أبو توفيق Posted May 10, 2013 Report Share Posted May 10, 2013 الجمعة 29/6/1434 هـ الموافق 10/5/2013 م لا يجوز أن يجتمع العجز والفجور في قلب مسلم (الخطبة الأولى) أيها الناس: صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان، فليختر العجز على الفجور". ويبدو أننا قد أدركنا ذلك الزمان الذي أخبرنا عنه النبي عليه السلام، وقد تحدث غير واحد من العلماء والمفكرين عن هذا الحديث باعتباره من علامات نهاية العالم، ولكنهم اقتصروا في أبحاثهم على معالجة بعض الظواهر الاجتماعية أو الاقتصادية التي تعتري عوام الناس، وفصّلوا فيها وركزوا على أن التقوى تقتضي اختيار العجز على الفجور. ومن الأمثلة التي ضربوها في هذا الباب عدم الكذب واختلاق الأعذار لطالب تأخر عن مدرسته، وعدم السرقة لشخص في أزمة مالية، وعدم التبرج أو السفور لامرأة تأخر نصيبها في الزواج، وعدم الرشوة لراغب في وظيفة، وغير ذلك كثير مما يواجه عوام الناس في حياتهم الدنيا. ولكن القليل من هؤلاء العلماء والمفكرين من أعطى أمثلة أكثر سخونة وأشد وقعا على العاجز والفاجر في الدنيا والآخرة، ما أدى إلى زيادة العاجز عجزا والفاجر فجورا، واتسعت دائرة العجز والفجور إلى درجة أصبح العجز فيها سمة من سمات المستضعفين في زماننا، والفجور سمة من سمات الأقوياء، فاجتمع العجز والفجور في قلوب المسلمين على نحو غير مسبوق. أيها الناس: لقد أوصانا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن نختار العجز على الفجور حتى لا نقع في المحرمات، وأمرنا في الوقت نفسه أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، كي لا يقيم أصحاب المحرمات عليها، فيعتدل سلوك الفرد في أقل الوقت بعد اختلاله، ويستقيم سلوك المجتمع مباشرة بعد اضطرابه، فبذلك يكون العجز خيارا "تكتيكيا" لا خيارا "استراتيجيا". ونقف اليوم أمام شريحتين من شرائح المجتمع عند المسلمين اجتمع العجز والفجور في قلوبهم جميعا، خلافا لما أوصانا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما الشريحة الأولى فهم العلماء الأفاضل الذين هم أعلم الناس بالحلال والحرام، وهم أمنة للناس كما النجوم أمنة للسماء، وبذلوا الأموال الطائلة للحصول على الشهادات العلمية والمناصب الدينية. وأما الشريحة الثانية فهم نواب الشعوب وأعضاء مجالس الأمة المفروض أنهم يمثلون الناس في عرض مطالبهم ومظالمهم، ومحاسبة حكامهم، وإيصال أصواتهم إلى حيث يجب أن تصل، وهم قد حرصوا بشدة على نيلها في انتخابات هزيلة مسيسة، ولربما دفع بعضهم المال الوفير في سبيل ذلك. أيها الناس: أين علماؤنا في مجالس العلم وهم قد تعلموا قول الله عز وجل {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؟ أين هم من الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله في دويلات الضرار في العالم الإسلامي قبل ثورات الربيع العربي وبعدها؟ وأين هم من البنوك الربوية وحرمتها الظاهرة؟ ولماذا لا يفتون بالرد على اعتداءات الكفار على المسلمين في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وبورما وفلسطين عملا بقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}؟ في الوقت الذي يصدرون فيه الفتاوى المفصلة على مقاس حكامهم وأولياء نعمتهم؟ فعجزهم ظاهر وفجورهم فاضح! وأين نوابنا في مجالس الشعب يصفقون للحكام العملاء الكفرة الظلمة الفسقة، ويزينون لهم سوء أعمالهم، ويجعلون مجالسهم جسورا يعبر عليها الظالمون إلى ظلمهم في تشريع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية؟ ويصمتون صمت القبور عن قضايا الأمة الحساسة، وإذا قرروا فيها شيئا فإنهم لا يتابعون قراراتهم التي اتخذوها بالإجماع، إذا تعارض إجماعهم مع الأوامر التي تأتي لحكامهم من أسيادهم. فأين مجلس الشعب السوري الذي ملأ القاعات تصفيقا ونفاقا للمجرم بشار لا يجتمع ليبحث الغارة الإسرائيلية على مخازن السلاح النوعي في سوريا؟ وأين هو من المجازر الجماعية والفردية التي ترتكب بحق الشعب الذي انتخبهم؟ وأين هم من ديار الناخبين التي هدمت فوق رؤوس أصحابها، وتشرد من بقي حيا من سكانها في أصقاع الدنيا؟ وأين إجماع مجلس النواب العراقي في عهد صدام بضرورة طرد المفتشين الدوليين، وذلك عقب التدخل الدولي السافر في شؤون العراق الداخلية؟ وبعد احتلال العراق وإعدام صدام وتغيير الحكومة واجتثاث البعث وانتخاب مجلس نواب جديد، لم يتبدل الحال، بل ازداد سوءً، وتعارك النواب فيه بالأيدي، حتى علق أحد الناس عليهم قائلا: والله إنهم لا يستحيون، يتصرفون كأنهم أولاد شوارع، وخاطبهم باللهجة العراقية قائلا: "ولْكم على الأقل احترموا الهمج الّي انتخبتكم"؟! وأين ذهب إجماع مجلس النواب الأردني قبل أيام قليلة على طرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، وذلك عقب الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية في القدس واعتقال المفتي؟ وقد شدد صاحب المقترح بأن القرار يجب أن يلزم الحكومة الأردنية، عدا عن ذلك سيكون مجلساً فاشلاً! وأين مجلس النواب الكويتي من الطرد الجماعي المتكرر وإلغاء المجلس بقرارات أميرية، وحبس بعض الأعضاء لسنوات طويلة بتهمة إطالة اللسان؟ فإذا لم يكن لسان النائب طويلا في الحق فلا أطال الله في عمر صاحبه؟! وأين مجلس الشعب المصري وهو يشاهد بعينيه ما يفعله الحكام المتأسلمون في مصر الكنانة وهم يوالون أميركا وإسرائيل وإيران، ويحاربون الله ورسوله بالربا والسفور والخمور والوطنية والدولة المدنية والسياحة الفاجرة؟ وأما المجلس التشريعي الفلسطيني فشرعنةٌ للاحتلال وزينةٌ له، أعضاء جناحه الوطني مطبِّعون، وأعضاء جناحه الإسلامي يفضلون الديموقراطية على الشريعة الإسلامية، فبئس ما يصنعون! وأما باقي مجالس النواب في بلاد المسلمين فعجزهم ظاهر، وفجورهم فاضح، وعليهم العوض ومنهم العوض! فعسى الله أن يعوضنا خيرا منهم نوابا حقيقيين، يسهرون على مصالح الناس، وينقلون أصواتهم بأمانة وإخلاص، ويحاسبون حكامهم بجرأة وعزم، لا يعجزون ولا يفجرون، يمثلون شعوبهم حق التمثيل، وعلى شعوبهم لا يمثلون. (الخطبة الثانية) أيها الناس: إن العجز والفجور لا يجوز أن يجتمعا أبدا في قلب امرئ مسلم، فالمسلم إما أنه يعجز مؤقتا عن إنكار منكر معين فيعلن عجزه، ويعمل بطريقة أخرى على إنكار ذلك المنكر، وإما أن يخوض الغمرات، ويقتدي بالصحابة الأخيار وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، معذرة إلى ربه ولعلهم يتقون، ولو كان في ذلك هلاكه. أما أن يفجر مع عجزه، فيجمع بين العجز والفجور فليس هذا والله من صفات المؤمنين المسلمين الذين يخافون ربهم من فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون. وإننا نربأ بأمة الإسلام، خير أمة أخرجت للناس، أن يجتمع في قلوب أبنائها العجز والفجور، فإما العجز وإما القبور، أما الفجور فليس له في حياة المسلمين حظ ولا نصيب. دخل طاووس اليماني على الخليفة هشام بن عبد الملك في مكة موسم الحج بعد استدعائه، فخلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم بإمرة المؤمنين ولم يكنه، وجلس إلى جانبه بغير إذنه، وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب من ذلك غضبًا شديدًا حتى هم بقتله، فقيل: يا أمير المؤمنين أنت في حرم الله وحرم رسوله لا يمكن ذلك، فقال له: يا طاووس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ فاشتد غضبه وغيظه، وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: يا هشام كيف أنت؟ قال: أما خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي، وأما ما قلت: لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك فخفت أن أكون كاذبًا، وأما ما قلت لم تكنني فإن الله جل وعلاسمى أنبياءه قال: يا داود يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه فقال: {تبت يدا أبي لهب وتب}، وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام. فقال له: عظني قال: إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وخرج. أيها الناس: لا يغترن فاجر بفجوره، فالحرب سجال، والأيام دول، وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه الفجار الذين فجروا بالمسلمين، وفرطوا في قضاياهم، ووالوا أعداءهم. فاليوم نعظهم معذرة إلى ربنا، وغدا نحاسبهم والسلطان بأيدينا، فالموعد الخلافة، وإن غدا لناظره قريب، ولعذاب الآخرة أشد واخزى. فاللهم عجل لنا بخلافتنا، ورد علينا ضالتنا، وقوِّ اللهم عاجزينا، وأهلك يا ربنا فجارنا. Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
أبو العز Posted February 19, 2014 Report Share Posted February 19, 2014 (سيأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور) أي بين أن يعجز ويبعد ويقهر وبين أن يخرج عن طاعة الله (فمن أدرك ذلك الزمان) وخير (فليختر) وجوبا (العجز على الفجور) لأن سلامة الدين واجبة التقديم والمخير هم الأمراء وولاة الأمور. فيض القدير ... Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.