اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

دردشات حول العلمانية


أبو مالك

Recommended Posts

دردشات حول العلمانية

بخلاف الاسلام، والاشتراكية، اللذان يتميزان بمنظومة فكرية عقدية تتناول حلا للعقدة الكبرى التي تتعلق بوجود الانسان في الحياة الدنيا، والغاية من هذا الوجود، ووظيفة الانسان في الحياة،

لا يوجد شيء من هذا في العلمانية، فهي بعد الصراع المرير مع الكنيسة قامت على اساس منع الدين من التدخل في السياسة، وأهملت الإجابة على التساؤلات المهمة للانسان.

ثم إنك تجد في الفكر الاشتراكي أيضا منظومة فكرية معينة تحدد مجموعة من الأفكار والممارسات المعينة، وكذلك تجد في الاسلام تشريعات مأصلة تأصيلا يرجع بها إلى القاعدة الفكرية التي انبثقت عنها أي العقيدة الاسلامية، ولكنك لا تجد شيئا من هذا في العلمانية، فلن تجد مهما اجتهدت محددات فكرية تعطي للناس أفكارا معينة أو ضوابط سلوكية اجتماعية يمارسونها في الحياة.

إذن فحين تتصدى للاشتراكية لنقضها، فإنك تستطيع أن تدرسها من كتب منظريها وتضع يدك على أفكار معينة وتبين فسادها وتهدمها وتضع البديل الفكري، وكذلك الأمر بالنسبة للسلوك والتشريعات التي تضبطه، لكنك لن تستطيع ذلك مع العلمانية

رابط هذا التعليق
شارك

بخلاف الاسلام الذي يجعل العقيدة والأحكام أساسا لصياغة منظومة الأخلاق على سبيل المثال، نجد العلمانية تتنصل من أن تحدد للانسان أي قاعدة فكرية تصوغ سلوكه، فإن هو صدق، فإنما يصدق لأنه يأخذ قيمة الصدق من الاسلام إن كان علمانيا مسلما، او من المسيحية، أو من الصدق كقيمة انسانية، لكنك لا تجد قيما فكرية في العلمانية تحدد أخلاقيات الانسان التي عليه أن يسير عليها

إنما هو يلتزم القانون هذا كل ما في الأمر

الاسلام يضع الجو الإيماني عاملا يدفع للالتزام بالأحكام، ورادعا عن الفساد

العلمانية إنما تضع الواقع منفصلا عن أي قيم، تجعل الواقع مصدرا للتفكير، توظف الواقع لزيادة المنفعة المادية واللذة، وتجعله مصدرا لكي تمارس الدولة بمقدراتها العظيمة من إعلام وغيره غرس قيم السوق والشراء والتفكك الأسري، والنزعة الفردية، وتهميش الأخلاق والقيم الدينية، لتكرس قيمة الرأسمال في المجتمع وتجعل المجتمع آلة تصب في جيب الرأسمالي الكبير الذي يمتلك الإعلام والأفلام، ويصنع الأبطال والمشاهير والعظماء، ويروج للسلع، ويكدس الأموال في البنوك

لذلك فالعلمانية في حقيقتها هي ديكتاتورية الدولة الناعمة، ديكتاتورية الطبقة المتنفذة في الدولة، تنزع عن الناس معتقداتهم وأخلاقياتهم وقيمهم، وتتركهم فريسة لواقع يفرض عليهم قيم السوق والاستهلام والحياة التي تجري بوتيرة سريعة، والجري وراء الفواتير وربط الانسان بالبنوك من حلال ديون تستغرق حياته كلها ليسدها، وضرائب عالية باهظة تجعله بالكاد يتنفس ويعيش

فإن كان أسيرا لهذه العجلة التي تجري بوتيرة سريعة فإنه لن يفكر في دين ولا في قيم

وهذا واقع الانسان الذي صنعته العلمانية على عينها في الغرب وتريد صناعته واستنساخه في الشرق

