اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقارنة بين الشعر والقرآن الكريم، سورة العاديات مثالا


Recommended Posts

مقارنة بين الشعر والقرآن الكريم، سورة العاديات مثالا:

 

الشعر العربي كنز عظيم للخيالات والصور والحركة والإيقاع والموسيقى والصخب وما شاكل

تأمل عندما أراد أحد أعظم شعراء العربية على الاطلاق امرئ القيس أن يصف حصانه

ولقد أغتدي والطير في وكناتها... ************* بمنجرد قيد الأوابد هيكل

مكر مفر مقبل مدبر معا **************** كجلمود صخر حطه السيل من عل

الرجل يصف حصانه وحركته في ساح الوغى

يقول أنه يغتدي ولما تزال الطيور في أعشاشها على حصانه الذي يسميه قيد الأوابد أي الموت الزؤام،، حركة هذا الحصان أنه يكر ويفر ويقبل ويدبر

وينحدر سريعا كما صخرة عظيمة تنحدر من شاهق يدفها السيل فلا يستطيع أحد إيقاف اندفاعه،، وحتى يكون البيت جميلا كان لا بد من الموسيقى المصاحبة للمشهد

فجاء امرء القيس بكلمات تحاكي ركض الخيل وأصلا اختار البحر العروضي الذي نظم البيت على أساسه موافقا لركض الخيل فقال:

مكر،، مفر،، مقبل،، مدبر

ولو قرأتها محاولا أن تحاكي ركض الخيل لرأيتها كصوت حركة الحصان في جريه

فالبيت يعطيك الصورة الحية لحصان يركض في المعركة يكر ويفر ويقبل ويدبر في حركة واحدة مناورا.

تلاحظ خلو البيت من الألوان وخلوه من غير صورة واحده هي صورة حركة الحصان يقبل ويدبر، وقوة اندفاعه التي صورها بصورة الصخرة المنحدرة من عل.

هذا البيت على جماله تعال نقارنه بعشر كلمات من القرآن الكريم في الموضوع نفسه لترى الفرق الهائل في الأسلوب والبلاغة:

يقول الحق سبحانه:

﴿والعاديات ضبحا ** فالموريات قدحا ** فالمغيرات صبحا ** فأثرن به نقعا ** فوسطن به جمعا﴾

أحص عدد كلمات البيت السابق تجدها عشرا وعدد كلمات هذه الآيات تجدها عشرا

هذه العشر كلمات ماذا حوت من طاقة بلاغية؟؟

أولا يقسم الحق سبحانه بالعاديات وهي الخيل التي تعدو منطلقة لساحة المعركة،، والقسم جاء بصيغة اسم الفاعل:والعاديات ضبحا

والضبح النفس الحار الذي ينطلق من أنف الحصان وهو يركض مسرعا، ولما كان الوقت صبحا قبل أن تشرق الشمس وما في ذلك الوقت من برد الصباح

كان يصاحب ركض الحصان البخار المتصاعد من فمه وتحس هنا صورة حصان يركض وهو ضبح

والضبح: صوت أنفاسها إذا عدون. وعن ابن عباس أنه حكاه فقال: أح أح. قال عنترة:

وَالْخَيْلُ تَكْدَحُ حِينَ تَضْـــ ********* ـــبَحُ فِي حِيَاضِ الْمَوْتِ ضَبْحَا

والضبح يكون مع العدو

الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدت، وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة، ولكنه صوت نفس،

وفي اللسان: قال أَبو إِسحق: ضَبْحُ الخيل صوت أَجوافها إِذا عَدَت؛ وقال أَبو عبيدة: ضَبَحَتِ الخيلُ وضَبَعَتْ إِذا عدت، وهو السير؛ وقال في كتاب الخيل: هو أَن يَمُدَّ الفرسُ ضَبْعَيْه إِذا عدا حتى كأَنه على الأَرض طولاً؛ يقال: ضَبَحَتْ وضَبَعَتْ.

وضَبَحَ القِدْحَ بالنار: لَوَّحَه،، وضَبَحَتْه الشمسُ والنار تَضْبَحُه ضَبْحاً فانْضَبَحَ لَوَّحته وغيَّرته؛ وفي التهذيب: وغَيَّرَتْ لونَه.

