناك الكثير من المسلمين عندهم الحب الكبير للاسلام والمسلمين والرغبة في عودة تطبيق الاسلام الى ارض الواقع

ولكن ينقصهم الوعي السياسي والدراية في مكائد الدول الكافرة وأساليبها وما حصل ويحصل من استغلال للحركات الاسلامية وتسخيرها وارتباط بعض قادتها بالغرب لدليل على الضعف السياسي الموجود عند اتباع هذه الحركات تماما كما يجري في

 

*ايران

*تركيا

*السودان

*الصومال

*اليمن

*باكستان

*بلاد الحجاز

وغيرها

بشكل بارز وظاهرامام

العيان!!

بل ان عدم الوعي السياسي عند هذه الحركات ادخلها في حلقات مفرغة يستنفذون جهودهم في امور يستطيع اعذاء الدين ان يقتنصوها بسهولة وان يسخروها في طرق شيطانية مثل تسخير بعض الجماعات عن طريق الاعمال الجهادية واستنفاذ طاقاتها ومخزونها في الاعمال جهادية تصب في النهاية في كيانات وطنية او قومية او استقلالية انفصالية تخدم مشاريع الاستعمار .

ولقدعمد الكافر المستعمر الى عملائه من حكام المسلمين وسخرهم لخدمته في خداع الحركات الاسلامية وقد نجح في ذلك نجاحا منقطع النظير .

فاخذ ت الحكومات وتعاملت مع الحركات الاسلامية بطريقتين اولاهما :

تقوم على تليين وتعديل مواقفها عببر افساح المجال لها في مجلس النواب والوزراء وثانيهما : تقوم على اقصائهما عن الحكم ومتعلقاته .

الا انه لوحظ اخيرا ان الانفتاح الطفيف الذي سمح للأسلاميين المعتدليين بالوصول الى البرلمان في عدد من الدول العربية انحسر لصالح استراتيجية جديدة لم تكن معهودة من قبل وهي تقريب الحركات الاسلامية الموصوفة بالاعتدال وعدم الرؤية الواضحة والبرامج السياسية المفتوحة

 

ويمكن القول ان بعضا من الحركات الاسلامية السياسية والانظمة الحاكمة توصلا الى ضرورة التعايش كل من جهته فالحركات الاسلامية بدأت منذالثمانينات من القرن العشرين تتشرب الفكر الديمقراطي ووسائل النضال السلمي وبدأت بتغيير الشعارات التي كانت ترفعها . فقد تخلت بعض هذه الحركات الجهادية الى حد ما عن فكرة مواجهة النظام .

فكان على هذه الحركات ان تشرك علماء لأصداراعلان تاريخي للمصالحة مع الانظمة ورفض نظرية التغيير الشامل .وتبني منهجية المشاركة المحدودة .بل قاموا بترويض الناس على قبول فكرة التعايش مع الانظمة معدة بخطة جهنمية من علماء مأجورين ابعدو انفسهم من البحث في الفقه السياسي المتعلق بالحكام عمليا وقالو ان واقعنا يختلف عن واقع الدولة الاسلامية السابقة وتراجع الخطاب الاسلامي ليكون خطاباقوميا اسلاميا مصلحيا راسماليا لا لون له وهذا ما يراد له من زيادة الفرقة وتمزق الامة

 

 

فقد سعت بعض التيارات إلى مشاركة هذه الأنظمة عملها السياسي التآمري، بلعب دور المعارضة وفق الرؤية الغربية تارة، أو بولوج هذه الأنظمة لتصبح مكوناً رئيسياً منها. لكنها –وللأسف- كانت من حيث أدركت ذلك أم جهلت دعامة لهذه الأنظمة التي لن يكون للأمة منفذ لسبيل عزتها وعودتها خير أمة أخرجت للناس سوى بإزالتها:.

 

فتجارب الحركات الإسلامية في بلدان عدّة في الانخراط في العملية السياسية أسفرت عن نتائج كارثيّة، بل إن المتابع لتلك التجارب يدرك أن هناك أصابع خفية ساقت تلك التيارات للانخراط في اللعبة التي تتحكم القوى الغربية بخيوطها، ويدرك كذلك أن تلك التيارات كانت بمثابة حقل تجارب لمراكز الأبحاث الغربية التي عكفت على دراسة ظاهرة المد الإسلامي المتنامي وكيفية التصدي له، وخلصت أن لا سبيل أمام الساسة الغربيين سوى استخدام ورقة ما بات يعرف بالإسلام "المعتدل" حتى يتم عرقلة مشروع الإسلام النهضوي الذي يقضي بالإنعتاق من التبعية السياسية والفكرية للغرب بل ويدعو إلى حمل الإسلام رسالة هدىً للعالمين..

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

931411_591834040841504_178978614_n.jpg

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ما يوافق الإسلام وما لا يخالف الإسلام كلها أحكام كفر وليست من أحكام الإسلام

 

 

عن طريق فكرة "ما يوافق الإسلام فهو من الإسلام" أدخل الكفار علينا أفكار الكفر.. وعن طريق "ما لا يخالف الإسلام فهو من الإسلام"..إستطاعت دول الكفر أن تجعلنا نأخذ أحكام الكفر.. وبذلك بدأ دخول أفكار الكفر إلى أذهان المسلمين.. فكانت ألفاظ الديمقراطية من الإسلام.. والاشتراكية الإسلامية..والعدالة الاجتماعية من الإسلام وغير ذلك.. وبهذا أيضا.. سهل على الكفار وعلى المنافقين أن يطبقوا على المسلمين أحكام الكفر.. مثل قوانين العقوبات وأحكام البينات.. وقوانين التجارة وما شاكل ذلك.. فكان هذا هو الخطوة الأولى.. التي خطاها الكفار لإزالة أحكام الإسلام وأفكار الإسلام.. وإحلال أفكار الكفر وأحكام الكفر محلها في بلاد الإسلام ..وفي أدمغة أبناء المسلمين برضا المسلمين.. حتى إذا سهل عليهم هذا وتمكنوا منه.. انتقلوا للخطوة التالية.. خطوة إعطاء أحكام الكفر بوصفها تقدمية.. لتحل محل الرجعية على حد تعبيرهم.. أي تحل محل أفكار الإسلام وأحكام الإسلام.. ثم كان ما ترونه بأعينكم من وقاحة بعض شباب المسلمين في إبعاد الإسلام.. ومن تفاهة من يزعمون العمل للإسلام.. أو بعبارة أخرى.. من يحبون الإسلام بمحاولتهم التوفيق بين أحكام الإسلام وأحكام الكفر.. ليلبسوها ثوب التقدم وموافقتها للعصر الحديث..أي كان طغيان الكفر كله على البلاد.. وكان أن غاص الإسلام كله من الوجود.

 

 

والآن بعد أن عانت بلاد المسلمين ما عانت.. برز بشكل فاضح فساد أحكام الكفر وأفكار الكفر ..أدرك جمهرة المسلمين أن لا منقذ لهم إلا الإسلام.. وأنه لا يضع حدا لهذا القلق وهذا الفساد.. إلا رجوع دولة الإسلام.. لذلك صار الأمل مجسما للمؤمنين.. في أن سلطان الإسلام آت.. وأن الإسلام يوشك أن ينبثق فجر دولته من جديد.. لذلك كان لا بد من رجوع الإسلام صافيا كما نزل على رسول الله.. وكان لا بد من محاربة ما كان سببا لإيجاد أحكام الكفر.. وكان طريقا للتخلي عن أحكام الإسلام.

 

 

إن أهل القوة والمنعة بدأوا يدركون ان لا نجاة إلا بالإسلام.. ولكن ما يظهر على الغرب والشرق من تقدم مادي.. لا يزال يتحكم في أذهانهم.. وإن كانت محبة الإسلام متغلغلة في نفوسهم.. لذلك يخشى أن يعود عهد التوفيق بين أحكام الإسلام وأحكام الكفر.. عهد ما يوافق الإسلام.. فهو من الإسلام.. وأيضا فان بقايا أهل التوفيق من المسلمين ..لا يزال الكثير منهم له نشاط وأتباع.. ولا يزال للذين يرون الإسلام مرنا يسير مع كل زمان ومكان قول مسموع ورأي مطاع.. فكان لا بد من بيان خطر فكرة "ما يوافق الإسلام فهو من الإسلام".. وضرر فكرة "ما لا يخالف الإسلام فهو من الإسلام"..فان هذه الفكرة من أفظع ما حل بالمسلمين..ومن أشد ما اثر على المسلمين.. وجعلهم يقبلون أخذ أحكام الكفر وأفكار الكفر.. وترك أفكار الإسلام وأحكام الإسلام.

إن الإسلام هو ما جاء وحيا من الله.. أي ما جاء بالكتاب والسنة وما أرشد إليه الكتاب والسنة من أدلة.. هذا وحده هو الإسلام.. وما عداه كفر.. سواء أكان موافقا للإسلام أم كان لا يخالفه.. والدليل على ذلك.. أن الله تعالى أمرنا أن نأخذ ما يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأن نترك ما نهانا عنه.. وأمرنا أن نحتكم إلى رسول الله.. أي إلى ما جاء به رسول الله " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا..(7) (الحشر)"..

فهو نص في وجوب أخذ ما جاء به الرسول.. وترك ما نهى عنه.. وإذا قرنت هذه الآية بقوله تعالى "..فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) (النور)".....وعرف أن "ما" في قوله " ما آتاكُمُ" وقوله"وما نهاكُمْ" للعموم.. ظهر جليا وجوب أخذ ما جاء به وترك ما نهى عنه.. وأنه عام في جميع ما أمر به وجميع ما نهى عنه.. والطلب في هذه الآية ..سواء طلب الفعل أو طلب الترك طلب جازم يفيد الوجوب.. بدليل تهديد الله لمن يخالفه بالعذاب الأليم.. وقال الله تعالى " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)(النساء) " ففي هذه الآية نفى الله الإيمان عمن يُحَكِمْ غَيّرِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في أفعاله.. مما يدل على الحصر في التحكيم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.. وعلى حرمة الأخذ من غير ما جاء به.. وهذا كله صريح في التقيد بما جاء به الإسلام .

 

 

على أن الله تعالى لم يكتف بذلك.. بل إنه نهى نهيا صريحا عن الأخذ من غير ما جاء به الوحي من الله.. فنعى على الذين يريدون أن يتحاكموا لغير ما جاء به الرسول " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60)(النساء)"..فهذا صريح في النهي عن التحاكم بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد جعل ذلك ضلالا إذ هو تحاكم إلى الطاغوت.. على أن هناك أحاديث.. تبين بصراحة على أن الحلال ما احل الله والحرام ما حرم الله.. وهذا يعني أن ما لم يحله الله لا يعتبر حلالا ..وما لم يحرمه لا يعتبر حراما..أي لا يؤخذ مطلق..ا فعن سلمان الفارسي قال "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء.. فقال: الحلال ما احل الله في كتابه.. والحرام ما حرم الله في كتابه"..وأخرج الدار قطني من حديث أبي ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها.. وحد حدودا فلا تعتدوها"..وهذا صريح بأنه لا يصح أن نتعدى ما حدده الله لنا.. فلا يصح أن نأخذ من غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

 

