اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

ليلة مع حزب التحرير فى براغ - نواف القديمى


عز الدين24

Recommended Posts

الرابط الالكترونى:- http://www.aawsat.com/details.asp?issueno=8800&article=200899

 

 

نواف القديمي

لازلت أذكر ذاك اللقاء العرضي الذي جرى في العاصمة التشيكية براغ قبل عدة سنين، حين التقيت بشاب عربي يدرس الطب في احدى الكليات التشيكية، اثناء وجودي في المركز الاسلامي الوحيد في العاصمة. ولكوني بقيت في العاصمة عدة ايام تكررت لقاءاتنا وحواراتنا حول قضايا كثيرة ومتفرقة، اكتشفت من خلالها انه ينتمي لحزب التحرير الاسلامي، الأمر الذي اثار فضولي وجعلني شغوفاً بمقاربة هذا الفكر من الداخل واكتشاف الشوارع الخلفية الخافتة التي تطبع فيها افكار هذا الحزب الذي يبدو غامضاً وطوباوياً الى حد كبير، مما جعل هيئة السائل المستكشف تطغى في داخلي على روح المحاور والناقد.

 

 

 

حتى جاء الصيف الماضي محملاً بزخم المفاجأة.. كنت مع اثنين من الاصدقاء في زيارة لبلد خليجي. وفي ليلة قضيناها عند صديق من اهل البلد، دار نقاش طويل عن تنوع التيارات الفكرية الموجودة في المشهد الثقافي المحلي. وتحدث صديقنا عن وجود مجموعات تنتمي لحزب التحرير. فبادرته بسؤال إن كانت هذه المجموعات تعمل وتتحرك بسرية تامة. فأجابني: بل تعمل بوضوح ويعلم الجميع بوجودها.

 

قلت: هكذا في العلن؟! قال: نعم.. قلت دون أن اشعر: لتحيا الحرية.. اريد ان أراهم.

 

ولكن صاحبي بادرنا بقوله: قد لا يكون اللقاء دون عواقب.. عندها التفت اليَّ وقال: أنت تعرف ما قد يترتب على لقاء كهذا.. قلت له: ليكن، أريد أن اراهم.

 

حزب التحرير حزب سياسي اسلامي، اسسه في الاردن تقي الدين النبهاني ـ وهو فلسطيني ـ عام 1952، ويهدف الحزب الى اقامة الخلافة الاسلامية من جديد في العالم الاسلامي عن طريق تقويض كل الحكومات والدول الاسلامية القائمة لكونها حكومات كافرة ودولاً غير شرعية. والحزب يعمل بسرية فائقة وينتشر باعداد محدودة في الدول الاسلامية، الا ان اعضاءه مطاردون امنياً في هذه الدول. وله حضور اكثر كثافة في الدول الأوروبية، خصوصا في المانيا وبريطانيا. وهو يرى ان الطريق الوحيد للعمل هو بتكوين التكتلات الحزبية المتشبعة بثقافة وادبيات الحزب، لذا تمارس عملية تثقيف عميقة وطويلة للأعضاء في شتى العلوم الشرعية والانسانية، اضافة الى التمرس على الجدل والحوار لكونهما الطريقة الوحيدة المعتمدة لاستقطاب الاعضاء.

 