 

فعند خروج هذا الصوت من أجوافها وهي تركض في الصباح لا بد سيخرج البخار مع هذه الأصوات والأنفاس.

إذن فهذا الركض فوراً يصبح جريا ومشيا وصوتا.. وفيه نار أيضاً وشرار

ومن جماليات استعمال الألفاظ:

﴿والعاديات ضبحا﴾

يبدو أن العدو في الاصل تجاوز الحد، و يسمى العدو عدوا لأنه يتجاوز الحد في معاملته، و منه العدوان لأنه تجاوز للحق، و السرعة القصوى في المشي تسمى عدوا لأنها ايضا تجاوز للحد.

و هكذا قالوا في الخيل سميت العاديات لاشتقاقها من العدو، و هو تباعد الأرجل في سرعة المشي

اما الضبح، فقالوا: انه التنفس بقوة، و قيل: انه حمحمة الخيل، و الأقرب عندي: تغير الحال أو تغير اللون، و يقال: انضبح لونه إذا تغير، و لعله لذلك يسمى الرماد ضبحا لأنه يتغير لونه من أصله، وإنما تسمى الخيل ضابحة إذا تغير من العدو حالها مما ظهر على لونها و تنفسها و حمحمة صوتها

كانت الخيل تعدو بسرعة، و لكن من دون صهيل، و كانت الحركة في الليل - فيما يبدو - حيث تتطاير الشرر من حوافرها التي تحتك بالحصى، مما يظهر أن الارض كانت وعرة، فجاء السياق يقسم بها و هي تنساب بين الصخور في رحم الظلام.

﴿فالموريات قدحا﴾

عندما يركض هذا الحصان أو هذه الخيل المنطلقة للمعركة تنقدح الأرض تحت حوافرها من شدة الركض وقوة الانطلاق

فيتطاير الشرر من تحت الأقدام والفاعل في قدح هذا الشرر هو الخيل نفسها من قوة حوافرها وسرعة انطلاقها،، كما ينبيك هذا عن وعورة الأرض التي تستجيب لهذا الركض القوي بأن تنقدح شررا من تحت هذه الحوافر، وعندما نقول وعورة الأرض في وصف هجوم مباغت في معركة تتخيل أن المهاجمين سلكوا طريقا لا عيون عليها وعرة تحقق عنصر المباغتة، وهو ما يخدم النص، إذ عادة ما تكون الطرق التي تؤدي إلى مرابع القوم ممهدة وغيرها غير ذلك.

﴿فَالمُورِياتِ﴾ توري نار الحباحب وهي ما ينقدح من حوافرها ﴿قَدْحاً﴾ قادحات صاكات بحوافرها الحجارة. والقدح: الصك. والإيراء: إخراج النار. تقول: قدح فأورى، وقدح فأصلد،

﴿فالمغيرات صبحا﴾:

وقت إغارتها على العدو هو الصباح الباكر وما فيه من عنصر المباغتة

ومعنى الإغارة في اللغة الإسراع، يقال: أغار إذا أسرع وكانت العرب في الجاهلية تقول: أشرق ثبير كيما نغير. أي نسرع في الإفاضة.

﴿فأثرن به نقعا﴾

عندما توسطت جموع ومرابع العدو في أرضه وعقر داره صبحا أثرن النقع أي الغبار

والغبار يسمى نقعاً لارتفاعه، وقيل: هو من النقع في الماء، فكأن صاحب الغبار غاص فيه، كما يغوص الرجل في الماء.

فتتخيل هنا قوما نائمين باغتهم عدوهم وهم في غفلة من أمرهم وتوسط بخيله مرابعهم وأثار الغبار في وسط المرابع والشرر يتطاير والأنفاس تلهث ويتصاعد البخار من الخيل التي تعدو وهي تحمحم

ويجوز أن يراد بالنقع: الصياح، من قوله عليه الصلاة والسلام "ما لم يكن نقع ولا لقلقة" وقول لبيد:

فَمَتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صَادِق

أي: فهيجن في المغاز عليهم صياحاً وجلبة.

وهذا يعطي بعدا صوتيا آخر تسمع صراخ النساء الثكالى والخائفات وعويل الأطفال المباغتين.

