اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

صحيفة الزمان: معادلات الاصطفاف المصرية ـ ماهر الجعبري


Recommended Posts

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

صحيفة الزمان: معادلات الاصطفاف المصرية ـ ماهر الجعبري

 

 

 

zaman.jpg

 

2013/06/30

 

 

 

أمام احتدام المشهد المصري، ووصفه بأنه بات مائعا ومفتوحا على كثير من الاحتمالات، يستدعي بعض من يدافع عن الرئيس مرسي الأحكام الشرعية السياسية لتوظيف الاسلام في الدفاع عن حاكم اسلامي تخلى عن تطبيق الاسلام، ويصفون ــ شرعيا ــ ما يجري من الطرف الآخر على أنه خروج على الحاكم يستوجب التصدي الحازم له، وهي فتوى أرادوها في خدمة مرسي، ولكنها في الحقيقة خطيرة عليه الى حد اراقة الدماء هذا المقال يعالج هذه المسألة سياسيا مستندا الى حكم الخروج على الحاكم شرعيا.

 

بداية، لا يمكن القفز على واقع نظام الحكم المصري ودمغه بالاسلام لمجرد أن رئيسه ملتح، وأنه مولود تمخض عن رحم حركة ترفع شعار الاسلام، فلا هو ادّعى أنه أقام نظاما اسلاميا، ولا الحركة التي أنجبته اعتبرت أن الظروف مواتية الآن لاقامة الخلافة.

 

لذلك فان الادعاء التحريضي بأن المعركة في مصر هي بين مسلمين وكفار هي جريمة بحق الوعي قبل أن تكون جريمة بحق الأمة، وبحق من يُدفعون لاراقة الدماء على الطرفين، لأن المسلمين في مصر منهم من هم مع مرسي، ومنهم من هم ضد حكمه العلماني من الزاوية الشرعية، ومنهم من هم ضد نهجه في تمكين حركته من باب التنافسية على كعكعة الحكم بعد الثورة.

 

وهذا الاختلاف السياسي والشرعي والمصلحي الحاصل على الأرض في مصر ليس أساس تصنيف الناس بين مسلمين وكفار، وان كان أساس تصنيف البرامج بين اسلامية وغير اسلامية، فالفرق بين الأشخاص وبين البرامج السياسية بيّن واضح، والا لكان من لم يحكم بما أنزل الله كافرا بلا خلاف، حتى لو كان من حكام ما بعد الثورات في تونس ومصر، وهذه الحقيقة الشرعية تهم هؤلاء الحكام الاسلاميين قبل غيرهم، وخصوصا وهم يطبقون الأنظمة العلمانية ويتبنون الدولة المدنية لا الخلافة.

 

ان القراءة البسيطة والواعية للمشروع السياسي الذي يحمله النظام المصري المتجدد والذي ينفذه يكشف عن تضاد مع المشروع الاسلامي وعن تناقض مع مفهوم الاسلام هو الحل على مختلف الأصعدة والمستويات :

 

1- على مستوى نظام الحكم حيث يرأس مرسي نظاما جمهوريا لا يختلف عن غيره من الأنظمة العلمانية بشيء، ويكافح النظام المصري الجديد ومن يؤيده لتشريع دستور علماني سافر لا يختلف على علمانيته العلماء ولا البسطاء، بل لم يدّعِ أحد أنه دستور اسلامي. ولذلك يتجسد الخلاف حول الدستور في صراع على التمكين الحركي لا على تمكين الاسلام.

 

بل ان مرسي قد وظّف مصطلح لا معقب مما ورد في آية تقرر الحاكمية لله وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لحُكْمه ، فوضعها مرسي في سياق علماني مناقض عندما قال فيها الكلمة للشعب، لا معقب ، مما هي كبيرة على مستوى الوعي الشرعي، اذ ان نظام الحكم الاسلامي يقوم على قاعدة أن السيادة للشرع ، أما العلماني فعلى قاعدة أن السيادة للشعب ، ومرسي حدد قاعدته.

 

2- على مستوى الاقتصاد حيث حافظ النظام المصري على حركية الأموال كما في النظام الهالك بلا أدنى تغيير، فتوجه للمؤسسات الاقتصادية العالمية ــ مثل البنك الدولي ــ التي لا خلاف على أنها مؤسسات هيمنة واغراق لاقتصاديات الدول، وناقض مرسي نفسه عندما سعى لقروض من البنك الدولي بينما كان قد وقف يحرمها عندما كان نائبا تحت شعار الاسلام هو الحل . ثم انه لم يستحضر أي معلم من معالم الاقتصاد الاسلامي، من مثل ارجاع نظام النقد الى قاعدة الذهب والفضة، وهو ظل يغيّب تصنيف الملكيات في الاسلام، وبالتالي ظلّ يحرمهم من الافادة من الملكيات العامة والموارد الطبيعية، وغيّب النظر للأمة كوحدة اقتصادية واحدة تتكامل فيها الموارد وتوزّع على الناس على أساس يحقق حاجيات الأفراد الأساسية كلها.