الحزب يرى ان اقامة الخلافة الاسلامية تتم عن طريق طلب «النصرة». ويقصد بها نصرة بعض القيادات السياسية أو العسكرية في الدول الاسلامية للحزب بعد الاقتناع بأدبياته. واذا ما تمت اقامة الخلافة في احدى تلك الدول التي استجابت لواجب النصرة وجب على كل مسلم في العالم مبايعة الخليفة الذي سيتزعم مسيرة الجهاد والامتداد الى الدول الاسلامية الاخرى. لذا لا يكل الحزب عن ارسال الخطابات والبيانات الحزبية للقادة والزعماء السياسيين والعسكريين في الدول الاسلامية طلبا للنصرة، واقامة الخلافة. وهم بذلك يتأسون بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام عندما كان يطلب النصرة من القبائل ووجهائها للقيام بأمر الدين وهو في مكة قبل هجرته الى المدينة ـ حيث يرون اننا نعيش من جديد مرحلة الدعوة المكية ـ ولكوننا في هذه المرحلة يرون عدم جواز القيام بأي اعمال أو نشاطات ذات طابع دعوي او سياسي او اجتماعي في الدول الاسلامية قبل اقامة الخلافة، لكون هذه النشاطات تشغل من جهة عن السعي لاقامة الخلافة، وتعطي من جهة اخرى مشروعية للحكومات القائمة، لأن هذه النشاطات ستكون بالضرورة وفق الانظمة والقوانين السائدة في تلك الدول. لذا فكل الجماعات والحركات الاسلامية التي تشارك في العمل السياسي أو النقابي او التي تدير جمعيات خيرية ومؤسسات دعوية هي آثمة بفعلها هذا، وان كل الجهود التي تبذلها لا قيمة لها ولن تحقق اي نتائج ملموسة على الأرض.. يجب فقط ان تتركز كل الجهود لإقامة الخلافة الاسلامية.

 

قاد الحزب بعد وفاة النبهاني عام 1978 عبد القديم زلوم ـ وهو فلسطيني ايضاً ـ وقد احيطت تحركاته ونشاطاته بسرية تامة بشكل لم يعد معه احد يعلم بمكان وجوده وإن كان لا زال على قيد الحياة أم لا، حتى أعلن الحزب عن وفاته قبل عدة شهور ـ بدايات 2003 ـ في لبنان. عندها فقط علم المتابعون أنه كان على قيد الحياة طوال السنين الماضية.

 

اجرى صاحبي اتصالاته لعقد اللقاء. وبالفعل تم ذلك في مساء غد عند الساعة التاسعة في استراحة بضواحي المدينة. كنا اربعة اشخاص، وفي المقابل كانوا هم اربعة ايضا، معظمهم من المتقدمين في السن. جلسنا في غرفة واسعة ووحيدة على ما يبدو تحوي في جانب منها مكتبة مكتظة بالكتب. وتشغل بقية جوانبها مقاعد الجلوس العربية. الغريب انهم كانوا جميعا ممن يدخنون السجائر، وهو أمر غير مألوف عند الحركات الاسلامية. وبعد السلام والترحيب ومجموعة من الافتتاحيات التقليدية حول ما جرى وما يجري في العالم دخلنا في صميم الموضوع. طبعاً لم نكن قد أتينا لنسمع فقط. فقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن أدبيات الحزب وانتاجاته الفكرية والسياسية بل جئنا لنتحدث ايضا.

 

وبعد ان قدم لنا احدهم فناجين الشاي العراقي التي يعدها ـ كما ذكر لنا ـ أفضل طريقة لاعداد الشاي بادرناهم بالحديث.. قلت لهم: خمسون عاماً مضت على تأسيس حزب التحرير كلها انقضت في تكوين التكتلات الحزبية والتثقيف وطلب النصرة. ولكن لا شيء تحقق. كانت ادبيات الحزب تتحدث عن ثلاث عشرة سنة في طلب النصرة ـ وهي الفترة التي قضاها الرسول في مكة قبل الهجرة ـ وبعدها تتحقق الخلافة. وبعد ان انقضت المدة مددت لثلاث عشرة سنة اخرى، ثم ثالثة ولا شيء تحقق. ألا يدعوكم هذا لمراجعة آليات العمل الحزبي ومدى جدواها. هل انتم على استعداد لقضاء مائة سنة اخرى تكتفون بها بالتثقيف الحزبي وطلب النصرة؟

 

