اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

التناقض بين الديمقراطية والليبرالية،


أبو مالك

Recommended Posts

التناقض بين الديمقراطية والليبرالية،

 

الديمقراطية الحديثة، أساسها فكرة منع تحكم الأقلية في الأكثرية، وفكرة تداول السلطة، وفكرة أن الشعب مصدر السلطات، فعلى سبيل التشريع ينبغي للتشريع أن يكون نتاج رأي الأكثرية، وعلى سبيل التنفيذ ينبغي للسلطة... أن تكون ممثلة لرأي الأغلبية ومنتخبة من قبل الأغلبية، وعلى سبيل القضاء والقوانين ينبغي أن تكون ممثلة لرأي الإغلبية وإلا فإن فشلت في شيء من هذا فإنها تنقلب من ديمقراطية إلى أوليغارخية، أي تصبح أداة لتكريس تحكم الأقلية في الأغلبية. فالديمقراطية إذن نقيض ما يسمى بالأوليغاريخية أي تكريس حكم الأقلية، هذه الديمقراطية وهي تحاول منع تكريس حكم القلة، لا تنظر إلى تكريس وحماية حقوق الأفراد والأقليات، وحرياتهم، لأنها تخلو من الضمانات التي تمكنها من تحقيق ذلك، بمعنى آخر، فإن رأت الأكثرية ضمان حقوق الأقلية كان لهم ذلك، وإلا فلا، فالأكثرية هي التي تتحكم، بغض النظر عن الرأي الذي تخرج به وعلى الأقلية الخضوع لرأي الأكثرية وإن أجحف بحقها، وعلى الأفراد الخضوع لحكم الأكثرية وإن منعهم بعض ما يرونه حقوقا لهم.

إن واقع الحال أن امتناع الأقلية عن التصويت في الانتخابات، أو فوز الأكثرية في تشريع أمر رفضته الأقلية المعارضة لهذا التشريع، يعني أن الأقلية تخضع لحكم الأكثرية، وبالتالي فإن قوام الديمقراطية يقوم على أساس إخضاع الأقلية لحكم الأكثرية لا ضمان حقوق الأقلية ولا أن يمثل القانون الذي يجري التصويت عليه ما يرى فيه الأقلية حقوقا لهم، فلو رأوا فيه ضمانة لحقوقهم لصوتوا له، وبتصويتهم للرأي النقيض فإن ما رأوه من حق لهم في الرأي النقيض لا يحققه الرأي الذي تم التصويت له، وبالتالي فالديمقراطية لا يمكن أن تضمن حقوق الأقلية ولا أن ترعى مصالحهم، بل عليهم الخضوع لما رأته الأكثرية بغض النظر عن صوابية الرأي الذي رأته الأكثرية أو خطئه، لأن المعيار الوحيد المراعى هو أن يمثل رأي الأكثرية.

لذلك احتيج في الغرب إلى الليبرالية، التي تقوم على حماية حقوق الأفراد والأقليات، لذلك يفرق بين الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية اللاليبرالية.

لاحظ أيها القارئ الكريم أن الديمقراطية تحارب ديكتاتورية القلة، وأن الليبرالية تحارب ديكتاتورية الكثرة، لذا والفوا بينهما هذه الموالفة العجيبة ببدعة: الديمقراطية الليبرالية!

وهذا من فذلكات اللعب بالألفاظ حين يظهر عوار نظام ما، فتجد أنهم يسندونه بنقيضه كي لا يظهر بمظهر النظام المجحف، فمن السماجة بعد أن نَظَّرَ المنظرون للفكر الديمقراطي ما نظَّروه أن يتبين لهم أن هذا النظام ديكتاتوري في حكمه على الأقليات، وأنه لا يضمن لهم أي حق، ويخضعهم لرأي الأغلبية، وإن كان فيه تعديا على حرياتهم، أو على رغبتهم بتشريع آخر أو رئيس آخر ينتخبونه، لذلك لم يجدوا بُدَّاً من ترقيعه بنقيضه، وهو مذهب الفردية، أي الليبرالية، فكيف سيتم التزاوج بين مذهب يحارب الفردية ويحارب تحكم القلة، مع مذهب يمنع الكثرة من الاستئثار بمقاليد تشريعات أو نظم تمنع الأقليات أو الأفراد حقوقهم وتجبرهم على الخضوع للأكثرية!!