رابط هذا التعليق
شارك

الحقيقة أن النظر إلى أن العلمانية كانت نتاج الصراع بين الكنيسة والعلم، وأنها نتيجة طبيعية للمارسات الكنسية التي مورست في أوروبا في العصور الوسطى، نظرة غير دقيقة

هذه عوامل ساعدت على انتشار العلمانية وظهورها

لكن العوامل الخفية الحقيقية هي الانتقال نحو الأفكار الرأسمالية لتكون هي المسيرة للمجتمع

فكأن الرأسمالية هي التي هيأت للأفكار العلمانية، وكانت في البداية تريد فصل الدين عن السياسة لتجعل إدارة شئون المال والسلطة لا بيد البابوات، بل بيد الرأسماليين الكبار،

وهكذا بدأت بعزل الدين عن السياسة، ثم تطورت مع الزمن

كانت تسمح بأن تعتقد ما تشاء، ولكنها الآن تمارس عملية غسيل دماغ لتشكل عقليات المجتمع وفقا للإعلام صاحب الماكينة الضخمة التي تحدد أذواق المجتمع، وتدخل على البيوت ثقافتها رغم أنف الوالد والجد وجد الجد، وتروج للبضائع، وتجعل الراقصة هي المثل الأعلى في المجتمع، يتابع المجتمع أخبارها، وأين سهرت الليلة الماضية، وهكذا يتحول نصف المجتمع إلى مغنيين، وطبالين

والضحية الكبرى هي: القيم والثقافة ، لقد تحول الانسان إلى سلعة خاوية من القيم والأخلاق بفضل العلمانية الرأسمالية

رابط هذا التعليق
شارك

ما ذكرته اخ ابو مالك هو اخلر مرحله من مراح العلمنه وهو نتيجه وليس سبب بوادر العلمنه بدات في القرن السادس عشر والكنيسه ليست بعيده عنه خصوصا تطور مفهوم الله في الفكر الاوروبي ثم اليست العلمانيه منظومه فكريه مغلقه بكل تفاصيلها انا ما زلت اقرا في الموضوع

رابط هذا التعليق
شارك

هناك منطلقات انطلقت العلمانية من أجل تحقيقها، خصوصا بعد تطورها من مجرد فصل الدين عن السياسة، إلى أن اضحت فصل القيم التي لها أصل في دين أو قيم إنسانية عن الواقع، حتى لا يتأثر العلم بها، وحتى لا تتأثر التشريعات بها، فتحقق للفرد الحرية، نختار من هذه المنطلقات منطلق التحرر من القيم، حتى يكون العلم محايدا، والتشريعات محايدة، فإن هي أخذت على سبيل المثال القيم من الاسلام فمن يضمن أن لا تأثر هذه القيم سلبا على النصراني الذي يعيش في المجتمع؟ وإن أخذتها من النصرانية فالعكس، وهكذا كان لا بد من الوصول إلى ما يسمى: الخلو من القيم، بالانجليزي

value-free

ولكن المجتمعات البشرية لا يمكن أن تخلو من هذه القيم، التي مصدرها الدين، لا يمكن أن تنزعها من تلك المجتمعات، فكان لا بد من أن تتغول العلمانية فتسحب بساطها من مجرد فصل السياسة عن الدين إلى فصل الانسان عن كل قيمة يمكن أن تأثر في واقعه، لتحل القيم "المادية" فقط محل أي قيمة أخرى، والقيم المادية تعني القيم التي لا تستند إلى أي دين

وشيئا فشيئيا بدأت معالم قيم العولمة والسوق والنزعة الفردية والاستهلاك تطغى على الحياة التي أنتجتها العلمانية، فلم يعد التفكير في قيم أو البحث عنها ذا بال عند منظري العلمانية