اجاب احدهم بعد ان اخذ نفسا عميقا من سيجارته: أولاً لا يجوز الحديث عن تأخر «النصرة» لأن من قال ذلك فقد زعم انه على علم بموعدها المفترض، وهذا ما لا يمكن معرفته لأن الله طالبنا بالعمل ولم يخبرنا بموعد النصر والتمكين. الأمر الاخر اننا لسنا مكلفين بالنتائج. المهم هو العمل لاقامة دين الله في الأرض واعادة الخلافة الاسلامية كي تسود من جديد. يجب ان نعمل بكل الوسائل لاعادة الخلافة لكون ذلك واجبا شرعيا على كل مسلم يأثم بتركه.

 

قلنا لهم: ولكن لا يعقل ايضا ان يتم صرف جهود كبيرة تستمر لسنين طويلة بمعزل تام عن النتائج على الأرض. هل أنتم تعملون فقط لإبراء الذمة؟

 

أجاب: لا طبعاً نحن نسير وفق خطط وبرامج. ولكن تعليق نشاطنا على مدى تحقق النتائج على الأرض أمر لسنا مطالبين به. نحن نسعى لتحقيق أفضل النتائج ولكن ان لم تتحقق فذلك بتقدير الله وعلينا فقط العمل لاقامة شرعه وتنصيب الخليفة.

 

* ولكن هل آلية طلب «النصرة» يمكن ان تحقق شيئاً؟! انتم ببساطة تطلبون من الحكام والزعماء التخلي عن كراسيهم وتسليم مقاليد الحكم لكم.. بصراحة هل تتوقع ان يحدث هذا يوما؟

 

ـ هذا هو المنهج الشرعي في العمل نحو تحقيق الخلافة وهو ما قام به رسول الله في دعوته المكية. نحن لا نؤمن بالوسائل العنيفة في التغيير، ولا نؤمن بالطرق الانقلابية التي تمارسها بعض الجماعات الاسلامية، ونعتقد انها وسائل غير شرعية ولن تحقق نتائج على الأرض، وان الناس لا تثق ابداً بمن يجري انقلابا.

 

قاطعته: ولكنكم في خطاباتكم لطلب النصرة تخاطبون ايضا قادة الجيوش وكبار العسكريين في الدول الاسلامية، ماذا لو قبل بعضهم بنصرتكم؟

 

قال: وماذا في ذلك؟

 

قلت: كيف سيسعى قادة الجيوش والعسكريون للسيطرة على الحكم سوى بالطرق الانقلابية؟ ألن تكونوا بهذه الحالة انقلابيين ايضاً؟

 

أجاب: هذه الحالة مختلفة فالعسكريون هم من داخل السلطة والنظام واذا ما حدثت صراعات داخل هذه السلطة فلا بأس بدعم طرف على آخر.

 

* كل ما في الأمر أنكم انقلابيون عن طريق وسيط. والآخرون انقلابيون بالأصالة.

 

ـ لا لا طبعا الأمر مختلف. الجماعات الجهادية تمارس الاعمال المسلحة والضرب والتقتيل، ويموت بعملياتهم كثير من الابرياء، ولديهم اجنحة مسلحة وتدريبات ومنهجهم غير واضح فيما لو وصلوا للسلطة. وهم لا يملكون أي امكانيات لادارة دولة ولا يفهمون ابعاد السياسة.

 

* سألناهم: وماذا عن الجماعات السلمية التي تؤمن بالديمقراطية والعمل السلمي وتدخل البرلمان وتشارك في الانشطة الاجتماعية والثقافية والنقابية وتؤمن بالعمل المتدرج لتكوين المجتمع المسلم.