﴿فوسطن به جمعا﴾

أي توسطت جموع العدو وقت الصبح وباغتتهم

صورة معركة كاملة من ألفها إلى يائها في عشر كلمات

تثير الخيال لترى:

الألوان:

الشرار المنقدح، والبخار المتصاعد من الخيل، والغبار، والصبح الذي محت بشائره الأغبرة المتصاعدة من أرض المعركة،، والخيل التي تغير لونها من جراء العدو الشديد

الموسيقى:

ترى وقع الخيل وحركتها في فاصلة كل آية:

﴿ضبحا﴾

﴿قدحا﴾

﴿صبحا﴾

﴿نقعا﴾

﴿جمعا﴾

لو قرأتها كما ركض الخيل لرأيتها تحاكي ركض الخيل

 

بل إن كل آية تحاكي طريقة الحصان في الجري:

﴿والعاديات ضبحا﴾

انبساط فانقباض كخيل تطوي أرجلها مجمعة إياها معا ثم ترسلها مسرعة في حركة الخيل ويا ليتك معي لأسمعك كيف تقرأها وتتحسس موسيقيتها المحاكية لركض الخيل

لاحظ كذلك أمرين:

أولهما: العاديات فيها مد طبيعي حركتين ثم قدحا كأنما تخطف الكلمة خطفا، وهذا يجسد ركض الخيل بدقة

وثانيهما أن هذه الآيات التي تصف العدو والهجوم وتوسط مرابع العدو جاءت خاطفة سريعه تستثير الخيال وتسرع في الانتقال من مسهد إلى مشهد أو لنقل من عنصر من عناصر الصورة إلى عنصر، بينما ما جاء بعدها من آيات كلها تحوي المد لأنها موضع تأمل

إن اللإنسان لربه لكنووووووووووووووووووووود

وإنه على ذلك لشهيييييييييييييييييييييييييييييييييد

وإنه لحب الخير لشديييييييييييييييييييييييييييييد

فهذه المعاني تتطلب التأمل فتقرأها على نهل لتحس بها

ثم من الموسيقى أيضا ائتلاف الكلمات وتناسقها الرهيب

﴿فالموريات قدحا﴾

﴿فأثرن به نقعا﴾

لاحظ أن إثارة النقع تناسب كلمة أثرن به نقعا كلمة النقع

وحسن اختيار كلمة أثرن ولم يقل فهيجن به النقع مع أن معنى الكلمتين واحد يقال أثرت الثور أو هيجته

ولاحظ ما في كلمة أثرن من جمال كأنها تعمل ثورة في قلب هذا الغبار لتستخرج مكنوناته وتثيره ليرتفع للأعلى ليزيد من مأساة القوم المباغتين

ثم إن استعمال القسم على صورة اسم الفاعل له من الجمال ما لا يخفى

فإن قلت: علام عطف﴿فأثرن؟﴾قلت: على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه؛ لأنّ المعنى: واللاتي عدون فأورين، فأغرن فأثرن.

﴿والعاديات﴾

الواو للقسم،، العاديات قسم بصورة اسم الفاعل، أو لنقل الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه،، العاديات أي التي تعدو: فالقسم: والخيل اللاتي عدون...الخ

واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به، ذكر المقسم عليه وهو أمور ثلاثة:

﴿إن الإنسان لربه لكنود﴾

﴿وإنه على ذلك لشهيد﴾

﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾

فأثرن: الفاء فاء العطف، العطف على ماذا؟ أثرن: نحن ليس عندنا فعل مسبق، عندنا: والعاديات ضَبحا، فالمورِيات قَدحا، فالمغِيرات صُبحا..

فأثرن عطف على ماذا؟ باعتبار أنه اسم الفاعل يقوم مقام الفعل، يعني: فأورين قدحاً (العاديات)، أورين قدحا وأغرن صبحا فأثرن نقعا.. أليس كذلك؟ على اعتبار أنه فعل واسم فاعل، وكل واحد يقوم مقام الآخر بالنسبة للعكس، فأثرن به نقعا بأي شيء؟ ضمير، ومرجع الضمير معناه مثلما يقولون، يعني: فأثرن بالإيراء والعدْو والغارة (بهذه الأعمال التي حصلت).. أثرن بهذا الشيء نقعا

هذا من جماليات القسم الذي قام اسم الفاعل فيه مقام الفعل

فلك أن تتخيل هذا الغبار والنقع الذي تثيره خيل تعدو تصهل وتغير

كم سيكون في مقدور العدو أن يستعد للحرب؟

مباغتة وهذا المشهد الصاخب المثير!!