أما الأمر الثاني فهو تحقيق الحرية، كزاوية تشريعية تسن على أساسها القوانين

فمثلا في الاسلام نجد أن الزاوية التي يقوم عليها التشريع هي زاوية أحكام تتعلق بأفعال معينة يقوم بها الانسان لإشباع الطاقة الحيوية الكامنة فيه، فالعلاقة بين الذكر والانثى مثلا يمكن أن تشبع بطريقة صحيحة: الزواج أو بطريق خطأ، أو بأن يعزف المرء عن الزواج، ولكل وضع الاسلام أحكامه فغطى كل الاحتمالات الممكنة التي يمكن أن يتعرض لها الانسان في أي زمان أو مكان، فكان بهذا تشريعا ثابتا صحيحا

 

أما العلمانية، فحين سن القوانين ينظر المشرع إلى تحقيق الحرية، لذلك فيصبح الاشباع الخطأ والشاذ مقبولا لأنه يحقق الحرية، ويصبح تناول المخدرات ممكنا في المجتمعات الأوروبية وله قوانين تسمح به لأن منعه اعتداء على الحرية، وهكذا،

فتتغول العلمانية مرة أخرى في الحياة لمنع القيم من أن تحد من الحرية، فكما أن الخلو من القيم من أجل تحقيق الحيادية حيد القيم جانبا، فإن تحقيق الحرية أيضا جعل هذا المنطلق يطغى على كل قيمة تخالفه

والواقع يعطينا بعض الأمثلة الحية، فالكنيسة اليوم مطلوب منها أن لا تتدخل في تعريف الزواج متى ينطبق التعريف الكنسي على العلاقة ومتى لا ينطبق، فأضحت ملزمة بعقد النكاح حتى فيما تحرمه الكنيسة

إذن فلم تفصل العلمانية الدين فقط عن السياسة، بل فصلته عن الزواج والطلاق أيضا،

وحين ترى العلمانية امرأة مسلمة ترتدي الحجاب في شوارع فرنسا، تتدخل حتى في خصوصياتها في ما تلبسه، وتمنعها من أن تمارس "حريتها" في لباسها، لأن هذا اللباس "مظهر ديني"

كذلك تمنع الصليب في المدرسة ، فهي إذن لم تقتصر على فصل الدين عن السياسة، بل فصلته عن الحياة بكل تفصيلاتها

إن تعريف العلمانية بأنه فصل الدين عن السياسة، أو إعطاء ما لقيصر لقيصر، تعريف ساذج عفى عنه الزمن، كان يصلح في مهد العلمانية، أما اليوم فقد أضحت العلمانية أداة لبسط هيمنة الدولة الرأسمالية على كل شئون الحياة بقيم استهلاكية تجعل الانسان سنا في دولاب رأسمالي يدر المال على المتنفذين في المجتمع، وتبسط هيمنة الدولة العلمانية على ما تستطيعه من الشعوب والأمم لفرض ثقافتها عليها ولنهب خيراتها والواقع غني عن المقال

رابط هذا التعليق
شارك

من أجمل ما قرأت عن نقد العلمانية هذا الملحق ل كتاب مفتوح إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بتاريخ 1/1/2006

 

نقد العلمانية

 

كلمة” العلمانية “"سيكولاريزمSecularism " الإنجليزية التي هي مشتقة من أصلها اللاتيني "سيكولوم Saeculum " تعني العالم أو الدنيا و تستعمل في مقابل الكنيسة أو الدّين. ويرى بعض المحققين أن استخدام مصطلح "سيكولار Secular " لأوّل مرة يعود إلى توقيع صلح وستفاليا عام 1648 م، وهو الصلح الذي أﻧﻬى سنوات من الحروب الدينية المندلعة في أوربا، وكان بداية لظهور الدولة القومية الحديثة، حيث تضمّن الإشارة إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة، بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة الدنيوية.