فالديمقراطية قد تحد من حريات الفرد أو الأقليات إن خولتها الأكثرية بهذا، أي إن اقتضتها ظروف المجتمع إلى هذا، لكن الليبرالية التي تقوم أساسا على ضمان الحريات، والمساواة أمام القانون، تلجم الديمقراطية من ذلك.

والليبرالية تضمن للأفراد حرياتهم، ولكن الديمقراطية تلجمها في حال تعارض هذه الحريات مع رأي الأغلبية! فلئن رأت القلة ضرورة إباحة التدخين في الأماكن العامة، ورأت الكثرة ضرورة منعه، فإن الديمقراطية تقضي بفرض منعه، والليبرالية تقضي بفرض إباحته حتى لا يلجم الأقلية، فكيف سيتزاوج المذهبان إذن؟ وكيف سينتج لنا هذا التناقض ديمقراطية ليبرالية؟؟

لذلك يمكن لليبرالية أن توجد في ظل حكم أقلية، طالما أن حريات الافراد مضمونة، ومساواتهم أمام القانون مراعاة،

ويمكن للديمقراطية أن توجد بلا ليبرالية، فكل فكرة منهما تبغي إلى تحقيق غرض، وهي لا تملك المقومات الذاتية في فلسفتها لضمان أساس ما قامت عليه الفكرة الأخرى، فليس من مقومات الديمقراطية ضمان المساواة أمام القانون، ولا ضمان الحريات، إلا إن رأت الأكثرية ذلك، لأن فكرتها الأساس تقوم على منع تحكم القلة في الكثرة، وفكرة تداول السلطة، ولهذا فقد زاوج بعض المفكرين بين الديمقراطية والليبرالية، بما يسمى الديمقراطية الليبرالية.

وحين نقول بأن فكرتها الفلسفية لا تقوم على أساس ضمان مساواة الأفراد أمام القانون مثلا، فإن هذا لأن الفكرة الأساس التي قامت عليها إنما هي لتحقيق أن تكون السلطات للشعب، فإن رآى شعب أن يحكم بقانون لا يكترث بحقوق العبيد والنساء والمحكومين والعسكريين، فلا حق لهم في التصويت، ولا حق لهم في اختيار القوانين التي تسودهم، ولا يعدل القضاء بينهم لأنهم عبيد أو لأن المجتمع ينظر إلى أن إنسانيتهم ناقصة، فإن هذا سيسري عليهم، ومثاله أثينا في ديمقراطيتها المباشرة التي منعت العبيد والنساء والمحكومين من ممارسة أي من هذه الحقوق، ومع هذا فهي دولة ديمقراطية بامتياز، ومثاله أيضا أي دولة ديمقراطية اليوم تمنع أطيافا من المجتمع من ممارسة ذلك الحق، لاعتبارات سياسية أو ثقافية، فالقانون المصري اليوم على سبيل المثال يمنع الجنود، ومن هم دون سن الثامنة عشرة والمحكومين، ومن لم يكن مصريا لأكثر من خمس سنوات من أن يصوت في الانتخابات، فما الفارق بين من بلغ الثامنة عشرة مثلا ومن هو بالغ عاقل في السادسة عشرة من عمره؟ ولهذا فإنه من بين الخمسة والتسعين مليونا الذين يمثلهم سكان مصر من المصريين، تجد أن ما يقارب الخمسة والأربعين مليونا محرومين من ممارسة حق الانتخاب!.

 

https://www.facebook.com/ThaerA.Salameh

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...