على أن الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد.. والمسلمون مأمورون بأن يُحَكِّموْا في أفعالهم خطاب الشارع ..وأن يُسَيِّرُوا تصرفاتهم بِحسبهِ.. فإذا أخذوا ما لا يخالفه أو أخذوا ما يوافقه.. فإنهم يكونون قد أخذوا غير الحكم الشرعي.. لأنهم لم يأخذوه بعينه بل اخذوا ما يوافقه.. أي ما يشبهه أو ما لا يخالفه.. أي ما لا يصطدم معه.. وفي كلتا الحالتين لا يكونون قد أخذوا ما يوافقه.. أي ما يشبهه أو ما لا يخالفه.. أي مالا يصطدم معه.. وفي كلتا الحالتين.. لا يكونوا قد أخذوا الحكم الشرعي عينه.. بل أخذوا غيره.. وغير الحكم الشرعي ليس هو الحكم الشرعي.. سواء خالف أم لم يخالف.. وافق أم لم يوافق.. فلا يكون أخذهم له.. أخذ للحكم الشرعي.. فمثلا: الزواج شرعا إيجاب وقبول بلفظي الإنكاح والتزويج بحضور شاهدين.. فلو ذهب مسلمان إلى الكنيسة ..وأجرى لهما القسيس عقد زواج على نظام النصراني بلفظي الانكاح والتزويج.. بحضور شاهدين مسلمين.. فهل يكونان قد تزوجا حسب الحكم الشرعي أم حسب غيره ؟؟ أي هل يكونان قد حَكَّما ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.. أم ما جاءت به النصرانية المنسوخة بدين الإسلام؟؟ فهذه حادثة توافق الإسلام! فعلى حد ما يقولون !!!من جواز أخذ ما يوافق الإسلام وما لا يخالف الإسلام.. فان هذا الزواج عندهم يكون صحيحا.. مع أن الحكم الشرعي أن هذا الزواج باطل من أساسه.. ولو كان يوافق الإسلام.. لأننا نُهينا عن الأصل الذي جاء به هذا الزواج وهو دين النصرانية.. ونهينا عن الأصل الذي جاء منه هذا الزواج.. وهو التحاكم لغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في قوله تعالى "يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت"

وكل ما جاء النهي فيه عن الأصل فهو باطل ويحرم أخذه.. فكان هذا الزواج باطلا..ومثله الزواج المدني.. وكذلك كل ما كان النهي فيه عن الأصل باطل يحرم أخذه.. فيحرم أخذ ما لم يأت به الإسلام.. سواء وافق الإسلام أم لم يوافقه.. وسواء خالفه أم لم يخالفه.. لأننا فوق كوننا قد أُمرنا بأخذ ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وترك ما نهانا عنه ..ومفهومه أن لا نأخذ غيره.. فإنه قد جاء النهي صريحا عن أخذ ما لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم.. أي عن أخذ شيء غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.. ويؤيد ذلك أحاديث أخرى كثيرة.. صريحة في هذا النهي.. فعن عائشة رضي الله عنها.. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية أخرى عنها" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". رواه(البخاري ومسلم).. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل يا رسول الله كفارس وروم، فقال ومن من الناس إلا أولئك"..وروى البخارى عن أبي سعيد الخُدري عن النبي قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم.. قلت: يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال :فمن"..فهذه النصوص صريحة في النهي عن الأخذ من غيرنا.. فالحديث الأول يقول:"فهو رد" والحديثان الآخران يتضمنان معنى النهي.. فأخذ القوانين الغربية هو أخذ من غير الإسلام.. وهو إتباعٌ لمن هم مثل الفرس والروم والنصارى واليهود.. فهو إتباع للانكليز والفرنسيين والأمريكان وأمثالهم.. ولذلك يحرم أخذها بغض النظر عن كونها توافق الإسلام أم لم توافقه.. تخالفه أم لم تخالفه.. فان أخذها حرام .

 

ولا يقال.. ان هناك أموراً حدثت لم تكن في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم..ولا كانت من قبل.. ولم يأت بها حكم.. فيجوز أخذها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وما سكت عنه فهو عفو لكم" وقوله "وما سكت عنه فهو عفو" ولان الأصل في الأشياء الإباحة ..لا يقال ذلك.. لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم.. لا يعني أن ما سكت عنه الشرع بمعنى لم يبينه.. فحاشا لله ان يكون كذلك.. لأن الشرع لم يسكت عن أشياء لم يبين حكمها.. بل بين الشرع حكم كل شيء..فما من واقعة إلا ولها حكم.. ولا من حادثة إلا ولها محل حكم..

 

ولا يحق لمسلم أن يقول: أن الشارع سكت عن شيء ولم يبين حكمه بعد أن يقرأ قوله تعالى" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...(3)(المائدة ". وقوله تعالى"...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) (النحل)." فلا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى أن تكون بعض الوقائع خلوَّاً من الحكم الشرعي.. على معنى أن الشريعة أهملته إهمالا مطلقا.. لم تنصب دليلا من نص في الكتاب والسنة.. أو تضع أمارة من علة شرعية ..جاء بها النص صراحة أو دلالة أو استنباطا أو قياسا.. تنبه الشريعة بهذا الدليل وتلك الأمارة إلى حكم هذا البعض من الوقائع.. هل هو الإيجاب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة..أو البطلان والفساد ..أو كونه سببا أو شرطا أو مانعا ... الخ،،، لا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى ذلك ..لأنه بهذا يطعن في الشريعة بأنها ناقصة.. ويبيح تحكيم غير الشرع ..مخالفا بذلك قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك" ..وإذا كان الشرع لم يأت بالحكم ..وأخذ المسلم حكما لم يأت به الشرع.. فقد حَكَّمَ غير الشرع وهو لا يجوز.. فالادعاء بان الشرع لم يأت بأحكام جميع الحوادث.. إباحة لتحكيم غير الشرع لأن الشرع لم يأت بها.. هو ادعاء باطل.. فلا يكون معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم"وما سكت عنه فهو عفو" أن الشرع يبين حكمه.. بل معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم..يخاطب الصحابة فيقول لهم.. ما جاء النص به خذوه ولا تسألوا عن غيره حتى لا يحرم عليكم... فهو من قبيل قوله عليه السلام "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم" فيكون معنى "ما سكت عنه" أي ما لم ينه عنه فلا تسألوا عنه.. فقد عفا الله به ..ورفعه عنكم فلا تثقلوا على أنفسكم ولا تبحثوا عنه .. بدليل أن نص الحديث كاملا قد قال فلا تبحثوا عنها.. فان النص هو "أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها.. ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها.. وحد حدودا فلا تعتدوها.. وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها"..فالمراد النهي عن البحث عنها وليس المراد ان هناك أمورا لم يبين الله حكمها .

 

 

وأما الاستدلال بقاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" فإنها خاصة بالأشياء لا بالأفعال.. فالأشياء التي في الكون مباحة لنا بعمومات القرآن " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً... (29) (البقرة)." كلوا واشربوا "وغير ذلك من النصوص.. فالأصل فيها الإباحة لعموم النصوص.. فإذا حرم شيء.. لا بد من نص على تحريمه ..لأن عموم الإباحة يشمل كل شيء ...فاستثناؤه بالتحريم من العموم.. يحتاج إلى نص يستثنيه.. ومن هنا كان "الأصل في الأشياء الإباحة"..أما الأفعال فالأصل فيها التقيد بخطاب الشارع..فإذا جاء الشارع بإباحته.. كان مباحا.. وإذا لم يأت الشارع بإباحته لا بد من البحث عن حكمه في الأدلة الشرعية.. فليس الأصل في الأفعال الإباحة بل التقيد بالحكم الشرعي .

 

 

وقد يقال: أن إختراع القنبلة الذرية فعل.. ورسم خطط الحرب فعل.. والرحلة إلى القمر فعل.. وهذه كلها لا تخالف الإسلام.. فنأخذها لأنها توافق الإسلام ولا تخالفه.. فيكون أخذنا لها أخذ لما لا يخالف الإسلام..وأخذ لما يوافق الإسلام . والجواب على ذلك.. أن هنالك فرقا بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية.. وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها.. فالأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون وما شاكلها.. يجوز أخذها إذا لم تخالف الإسلام.. وأما الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية ..فلا يجوز أن تؤخذ ..إلا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة..أو مما أرشد إليه الكتاب والسنة..والدليل على ذلك.. ما رواه مسلم.. من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر مثلكم.. إذا أمرتكم بشيء من أمور دينكم فخذوا به.. وإذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم ..فإنما أنا بشر"..وما روى عن عائشة وأنس معا.. "أن النبي مَرَ بقوم يلقحون.. فقال: لو لم تفعلوا يصلح.. قال فخرج شيصا "أي بُسرا رديئا "فمر بهم فقال: ما لنخلكم ؟ قالوا: قُلتَ: كذا وكذا.. قال" أنتم أدرى بأمور دنياكم"..وما رواه أهل السير عن النبي: أنه لما خرج للقاء المشركين في غزوة بدر.. ونزل عند أدنى ماء بدر ..قال له الحباب بن المنذر : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلا أنزله الله تعالى.. ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: " بل هو الرأي والحرب المكيدة" قال: يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل ..فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم.. فإني أعرف غزارة مائه.. بحيث لا ينزح.. فننزله ثم نغور ما عداه من القلب.. ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء.. فنشرب ولا يشربون.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقد أشرت بالرأي" فهذه النصوص كلها.. دليل على أن ما كان من غير العقائد والأحكام الشرعية.. إذا لم يخالف الإسلام.. أي إذا لم يأت نص بالنهي عنه.. فهذا الذي نأخذه.. إذا وافق الإسلام ولم يخالف الإسلام.. وإذا جاء نص النهي عنه.. فإنا لا نأخذه.. لأن الشرع نهى عنه.. فما كان من الفنون والعلوم والصناعات والإختراعات وما شابهها ..هو الذي نأخذه إذا لم يخالف الإسلام.. فمثلا التصوير فن من الفنون.. وليس من العقائد.. وليس من الإحكام الشرعية ..فإنا نأخذه إذا لم يخالف الإسلام.. ولكن هذا جاء نص في النهي عنه فلا نأخذه.. ولذلك كان رسم صورة ذي روح.. من إنسان وحيوان وطير وغير ذلك.. رسما باليد حراما على المسلمين.. لأن النص جاء في النهي عنه ..فقد قال الرسول عليه السلام : " كل مصور في النار " وقال:" الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة "...فهذا نص في النهي عن التصوير.. فالرسم باليد وإن كان فنا.. فإنه يخالف الإسلام.. أي جاء نص في النهي عنه.. فكان لذلك حراما.. فلا يحل لمسلم أن يرسم صورة لذي روح ولا ان ينحتها.. وأما التصوير بالآلة فمباح.. لأنه ليس تصويرا من قبل الإنسان ..وإنما هو نقل لعين الشيء المنقول ..وهذا لا يدخل تحت النهي المذكور.. فكان مباحا.. لأنه فن.. وما دام لا يخالف الإسلام.. فيجوز أخذه.. وكذلك التجارة والزراعة والملاحة والصناعة.. ورسم الخطط الحربية والإختراعات كلها وما شابه ذلك.. فهذا هوا لذي يجوز إذا لم يخالف الإسلام.. وأما إن كان من العقائد والأحكام الشرعية.. فلا يصح أن تؤخذ إلا مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام عند الله.. أي إلا أحكاما شرعية ليس غير .

 

هذا هو واقع الإسلام.. فما جاء به الوحي من كتاب وسنة هو الإسلام.. وهو الشرع.. وما لم يأت به الوحي فليس بالشرع.. ولا هو من الإسلام.. فكل ما ليس له دليل من الكتاب والسنة.. ولا مما أرشد إليه الكتاب والسنة من الأدلة.. فإنه أفكار كفر وإحكام كفر.. سواء خالفت الإسلام أم لم تخالفه.. وافقته أم لم توافقه. فليحذر المسلمون من أن يُدخل عليهم أحد ...خديعة الأخذ بما يوافق الإسلام أو العمل بما لا يخالف الإسلام.. فإن هذا هو المنزلق الفظيع.. الذي أدى إلى ترك الإسلام وقبول أحكام الكفر وأفكار الكفر.. وهذا هو أيضا.. المنزلق الخطر.. الذي يؤدي إلى التنكب عن الإسلام.. والإنحراف عن طريقه.. بل يجب أن يعلموا.. أن كل ما يوافق الإسلام.. وكل ما لا يخالف الإسلام.. أحكام كفر وأفكار كفر.. لا يحل أخذها مطلقا.. ويجب أن تنبذ نبذ النواة.. بل يجب أن تحارب بعنف.. وأن تقاوم بضراوة.. لأنها خديعة فظيعة.. لإدخال أحكام الكفر على المسلمين.. ووسيلة للتنكب عن طريق الهدى.. طريق الإسلام.