 

ـ أجاب آخر: أنت تقصد الإخوان المسلمين. انظروا ماذا حقق الاخوان المسلمون بعد ثمانين عاما من العمل.. ببساطة لا شيء.. كلما تقدموا ببعض المناحي ضربتهم السلطة وارجعتهم الى المربع الأول، الحكومات تضع لهم سقفاً وحيزاً للتحرك لا يمكن لهم تجاوزه، وهم كلما حققوا انجازاً ضئيلاً وهامشيا فرحوا به وجعلوه نصراً للإسلام، ويشغلوننا بعد ذلك بالحديث عن انجازاتهم الضخمة. ثم بعد قليل من الوقت تضربهم السلطة ويخسرون كل شيء. هذا دأبهم منذ ثمانين سنة، هم يصرفون جهودا كبيرة قد تستمر لسنين من اجل ان يقوموا بتعديل مادة في الدستور أو في الانظمة الفرعية، وينسون ان كل هذا الدستور غير شرعي. هم في عملهم اليوم يضفون الشرعية على الانظمة الكافرة ويساهمون في تكريسها، ويشغلون أوقات الشباب ويصرفون جهودهم في قضايا هامشية لا قيمة لها. بعضهم في الحقيقة لا يسعون لإقامة شرع الله بل لتحقيق مصالحهم الذاتية. نحن نعتقد ان كل نشاطاتهم وممارساتهم السياسية والاجتماعية غير شرعية ولا يجوز الانخراط فيها ويجب توجيه كل الجهود نحو اقامة الخلافة، لأن الوصول الى رأس السلطة هو الطريق الوحيد لاقامة الشريعة والاصلاح وصناعة القوة العسكرية والمادية والتقنية. وكل الجهود في غير هذا الطريق لا قيمة لها ومضيعة للوقت.

 

* ولكن كيف تتجاهل بعض التقدم الذي حققوه. هم شاركوا في حكومات واستطاعوا تعديل بعض القوانين. واداروا بعض الوزارات وهم ينخرطون في كل الفعاليات الاجتماعية والسياسية وبصماتهم واضحة في عدة دول.

 

ـ كل ذلك لا قيمة له وهو داخل اطار المساحة المسموحة التي رسمتها السلطة. ولا يستطيعون التقدم أكثر من ذلك، في الوقت الذي يقدمون فيه كل يوم مزيداً من التنازلات. وإلا هل يمكن ان تسمي الحكم في السودان حكما اسلاميا وهم يقرون في دستورهم حق المسيحيين والوثنيين والعلمانيين في المشاركة بالسلطة واقامة الاحزاب والتعددية الدينية ويلغون حد الردة والجهاد واشياء اخرى كثيرة.

 

دخل احدهم على الخط وقال: هناك دراسة لنقد دستور السودان اصدرها الحزب واظهرت للجميع كذب دعوى الدولة الاسلامية التي يتحدثون عنها.

 

قلت له: نعم قرأت هذا الكراس قبل مدة.

 

اكمل الأول: انظر الى أين بلغت التنازلات الى الحد الذي يعتبرون فيه حزب العدالة والتنمية التركي حزباً اسلامياً، وزعيمه يعلن انه يؤمن بعلمانية تركيا ويقسم وهو يقف باجلال على قبر الزعيم التركي كمال اتاتورك انه سيحافظ على الدستور وعلى علمانية البلاد.. ثم بعد تصريح بهذا الوضوح والفجاجة لا زال الكثيرون يعتبرونه حزباً اسلامياً.

 

قال احدنا ضاحكاً: ماذا تريده ان يفعل. ان يعلن في يومه الأول كفر النظام والدستور ويسحق بقدميه قبر الزعيم التركي ويعلن اقامة الخلافة الاسلامية. هل تظن انه سيبقى دقيقة واحدة بعد ذلك.. للسياسة اعتباراتها يا سيدي.. ثم هم يختلفون معكم في الاولويات، بل ربما لا يرون مشروعكم بكامله. هم يركزون على الاصلاح الاقتصادي والتنمية وتطوير التعليم والقضاء على البطالة وخفض مستوى الفساد المالي والاداري وتحقيق الرفاه. هم يركزون على الانسان; حاجياته، وتطويره، وتكوين الفرد الحضاري المنتج والفاعل في المجتمع.

