اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

حامل الدعوة: بين النزوع إلى الكمال والكيس المثقوب


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حامل الدعوة: بين النزوع إلى الكمال والكيس المثقوب

 

 

إن من تمام فضل الله على خلقه أن منّ عليهم بنعمة الإسلام فنقلهم بها من دركات الحيوانية و تشعب الأهواء البشرية و هرطقات الفلسفات النظرية إلى سمو القيادة الفكرية الإسلامية و إستقامة الميول النفسية و إستنارة الأحكام العقلية فكانت شخصياتهم محورا تدور في فلكه العباد كما وصفهم رسول الله (ص) إذ كان يحث الناس على التأسي بهم, يقول رسول الله (ص) "عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " كما يقول أيضا في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن حذيفة قال: كنا عند النبي (ص) فقال إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فإقتدوا بالذين من بعدي و أشار إلى أبي بكر و عمر و إهتدوا بعدي عمار و ما حدثكم إبن مسعود فصدقوه".

 

نعم كانت كذلك شخصياتهم لصلابة أصلها الذي بني على العقل فجاءت الآيات و الأحاديث تحرك القدرة الواعية في الإنسان موجهة إياها إلى ملكوت السماوات و الأرض. يقول تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191).

 

هذا الأصل المتين سمى و إرتفع بكل من إعتنقه فنقل بذلك المستوى العقلي لدى الناس من البلادة إلى الرقي فبعد الإيمان الوجداني و التقليد الأعمى صار الإيمان بالمغيبات عقليا يقينيا فآمن الناس بحقيقة وجود الله و أن محمد رسول الله و القرآن كلام الله بالدليل العقلي المطابق للواقع, و آمنوا أيضا بالبعث و النشور و هنالك حياة أخرى خالدة إما في الجنة أو في النار بنصوص قطعية ثابتة بأدلة عقلية فتشكلت بذلك عندهم قاعدة فكرية صلبة قاسوا عليها كل فكر فأمِنُوا بذلك سفاسف الأمور و حقارة الأفكار. كما إتسمت هذه القيادة الفكرية بإستقامة منهجها فبعد أن إستيقن الناس أن للكون و الإنسان والحياة خالقا أوجدها و أن ما بعد الحياة الفانية حياة خالدة باقية صار حينها لوجودهم معنى و تصورا مفاده الإستقامة على نهج الرحمان شريعة ربانية سمحة فإندفعوا ينهلون من رسولهم الكريم r سبل الفوز و النجاة فقد روى الإمام مسلم أن سفيان بن عبد الله الثقفي جاء رسول الله r يوما فقال: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال صلى الله عليه و سلم قل أمنت بالله ثم إستقم.

 

هكذا أقبل الصحابة على الحياة الدنيا متمتعين بطيبها أخذين بأسبابها مقياسهم في ذلك الحلال و الحرام موجهين أعمالهم بأوامر الله و نواهيه يبتغون من وراء ذلك رضوان الله. وبذلك صار تصوير الحياة عندهم مختلفا فليس هو النفعية الهابطة التي تصور الحياة كلها منفعة مادية إنما هو عبادة لله و إذعان بوصلتهم في ذلك الحلال و الحرام و قمة سعادتهم عندهم رضوان الله عنهم.

 

ولكن القيادة الفكرية الإسلامية لم تكن رتيبة جامدة سرعان ما تتآكل و تخبو بل كانت حية فهي تنمو و ترتقي.

 

- فنموها ظاهر في سرعة إنتشارها حيث جعلت هذه العقيدة من معتنقها حامل دعوة يصل الليل بالنهار لتعم فكرته الأرض فأصلها العقلي و معالجاتها الموافقة لفطرة الإنسان يجعلانها طرازا يلائم البشرية جمعاء فيندفع بها حاملها كاسرا بها كل الحواجز مكافحا مناضلا ما دونها من الأفكار و المعتقدات و بذلك تكون هذه العقيدة قد ضمنت لها و لحاملها الحياة الدائمة و الإنتشار الواسع ما دامت الأرض و السماوات.

 

- أما إرتقاوءها فهي بعد أن تشرك عموم الناس في النهوض حينما يسيرون سلوكهم بأوامر الله و نواهيه فيؤدون الفرض و يمتنعون عن الحرام تفتح لهم الأبواب ليتنافسوا و يسموا بشخصياتهم نازعين بذلك نحو الكمال و ذلك بالإقدام على المندوبات و الإحجام عن المكروهات و حينها لا يسع الارتقاء حصر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى قال من عادي لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه )رواه البخاري

 

يقول تعالى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ". وعليه فإن من تجسدت فيه هذه الحيوية سيكون فيه بعض من النبوة إن لم نقل كثير و عليهم يتنزل نصر الله كما يقول (ص): ... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت."