 

 

دمشق20 ربيع الثاني 1386

7/8/1966

رابط هذا التعليق
شارك

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

 

 

 

 

249055_10201160729920109_232495440_n.jpg

 

الروح والروحانية

 

تردد اكثر من مرة على لسان بعض الشباب ان هناك حاجة لروحانية تغمر النفوس، وان الناحية الروحية لا تكاد تلمس عند البعض، وان هذا هو نتيجة لطغيان الفكر على العقول، واشتغال الشباب بالثقافة والفكر، واذا جاز هذا ان يوجد لدى بعض الناس ممن لا تزال تطغى عليهم ثقافة العصور الهابطة، فانه من المستهجن ان يوجد لدى من لديهم الفكر العميق بل الفكر المستنير . ومن اشبعت عقولهم بالثقافة الصحيحة، وامتلأت نفوسهم بالمثل الاعلى الا وهو نوال رضوان الله، ومن وقفوا حياتهم على الدعوة الاسلامية كما جاء بها صاحب الدعوة سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه واله وسلم .

 

 

ان هذه الدعوة قد ادركت عامل التغشية التي كاد بها اعداء الاسلام لهذا الدين الحق، وارادوا تغشية العقول ببعض الافكار الزائفة، كان اول ما عنيت به تمحيص هذه الافكار، وبيان الفكر الاسلامي الحق في مثل هذه المواضيع، فتصدت لهذه الافكار من مثل القضاء والقدر، والخير والشر، والتوكل على الله والهدى والضلال، والروح والروحانية وما اشبه ذلك وبينت حقيقة رأي الاسلام في هذه المواضيع بيانا يشفي القلوب، ويقنع النهى، ويجعل العقيدة يقينية قطعية، بالبرهان المسدد، والشرح المسكت، والدليل القاطع . وجعلت ذلك من اجل هداية الناس، وازالة الغشاوة، وحمل الناس جميعا ان يروا الحق، وان يستنيروا برأي هذا الدين الحق لذلك كان غريبا على حامل الدعوة ان يعطي الافكار لتثقيف الناس وهو لا يزال غير مبصر لواقع ما يحمل من افكار، وغير محول هذالافكار في نفسه الى مفاهيم . لذلك كان من المستهجن ان يصدر من احد من شباب هذه الدعوة بل ممن تثقفوا بثقافته ولو تركوا تحمل ثقل المسؤولية في صفوفها، تساؤل عن الروح والروحانية، او شعور بالحاجة الى الروحانية والناحية الروحية، وكأنه لا يزال يعيش في ظل افكار العصر الهابط، وكأنه لم ير الفكر المستنير فضلا عن التثقيف به وحمله للناس .

 

 

ان هذه الدعوة رأت منذ نشأتها ان المشاعر الدينية التي هي احساسات غريزة التدين، يحملها المسلمون كما يحملها غيرهم، شعور خالص بالتقديس يصدر غريزيا عن المرء، دون ان يرتبط بالعقل، او يصدر عن فكر . حتى صارت مشاعر التدين عند المسلمين كما هي عند غيرهم، مشاعر بحتة لغريزة التدين تتطلب الاشباع، دون ادراك يسيرها ودون عقل يهديها . لذلك تصدى لمعنى الروح، ولمعنى الناحية الروحية، ولمعنى الروحانية، وبينها ابلغ بيان .

 

 

ان الايمان بوجود الله عقلي ومبني على العقل، والله حقيقة يدرك وجودها الحس، وبالتالي العقل، فلا مجال لسيطرة مشاعر الغريزة عليه، بل هو الذي يسيطر على هذه المشاعر . هذا الايمان العقلي، وان كان لا بد ان يطابق الغريزة، وان يتجاوب معها، ولكنه ليس ايمانا ناتجا عن الغريزة، ولا عن احساساتها، اي ليس هو نتيجة المشاعر، بل هو نتيجة العقل والادراك، ولذلك لا بد ان يكون الادراك هو الذي يسيره، والعقل هو الذي يسند ويسيطرعليه .

 

 

فالله ليس هو فكرة تهتدي اليه الغريزة، ولا هو مجرد تصور يتطابق مع ميول الغريزة، وانما هو حقيقة يدركها العقل، ويطمئن اليه القلب، وترتاح اليها النفس، ولذلك يجب التشديد على انه لا يجوز ان يكون الايمان بالمشاعر وحده، ولا ان يكون بالميول الغريزية، بل يجب ان يكون بالعقل، وان يكون الادراك هو المسير، ومن الخطأ والخطر ان يؤمن المرء بناء على المشاعر، وان تكون هذه المشاعر هي المسيرة للايمان، بل يجب ان يكون الايمان بالعقل وحده، وان كان لا بد من ارتباطه بالمشاعر وتجاوبها معه، وان يكون العقل وحده هو المسير للمشاعر، والمصحح لها، والحائل دون انحرافها او خطئها . فان المشاعر وحدها تؤدي الى الخطأ، بل قد تؤدي الى الضلال والكفر . لذلك لا بد من ضبط هذه المشاعر بالادراك، وصيانتها بالعقل، والحيلولة بينها وبين الانحراف والضلال والكفر بالعقل والادراك .

 

 

هذا هو التدين وهذا هو الايمان، وهذا هو ما اوجبه الاسلام . ونظرا لانه طرأت على المسلمين بعض ترهات الاديان الاخرى، وهي اديان كفر، تفشت فيهم فاشية الايمان بناء على المشاعر، وطغت عليهم سيطرة المشاعر، تماما كما جرى لاتباع اديان الكفر، لذلك كان لا بد من ارجاع المسلمين الى افكار الاسلام وفي اساسها الايمان بالله، ولا بد من التصدي للمشاعر والوقوف في وجه جعلها دليل الايمان، وجعلها مسيرة للايمان او للانسان، والزامها الحد الذي جاء به الاسلام، الا وهو العقل، فكان لا بد من التركيز تركيزا قويا على العقل، وعلى ان لا يكون الايمان الا بالعقل، وعلى ان المشاعر نفسها يجب ان يسيطر عليها العقل، وان تسير بالعقل، وذلك حتى يحال بين المسلم وبين الانحراف، وبينه وبين الضلال والكفر وهو يظن نفسه انه يؤمن بالله وانه يعبد الله .

 

 

والروح والروحانية والناحية الروحية هي من اهم مظاهر الايمان بالله، بل من اهم اسس هذا الايمان واهم نواحيه ونتائجه واثره .بل هي الدليل على صدق هذا الايمان وصحته وقوته، والتي بها يدرك الهدى من الضلال وصدق الايمان من كذب الغواية والكفر، واستقامة اليقين من انحراف الهوى .

 

 

فالتقديس الذي هو العبادة او اس العبادة ومظهرها، يبدو في الافكار والاعمال، فيحدث في النفس هزة خفيفة او ظاهرة، هي نتيجة المشاعر الناتجة عن هذا التقديس، او يحدث المشاعر نفسها او يكون نتيجة لهذه المشاعر، فالمسلم حين يفكر في صنع الله، ويدرك عظمة خلقه للاشياء، وحين يقف بين يدي الله في الصلاة، او سجود الشكر، او الدعاء، يشعر بوجود الله وعظمته وبعبوديته نفسه وضعفها وصغرها، وحين يقف امام قبر الرسول الاعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، متصورا حمله للرسالة للناس كافة، وما لاقى في سبيلها من عنت وارهاق، ومتصورا قربه من الله، واصطفاء الله له، وقوله له"فانك باعيننا"ومتصورا غير ذلك مما يتصف بالنبوة والرسالة مدركا انه مع ذلك عبد لله، وانه بشر يتميز بانه اوحي اليه، وحين يقرأ القران، ويدرك معانيه او يتعبد بالفاظه، وحين يفعل المسلم ذلك كله، وحين يفعل غيره من اعمال التقديس، انما يفعله بعقل وادراك، لا بمشاعر خالية من العقل والادراك اي لا بمشاعر بحتة، ولا عن احساس غريزي صرف . هذا المسلم تكون لديه الروحانية والناحية الروحية، في كل عمل من هذه الاعمال، وفي كل حركة من حركات التقديس، فتكون هذه هي الروحانية، وهذه هي الناحية الروحية، وهي وان كانت ناتجة عن الغريزة وعن مشاعر الغريزة ولكن العقل هو الذي سيرها، والادراك هو الذي كان اساسها، فتكون من اعمال العقل والادراك المتجاوبة مع المشاعر والغريزة، لا من المشاعر ولا من الغريزة بل من العقل والادراك .

 

 

اما غير المسلم فان التقديس لديه انما هو ناتج عن احساس غريزي بحت ومن مشاعر ليس غير، فلا يوجد للعقل اي وجود، بل هو يستبعد العقل والادراك، ولا يكون لديه الا المشاعر الصرفة وحدها . فهذا التقديس ليس ايمانا ولا هو نتيجة الايمان، وهو في نظر الاسلام ليس عبادة، وانما هو اعمال كفر وطقوس ضلال .وهذا وان كان له مظهر الروحانية والناحية الروحية ولكنه ليس روحانية ولا ناحية روحيه، وانما هو ضلال وكفر، وهو ليس عبادة لله وان توجه فيه صاحبه لله او لفكرة الالوهية، وانما هو شرك وكفر، وبدل ان يثاب صاحبه من الله، ويتقرب به اليه فانه سيعذب من الله عليه، ويزداد بعدا عن الله بهذه الطقوس وهذا التقديس . لذلك كان من اكبر الكبائر ان يقدس غير الله، او ان يقدس بغير ما امر به الله ان يقدس به، وكان من افحش الاخطاء ان تشيع مشاعر الغريزة عن غير طريق العقل والادراك، وان يجري التدين بالغريزة وحدها، وبالمشاعر البحتة الخالية من العقل والادراك، او غير المسيرة بالعقل والادراك، ومن هنا كان من افحش الاخطاء ان تكون الروحانية والناحية الروحية عن غير طريق العقل والادراك اوان تكون خالية من العقل والادراك .

 

 

ان المسلمين وقد حملوا الدعوة للعالمين، وفتحوا بلاد الكفر واخضعوا امم الكفر وشعوبه، اختلطوا بهذه الامم والشعوب وهي كافرة يحملون لها الاسلام والدعوة الاسلامية، اختلطوا بها بعد ان اسلمت ودخلت في دين الله يعلمونها افكار الاسلام اي عقائده واحكامه، تعرضوا لافكار مشابهة لما عندهم من افكار، ولرؤية اعمال يشابه ما لديهم من اعمال، فكانوا يصححون الافكار والاعمال ويهدمون الكفر والضلال . الا ان كثيرا ممن تظاهروا بدخول الاسلام دخلوه نفاقا، فكان الكثير منهم من المفكرين والعلماء والمثقفين فاخذوا يكيدون للاسلام نفسه كما يكيدون للمسلمين، فادخلوا في الاسلام افكارا تناقض افكاره، كما تسلل الكثير منهم لمركز القيادة للمسلمين فكرية كانت او سياسية، فكان ما كان من وضع غشاوات على بعض افكار الاسلام، وكان ما كان من ادخال بعض افكار الكفر، وبعض احكام الكفر على المسلمين لذلك كان لا بد للواعين من المسلمين من ازالة عوامل التغشية التي غشيت بعض افكار الاسلام ومن تبيان حقيقة افكار الاسلام لتظهر الافكار المدسوسة من افكار الكفر واحكامه .

 

 

فمثلا لم تكن لدى المسلمين فكرة ان الانسان مركب من مادة وروح بل كانت الفكرة ان هذا الانسان قد خلقه الله، انه عبد لله، وانه يجب ان يؤمن بالله ويعبده .وكانت الفكرة ان الانسان ليس خيرا ولا شرا، فهو لا يعرف الخير ولا الشر، ولا اي منهما من طبيعته، وانه يولد على الفطرة، فيه قابلية الهداية وفيه قابلية الضلال . فجاء الاسلام لهداية هذا الانسان الى الله والى عبادته، وبيان طريقة عيشه في الحياة على وجه يمكنه من عبادة الله، ويمكنه من الارض . هذا هو واقع الانسان، فهو ليس مركبا من مادة وروح، ولا هو مفطور على نزعة الخير او الشر . بل هو انسان يعيش في هذه الحياة، ويجب ان يعيش وفق طريقة معينة تبقيه عبدا لله وتتجلى فيه عبوديته لرب العالمين .