 

رد منفعلاً: تلك قضايا شرعية غير خاضعة للتكتيك السياسي. يجب ان يكون واضحاً في دعوته الاسلامية واعلان كفر الانظمة السائدة. ان يقول الحق ولو نُزعت منه السلطة. ثم لا تنسى ان حزب العدالة والتنمية لن يمكنه فعل اي شيء مما ذكرت ما دامت السلطة الحقيقية والنافذون في الدولة والجيش يريدون غير ذلك. تلك مجرد شعارات للاستهلاك ولارضاء الجماهير.

 

قلت لهم ـ في محاولة لتهدئة الحوار ـ ما رأيكم لو انتقلنا لموضوع آخر.. من خلال قراءتي لأدبيات الحزب وطبيعة النظام السياسي المراد تكوينه بعد اقامة الخلافة، لاحظت ان كثيرا من مكونات هذا النظام مأخوذة بالنص من التنظير السياسي في التاريخ الاسلامي كما في كتاب «الاحكام السلطانية» للماوردي وكتاب ابو يعلى الفرا الذي يحمل الاسم نفسه وكتاب «غياث الأمم» للجويني وسواها. مع انه يمكن اعتبار «التنظير السياسي» في التراث الاسلامي هو اكثر مواطن العلوم والمباحث تخلفا وضعفاً وتكريسا للاستبداد. انتم في الحزب تتحدثون عن «خليفة» و«معاون تفويض» و«معاون تنفيذ» و«قائد الجيش»، وغير ذلك، مما يجعل المتابع يظن انه يقرأ عن سيرة دولة في القرن الثالث او الرابع الهجري لا عن دولة حديثة.. شكل وهيكليات الانظمة السياسية شهد ثورات هائلة في القرنين الماضيين على كل الصعد في اتخاذ القرار والمشاركة الشعبية وآليات مراقبة السلطة والمحاكم الدستورية وسوى ذلك. لِمَ لم يستفد الحزب من كل هذا التطور في العلوم السياسية.

 

أجاب أحدهم: ليس هناك ما يمنع من الاستفادة من تطور العلوم السياسية في هيكليات السلطة. ونحن في الحزب كتبنا مشروع دستور لدولة الخلافة يحتوي على «مجلس أمة» منتخب، وسلطة قضائية، ويمكن للمرأة ان تكون عضواً في مجلس الأمة وان تتولى كثيراً من المهام القيادية في الدولة، وهناك تقسيمات للولايات والمناطق وتوزيع واضح للصلاحيات. ولكننا ايضا لنا خصوصيتنا الثقافية. وتراثنا الاسلامي انتج انماطاً في ادارة السلطة، اضافة الى ان الشريعة وضعت اطرا للعمل والممارسة السياسية فلا يمكننا مثلاً الحديث عن الديمقراطية لكونها تعتمد على سلطة واختيار الشعب وانه مصدر التشريع. وفي الاسلام مصدر التشريع هو الله وحده وليس البشر. عموماً ما وضعه حزب التحرير في تصورات لهيكلية السلطة هو اجتهادات غير ملزمة ويمكن لأي احد تطويرها والاضافة اليها على شرط الالتزام بالمنهج الشرعي. لا كما تفعله بعض الجماعات الاسلامية التي تجعل كل القرارات مرهونة بإرادة الشعب.