 

3- على مستوى التحرر من الهيمنة الاستعمارية حيث لا زالت أمريكا صاحبة الأمر في تحديد السياسة المصرية، ولا زال التمويل العسكري الأمريكي يمسك بمفاصل النظام فيها، ولا زالت مواقف مصر على ساحة الأمة تعبيرا واضحا عن أجندة أمريكا في المنطقة، ولا زالت السفارة الأمريكية تصول وتجول في القاهرة، بل وقف مرسي صارما في الدفاع عنها عندما هبت الأمة ضد أمريكا، بل ان مرسي وظّف الأحكام الشرعية لحمايتها عندما اعتبر حرمة دم السفير الأمريكي المجرم كحرمة دم المسلم، بل ان نظامه أراق دماء المتظاهرين المسلمين حماية للسفارة الأمريكية.

 

4- على مستوى العلاقات الدولية والداخلية مع الأمة الاسلامية حيث ظل النظام المصري يتذلل للقوى العالمية والاقليمية المعادية للأمة كما فعل في روسيا، وفي الصين، وكما توافق مع النظام الايراني المجرم، وهو يتحرك على نفس الأرضية التي يتحرك عليها زعماء الحكم الجبري المستبدون بالأمة، وهو يقف في محافل الجامعة العربية وفي غيرها من مؤسسات تمزيق الأمة، على نفس الهيئة التي كان يقف فيها مبارك، ولم يفقه أن السياسة الخارجية في الدولة الاسلامية تقوم على حمل الاسلام رسالة عالمية وحضارية، مع توحيد الأمة في كيان واحد، كمصلحة حيوية للأمة في علاقاتها الدولية.

 

5- على مستوى تبني قضايا الأمة الثورية، وعلى رأسها ثورة الشام حيث تحاقر النظام المصري عندما تصالح مع النظام الايراني واعتبره شريكا في حل الأزمة السورية بينما هو في الواقع شريك في الجريمة ضد ثورة الشام ، وفتح نظامُه قناةَ السويس لعبور التسليح لعصابات بشار التي تقتل الأطفال وتغتصب النساء، وتوافق مع روسيا التي تسند النظام السوري، عندما قال أن مواقفه تجاه سوريا تتطابق مع مواقف روسيا، التي هي مفضوحة ضد الأمة وثورتها. واحتضن مرسي مؤتمر علماء يوجبون الجهاد على أفراد من المسلمين ويتناسون جيوش الأمة ومنها جيش مصر ورئيس مصر كواحد من الأمة.

 

6- على مستوى فلسطين حيث تجاوز حدود تبجح النظام الهالك، فشدد نظام مرسي الحصار على غزة، وأغرق الأنفاق الحدودية بين غزة ومصر بمياه الصرف الصحي، وحافظ على دور العراب بفعالية أعلى من سابقه ــ في توثيق هدنة طويلة مع الكيان اليهودي، وكل ذلك بالتوازي مع توثيق العلاقة مع المحتل اليهودي، عبر رسالة الود الشهيرة للرئيس الاسرائيلي بيرز، وعبر تجديد السفراء، وفتح نظامُه مطارَ القاهرة لاستقبال طائرة حرب يهودية تحمل الوفود الأمنية رفيعة المستوى، اضافة للتنسيق الأمني مع اليهود فيما يتعلق بما يجري في سيناء من مطاردة للجهاديين. وقد كانت مواقف مرسي هذه ــ كحاكم ــ على النقيض من موقفه ــ كثائر ــ عندما كان يتظاهر ضد اتفاقية كامب ديفيد وعندما كان يشارك مع المتظاهرين لفتح باب الجهاد ضد اليهود. وهو تجرأ على قطع العلاقات مع سوريا، بينما يجبن عن قطع العلاقات مع دولة اليهود الأشد اجراما؟

 

7- على المستوى الثوري حيث حاول نظام مرسي صنع استقرار على أرضية نصف الثورة، فيخطف بريقها، ورسّخ بذلك مؤسسات النظام السابق التي ترتد بمخالبها اليوم ضده، ومن ثم ضد من يحمل مشروع التغيير الجذري، ويعرقل بذلك مشروع التحرر الكامل للأمة عبر مسار استكمال الثورة.

 

8- على صعيد الانحياز مع الأمة ضد أعدائها حيث ظل مرسي منحازا لمواقف الحكام ومن خلفهم من القوى العالمية التي تحارب وصول الاسلام للحكم، بل انخرط مرسي في الجهود العالمية للحرب على الارهاب، ورفعه في أعمال القتل في سيناء، بينما هو شعار مفضوح يعني واقعيا الحرب على الاسلام، ورضي مرشي بأن يحمل في رقبته دماء مسلمين فيها، ومنهم من حفظ كتاب الله كما يحفظه مرسي.

