فاللغة اللغة يا قوم

[عبد الله العقابي]

إعجاز القرآن لغوي بياني

 

 

شهد القرآن لنفسه أنه بلسان عربي مبين، وتحدى العرب أن يأتوا بحديث مثله، ولذلك لا بد لدارس إعجاز القرآن أن يكون متمكناً من اللغة بفروعها، ومطلعاً على كثير من كلام العرب شعره ونثرهم ليدرك الفرق بين نظم القرآن ونظم باقي البشر من المتكلمين باللغة العربية.

 

هذا شهادة أحد بلغاء العرب وفصحائهم في القرآن الكريم، وهو الوليد بن المغيرة، يقول:

 

(وماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم با...لشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني ولا بشاعر الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته).

 

ونحن المسلمون اليوم، نعاني من الضعف الشديد في اللغة العربية، وكل ذلك بسبب السياسات التعليمية المطبقة في بلاد المسلمين، والتي يراد منها صرف المسلمين عن كتاب ربهم وعن لغة كتابه سبحانه وتعالى.

 

ولا يمكن فهم تميّز القرآن في نظمه عن نظم البشر بدون اللغة العربية، ولعل هذا يفسر قلة مشاركات الإخوة والأخوات القراء في هذه الصفحة، ولعل كثيراً منهم يكتفي بالقراءة، ولعل أحدهم يقول: وماذا علينا أن نفعل؟ والجواب بكل بساطة أننا لا بد أن ندرس اللغة العربية، وأما عن أبنائنا، فلماذا يسعى أكثر الناس لأن يدرسوا أبناءهم المواد العلمية، خاصة الطب والهندسة، وليسأل الناس أنفسهم: أهذا الذي يحاسبنا الله سبحانه وتعالى عليه في تربية أبنائنا، أن نعدّهم الإعداد الدنيوي لكسب العيش؟ وماذا عن الإسلام؟ وماذا عن لغة الإسلام؟ وماذا عن فهم القرآن والسنة؟

 

هذه دعوة لكل مسلم أن يبدأ بدراسة اللغة العربية، ويخصص جزءاً من وقته لهذا الغرض، ويجعل الغاية من ذلك رضوان الله تعالى.

 

يتساءل بعض الناس: ما الفائدة لو عرفنا أن آية الكرسي فيها خمسة وعشرون لاماً، أو أن الآية الثانية من سورة يونس فيها ثلاثة وعشرون نوناً، أو أن سورة المزمل فيها سبعة وسبعون منصوباً، أو أن الآية الفلانية من سورة التوبة فيها ثمانية حروف نفي، أو أن مئات الكلمات من سورة القصص فيها ياء أو واو أو كلاهما، أو أن سورة الكوثر بدأت بعموم ثم تخصيص العموم، ثم تخصيص التخصيص، ثم تخصيص تخصيص التخصيص، أو أن سورة الرحمن تكرر فيها قوله تعالى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) اثنتين وثلاثين مرة، أو أن سورة العلق تساوى فيها عدد الأسماء مع عدد الأفعال مع عدد الحروف (حروف المعاني طبعاً)، أو غير ذلك من الملاحظات التي نشير إليها في مواضع من القرآن الكريم؟

 

والجواب عن ذلك في الفقرات السابقة أعلاه، فهم إعجاز القرآن، والقدرة المطلقة في توظيف الخصائص اللغوية الحسنة واجتناب الخصائص المنفرة، ومن ألقى نظرة إلى كتب النقد العربي وموضوعاته أدرك قيمة ما نقول.

 

بكل بساطة أيضاً، لو جاء مشكك، وقال: قبلت التحدي، فما مواصفات القول الذي تريدون؟ هل يكفي أن نقول له: هات مثل القرآن؟ ونحن لا ندرك ما هو القرآن؟ فلو أتى لنا بأي نص، وقال هذا مثل القرآن، فكيف نثبت له عدم صحة ادعائه؟

 

وبكل بساطة إن أدركنا بعضاً من أسرار إعجاز القرآن نقول لهذا القائل، اختر السورة التي تريد أن تأتي بمثلها، فإن اختار سورة العلق نقول له: هذا أفكار السورة، وهذه خصائص نظمها فهل تستطيع أن تعبر عن مثل هذه الأفكار، بمثل هذا الأسلوب بما فيه من كذا وكذا وكذا...

 

إدراك واقع القرآن، الواقع اللغوي البياني البديعي، الجمال الصوتي والتأثيري، أمر لا بد منه ولا غنى عنه.

 

حاورت أحد المشككين يوماً، وأخذت أشرح له في الخصائص اللغوية، وأطلت حتى جاوزت الساعتين لمحاولة تفهيمه واقع اللغة وواقع لغة القرآن، ولكن دون جدوى، والسبب أنه لا يدرك الواقع اللغوي وواقع القرآن، ولما كدت أستيئس من هذا الحوار هداني الله سبحانه لأطرح عليه السؤال التالي:

 

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود، في الآية الثامنة والأربعين: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، في هذا الجزء منها: (وعلى أمم ممن معك) مع قراءتها بالإدغام ينشأ ثماني ميمات متتالية، (روح جيب جملة فيها معنى محترم وفيها ثماني ميمات متتالية، وارجع إلى كل اللغويين الذين تعرفهم، فانقطع الرجل، ولم يعد.

أرجو أن يقرأ ذلك الرجل كلماتي هذه، وأدعوه لأعرض عليه بعضاً مما وضعته هنا في هذه الصفحة الطيبة، وأعرض عليه غيرها أيضا مما هداني الله سبحانه وتعالى إليه بعد محاورتي إياه تلك، عسى الله أن يشرح صدره للحق بإذنه.

 

فاللغة اللغة يا قوم.

 

أبو محمد خليفة

7-12-2013

 

 

عن صفحة :

إعجاز القرآن الكريم - فأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ Miracles Of The Quran

تم تعديل December 8, 2013 بواسطه عبد الله العقابي

[خالد بن عبد الرحمن]

للفائدة إن شاء الله:

 

http://www.ahlalhdee...ad.php?t=156686

 

المداخلة الخامسة فما بعدها..