اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

خطبة الشيخ عصام عميرة


Recommended Posts

الجمعة 19/8/1434 هـ

الموافق 28/6/2013 م

 

وهو يُطعِم ولا يُطعَم

 

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض "كقوله" قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون" والمعنى: لا أتخذ وليا إلا الله وحده لا شريك له، فإنه فاطر السموات والأرض، أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق. "وهو يطعم ولا يطعم" أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم كما قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية وأقر بعضهم ههنا "وهو يطعم ولا يطعم" أي لا يأكل. وفي حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم على طعام فانطلقنا معه، فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال: "الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، ومنّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب وكسانا من العري وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودع ربي ولا مكفي ولا مكفور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري وهدانا من الضلال وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين".

أيها الناس: هناك خلل مركزي في تفكير جميع الناس اليوم ومعهم معظم المسلمين في مسألة الرزق، وقد غلبت هذه الشقوة الفكرية على عقول بني البشر في زماننا على نحو غير مسبوق، حتى استقر في وجدان الناس بأنهم يرزقون أنفسهم أو يرزقهم أمثالهم من بين البشر، وأنهم يحوزون المال بقدرتهم، وأنهم مستغنون عن خالق الكون والإنسان والحياة، وباسط الرزق لعباده ومخلوقاته، وليس لقوله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها} ليس لهذه الآية أي نصيب في معتقداتهم أو أفكارهم. فصارت عيشتهم أسوأ من عيشة الدواب والبهائم والأنعام، لأن الأنعام تُرزق وتسبح بحمد الله وهي مسيّرة، وأما الإنسان فيرزق ولا يسبح بحمد الله وهو مخيّر، فالأنعام المسيّرة الحامدة خير من الإنسان المخيّر الجاحد. يصدق ذلك قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. وأما الذي دعا إلى مثل هذا الأمر اليوم فقول المدعو محمد البرادعي في مقال له لمجلة أميركية مشهورة في عددها السنوي لهذا العام عن الدول الفاشلة، بأن الشريعة لا تطعم أحدا. ويبدو أن البرادعي وأضرابه لا يقرأون القرآن، وإن قرأوا فهم لا يعون المعاني، وإن وعوا فهم لا يعتقدون ولا يصدقون الدلالات! نعوذ بالله من قلوب عليها أقفالها. ونود أن نسأل البرادعي ومن يسير في ركابه الفكري المنحرف جملة من الأسئلة: من الذي خلق الأرض ووضع فيها خاصية الإنبات وبارك فيها وقدر فيها أقواتها؟ ومن الذي أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها؟ ومن الذي أطعم آدم عليه السلام منذ أن أهبطه الله إلى الأرض ليعمرها هو وذريته من بعده، وأطعم الأجيال التي جاءت بعد جيل آدم وأبنائه إلى يومنا هذا مؤمنهم وكافرهم؟ ومن الذي سيرزق الأجيال القادمة إلى يوم القيامة؟ ومن الذي هيأ اللبن لك في ضرع أمك أيها البرادعي وأنشز لحمك وعظمك لما أخرجت طفلا من بطنها ولم تكن قبل ذلك شيئا مذكورا، وعلمك ما لم تكن تعلم؟ ومن الذي يرزقك اليوم وأنت تتقلب في نعمة الرازق وتجحدها، وتتطاول في فكرك المنحرف على الرزاق ذي القوة المتين؟ ولو كان الأمر بيد غير الله لما سقاك وأمثالك من هذه الدنيا شربة ماء، إذ الجاحد لا يستحق أن يكرم أو يطعم! أخرج الترمذي بسند صحيح عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانتِ الدنيا تعدلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ". ولكن الله يرزق الكافر والمؤمن، والفاسق العاصي والطائع الملتزم، فهو جل في علاه الذي رزق فرعون وهامان وجنودهما المستكبرين الخاطئين، وهو عز وجل الذي رزق موسى عليه السلام وأصحابه المستضعفين المؤمنين، وهو الذي رزق المجوس عبدة النيران والجاهليين عبدة الأوثان، ورزق المسلمين الموحدين، وهو الذي يرزق الأميركيين والأفغان والبريطانيين والأفارقة والفرنسيين والمكسيكان، وهو الذي يرزق حكام المسلمين الجاحدين المتنكرين لشرع الله، وهي الذي يرزق من في الأرض جميعا، فلله خزائن السماوات والأرض، يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، ولكن شتان بين رزق كريم ورزق مهين، وبين رزق حلال ورزق حرام، وشتان بين رعاية الإسلام للرعية واستعباد الرأسمالية وغيرهم لهم وإهمالهم. فالقضية ليست فيمن يطعَم، بل في كيفية تصرف من أجرى الله المال على يديه، أيشكر أم يكفر أيها البرادعي؟