 

ولكن الشعوب والامم الكافرة التي كانت موجودة عند ظهور الاسلام، كانت ترى ان الانسان مركب من المادة والروح، فجسمه مادة، وكونه عبدا لله هو الروح، وتكمن في روحه التي هي سر الحياة فاذا تغلبت مادته اي جسمه وغرائزه كان شريرا وتغلب فيه جانب الشر، واذا تغلبت عليه روحه اي كونه عبدا لله الذي خلقه وخلق فيه سر الحياة، كان خيرا، ولذلك على الانسان اذا اراد التقرب الى الله عليه ان يغلب الناحية الروحية فيه ليهمل الجسد ويعذبه ويتقشف حتى تتغلب الناحية الروحية لديه على الناحية المادية، واذالم يفعل ذلك وغلب جسده بتغليب غرائزه وشهواته كان بعيدا من الله وكان شريرا، وهكذا وجدت لديهم فكرة الخير والشر، وفكرة الروح والمادة واقترنتا معا بالنسبة للانسان فكانت فكرة ان الانسان مركب من المادة والروح وكانت فكرة الشر التي هي استجابة مطالب الجسد وفكرة الخير التي هي استجابة مطالب الروح اي مطالب كون الانسان مخلوقا لله . وهكذا سيطرت على الناس فكرة الخير والشر وسيطرت عليهم فكرة تركيب الانسان من المادة والروح .

 

 

ولما جاء الاسلام الى هذا الانسان، جاءه بالعقيدة الاسلامية محددة واضحة وجاءه بالاحكام الشرعية التي تنظم جميع اعماله بما فيها العبادة والتقديس . وان الذي يرضيه التزام هذه العقيدة والتقيد بهذه الاحكام ومنها العبادة والتقديس، وان الذي يسخطه انما هو التنكب عن هذه العقيدة وعدم التزام هذه الاحكام . فاذا كانت هناك فكرة خير فان الخير هو ما ارضى الله وان كانت هناك فكرة شر فالشر هو ما اسخط الله . فان الانسان يسمي ما يحبه خيرا فيجب ان يكون ما يحبه هو ما يرضي الله، وان كان يسمي ما يكرهه شرا فيجب ان يكون ما يكرهه هو ما يسخط الله . وما عذا ذلك فلا وجود لفكرة الخير فيه ولا وجود لفكرة الشر لديه . فالخير هو ما يحبه الانسان، فيجب ان يكون ما يحبه هو ما يرضي الله، والشر هو ما يكرهه الانسان، فيجب ان يكون ما يكرهه هوم ما يسخط الله . فانه عليه الصلاة والسلام يقول"لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"وهواه هو ما يحبه وما يكرهه، فيجب ان يتقيد هواه بما جاء به الاسلام .

وعلى ذلك فان هذا الانسان لا يصح ان يقيس الاشياء بما لديه من جوعات، لا بغرائزه ولا بحاجاته العضوية، ولا يصح ان تسيره هذه الجوعات، اي لا الغرائز ولا الحاجات العضوية، وانما يجب ان يسير هذ الجوعات في اشباعها بما جاء به الوحي من عند الله، اي بافكار الاسلام واحكامه، فالمسير للانسان انما هو ماجاء به الوحي، وليس احساسات الغرائز، ولا الحاجات العضوية فهو اذا تحركت فيه غريزة التدين اي مشاعر التقديس فيجب ان يسيرها بما جاء به الاسلام، فيقدس الله ويكسر الصليب . وان تحركت فيه غريزة النوع فيجب ان يسيرها بما جاء به الاسلام، فيتزوج ويشبع غريزة النوع، ويعاقب الزاني . وان تحركت فيه غريزة البقاء فيجب ان يسيرها بما جاء به الاسلام فيشتغل ليأكل ويعاقب السارق وان يبكي من خشية الله لا من عدم تمكنه من اشباع غريزته، وان يتقي النجاسة حين يقضي حاجته، وهكذا فان الانسان يجعل واقع جسده محل المعالجة باحكام الله ولايأخذ معالجاته من واقع جسده، لا من غرائزه ولا من حاجاته العضوية . اما روحه التي هي سر الحياة، فانه لا دخل لها بمعالجة الغرائز، ولا هي محل بحث لدى الانسان، وانما هي من الله وهي سر الحياة ليس غير .

 

 

هذا ما جاء به الاسلام، وهو ان هذا الانسان يجب ان يتقيد بكل ما نزل به الوحي من عند الله على سيدنا محمد رسول الله، ولا شيء ما عدا ذلك مطلقا .ولكن بعض ممن دخلوا في الاسلام من النصارى واليهود والمجوس والمشركين وسائر الديانات الاخرى، وبقيت عندهم رواسب قديمة من اديانهم نقلت منهم عفوا ومن غير قصد لابنائهم ولكثير من المسلمين، فاستسيغت فكرة ان الانسان مركب من المادة والروح، ثم استسيغت فكرة الخير والشر، واستسيغت تقديسات المشاعر البحتة، ونتج عن ذلك ان الروح هي شعور الانسان بانه مخلوق لخالق، اي بعبوديته لله، وان الروحانية هي ما يسيطر على الانسان من مشاعر الاقرار بالله ومشاعر عبوديته لله وان الناحية الروحية في الانسان هي مشاعر غريزة التدين . وهكذا صارت مشاعر غريزة التدين وحدها هي المسيطرة . فالروح هي الشعور بالعبودية والروحانية اثر هذا الشعور في الانسان، والناحية الروحية هي كل ما يتعلق بمشاعر غريزة التدين، واستبعد العقل والادراك استبعادا كليا عن ذلك، فلا وجود له، بل لا ملاحظة لوجوده بل استنكر عند الكثيرين تحكمه بهذه المشاعر، وتمييزه لصدقها او كذبها، لانحرافها او استقامتها بل ربما لهديها او ضلالها وكفرها .

 

 

هذا هو ما تسرب لبعض المسلمين، بل ما يكاد يكون طاغيا على الكثيرين منهم، ومن اجل ذلك جاءت هذه الدعوة ببيان معنى الروح ومعنى الروحانية ومعنى الناحية الروحية فبينت ان الروح هي ادراك الصلة بالله، وان الناحية الروحية هي الصلة بالله اي هي كون الانسان مخلوقا لخالق وكون الحياة مخلوقة لخالق وكون الكون مخلوقا لخالق، فالصلة بالله للانسان والحياة والكون هي انها مخلوقة لخالق، اي هي كونها مخلوقة لخالق، فادراك هذه الصلة اي ادراك كون الاشياء مخلوقة لخالق ان الاشياء من كون وانسان وحياة مخلوقة لخالق، لديه روح، اي لديه ايمان وادراك لاثر من يؤمن به . فالادراك لخلق الله اي للخلق نفسه هو الروح، ولذلك يتقيد بهذا الادراك وبالتالي يتقيد بما جاء به الوحي من عند الله من افكار واحكام، اي يدرك انه عبد لله، فالروح لم تأت من الحياة، ولامن اي شيء اخر، وانما تأتي من ادراك الصلة بالله، اي ادراك كونه و جميع الاشياء مخلوقة لله اي ادراك عبوديته لله، اي ادراك انه عبد لله . هذه هي الروح، فالناحية الروحية هي كون الاشياء مخلوقة لخالق، وادراك هذه الناحية الروحية هي الروح، فهي اتية من الادراك، اي من ادراك الانسان وليس من الانسان ولا من الله، بل من الادراك نفسه . اما الروح التي هي سر الحياة فلا دخل لها في ذلك، ولا محل لها هنا، فهي من الله ولا يعلم حقيقتها احد الا الله، وهي موجودة في الحمار والخنفساء، والعجل والثعبان وغير ذلك من الاحياء، وهي ليست خاصة بالانسان، ولامن الله، ولا من فطرة الانسان، ان الكافر لديه روح اي سر الحياة، وهو انسان، ولديه فطرة الانسان، ومع ذلك فانه ليس لديه روح بمعنى ادراك الصلة، ولا روحانية، مع انه انسان .

 

ولذلك فان الروح هي نفس الادراك، فان وجد لدى الانسان وجدت الروح لديه 9، وان لم يوجد في الانسان لا توجد لديه روح . فهذه الروح التي هي ادراك الصلة بالله، ينتج عنها اثر من جراء اتصالها بالمشاعر مع الادراك، فهذا الاثر هو الروحانية، فالروحانية هي ادراك الصلة بالله اي هي المشاعر المسيرة بالادراك الناتجة عن ادراك الصلة بالله . فاذا كانت كذلك كانت روحانية وان لم تكن كذلك لا تكون روحانية .

 

فالروحانية لا يصح ان تكون من مشاعر التقديس وحدها، بل يجب ان تكون من ادراك الانسان كونه عبدا لله، اي من ادراك صلته بالله، وان يكون الادراك هو الذي يسيرها، وما لم تكن كذلك لا تكون روحانية، بل قد تكون كفرا كقيام المسلم ببناء كنيسة يتعبد فيها النصارى .

 

والروحانية تأتي من عدة اعمال، فقد يفكر المسلم في مخلوقات الله فتتحرك مشاعره من هذا التفكير وتسير بالادراك فتوجد عنده مشاعر، وقد يذهب المسلم لزيارة احد الصالحين او لزيارة قبر احد الصالحين فتتحرك مشاعر التدين لديه، وتسير بالادراك فتوجد لديه الروحانية وقد يقرأ القران، وقد يتهجد وقد يقرأ في صحيح البخارى، او سننن ابن ماجة وقد يجلس للتسبيح، وقد يذكر الله بقلبه او بلسانه وقد وقد الى غير ذلك من الاعمال . فالروحانية قد تأتي من نفس الادراك في تشعبه وتفريعه، وقد تأتي من اعمال، ومن هنا جاء الشرع بالتفكير كعبادة، وجاء بانواع العبادات، وانواع التسبيح والحمد والذكر، فالمسلم اذا اراد ان تكون لديه الروحانية فما اسهلها عليه ما دام يدرك صلته بالله اي ما دامت لديه الروح، فما عليه الا ان يقوم بما جاء به الوحي من اعمال واقوال وتفكير، بناء على ما لديه من روح، مسيرا لهذه الاعمال بالادراك، فانه توجد لديه الروحانية ويحس بالطمأنينة والرضا اي اذا اراد المسلم ان تتحرك لديه مشاعر التدين فان عليه ان يقوم بما جاء به الشرع فقط من اعمال او اقوال بناء على ما لديه من روح مسيرا تلك الاعمال والاقوال بالادراك، فانه غالبا يستطيع تحريك مشاعر التدين، اي يستطيع غالبا ان يوجد لديه الروحانية، وان يحس بالطمأنينة والرضا .

 

والشرع جاء باعمال واجبة من العبادات . وجاء بما هو غير واجب ولكنه فوق الواجبات، لانه يصدر عن طواعية من غير وعيد وتهديد، واذا كان المسلم يقوم بالواجبات خوف عذاب الله، وبناء على التهديد والوعيد فانه احرى به ان يقوم زيادة على ذلك بما طلبه الله منه وجعل له حرية الاختيار ان يقوم به وان لا يقوم به . فالمسلم لديه الروح موجودة بشكل دائم لان ايمانه يقضي بوجود الروح، واما الروحانية فانه ان ارادها قد توجد لديه من غير القيام باعمال واقوال، وقد توجد لديه بالاقوال والاعمال، وقد بين الله له هذه الاقوال والاعمال فلا يجوز له ان يتعداها ولا بحال من الاحوال .

 

وشباب هذه الدعوة قد الزمهم انخراطهم في سلكها ان يقوموا بالتزامات الاسلام، ومنها الفروض والواجبات وما هو فوق الفروض والواجبات، وان المذخور الروحي لازم لهم لزوم الماء والهواء، فان ما القي على كاهلهم من حمل لا يستطيعون القيام به الا بالمذخور الروحي، ولذلك لا بد لهم من المذخور الروحي، الاانه لابد لهم من الروحانية في اكثر الاوقات .ولذلك لا يقال ان الروحانية ضعيفة عند شباب هذه الدعوة، لانها اولا جزء من مهمتهم، وثانيا طبيعة انخراطهم في الدعوة تعني وجود الروحانية لديهم، وثالثا هي لازمة لهم للاستمرار في حياة الدعوة لزوم الماء والهواء، ولهذا فان الروحانية عند هؤلاء الشباب هي بمقدار يفوق ما عند الكثير من الناس .