 

قلت: المشكلة تكمن هنا في «المنهج الشرعي» الذي تفهمه كل جماعة بطريقتها الخاصة وبحسب ادواتها في الاستدلال والفهم للنص الشرعي. لذا لنتجاوز المزايدات حول من يلتزم بالمنهج الشرعي وليكن حديثنا عن التصورات التي وضعها الحزب لشكل السلطة، مجلس الأمة الذي يضعه الحزب هو مجلس منتخب، لكن مهمته استشارية وليست ملزمة للخليفة، اي بحسب تعبير الفقهاء «معلمة» وليست «ملزمة». والمجلس لا يحق له عزل الخليفة. الشخص الوحيد الذي يحق له عزل الخليفة هو «قاضي المظالم».. جيد.. لكن السؤال المهم هنا من يعين «قاضي المظالم»؟ يقول الحزب الخليفة هو الذي يعينه. اذاً عدنا إلى صميم المشكلة. الشخص الوحيد الذي يحق له عزلي كخليفة انا من يختاره. هناك في ادبيات الحزب تقديس للخليفة وربط كل خيوط الدولة والسلطة بيديه. اضافة الى كونه يبقى في السلطة مدى الحياة. فلا وجود لمدة زمنية وهذا اكثر ما يكرس الاستبداد.. في أدبيات الحزب تعويل كبير على تقوى وصلاح الخليفة ومعاونيه. هو أمر قد يتسبب في كوارث اذا ما انتفت التقوى.. ليس هناك آليات وقوانين تضمن عدم تغول السلطة.

 

قال: ولكن التعويل على صلاح وتقوى وخيرية الخليفة أمر مهم لا يمكن لك تهميشه، وقد وضع الحزب شروطا عديدة وصارمة في اختيار الخليفة بحيث تضع اكبر قدر من الضمان لملاءمته للخلافة. نحن لا نريد رجلاً لا يملك اي وازع ديني، واتى على اكتاف مجموعة من الناس انتخبته بعد ان خدعها بشعاراته الانتخابية. وعند وصوله للسلطة يحاول البحث عن اي ثغرات دستورية وقانونية ليحقق منها مصالحه الشخصية. اعتبارات التقوى والصلاح في الخليفة تجعل عنده رقابة ذاتية وعدالة في احكامه. ثم لا تنس ان هناك جهازا قضائيا له الحق في محاسبة الخليفة وعزله حين يقوم بممارسات غير مشروعة ومضرة بالمجتمع.

 

استمر الحوار بين مد وجذب عدة ساعات. كانت اصواتنا ترتفع احيانا لدرجة يحسب من يمر بجانب الغرفة اننا في عراك. فتحنا العديد من الملفات وتناقشنا حول كثير من الجزئيات والتفاصيل. كان حواراً ساخناً ومتواصلاً لم ينته الا بعد ان نفدت كل لياقتنا في الحوار وبحت اصواتنا بعد اربع ساعات من الحديث المتواصل. لكن ما فاجأنا هو استعدادهم لمواصلة الحوار حتى الصباح. فهم يملكون لباقة كبيرة في الحوار والجدل. عند الساعة الواحدة ليلاً قلنا لهم يكفي نرجوكم.. لقد تعبنا.. نحن نرفع الراية البيضاء.

 

اثناء تناولنا لبعض قضايا السياسة الدولية والتاريخ السياسي للمنطقة العربية وعند حديثنا عن بعض تعقيدات القضية الفلسطينية قال احدهم: النبهاني عقلية سياسية فذة، لقد تنبأ في الخمسينات عن أنه ستجري عملية سلام بين العرب واليهود في المستقبل!! قلت في داخلي: هنا ايضا يتحدثون عن الزعيم الملهم.

 

لم يكن التنبؤ بحدوث عملية سلام بين العرب واليهود أمراً صعباً وفق المعطيات الدولية وموازين القوى. وهناك عدد ممن تنبأ بذلك. لكن ان يكون هذا التنبؤ خرج على لسان «الزعيم»، فالأمر مختلف حتماً ويصب في خانة الإلهام والقدرات العقلية الفذة والعبقرية الاستثنائية.