 

وقد تعدّدت تعريفات العلمانية، من ذلك تعريف جون هوليوك ( ت 1906 م ) لها بأﻧﻬا: "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض". وعرفها بعضهم بأنّها: "مبدأ فلسفي يدعو إلى الفصل بين اﻟﻤﺠتمع المدني واﻟﻤﺠتمع الديني، وهو يعني استطرادا إضفاء الطابع اللاديني على المؤسسات السياسية والتربوية في بلد ما."

 

ويرى بعضهم التفرقة بين نوعين من العلمانية: الجزئية والشاملة. فالعلمانية الجزئية تحصر رؤيتها في بعض

الأبعاد المعرفية، ولا تعمّم الفصل بين الدّين والدولة على ك ّ ل اﻟﻤﺠالات، فتقول بوجوب فصل الدّين عن

السياسة، والاقتصاد، إلا أنّها تلتزم الحياد حيال مجالات الحياة الأخرى. فهي بذلك لا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية، أو وجود مغيّبات وما ورائيات، ويطلق عليها بعض المفكرين اسم "العلمانية الأخلاقية"، أو "العلمانية الإنسانية"، أو "العلمانية المؤمنة". أمّا العلمانية الشاملة فتتميّز بسعيها إلى فصل الدّين، أو القيم المطلقة، عن جميع مجالات الحياة. فهي إذن فلسفة كّلية، ورؤية شاملة للواقع تقوم على البعد المادي للكون والإنسان والحياة، وترى الفكر الديني خرافة لا تقوم به الحياة ولا يبنى عليه الوجود. ويطلق عليها أيضا اسم "العلمانية الطبيعية المادية"، أو "العلمانية الملحدة"، وهي التي يعتبرها بعض المحققين مرادفا لما يسمى باللائكية .(Laicism)

 

وبغضّ النّظر عن مسألة الجزئية والشمولية في العلمانية، فإنّها تطلق ويراد منها فصل الدين عن الحياة، الذي

ينتج عنه طبيعيا فصل الدين عن الدولة. هذه هي العلمانية، وهي عقيدة الغرب، وقاعدته الفكرية، وقيادته

الفكرية.

أمّا كوﻧﻬا عقيدة الغرب، فلأنّها هي الفكرة الأساسية التي يصدّق ﺑﻬا الغرب تصديقا جازما، ويعتبرها الحل

للعقدة الكبرى المتمثلة في النظرة الكّلية إلى الكون والإنسان والحياة، وعلاقتها جميعا بما قبل الحياة الدنيا وما

بعدها. وأمّا كوﻧﻬا قاعدة الغرب الفكرية، فلأنّها الأساس الذي يبنى عليه ك ّ ل فكر فرعي، والأصل الذي ينبثق عنه النظام. وأمّا كوﻧﻬا قيادة الغرب الفكرية، فلأنّها تقود ك ّ ل من يعتنقها إلى وجهة نظر معيّنة في الحياة، وإلى نمط معين من العيش، وإلى الحكم على الأفكار والوقائع والأحداث من زاوية خاصة.

والعلمانية فاسدة كعقيدة، وقاعدة فكرية، وقيادة فكرية، وفسادها آت من جهات عدّة منها:

 

1. فساد العلمانية كعقيدة

يرتبط لفظ العقيدة في التصور الغربي بجملة من المفاهيم السلبية، فهي عنده ترادف الإيمان الديني، وتنشأ عن

مصدر لا شعوري يكره الإنسان على التصديق بقضية من القضايا من غير دليل. وتعني عنده أيضا قبول العقل لحقيقة ما ذات طبيعة فوقية أو ماورائية بدون برهنة واستدلال.