 

الا ان هذه الروحانية التي لديهم هي روحانية المجاهدين في خنادق القتال، وروحانية المتعبدين في المساجد، ولكنها لا تظهر بالتمسكن ولا بالتشدق، ولا بالاصطناع والتظاهر، لانها ليست مشاعر بحتة، بل هي مسيرة بالعقل وناتجة عن الادراك، فهي مستقرة بالنفس، ثابتة في القلب، مستقرة في العقل ويكفي مظهر من مظاهرها الا وهو التقيد بحكم الشرع، اي التقيد بما جاء به الوحي من عند الله .

 

 

ولذلك فان واجب الشباب حين يشاهدون مظاهر الروحانية عند غيرهم، او يرون غيرهم يقوم باعمال تنتج روحانية، فان عليهم ان يجعلوا هذه الروحانية مشاعر مسيرة بالادراك، ناتجة عن ادراك الصلة بالله، حتى يصححوا مشاعر الناس، وحتى يهدوا الناس وحتى يحولوا بينهم وبين مشاعر الخطأ او الانحراف او الضلال . فهم حملة دعوة، ومن اهم اعمال دعوتهم تصحيح عبادة الناس لله، وتصحيح مشاعرهم، فانه لا يصح ان يظل احد من المسلمين متلبسا بمشاعر التدين وحدها من غير عقل بل يجب ان نرجع جميع المسلمين الى مشاعر التدين المسيرة بالادراك، والناتجة عن ادراك الصلة بالله اي ان نرجع جميع المسلمين للروحانية التي جاء بها الاسلام، والتي هي وحدها الروحانية التي يثيب عليها الله .

 

5 من ذى القعدة سنة 1392

10/12/1972

 

 

 

 

 

http://www.alokab.co...showtopic=31247

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

376955_598880826803492_1637354301_n.jpg

 

 

 

السياسات المتبعة لإلهاء الرأي العام وترويضه

 

إن الأنظمة الحاكمة في العالم العربي عادة ما تسعى لتثبيت أنظمتها بعدد من الأساليب الماكرة التي تجعل الشعب يظل رهن التبعية والإذلال، ومن هذه الأساليب:

 

أولاً: سياسة الإغراق بالمشاكل الحياتية اليومية:

 

ويقصد من وراء هذه السياسة إلهاء الناس بمشاكلهم المعيشية وهموم أرزاقهم حتى تستهلك وقتهم وتستحوذ على تفكيرهم، بحيث لا يبقى لديهم الوقت اللازم للتفكير في غير همومهم الشخصية الآنية المتجددة والمتعددة. وهذه السياسة تتبع في معظم الأقطار المنتمية إلى ما يسمونه العالم الثالث والذي يشكل العالم الإسلامي غالبية سكانه، ويقوم الإعلام بتغطية هذه السياسة كما ترسمها الأجهزة التي خططت لهذه الحالة، وتتوخى الأجهزة من وراء ذلك إيصال الرأي العام إلى مجموعة من القناعات والتي لم يكن بالإمكان إيصال جمهور الناس إليها بدون وسائل الضغط والتركيع والإذلال، بحيث يصبح كل حل أقل إذلالاً أو أخف وطأةً ليس مقبولاً فقط بل مطلباً شعبياً، والأمثلة على ذلك كثيرة في العالم الإسلامي، وليس أقلها طوابير الناس التي تنتظر دورها للحصول على السلع الضرورية، وليس هناك بلد أحسن حالاً من غيره بل التفاضل هو في من هو الأسوأ ومن هو الأقل سوءاً.

 

ثانياً: سياسة الإلهاء بالرياضة والنشاطات الشبابية:

 

مثل إقامة المباريات بشكل دائم وسباقات الخيل والسيارات والإبل، والإكثار من النوادي، والتركيز الإعلامي بالنقل الحي، وجعل متابعة نتائج المباريات على كل شفة ولسان للشباب المراهق، وتنصيب وزراء وأمراء للشباب والرياضة، فالرياضة كرياضة لاشيء فيها، أما أن تستعمل وسيلة لتخدير الطاقات الشابة وإلهائها عما يدور حولها فتلك مصيبة من المصائب التي تعاني منها أمتنا الإسلامية. فعندما يريد الحاكم التعتيم على قضية أو صفقة محلية أو دولية فإنه يلجأ إلى استعمال هذا المخدر، وحشد جميع وسائل الإعلام لتغطية المباريات المحلية أو الدولية أو الأولمبية، وليس مستغرباً أن نجد الآلاف من شباب هذا الجيل تحفظ أسماء أعلام الرياضة والسينما والمسرح أكثر مما تعرف من أسماء أبطال الإسلام والصحابة الكرام، ويحضرني في هذا المقام عبارة صادقة لأحدهم يقول فيها: «إن إلهاء الشعب بمباريات كرة القدم والمصارعة والأفلام والمسلسلات الجنسية والمغامرات على الطريقة الأميركية لا يورث إلا الجهل والقهر وبلادة الحس عند الناس». هذا عدا عن أن تقسيم البلد إلى فرق متنافسة من شأنه أن يثير الشحناء والبغضاء والتعصب القبلي والقومي والإقليمي، مما يؤدي إلى تفسخ المجتمعات.

 

ثالثاً: سياسة الإلهاء بكل مظاهر الترف واللهث وراء المال:

 

ففي حمأة هذا الصِراع المحموم لجمع المال لحيازة أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا من سلع كمالية يُهدر الوقت وتضيع الطاقات الشابة التي يعتمد عليها في التغيير، ولا يجد الراكض وراء المال متسعاً من الوقت للتفكير في هموم أمته ولا للمساهمة العملية في إنقاذها، فلقد استحكم هوس جمع المال في عقول كثير من المسلمين، وأصبح التفكير الرأسمالي هو السائد، مع ما يرافق ذلك من أنانية فردية وتغليب المصلحة الذاتية على قضايا الأمة المصيرية، وفي ذلك مافيه من مخالفة شرعية حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم». والملاحظ أن الأنظمة الحاكمة تسهل سبل المنافسة على الدنيا، وتشجع ذلك السباق المحموم وتفتح المجالات الواسعة عن طريق وسائل الدعاية والإعلام لكي يغرق الناس في الترف الزائف، والسفر شرقاً وغرباً للمجون والقمار وتبذير المال واقتناء آخر ما صنعته مصانع الغرب من سيارات باهظة الأثمان؛ لأن كل ذلك يصرف أنظار الناس عن السياسة والحكام وهذا هو المطلوب. هذا في الدول الغنية، والشرائح المترفة، أما الدول الفقيرة فيقوم الحاكم بسياسة (جوّع كلبك يتبعك)، وتعييش الناس على الأمل بالقول إن عام 2010م هو عام الرخاء، وهذا آخر عام للفساد والمفسدين، وسوف ننتج مليارات من الغاز والنفط، وسوف نضع المزيد من أحجار الأساس، ونفتح العديد من المشاريع من أجل أن يعيش الناس على المال العراض. أما القوى المؤثرة في المجتمع فيتم شراؤها بالمال الحرام، بل ويشترون المثقفين وأهل القوة وأصحاب الأقلام كذلك!

 

رابعاً: سياسة كمّ الأفواه:

 

وهذه السياسة يلتزمها الحكام الدكتاتوريون القمعيون، الذين لا يقيمون وزناً للإنسان حتى في حقه في التظلم والشكوى من ظلم الحاكم وزبانيته، واتباع هذه السياسة من شأنه أن يولد في نفوس الناس الخوف والجبن والقبول بالأمر الواقع رغم قناعتهم بوجوب تغييره، ويصبح لسان حالهم يقول ما يردده المصريون: (الحيطان لها ودان)، (عايزين ناكل عيش)، (مش عايز أروح اللومان)، وإمعاناً من الحكام في إثارة الرعب في قلوب الناس أوجدوا هالة من الرعب حول معتقلاتهم بمجرد ذكر أسمائها، وهذا التخويف مقصود لردع كل من تسوّل له نفسه مخالفة الحاكم أو إبداء نوع من المعارضة لحكمه، فكيف بمن يحاولون قلعه أو تغييره؛ لذلك روّج الحكام وزبانيتهم لأسماء معتقلاتهم حتى تحفظها الناس وتكون مصدر ترهيب لهم، مثل سجني أبي زعبل وطرة في مصر، وسجن الرمل في لبنان قبل أن يهدم، وسجن الحصان الأسود في ليبيا قبل نقل مكانه وتوسيعه، و"صبل الليل" في صنعاء، وسجن المزة في سوريا، وسجن الجفر في الأردن... تلك السجون وغيرها الممتدة على طول العالم الإسلامي وعرضه والتي يقبع في زنازينها الآلاف من المظلومين الذين يمارس ضدهم كل أنواع التعذيب النفسي والجسدي، إرضاءً للغرب الذي يحكمنا بطريقة الـ (ريموت كونترول) وكأن الحكام يقولون لأسيادهم المستعمرين مازلنا على العهد، نستعمل نفس السجون التي بنيتموها في أيام استعماركم المباشر، ونزج فيها كل من لا يعجبه الغرب ونظمه وحضارته والتبعية له، وكل من يصدق أن هنالك حقوقاً للإنسان وتنطلي عليه هذه الخدعة.

 

 

خامساً: سياسة تنفيس الرأي العام:

 

عندما يشعر الحاكم بخطورة الأوضاع الناجمة عن سياسة كم الأفواه ومدى ما نجم عنها من احتقان، فإنه يلجأ إلى تنفيس ذلك الاحتقان حتى لا يتولد عنه انفجار أو ثورة، فيقوم بتكليف وسائل الإعلام بإعداد برامج قصيرة تركز ع...لى بعض النواحي التي يشكو منها الناس، وتوجيه الانتقاد إلى بعض المسؤولين ممن هم في موقع الوسط من التسلسل الهرمي للمسؤولين، مع تجنب الاقتراب من المسؤول الأول (الحاكم) ومن هم في قمة الهرم من المراكز القريبة من الحاكم، حتى يوهم الناس بأن التقصير أو الظلم الذي وقع على الناس هو من جراء تفريط المسؤولين الصغار، ولا يتحمل هو تقصير هؤلاء الغير، وقد يستعين الحاكم بممثلين معروفين للقيام بلعبة التنفيس بشكل مسرحي هزلي، فيغنيه كل عرض مسرحي عن مظاهرة في الشارع، ولا يسمح لأحد القيام بهذه المهمة إلا من يختاره النظام؛ لأن هذا وحده يعلم الخطوط الحمر غير المسموح تجاوزها في تنفيس الرأي العام، حتى لا ينقلب السحر على الساحر، وهذا النوع من النقد المدروس لا يسمح به إلا من خلال قنوات النظام، والذي قد يلجا إلى تأليف أحزاب يسميها أحزاب معارضة، حتى تتولى هي أخذ الدور الذي يوكل إليها وتقوم بامتصاص النقمة؛ فتكون بمثابة كاتم الصوت للأمة، ويمضي الحاكم في تبجحه وادعائه بأنه يريد للعبة الديمقراطية أن تأخذ مجراها فيكون هو الخصم والحكم في الوقت نفسه!!

 

سادساً: سياسة كبش الفداء:

 

كثيراً ما يلجأ الحاكم إلى اختيار وزير أو رئيس وزارة أو قائد للجيش ككبش فداء يفدي به نفسه وحكمه، وذلك في محاولة للهروب من عقاب الأمة ولإلقاء التبعة على الشخص المعزول، وعادة يتخذ هذا الإجراء عقب هزيمة عسكرية أو فضيحة سياسية أو تقصير أمني أو اقتصادي أو اجتماعي، فيلجأ الحاكم إلى تخفيف نقمة الرأي العام عليه بأن يُلصق تهمة التقصير بغيره، ومثال ذلك الكثير من الإجراءات التي حصلت وتحصل في كل الأقطار، شرقها وغربها، إسلامية وغير إسلامية، وفي كل الأزمان، وتكون هذه الإجراءات خدعة جديدة للرأي العام تضاف إلى رصيد الحاكم من الألاعيب السياسية الأخرى.