 

احياناً واثناء تطرقنا لبعض الجزئيات يقوم احدهم ويأخذ احد الكتب من المكتبة ويتصفحه قليلاً ثم يقول: الرد على ما قلتم كذا. والدليل على هذا الرأي كذا. وهذا ما قال الشراح في معنى الحديث.. كنت أسأله مباشرة عند كل مرة يقوم بهذا الفعل، ما هو الكتاب الذي تقرأ منه. فيقول لي كتاب «التكتلات الحزبية» للنبهاني أو كتاب «الدولة الاسلامية» للنبهاني أو كتاب «كيف هدمت الخلافة» لعبد القديم زلوم.

 

مفردة «الخلافة» تكررت في حديثنا مئات المرات وسط اجواء مشبعة برائحة الدخان وعبق الشاي العراقي في غرفة تقبع في ضاحية منسية على اطراف احدى المدن.

 

لما حان وقت انصرافنا نظرت الى فناجين الشاي التي لم تشرب بعد.. التفت الى اصحابي وقلت لهم: اشربوا الشاي بصحة الخلافة.

ولكوني ـ احسب نفسي ـ من المتابعين لشؤون الفكر الاسلامي بمدارسه واطيافه، فقد كنت حريصا على الفهم الاعمق لمدرسة حزب التحرير الفكرية والتنظيمية خارج اطار الادبيات المكتوبة والبيانات التي تصدر من وقت لآخر، وإن بدا هذا الامر صعبا لصعوبة الالتقاء بشخصيات تملك الجرأة ان تعلن انتماءها لحزب التحرير، لما يكتنف ذلك من خطورة أمنية كبيرة.

رابط هذا التعليق
شارك

هل الخلافه امر بها الاسلام واوجبها ام لا ؟

 

هل طريقة اقامتها هي طريقه شرعيه يجب الالتزام بأحكامها وخطواتها ام لا ؟

 

هل المشاركه في الانظمه الكافره لتحقيق اهداف جزئيه يجوز شرعا ام لا ؟

 

هل يجب العمل وفق ما تسمح به الظروف او ما يتيحه الواقع ؟؟ ام يجب العمل وفق ما امر الاسلام بغض النظر عن الواقع والظروف ؟

 

هل نحن كبشر اعلم من الله بما يصلح لنا وما لا يصلح لنا في كل مكان وزمان ؟

 

هل تكاليف الاسلام فوق الطاقه والوسع ؟؟ وهل كلفنا الله بما لا نطيق ام قطعا هي تكاليف في حدود الاستطاعه ولم يظلمنا الله ؟

 

هل يجب ان نغير الاحكام بتغير الظرف والمكان والزمان ام هذا لا يجوز ؟

 

 

اتصور كلما كان النقاش والحوار على اساس العقيده الاسلاميه والاحكام الشرعيه كوننا مسلمين عبادا لله متبعين لا مببتدعين كلما كان منتج ومقنع ومؤثر اكتر

رابط هذا التعليق
شارك

لاحظت من طريقة الكاتب وجود بعض الاستهزاء والتحقير ، ربما اكون مخطئا مثل :

الغريب انهم كانوا جميعا ممن يدخنون السجائر،

اجاب احدهم بعد ان اخذ نفسا عميقا من سيجارته:

قلت في داخلي: هنا ايضا يتحدثون عن الزعيم الملهم.

لم يكن التنبؤ بحدوث عملية سلام بين العرب واليهود أمراً صعباً وفق المعطيات الدولية وموازين القوى. وهناك عدد ممن تنبأ بذلك. لكن ان يكون هذا التنبؤ خرج على لسان «الزعيم»، فالأمر مختلف حتماً ويصب في خانة الإلهام والقدرات العقلية الفذة والعبقرية الاستثنائية.

احياناً واثناء تطرقنا لبعض الجزئيات يقوم احدهم ويأخذ احد الكتب من المكتبة ويتصفحه قليلاً ثم يقول: الرد على ما قلتم كذا

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...