لذلك لا بدّ لنا قبل الخوض في بيان فساد العقيدة الغربية من أن نقوّم فساد نظرة العقل الغربي إلى مفهوم

العقيدة ذاته. فالعقيدة، من حيث واقعها عند البشر قاطبة، تفيد التصديق الجازم بقضية من القضايا. وهذا

التصديق قد يكون مرتبطا بدين أي بإيمان بخالق ويوم بعث، وقد لا يكون. فالشيوعي يعتقد أي يصدّق

تصديقا جازما بعدم وجود إله وأن الكون مادة، والنّصراني يعتقد أي يصدّق تصديقا جازما بوجود إله وأن

الكون مخلوق لخالق. فالتصديق الجازم إذن هو الأساس في اعتبار العقيدة، وذلك بغض النظر عن موضوع

التصديق ذاته، سواء أكان ذا مضمون ديني أم غير ديني.

 

ولا يقال هنا، إن التصديق فيه معنى الإثبات، لذلك لا يقال عن المنكر لوجود إله بأنّه مصدّق. لا يقال هذا؛ لأن التصديق في ذاته يفيد القبول بمطابقة الحكم للواقع والتسليم به، سواء أكان الحكم فكرة أم خبرا أم غير ذلك. فإذا أثبتنا وجود الله، صدّقنا ﺑﻬذا الإثبات، أي قبلنا كونه حقيقة، وإذا نفينا وجود الله، صدقنا ﺑﻬذا النفي، أي قبلنا كونه حقيقة. فالتصديق المتعّلق بالعقيدة إذن هو قبول إثبات أمر أو نفيه بصيغةجازمة. هذا بالإضافة إلى أن إنكار الخالق هو إثبات عدم وجود صانع لهذا الكون.

 

وعليه، فإن العقيدة من هذه الجهة تصديق جازم بأمر من الأمور يستقر في عمق الإنسان

.

إلا أن قبول إثبات أمر أو نفيه، لا يتأتى فيه الجزم إلا إذا كان مصحوبا بأداة من أدوات الجزم، سواء أكانت

هذه الأداة شعورا أم أمارة أم قرينة أم مرجحا أم علامة أم غير ذلك. فالجزم لا يتأتى إلا بما يرشد إلى صدق

الموضوع، ويتوصل به إلى التصديق بقضاياه، أي لا يتأتى إلا عن دليل.

وعليه، فإن العقيدة من هذه الجهة تصديق جازم عن دليل.

وهاهنا مسألة متعلقة بالدليل، فالغرب يحصر دلالة الدليل في العلم. يقول دومنيك موران في كتابه :(EXISTE T-ILDIEU) إذا تعّلق الأمر بوجود الله، فقد أجمع فلاسفة المسيحية وعلماء اللاهوت على أن لفظ الدليل، الذي هو قطعا في عالمنا قد ارتبط بالدقة العلمية، لا يحّقق الغرض. لذلك فإن الكثيرين، كتوماس الأكويني، يحبّذون الكلام عن الطرق إلى الله." ويقول الكاردينال راتزنغر (البابا حاليا ) في الإيمان المسيحي " :(FOI CHRETIENNE) ليس بمستطاع أي أحد أن يبرهن رياضيا على وجود الله، ولا حتى المؤمن نفسه." والجواب عن هذا، هو أن الدليل في عرف البشر قاطبة يعني المرشد إلى المطلوب، أو ما يتوصل به إلى إدراك قضية من القضايا، أو هو المنهج المثبت لصحة مقولة من المقولات أو صدق فرضية من الفرضيات. هذا هو الدليل من حيث واقعه عند البشر قاطبة، أمّا اشتراط كونه علميا، أو عقليا، أو منطقيا، أو حدسيا، أو وجدانيا أو غير ذلك، فهو بحث في صفته ومضمونه وليس بحثا في واقعه. وبعبارة أخرى، فإن المرشد إلى المطلوب هو الدليل، ولكن اعتبار العلم أو العقل أو الوجدان صفة المرشد، لا يخرج المرشد عن كونه دليلا، وإن خصّصناه بصفة، وقيدناه بقيد يعبّر عن مضمونه، ويحدّد معلمه.