 

فقد كان رسول الله (ص) قرآنا يمشي بين الناس مؤتمرا بأوامر الله ومنتهيا عن نواهيه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر قواما بالليل صوّاما بالنهار و هو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنب و ما تأخر حتى تتقرح قدماه الشريفتين فيجيب حينها سائله المستغرب أفلا أكون عبدا شكورا.

 

و إنه و قد نذر ثلة من المخلصين أنفسهم و أموالهم لقاء حمل الدعوة الإسلامية لإنهاض الأمة الإسلامية على أساس الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فإنه تحوم حولهم شوائب وجب التنبه لها والربا عنها كما تميزهم مميزات فحامل هذا الفكر المستنير لا يسعه ان يبقى حبيسه كما أسلفنا فهو الداعي إلى الله مثله كمثل البنّاء يشيّد العمران. و بناءه هذا سيكون إمّا مرغّبا ناظريه لإرتياده أو منفرا عنه. فالثغرة لا أشد على ظهورها منها و هي في البناء الجميل فالقميص الأبيض إن حلت به شائبة لا تكاد ترى إلا هي. وعليه فإنه لا يجوز لمن كان هذا حاله و عمله ما يجوز لغيره لأنه إرتضى لنفسه عمل الأنبياء فلا يسعه إلا أن يكون أحد إثنين ضرورة: إما بانٍ و إمّا هدّام و لا شئ بينهما و لذلك جاءت النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية تنزع بهذا المخلوق نحو الكمال حيث يقول تعالى: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً " قال إبن عطية كان أبي رضي الله عنه يقول في قوله أحسن عملا: أحسن العمل أخذ بحق و إنفاق في حق مع الإيمان و أداء الفرائض و إجتناب المحارم و الإكثار من المندوب إليه و قوله تعالى:" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ". فالمفضالة هنا ليست بين عمل حسن و عمل سئ بل هي بين عمل حسن و أحسن منه, فأحسن على وزن أفعل و هو أسم تفضيل. يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: "قدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعيا للعمل من نصب موته بين عينيه فقُدٍّمَ لأنه فيما يرجع إلى الغرض المَسُوق له الآية أهم" و قال إبن عمر تلا النبي r تبارك الذي بيده الملك حتى بلغ أحسن عملا فقال (أي رسول الله r ) أورع عن محارم الله و أسرع في طاعة الله. و يقول تعالى: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" أي سارعوا إلى الطاعات و الآيات في ذلك كثيرة مستفيضة تحث الإنسان على الإستزادة من الطاعات رغبا في رضى الله.

 

ولكن حامل الدعوة و هو حامل رسالة أو قل وريثا للنبوة قد يتغافل عن أشياء أو قد يقوم بأشياء يعدها من المباحات أو المكروهات تجره إلى المحرمات فيفسد حينها و يهدم ما بناه كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا, يقول تعالى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا". فقد يكون حامل الدعوة هكذا حاله فقد يتصل و يناقش و يتقصد الناس ثم يقوم بأمر لا بأس فيه فيوقعه بما به بأس فيفسد عمله و يحبط و لذلك عليه بالحذر الشديد من الوقوع في هذا الأمر لأن حاله حينها كمن له كيس مثقوب كلما ملأه صاحبه كلما زاد الثقب إتساعا و إنخراما و كلما طال الزمان كلما فقد من ما ملأه الكثير و عليه فلينظر كل واحد منا كيف هو حال كيسه و حال الثقب الذي فيه فإن كان مثقوبا فليستبدله و إلا فليحافظ عليه و يحول دون إنثقابه فلا يحقرن أحد الثقب مهما قل أو صغر. يقول الشاعر:

 

خل الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك التقى

 

و أصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

 

و لا تحقرن صغيرة فإن الجبال من الحصى

 

ولذلك فإن حامل الدعوة قد يجد نفسه و هو يتحاشى الهدم أثناء البناء بصدد ترك ما لا بأس به حذرا من الوقوع فيما به بأس. فعن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله (ص)لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس" رواه الترمذي و قال حديث حسن.

 

هكذا كانت القيادة الفكرية الإسلامية و هكذا يكون حامل الدعوة في حلكة هذا الزمان الذي إصطبغ بصبغة الغرب الفاسدة ,و من أفسد من الغرب صبغة, نبراسا ينير عتمة الأفكار المظلمة مصطبغا بصبغة الإسلام النيرة صبغة الله و من أحسن من الله صبغة.

 

 

بقلم طارق الزروي

 

25 من شوال 1434

الموافق 2013/09/01م

http://www.ht-tunisie.info/info/index.php/contents/entry_237

ـــــ

حزب التحرير حي التضامن

ـــــ

Aboou Sajed

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...