 

سابعاً: سياسة الضربة الوقائية:

 

تقوم بعض الأنظمة بحملة إعلامية وقائية بغية استباق تطورات سياسية داخلية، أو حين تشتَمُّ رائحة تمرد أو تململ لدى الناس؛ فتقوم بخطوات معينة قد تشمل تعطيل بعض الصحف واعتقال بعض الصحفيين والمفكرين الذين لا ينتمون للنظام ولا يدينون له بالولاء، ويرافق ذلك حملة تشهير إعلامية واتهامات تصل إلى حد التآمر على النظام، وتهديد أمن الدولة، وتهمة الارتباط بدولة أجنبية لا يذكر اسمها إمعاناً في التضليل، وهذه الإجراءات الوقائية تتسم بالمفاجأة والقسوة والسرعة الخاطفة حتى تؤتي ثمارها كضربة وقائية، وأحياناً تتم هذه الإجراءات بسرية تامة وتعتيم كامل حتى لا تحدث صدًى لدى الرأي العام، وحتى لا تحسب مؤشراً على ضعف النظام وعلى وجود معارضين يطالبون بتغييره جذرياً.

 

ثامناً: سياسة ركوب الموجة:

 

وهذه السياسة من أكثر السياسات رواجاً عند صيادي الفرص الذين يستغلون ظروفاً معينة أو أحداثاً خاصةً، فينخرطون بها ويتبنونها فيختلط الأمر على المراقب حتى يكاد لا يميز بين الأصيل والدخيل؛ مما يسبب ضياعاً في الرأي العام، وتبديداً للجهود المخلصة، وتفشيلاً لها، وتيئيساً لمن أخذ الأمر على محمل الجد ولم يتلوث بالحيل التي نصبت له شراكها. وكثيراً ما نرى أن موجة السخط على الحاكم والملك والرئيس تخمد فجأة دون أن تبصر الإصبع الذي أطفأها، ولاشك أن ركوب الموجة وتبني مطالب الناس، ولو إعلامياً بالكلام المنمق، يساعد على الحد من جذوة الحماس، وقد يؤدي إلى عكس ما طالب به جمهور الناس. حدث منذ أقل من عام أن انطلقت تظاهرة تطالب المسؤولين بالحد من التدهور الاقتصادي ووقف التلاعب بأرزاق العباد، وقد كانت شعارات المتظاهرين تهاجم الرئيس وجميع المسؤولين بدون استثناء، وبعد أن التقى المتظاهرون من شطري البلاد تحولت الشعارات والهتافات إلى (شعب واحد، وطن واحد). فما أسهل تدخل القوى الرسمية حتى في البلدان التي تحولت فيها الدولة إلى أشلاء ممزقة، فهذه الدول الكرتونية لا تعوزها الحيلة، فحينما تريد ركوب موجة معينة لا تصطدم بها مباشرة، أو وجهاً لوجه، وإنما تسير مع الموجة في خط موازٍ لها متبنيةً شعاراتها ومطالبها، وتحاول تضييق المسافة بين الخطين، حتى تقترب من الخط الأصلي محاولة شراء أشخاص تلك الموجة بالترهيب والترغيب. وحين يلتحم الخطان بعد تعديل زاوية الانحراف تصبح الموجة المعادية للنظام بأشخاصها وشعاراتها هي ابنة النظام البكر، ويكتشف أصحابها أنهم تحولوا عن أهدافهم الأصلية مائة وثمانين درجة دون أن يشعروا بعملية التحويل القسرية التي خضعوا لها، ويكون النظام قد مال مع الريح تحاشياً للسقوط (إذا مالت الريح مال حيث تميل) وهو بذلك التمويه والخداع يكون قد لبس جلد الثعلب أو التمساح؛ لأنه لاقبل له بمواجهة التيار الهادر الذي ينوي اقتلاعه من الجذور.

 

 

تاسعاً: سياسة الانحناء للموجة:

 

على العكس من السياسة السابقة حينما يتعرض بعض الساسة أو الزعماء إلى عاصفة هوجاء من الانتقادات والمعارضة لسياسته، فانه يلجأ إلى تجاهل النقد والمعارضة، ويمتنع عن الإدلاء بأي تصريح أو رأي أو حتى الظهور عبر أجهزة ا...لإعلام، ريثما تهدأ العاصفة، وتنجلي المواقف، ويعود الرأي العام إلى سابق عهده، وينسى الجمهور ما حدث. وبالمناسبة لابد من الإشارة هنا إلى أن الحكام والقادة يراهنون على ظاهرة النسيان التي يتصف بها بنو البشر ويبنون عليها الكثير من خططهم ومشاريعهم الإعلامية؛ لذلك يلاحظ تكرار خطط وأكاذيب عفا عليها الزمن واستعملت أكثر من مرة، ولكن الاتكال على ظاهرة النسيان لدى الشعوب يجعل الحكام في مأمن من انكشاف أكاذيبهم وخدعهم.

 

عاشراً: سياسة قصة قميص عثمان:

 

يبدو أن هذه السياسة هي الأكثر رواجاً في عصرنا الحالي، وأن هنالك الكثير من الأخصائيين المحترفين لهذه السياسة، فقصة المطالبة بدم سيدنا عثمان (رضي الله عنه) معروفة والتي ذهبت مثلاً، ثم أصبحت مثلاً يحتذى لدى السياسيين وأجهزة إعلامهم بل أبواقهم المسموعة والمرئية والمقروءة، فحينما يريد البعض سَوْق الناس بالجملة تجاه أهدافه ومخططات الأسياد الكبار؛ فإنه يلجأ إلى حيلة الثعالب، وذلك بالتقرب إلى الناس حين يتظاهر بتمجيد رمز من رموزهم يحترمونه أو حتى يقدسونه، ولعل أكثر القضايا التي استغلت كقميص عثمان: قضية فلسطين، وتحرير القدس، وحرب أفغانستان، ومؤخراً حرب لبنان، ومسألة الصحوة الإسلامية التي تحاول بعض الأنظمة الحاكمة ركوب موجتها. وسياسة قميص عثمان قد تستعمل سلبياً أو إيجابياً حسب ما يبتغي الملوِّح بالقميص، فعلى سبيل المثال يتمسح الكثيرون بالقضية الفلسطينية، وكلما رغبوا في تبييض صفحاتهم السوداء لدى أتباعهم لجأوا إلى التغني بدعم القضية والنضال من أجلها، ويصورون للناس أنهم طيلة الحياة وحتى الممات يسعون بدأب وجهود متواصلة بلا كلل ولا ملل لإرجاع جزء من فلسطين لأهلها أو إرجاع جزء من أهلها إليها للعيش مع يهود، هذا ما يعلن، أما ما يبقى سراً فهو اللقاءات المتكررة مع زعماء يهود والاتفاق معهم على كيفية حماية حدود البلدين من هجمات (المخربين) على حد قول الفريقين، وفي أحسن الأحوال يسمونهم المتسللين. هذا من حيث استعمال قضية فلسطين إعلامياً للمزايدة والتقرب من الناس، أما الطريقة الأخرى لاستعمال (قميص عثمان) فهي إلصاق كل عيوبهم بـ(إسرائيل) أو برمز آخر يكرهه الناس ويناصبونه العداء مثل (الاستعمار) أو (الصهيونية) أو (كامب ديفيد)، وكل فشل لهم أو تقصير منهم وراءه (إسرائيل) أو الصهيونية أو الاستعمار. ففي هزيمة حزيران عام 1967م كان الادعاء أن أميركا وإنجلترا ساعدتا (إسرائيل)، وفي حرب عام 1973م كانت الحجة أن أميركا استعملت جسراً جوياً لمساعدة (إسرائيل)، ترى بماذا سيتهربون من مسؤولياتهم لدعم أطفال الحجارة في فلسطين؟ هل تكون هذه الحجارة صهيونية أيضاً؟ من يدري!

 

حادي عشر: سياسة الجزرة والعصا:

 

بالرغم من أن هذه السياسة تستعملها الدول الكبرى مع زعماء العالم الثالث ومنه العالم الإسلامي؛ من أجل إجبار البعض على السير في ركابها كعملاء بالترغيب أو الترهيب، إلا أن زعماء هذه البلاد اقتبسوا هذه السياسة من المستعمر وطبقوها تجاه شعوبهم، ففي البداية يعرضون على الأفراد أو الجماعات الجزرة، فإن قبلوها وقبلوا العبودية لهم تختفي العصا، وإلا تختفي الجزرة وسياسة اللين وتبرز سياسة العسكر والشرطة والسجن والمخابرات والاختطافات والاغتيالات والقتل، وكل هذه المراودات تسبقها وتتخللها حملات إعلامية مكثفة لتسهيل التنفيذ، وأحيانا يقوم الإعلام مقام الوسائل المادية إذا أتقن حَبْكَ الموضوع المراد إقناع الرأي العام به؛ للقضاء على جماعة معينة أو خصوم سياسيين أو قبليين!!

 

http://www.al-waie.org/issues/242/article.php?id=507_0_39_0_C

 

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

  • 1 month later...

1009902_615096675181907_2145518860_n.jpg

 

 

 

 

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

.....مقالة هذا المساء

 

الحوار بين الاديان

 

إن دعوة غير المسلمين للإسلام أمر فرضه الله تعالى على المسلمين وقد ظل المسلمون يدعون الى الاسلام طوال اربعة عشر قرناً ولا يزالون يدعون حتى اليوم ، قال تعالى ( ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن ) .

 

فدعوة المسلمين الى الاسلام هي دعوة الى اعتناق الاسلام وترك الكفر والشرك بالله .

 

وفكرة الحوار بين الاديان التي يروج لها اليوم , هي فكرة غربية لا أصل لها في الاسلام لانها تدعو الى ايجاد قواسم مشتركه بين الاديان ومن ثم اعتناق ما هو مشترك بين هذه الاديان أو بمعنى آخر ايجاد دين جديد يعتنقه المسلمون بدلاً من الاسلام ؟؟ ولضرب الاسلام بطريقة غير مباشره ، فمن المبررات التي قالوا عنها .. أن الحوار بين الاديان هو للوقوف في وجه الكفر والالحاد المتمثل بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره فالشيوعية الحاد يهدد الاديان السماوية ويهدد منجزاتها الحضارية و التحجج و التعذر بالانسانية والدفاع عن المؤمنين في الأرض وعمدوا الى استعمال الفاظ ليس لها معنى محدد مثل التجديد والانفتاح على العالم ؟ فكيف هو التجديد الذي يريدونه ؟ وما هو الانفتاح على العالم ! أهو التخلي عن ديننا واتباعهم ؟ أم هو جعل المسلمين مسلمين بالاسم وبالافعال مثلهم ! . وأيضاً ما يدعونه بالتعايش السلمي ونبذ التطرف ؟؟؟. !!!!! .

وزينوا بعض الافكار الكافره وسوقوها لها , على انها لا تخالف الاسلام حتى اعتبرها بعض المسلمين المضللين انها من الاسلام ! كالديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية واظهروا لنا بعض الافكار الاسلامية بانها بشعة ومتخلفة مثل الجهاد والحياء والحدود وتعدد الزوجات والحجاب وغيرها من أحكام شرعية . وجعلوا دراسة النصوص الشرعية الاسلامية دراسة عقليه التي تجعل المقياس في أخذ الحكم او تركه في المنفعة إذا ينتفع منه فهو مأخوذ واذا لا ينتفع به فهو غير مأخوذ به ؟؟؟؟ . فنتج عن ذلك تمييع بعض احكام المسلمين وعدم التمييز بين الدخيل والاصل , وبين ما هو كافر وما هو من الاسلام , فصار الربا حلال ؟ وصار الجهاد ارهاب وانتحار ! ، وصاروا يشوهون لنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رجل نساء و اكبر عدو للعقل البشري ؟؟ ، ناهيك عن الصور التي يرسموها له صلى الله عليه وسلم وغيرها الكثير من أعمال الحقد و البغض .

فإذا ما قورنت هذه الاقوال بالاعمال العدائية التي صدرت عن الغرب ضد المسلمين مثل الحروب الصليبية والقضاء على المسلمين في الاندلس والتآمر على المسلمين بهدم دولتهم وتقسيم المسلمين الى دولة متفرقة بعد الاستعمار الفرنسي والبريطاني وتأسيس دولة اليهود في فلسطين والصاق صفات الارهاب بالمسلمين ، ندرك اهداف الحوار الذي يقيمه الغرب الكافر مع المسلمين و تضح لنا الصورة , و نرى الأمور من زاوية أخرى .