أيها الناس: يوجد شيء مريب ومشبوه خلف قول البرادعي هذا، فليس يقوله عبثا، ولا تنشره أكبر المجلات الأميريكية عبثا، بل إن وراء الأكمة ما وراءها. فقد جاء هذا القول السفيه في وقت يزعم فيه حكام مصر الجدد أنهم يطبقون الشريعة أو سيطبقونها في قابل الأيام، بعد أن توسلوا بالإسلام وتمسحوا به ليكتسبوا ثقة الناس فيفوزا بالانتخابات. والبرادعي يعلم قبل غيره أنهم لا يملكون منهجا لتطبيق الشريعة، ولم يكونوا يملكونه قبل وصولهم إلى الحكم، ولا يسعون البتة لامتلاكه. فلماذا يتهمهم البرادعي بذلك؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ إنه الكيد والمكر من الكفار بالإسلام وأهله، فمن جهة أوصلوا أحزابا إسلامية إلى الحكم وليس في برامجها تطبيق الشريعة، ومن جهة أخرى حركوا عملاءهم من العلمانيين وغيرهم ليعارضوا بقوة تطبيق الشريعة غير المطروح أصلا على جدول أعمال الحكام الجدد، فيكونون قد ضربوا عصفورين بحجر واحد، أجهضوا المحاولات الجادة لتطبيق حكم الشرع بإيصال قوم ليسوا جادين في تطبيقه، ورفعوا صوت المطالبين بحكم الشعب ليوقعوا في روع الناس أن حكم الشعب أقدر على حل مشاكلهم من حكم الشرع، وضربوا على وتر الرزق وجوعة المعدة بشكل غريزي سطحي. فاللهم رد كيدهم إلى نحرهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم.

 

 

(الخطبة الثانية)

 

أيها الناس: إن المشكلة الكبرى والأساسية ليست في دعاة العلمانية كارهي الإسلام أو الجاهلين به، بل هي في دعاة الإسلام الذين لم يدركوا أن الإسلام يعالج مشاكل الحياة كلها وفق نظام رباني فريد، يكفل لحاملي تابعية دولة المسلمين إشباع حاجاتهم الأساسية فردا فردا إشباعا تاما ويمكنهم من إشباع الحاجات الكمالية على أحسن وجه ممكن. ولذلك فإن هذه الجماعات لم تتبنَّ قبل الوصول للحكم أحكاما إسلامية تفصيلية مستنبطة استنباطا صحيحا من كتاب الله وسنة رسوله، فلم نجد في أدبياتهم كتبا تتحدث عن السياسة الداخلية والخارجية لدولة الإسلام، ولم نسمع برأي صحيح حول السياسة النقدية لدولة المسلمين، ولا رأياً حول واردات بيت مال المسلمين وأوجه صرفها، بل لم نسمع أصلا عن رغبتهم في بناء دولة للمسلمين! إنهم لا يثقون بالله ولا بقدرات شعوبهم الفكرية والروحية والنفسية، ولا يفهمون الإسلام وحقائق الأشياء ووقائع الحياة حق الفهم. فتخبطهم هذا وإعراضهم عن تطبيق شرع الله هو الذي أوجد المبرر للبرادعي وأمثاله بالتفوه بما سبق. ونقول للبرادعي وأمثاله: إن الخلافة قائمة لا ريب فيها، وستقطع ألسنتكم بعد أن تذهلكم سيرتُها في رعاية الناس وإطعامهم والإحسان إليهم.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...