 

9- وقبل ذلك كله على مستوى الفكر وتبني الاسلام كحضارة ورسالة عالمية حيث لا يحمل نظام مرسي أي رسالة سوى رسالة مصر الوطنية ، وهو يتغنى بأن مصر للمصريين، ويغيب عنه المشروع الحضاري الاسلامي، في خطابه وتحركاته السياسية والعالمية، اذ يدرك حدود دوره، وخطورة حمل الاسلام على وجوده في الحكم. وعليه، اذا كان النظام المصري الجديد قد ابتعد عن تبني وتطبيق الاسلام كنظام حياة في كل هذه المناحي، فكيف يمكن بعد ذلك الادعاء أن المعركة في مصر هي ما بين مسلمين وكفار؟ وكيف يمكن أن يحشد النظام الوطني معه أبناء الأمة وهو يرسخ عقلية سايكس بيكو ويرضى تمزيق الأمة؟

 

إن الحقيقة الشرعية أنه لو كان مرسي قد بويع اماما للمسلمين ثم قام بهذه الفظائع الشرعية، وعلى رأسها جريمة تشريع الدستور العلماني وهو كفر صراح بواح ، لكان الواجب الشرعي هو التصدي له بالسيف، كما جاء في الحديث النبوي عندما سأل الصحابة عن الموقف من الحكام الفسّاق أفلا ننابذهم بالسيف ، فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، بمعنى اقامة الحكم الاسلامي. مما يعني شرعيا أن الحاكم المسلم اذا بدّل نحو الحكم بأنظمة الكفر العلمانية يتوجب على الأمة أن تقف في وجهه في كفاح مسلح.

 

ولذلك فالأولى بالاسلاميين الذين يدافعون عن شخص مرسي ألا يسّخروا فتوى الخروج على الحاكم لأنها ضده لا معه، ولأنها لو انطبقت عليه، لأوجبت على الأمة الخروج على مرسي بالسلاح، ولكنه اذ لم يُقم دولة اسلامية بداية، لم ينطبق عليه هذا الحكم الشرعي بالكفاح المسلح. وان مسألة الخروج على الحاكم لا تنطبق على واقع مرسي اطلاقا، لا معه ولا ضده.

 

إن الإسلاميين المعتدلين الذين رضوا بنصف ثورة، والذين اعتنقوا الديمقراطية التي تُبيح للقوى العلمانية الكفاح السياسي، لا يصح لهم اليوم أن يستدعوا الاسلام لتوظيفه مرحليا في الدفاع عن مكاسبهم وكراسيّهم، بعدما تركوه بدعوى أن الأمة غير جاهزة لتطبيق الاسلام، ومن باب تجنب المواجهة.

 

وإن دعوى تجنب المواجهة ــ وتبني الديمقراطية ــ تفضح الكلام الممجوج على ألسنه من يصنّفون أنفسهم أنهم دعاة لا قضاة عندما يقولون من يرشّ مرسي بالماء نرشه بالدماء ، في كلام يفيض حقدا واستخفافا بوعي الأمة، وخصوصا أن من قالها رضيَ بأن يُرشّ الاسلامُ بالدماء ويُتخلى عنه في الحكم، ولم يردّ على تلك الجرائم ولو برشة ماء.

 

إن وصول الإسلاميين دون ايصال الإسلام للحكم سيُبقي الأمة في حالة القلاقل والفوضى السياسية، ولن يمكّن الناس من تذوق حلاوة الأنظمة السياسية والاقتصادية الإسلامية عندما تطبق فعليا على الأرض، ويُجرم من يصوّر ما يجري في مصر على أنه صراع من أجل ذلك النموذج الغائب مرتين مرة وهو يضلل حول واقع الحكم العلماني الحالي، ومرة وهو يخذّل حول مستقبل النظام الاسلامي المشرق.

 

ولذلك لا يمكن للمسلم أن يُدفع للاصطفاف مع مرسي، والمسلم الواعي لا يصطف أصلا مع العلمانيين ممن يتصدون لمرسي على أساس المصلحية الحركية والتنافس على النفوذ وعلى كعكعة الحكم، بل يجب على كل مخلص أن يدفع مشروع الأمة الحضاري المتمثل في الخلافة الى واجهة الصراع الفكري والكفاح السياسي، ليكون احتشاد الأمة مع الفكرة قبل الأحزاب، ومع الخلافة قبل الحركات، وهو ما يقتضي اعادة تحديد علاقات الاصطفاف، وبروز موقف شرعي يعبر عن الأمة وغايتها لا عن الحركات ومصالحها.

 

 

 

المصدر : صحيفة الزمــــان

 

 

 

21 من شـعبان 1434

الموافق 2013/06/30م

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...