 

 

إن الهدف الرئيسي من الحوار بين الاديان هو الحيلولة من عودة الاسلام الى الحياه كنظام ، لأنه يهدد مصالح مبدئهم وحضارتهم ويقضي على مصالحهم ونفوذهم و نظامهم الرأسمالي . فهم يريدون صبغ العالم بصبغة الحضارة الغربية الكافرة ( الحضارة الرأسمالية ) وبالأخص المناطق التي يعيش بها مسلمون , لا حلالها ( اي الحضاره الرأسماليه ) محل الحضارة الاسلامية ليمحو الثقافة الاسلامية من الاذهان بزعزعة الثقة من الاسلام والقضاء عليه .

وهم يهدفون الى صياغة شخصية المسلم صياغة جديده بحيث لا يجد صعوبة ولا حرج في ترك الحلال وفعل الحرام ، ثم افساد الذوق الاسلامي لديه وقتل الحميه للإسلام في نفسه ، فلا يبغض الكفار ، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر وبذلك يزيلون المناعة الثقافية في الامة الاسلامية التي تقاوم بها اي دخيل و يزيلون الحواجز الفكرية والنفسية التي تهدد الوجود الرأسمالي في بلاد المسلمين فتصبح المحافظة على نفوذهم ومصالحهم سهله ويضمنون بقائهم واستمرارهم .

 

 

إن هذا الحوار المقصود منه ايجاد دين جديد للمسلمين مبني على عقيدة فصل الدين عن الحياة , فيه التشريع للبشر بدل ان يكون لله تعالى خالق البشر .

فالحوار بين الاديان والحضارات لايجاد قواسم مشتركه بينها ولصنع حضارة انسانيه جديدة وهذا خيالي لانه لا بد من صراع بيننا وبينهم لمعرفة الحق من الباطل والطيب من الخبيث وجعل ديننا هو الدين الاسمى والمنتشر والمعمول به و إرضاء الله تعالى ومحاربتهم ونشر الاسلام و الدفاع عنه بالغالي و النفيس .

رابط هذا التعليق
شارك

أضواء على تجربة حركات الاسلام المعتدلة في الحكم في مصر وتونس

 

 

يساء كثيراً الظن في المسار الذي يمكن أن ينهجه الإخوان المسلمون عند توليتهم الحكم، فيظن البعض أنهم يحملون إسلاماً إلى الحكم كما ظن صائب عريقات حين فازت حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني فذكر بأن تجربة المشاركة بين فتح الداعية للسلام مع (إسرائيل) وحماس التي ترفضه جملة وتفصيلاً، وتحمل نظاماً إسلامياً هي التجربة الأولى في التاريخ، وكان يقصد من ذلك استحالة المشاركة بين الجماعات المتناقضة. لكل ذلك لا بد من فهم حقيقة ما يسمى بحركات الإسلام المعتدلة من الناحية السياسية في تجربتي مصر وتونس الحديثتين، ولا يقصد من ذلك دراسة شاملة لهاتين التجربتين، وإنما فهم واقع وجود هذه الحركات في الحكم من حيث مشاركة الحركات العلمانية، ومن الناحية الشرعية، ومن ناحية أثر هذه التجارب على وصول الإسلام إلى الحكم، ومن ثم محاولة رسم مسار للعلاقة بين الحكم الإسلامي القادم قريباً إن شاء الله مع هذه الحركات.

 

 

وهنا تظهر للعيان مسألة بالغة الأهمية في الحياة السياسية، وهي الفرق في مفهوم الحكم بمعنى القيادة ومعنى الإدارة. إن النظرة الخاطئة لواقع الحكم تؤدي إلى اعتباره مسألة إدارية كإدارة الشركات والمؤسسات، فتخلو من أذهان هؤلاء المسائل القيادية بمعنى القوامة على المجتمع. وبالتأكيد فإنه لا يمكن قيادة أي أمة ولا أن تعتبر جماعة ما نفسها قوامة على الأمة من دون فكرة أساسية للحكم، وهذه الفكرة قد تكون مبدأ، وهذا ما يفرق الجماعات التي تحمل الإسلام أو العلمانية أو تلك التي كانت تحمل الاشتراكية كفكرة للحكم، وقد تكون فكرة أخرى غير مبدئية مثل فكرة الحزب النازي الألماني عن تميز العرق الألماني عن باقي العروق، ومثل الفكرة القومية التي تثيرها مشاعر وأحاسيس القومية فيأخذ الحزب الحاكم بقيادة البلاد في خدمة قومية ما على حساب قوميات أخرى كحال الأحزاب في روسيا وفي الكثير من دول العالم، أو حتى فكرة شديدة التعصب لقومية ما والتي يكون مخزون مشاعرها أحداثاً تاريخية جساماً مثل أحزاب الدولة اليهودية التي لا يزال الهولوكوست عنصراً أساسياً في بنيتها المشاعرية وبالتالي أفكارها السياسية العملية، وباختصار فإن الحركة التي تتولى الحكم يجب أن يكون لديها فكرة ما للحكم بها وقيادة أمتها بهذه الفكرة، وبدون ذلك لا يمكن لأي حركة أن تقود أمة ما قيادة فعلية.

 

 

إن غياب الفكرة التي يقوم عليها الحكم وانعدام الرؤية الرعوية يؤدي إلى اعتبار الحكم والسياسة بمعنى رعاية شوؤن الأمة مجرد مسائل إدارية بحتة، وهذا وإن كان من الممكن أن يكتب له النجاح في بلدان مستقرة استقراراً تاماً كالدول الاسكندنافية إلا أنه يقود إلى الفشل حتماً في ظروف عدم الاستقرار سواء في مثالَي مصر وتونس التي تعصف بهما رياح عاتية ناجمة عن الثورة، وحتى في بلدان مستقرة نسبياً كالدول الأوروبية الكبرى كألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي تواجه أزمات في العلاقات الأوروبية الداخلية وداخل الاتحاد الأوروبي، وأن مسألة حل هذه الأزمات بحاجة إلى رؤية أكبر بكثير من الحسابات الإدارية للشركات.

وبناءً على هذا الفهم لواقع الحكم، فإن الحركات والجماعات التي تملك أفكاراً تطالب عادةً بالحكم وتسعى اليه حتى تتمكن من قيادة أمتها بأفكارها، وفي حالة الإخوان المسلمين وكذلك حركة النهضة الإخوانية في تونس فإن أفكار الحكم لديها منعدمة، وبالتالي فإن هذه الحركات لم تطالب بالحكم، وهذه حقيقة تاريخية يؤدي تجاهلها إلى الوقوع في خطأ الاستنتاج.

 

 

وبالرجوع إلى تاريخ نشأة هذه الحركات تتبين بعض الحقائق بالغة الأهمية في فهم علاقة هذه الحركات بالحكم:

 

1- إن أصح ما يمكن استقراؤه من نشأة حركة الإخوان المسلمين وأخواتها في العالم العربي أنها في الأصل حركات جمعيات نشأت لسد ثغرة في المجتمع، تلك الثغرة كانت الالتزام بأحكام الإسلام الفردية، وهي لم تطرح يوماً ما برنامجاً للحكم، ولم تستهدف الحكم أبداً في تاريخها، وكان يرضيها من الحاكم أن ترى بجنبه سجادة صلاة، ولم تدخل يوماً ما في معترك الحياة السياسية إلا إذا أفسح المجال أمامها وشقه غيرها كدعوة الحاكم لانتخابات نيابية. وعندما طرح المرحوم سيد قطب فكرة الحاكمية لله في كتابه الشهير معالم في الطريق، ضج الإخوان المسلمون ورفضوا الفكرة وأصدر الهضيبي المرشد العام للاخوان كتابه "دعاة لا قضاة" رداً على طروحات سيد. وبعد ذلك تطورت الحركة بحكم تضخم حجمها إلى العمل الخيري فأصبحت جمعية خيرية تعمل على بناء المساجد وتوزيع المعونات الإنسانية في إطار أعضائها، بل إن توسع العمل الخيري فيها قد جعل أعضاءها في كثير من الأحيان منتفعين مادياً. وقد أخطأ الكثير من الحكام فهم جماعة الإخوان المسلمين فتوجسوا منها خوفاً لا سيما وأن قوى كبرى كانت تحاول استغلال هذه الجماعة والدفع بها في أتون الصراعات السياسية.

 

2- كانت حركة الإخوان من الناحية السياسية لا تخرج عن رأي الحاكم، فكان إخوان مصر لا يعادون مبارك في حكم مصر، وكذلك لم يكن إخوان الأردن يعادون الملك في عمان، لذلك ثارت بينهم مشادات كلامية حادة في أزمة الكويت سنة 1991م على أثر مناصرة إخوان الأردن للملك حسين في دعم العراق، ولم يتخذ إخوان مصر نفس الموقف المناصر للعراق بسبب أن مصر مبارك كانت تقف في الصف المعادي للعراق وقتها. وفي نفس السياق فقد كانت نشأة حركة النهضة في تونس نشأة مخابراتية بامتياز.

 

3- إن الشعبية التي تتمتع بها حركات الإسلام المعتدل والتي تناصرها في الانتخابات ليست شعبية حقيقية، وذلك أنها ناجمة تاريخياً عن عداء أنظمة الحكم للحركات الإسلامية المخلصة وإقفال كافة أبواب العمل السياسي أو المجتمعي أمامها في الوقت الذي تبقيه مفتوحاً للحركات المعتدلة. وقد أدى ذلك إلى توجه الشباب المندفع نحو الإسلام إلى تلك الحركات المعتدلة باعتبار أنها وحدها الموجودة في الساحة، وقد كان استثناءً من هذه القاعدة السياسة الحاقدة على كل ما يسمى إسلامياً من بن علي تونس، فقام أيضاً بتضييق الخناق على حركة النهضة والتي أنشأتها مخابرات سلفه بورقيبة.

 

وهذه الشعبية كانت ظاهرة للعيان بعد الربيع العربي حين طالبت الأمة بالتغيير في كل من مصر وتونس وظنت الأمة أن البديل للأنظمة القائمة يتمثل في هذه الحركات الإسلامية التي اعتادت بما تملكه من مخزون المشاعر الإسلامية أن ترفع شعار الإسلام هو الحل.

 

ويتسرب الخطأ أيضاً في فهم تجربة الإخوان في كل من تونس ومصر إذا خطر ببال أحد أن هذه الحركات قد أمسكت بالحكم نتيجة نضالها في مرحلة الربيع العربي، لأن الحقيقة أن هذه الحركات لم تكن أبداً في موقع القيادة في الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت تلك البلدان وإنما انخرط أفرادها ضمن الهبة الجماهيرية بشكل عادي قبل أن تبدأ الجماعة بتوجيه أفرادها للمظاهرات لأغراض محددة وتحجم عن المشاركة لأغراض أخرى. وكان الوضع في تونس أوضح حيث انتهت الهبة الجماهيرية التي شارك فيها أفراد حركة النهضة بصفتهم الفردية، وبدأت الحركة تنظم صفوفها بعد رحيل بن علي وبصورة بعيدة عن الذاتية، فكانت مشاركتها كحركة كبرى على الساحة التونسية بناءً على سياسات استعمارية مع الإنجليز.

 

وأما في مصر فقد كانت حركة الإخوان محط انتقاد الفئات الشعبية حتى قبل تنحي مبارك حين كان وفد الإخوان يفاوض عمر سليمان والثوار في الميدان لا يقبلون بأقل من رحيل مبارك، وكذلك في فترة حكم المجلس العسكري حين علت الشكوك المصرية في نوايا حركة الإخوان الذين فازوا بمجلسي الشعب والشورى وأصبح تنسيقهم وتوافقهم مع المجلس العسكري ظاهراً للمصرين قبل أن يعصف بكل ذلك صمود الشعب المصري وإجبار المجلس العسكري على إجراء انتخابات رئاسية كان الإخوان قد تعهدوا قبل ذلك بعدم المشاركة فيها، إلا أنهم قد شاركوا فيها بزخم كبير بناءً على تفاهمات استعمارية مع الولايات المتحدة وليس إرادة سياسية ذاتية للإخوان في مصر.