البلاغة أن يترك لخيالك العنان أن تتفكر وتقدر وتتصور ما سيحصل بعد ذلك

لا أن يأتي لك بالكلام مقولبا جاهزا

البلاغة أن يستثير انفعالاتك وإحساسك ومخيلتك بأسلوب رهيب

فالألوان والموسيقى والمشهد كل ذلك يعتبر قطعه فنية بالغة الروعة والدقة

كذلك من كنوز الآيات التي يجدر بنا الوقوف عليها:

أنه تعالى إنما أقسم بالخيل لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب، فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر، فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة، وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو، ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين، فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين، وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر، بل لهذه المنفعة، وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله:

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة.

﴿فالموريات قدحا﴾ وقال مقاتل: يعني الخيل تقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار الحباحب والحباحب اسم رجل كان بخيلاً لا يوقد النار إلا إذا نام الناس، فإذا انتبه أحد أطفأ ناره لئلا ينتفع بها أحد. فشبهت هذه النار التي تنقدح من حوافر الخيل بتلك النار التي لم يكن فيها نفع

وقيل: هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة، روي ذلك عن ابن عباس، ويقال: لأقدحن لك ثم لأورين لك، أي لأهيجن عليك شراً وحرباً، وقيل: هو المكر إلا أنه مكر بإيقاد النار ليراهم العدو كثيراً، ومن عادة العرب عند الغزو إذا قربوا من العدو أن يوقدوا نيراناً كثيرة، لكي إذا نظر العدو إليهم ظنهم كثيراً وسادسها: قال عكرمة: الموريات قدحاً الأسنة.

وهذا يعطينا بعدا آخر لوصف هذه المعركة يتضمن التخطيط والمكر والخديعة.

طبعا سياق الآيات يكتمل بمعرفة ما يأتي بعدها إن الانسان لربه لكنود السورة

ويكفي هذا مقارنة بين عشر كلمات صورت معركة كاملة وبين بيت أحد أشعر شعراء العرب المفلقين

وعموما ما ذكرته هو غيض من فيض مما تناوله الاستاذ محمد المبارك رحمه الله في كتاب عن التصوير الفني في القرآن ومن تفسير الزمخشري والرازي وغيرهما

فمزج الطاقة العربية بالطاقة الإسلامية أن يأتي بك وقد استثار خيالاتك ووضعك في أجواء بلاغية راقية

ليقول لك بعد ذلك

﴿إن الإنسان لربه لكنود﴾... الآيات وما فيها من تفكر وتدبر

ثم بعد ذلك: ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور﴾

تأمل الفعل بعثر

هؤلاء الأموات الذين في قبورهم تبعثر محتويات هذه القبور لإخراجها إلى البعث وما في ذلك التصوير من هول وتخويف

﴿وحصل ما في الصدور﴾

كأنه لا يبقي ولا يذر فيأـي على كل صغيرة وكبيرة في هذه الصدور ليحصلها تحصيلا

﴿إن ربهم بهم يومئذ لخبير﴾

خبير كيف يحاسبهم وأين يضعهم

فهنا مزج الطاقة العربية بالطاقة الاسلامية جلي واضح

الغاية من هذه الصورة تخويف الناس من عاقبة أعمالهم وأنها ستحصى عليهم

تحصل تحصيلا

وأن مآلهم إلى القبور حتى إذا كانوا فيها بعثرت من حولهم ليقوموا للحساب

 

 

 

عن صفحة :

 

 

إعجاز القرآن الكريم - فأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ Miracles Of The Quran

 

https://www.facebook...eQuraan.Miracle

تم تعديل بواسطه عبد الله العقابي
رابط هذا التعليق
شارك

لو لم ينزل من القرءان الكريم الا العاديات لكفت مؤنة الاعجاز. فكلما قرأتها مراعيا فهم المعاني وتصور الصورة التي تحكيها الايات ينتابني شعور ايما شعور بمدى اعجاز القرءان. سبحان الله!!!

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...