 

أوصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في كل من مصر وتونس بشكل كبير وإن لم يكن تاماً، ومع وصولهم لم يصل الإسلام بالمطلق إلى الحكم في هذين البلدين، وحكم الرئيس مرسي في مصر وجماعة الغنوشي في تونس حكماً هو أقبح من سابقه، فقد رفض الغنوشي مراراً فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية مع أن نجاح جماعته كان بناء على شعار "الإسلام هو الحل"، وأقدم الرئيس مرسي على أعمال شديدة الشناعة ما تأنفه نفس المسلم مثل فخره بدفع الربا في وقته، واستمرار بيع الغاز لـ (إسرائيل)، وإقفال الكثير من أنفاق غزة، والاستقبال المخزي لنجاد شريك جزار سوريا وغيرها كثير، هذا ناهيك عن غياب أي نسبة من أحكام الإسلام عن الحكم في مصر.

 

والذي يجب أن يكون واضحاً أن وصول الإخوان في كل من مصر وتونس إلى الحكم لم يكن بناءً على قرار ذاتي لهذه الحركات، بل إن الإخوان في مصر كانوا يرفضون حتى فكرة الترشح لمنصب الرئاسة، وكانت القوى الدولية الكبرى التي تخشى من أن يقود الربيع العربي إلى ولادة دولة إسلامية تعمل على توحيد المنطقة هم أصحاب فكرة تسليم الحكم لمثل هذه الجماعات، وهذا لم يكن خافياً على من يتابع النصائح التي تقدمها ومنذ فترة مراكز الدراسات والأبحاث الغربية لصناع القرار في تلك الدول بالاعتماد على تلك الحركات لمنع الإسلام من الوصول إلى الحكم، والآن تقوم تلك الدول بتطبيق هذه السياسات عملياً في مصر وتونس. ولعل الهدف المعلن من هذا التوجه الأمريكي والأوروبي إنما يهدف إلى امتصاص نقمة الجماهير العربية الحاقدة على الحكم العلماني وكذلك لدفع هذه الحركات المعتدلة للوقوف ضد الجماعات المخلصة التي تنادي بالحكم بشريعة الإسلام.

 

وإذا كانت حركات الإخوان قد انخرطت بسذاجة تفكيرها في هذه السياسات الغربية ونجحت فعلاً في تحقيق امتصاص النقمة الجماهيرية على الحكام، إلا أنها قد فشلت تماماً في الوقوف ضد الجماعات الإسلامية المخلصة في مصر وتونس حيث يتوسع حزب التحرير وبقوة في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى فإن نقمة الأمة قد تجددت وبسرعة ضد حكم الإخوان في مصر وتونس لتتحطم الآمال الغربية في نجاح هذه السياسة على المدى البعيد.

 

لقد تعالت مع احتجاجات الربيع العربي المطالبات الشعبية بتحكيم الإسلام، تلك المطالبات التي كانت عامة وعفوية، وقد نجح حكم الإخوان المسلمين في وقف زخمها وإصابتها بالإحباط، وقد أضرَّ ذلك فكرة تحكيم الإسلام كثيراً، وهو هدف مأمول للسياسات الغربية انساق في تحقيقه الإخوان المسلمون عن سذاجة، وقد هبطت الثقة الشعبية بالجماعات الإسلامية إجمالاً بعد هذه التجارب غير المشرفة، وأصبحت بحاجة إلى جهد مضاعف لتبيان أن هذه التجربة ليست نهاية المطاف، وإذا استثنينا الآمال التي تعقدها الأمة على سوريا حيث يتضاءل تأثير الإخوان فيها، فإن الأمة إجمالاً قد أصيبت بحالة إحباط شديدة وهبوط في معنويات التغيير نتيجة انهيار الثقة بالإخوان المسلمين الذين ظنت بهم الأمة خيراً قبل استلامهم الحكم، بل إن الغرب المعادي للإسلام يحاول دس فكرة خبيثة مفادها أن هذه التجارب تعكس تماماً واقعية الحكم واستحالة التغيير الثوري، وسرعان ما اقتنع الإخوان بهذا الواقع تحت الضغط الغربي فأبقت مصر مرسي على نفس العلاقات مع (إسرائيل) وأرسل مرسي سفيره إلى تل أبيب بعد أن كان مبارك قد سحبه، بل وتنفست جماعة مبارك الصعداء بأن شيئاً معيباً لم يطالهم، وأخذوا يطالبون بالعودة إلى الحكم بدلاً عن حكم المرشد. هذا من زاوية شرعية وأثر ذلك على العمل الإسلامي الحقيقي.

 

وأما من زاوية السياسة الداخلية والنظرة الرعوية للأمة فقد برهنت هاتين التجربتين على انحطاط شديد في قدرات قيادات الإخوان لم تكن منظورة بهذا القدر من البؤس. فقد تجلت النظرة الإدارية البحتة مصحوبة بالمنافع المادية حتى إن بعض الوظائف الحكومية المصرية تعلن داخلياً في أطر جماعة الإخوان، ويستفيد الإخوان بشكل مركز من الوزارات الاجتماعية والتموين لخدمة أعضاء الجماعة وأنصارها المنتخبين بسلع منخفضة الثمن بشكل أوجد تقززاً وقرفاً داخل المجتمع المصري، ونظرة الانغلاق على الجماعة وفي داخل الجماعة وفي أطر الجماعة هي نظرة انعزالية جامدة وخطيرة على أصحابها، فهي نظرة لا تنظر للأمة التي تحكمها باعتبارها مكمن قوتها وأنها التربة التي تزرع فيها، فلا يثق الإخوان إلا بأنفسهم ويتوجسون خوفاً من غيرهم، وهذا يدفعهم للانغلاق، وبما أنهم في وضع الحاكم فإن الانغلاق لا يجوز، إذ لا تحكم جماعة نفسها، بل تحكم أمتها التي يجب أن تكون محل ثقتها، وبها تصنع السياسات والقوة، وبغير ذلك لا يكون هناك أي معنى للحكم، فالانغلاق في الحكم هو حرمان الحكم من شرايين القوة التي تمد بها الأمة الدولة، وإذا انقطعت هذه الشرايين، بمعنى غياب تفاعل الأمة مع حكامها ساد التخلف والضعف ونبتت الشكوك والمؤامرات، وإذا وقفت جماعة ما في الحكم لا هم لها سوى الدفاع عن وجودها في الحكم بشتى الوسائل وأصبح ذلك محوراً رئيسياً لها انتهى حكمها ووجب عليها المغاردة، فأمم الحكم الجبري هي فقط التي تحكم بشكل دائم بالحديد والنار.

 

وفي تونس تجلت النظرة الإدارية الخالية من أي بعد رعوي وأفشلت مخططات النهضة التنموية، فبعد أن وعدت الحركة بإيجاد مئات آلاف فرص العمل للتونسيين وقفت الدولة التونسية على حافة الهاوية الاقتصادية لا تستطيع دفع رواتب موظفيها الذين كان بن علي يدفع رواتبهم بانتظام، وسادت النفعية الشخصية فقام رئيس الوزراء التونسي الجبالي وهو أمين عام حركة النهضة بطرح مبادرة لإخراج حركة النهضة من الحكم مقابل أن يبقى هو شخصياً رئيساً للوزراء تحت اسم التكنوقراط فور اندلاع أعمال العنف على أثر اغتيال شكري بلعيد.

 

وبالمجمل فإن وجود هذه الحركات في الحكم هو بمثابة دفع غير المهندس للقيام بأعمال هندسية وغير الطبيب لمداواة المرضى، وهذا التمثيل غير بعيد على الإطلاق عن تجربتي مصر وتونس، فحركة الإخوان وأختها النهضة لا تملك ثقافة سياسية حقيقية، ولا تستهدف بناء دولة ذات طابع خاص، بل إن المفاهيم السياسية غير موجودة لدى هاتين الحركتين، وهذا يفسر الضعف الشديد في الأداء السياسي لهما، وهو ما يفسر من زاوية أخرى سرعة سقوطهما في المخططات الاستعمارية للولايات المتحدة وأوروبا، ويمكن للمرء أن يجزم بأن خطوة ما لا يتم اتخاذها دون استشارة سفارات الدول الكبرى في تونس والقاهرة، وهذا يفسر بعض ما أسماه المصريين بالخرف السياسي أو المراهقة السياسية عندما طرح المتشدق عصام العريان في مصر إعادة اليهود إلى مصر وترحيبها بهم إرضاء لأمريكا.

 

وأخيراً وقفت الأمة في كل من تونس ومصر تريد إخراج الإخوان من الحكم، وظهرت حملات شديدة ضد حكم هؤلاء لا سيما وأن عصر الثورة لم ينتهِ بعد. وهذا وإن كان يشير إلى فشل السياسات الغربية في تثبيت ما يسمى بحركات الإسلام المعتدل ضد الحركات المخلصة بسرعة لفظ الشارع لهذه الحركات، إلا أن الغرب قد نجح ومن خلال هذه التجارب التي لم تنتهِ بعد في تسديد طعنة قوية للإسلام والحركات المخلصة على مستوى الزخم الشعبي، أي أن الغرب قد نجح في امتصاص الغضبة الشعبية التي صارت تعرف بالربيع العربي من أن تكتسي طابعاً إسلامياً حقيقياً، فقد تميَّعت الثقة الجماهيرية بالإسلام أمام مغامرات الإخوان السياسية. وهنا أصبح البعض لا سيما وسائل الإعلام العلمانية التي تعكس رأي الحركات العلمانية والغرب أصبح يحلو لهم القول بفشل الربيع الإسلامي، وأن العلمانية وفقط الحركات العلمانية هي القادرة على الحكم في المنطقة العربية، وذلك في استنتاج خبيث لا يذكرون فيه أن حركة الإخوان المسلمين هي حركة علمانية بامتياز، لا يوجد فيها من الإسلام إلا اسمه، والبسملة قبل اللقاء التلفزيوني، وأنها قد أحسنت الأداء في الانصياع للنصائح الغربية بدرجة فاقت مبارك وبن علي، وإن رفضها العلني لتطبيق الإسلام وعلاقات الدولة التي يقودها الإخوان في مصر مع (إسرائيل)، بل ورائحة الفساد كالقضية التي تحوم حول وزير خارجية تونس، بل ويلحقها الإخوان في سوريا وتنسيقهم مع الغرب عدو الاسلام وداعم بشار كما في اجتماعات البيانوني في ميونخ في مؤتمر الغرب للأمن العالمي، إن تماهي الإخوان مع الغرب منقطع النظير، ومن الجدير بالعلمانيين في الغرب وفي المنطقة العربية أن يتجاوزوا الاسم وبعض هفوات الماضي وأن يعلنوا للعالم الإسلامي نصراً مؤزراً بضم الإخوان المسلمين بشكل رسمي وعلني للنظام العربي والمنظومة العلمانية في المنطقة السائرة بامتياز في ركاب الدول الاستعمارية.

 

بقيت مسألة واحدة، وهي كيف سيتعامل الحكم الإسلامي القادم مع هذه الجماعات في ظل هذا الانكشاف الفظيع لحقيقة هذه الجماعات. إن الحكم الإسلامي الذي سيتم بناءه بواسطة الأمة ولها سينظر إلى هذه المسألة من منظورين: الأول شرعي، والثاني سياسي رعوي.

فمن الناحية الشرعية يحق لكل مجموعة من المسلمين تأسيس أحزاب وجماعات، ومن هنا لن يمنع أحد من العمل كحزب بشرط أن تكون أفكاره وأهدافه إسلامية، لكن هنا يحق للدولة الإسلامية أن تشترط قطع كل أنواع العلاقات بين هذه الأحزاب والدول الكافرة المستعمرة، وإذا ما تم فعلاً قطع هذه العلاقات فقد انتفى الخطر الاستعماري الذي يمكن أن يستغل هذه الجماعات في ظل ضحالة المفاهيم السياسية الإسلامية. ومن زاوية أخرى فإن انكشاف حقيقة الارتباط مع الاستعمار الأمريكي والأوروبي سيحرم هذه الجماعات من قوتها الشعبية، وعندها تصبح مجموعات هامشية لا ثقل لها في المجتمع وفي التأثير السياسي.

 

 

عصام الشيخ غانم

14 نيسان 2013 م

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...