وإذا أدرك هذا، أدرك الخطأ في صعيد بحث الغرب للعقيدة. فالبحث لا ينصبّ على كون التصديق عن دليل أو عن غير دليل، لأن واقع الاعتقاد عند البشر لا يكون إلا عن دليل، وإنّما ينصبّ البحث على صحة الدليل المعتمد، وهل يجب أن يكون علميا أو عقليا أو منطقيا أو غير ذلك. فالتصديق الجازم عند البشر قاطبة لا يتأتى إلا عن دليل، ولكن هل تصلح كل الأدلة لتحقيق صدق الجزم أم لا تصلح؟ هذا هو صعيد البحث.

والعلم لا يصلح كدليل على العقيدة؛ لأن من قضاياها التي يبحث فيها وعنها ما ليس بملموس كوجود الذات الإلهية، وما ليس بحسي كوجود الجنّة والنار والشياطين والملائكة، فلا تخضع للتجربة. والوجدان لا يصلح أيضا كدليل على صدق عقيدة ما؛ لأ ّ ن ما في ذات الإنسان من مشاعر وأحاسيس، فردية مرتبطة بالشخص وميوله وأهوائه. فلا يمكن إذن أن يتخذ الوجدان كمقياس موضوعي في الحكم على الأمور والأشياء.

ومن هنا يتبين خطأ النظرة الغربية إلى العقيدة من حيث المفهوم والاشتراط والشرط.

وأمّا ما يصلح كدليل على صدق الجزم بتصديق ما، أي كدليل على العقيدة، فهو العقل أو الطريقة العقلية.

فهي وحدها التي تصلح كأساس للتفكير البشري، تبنى عليه الأحكام، وتتأسّس عليه النظرة الكّلية المتعّلقة

بوجود الإنسان ومعنى حياته.

وعليه، فإن نظرتنا إلى العقيدة الغربية، من حيث إثبات بطلاﻧﻬا وفسادها، مبنية على العقل، وقائمة على أساس الطريقة العقلية في الحكم على الأشياء والأمور.

 

وفساد العقيدة الغربية عقلا تدل عليه جملة من الأمور، منها:

1. العقيدة الغربية في واقعها، هي نتاج ظرف مجتمعي، وسياسي، وتاريخي للغرب. فقد نشأت كحل تسوية

لتراع بين الكنيسة والمفكرين، فلم تنتج عن فكر، ولم تبن على عقل. فهي عقيدة بالإجماع، أي أجمع الناس

على العمل ﺑﻬا، وليست عقيدة بالعقل، أي أقام أهلها البرهان على صدقها عقلا. إذ لا مبرّرات فكرية لها،

وإنّما مبرّراﺗﻬا كّلها تاريخية تعبّر عن تجربة قوم. ولا يخفى على عاقل فساد هذه المبرّرات. فلو قال قائل: الغرب

عانى من الدّين وانحط به، وحينما فصل الدّين عن الحياة ﻧﻬض. قيل له: المسلمون ﻧﻬضوا بالدّين، وارتفعوا به، فلما ضعف فهمهم للدّين، ثم أزيح من حياﺗﻬم، انحطوا. لذلك لا تصلح المبرّرات التاريخية المعبّرة عن تجربة قوم كدليل عقلي يبرهن على صدق العقيدة، فلا بدّ من مبرّرات فكرية، وأدلة عقلية، وهو أمر تفتقده العلمانية.

2. من المعلوم أن العلمانية نشأت كتسوية لتراع بين الكنيسة والمفكرين، وقد تمّثلت في حل وسط يتمّ بمقتضاه تنازل كل من الطرفين عن قسم من مطالبه. لذلك أردنا من خلال ومضة ورائية النظر في واقع هذه العقيدة من حيث المنشأ، لبيان ﺗﻬافت منطق العقل الغربي الحديث.

والسؤال الآن هو: عن ماذا تنازل رجال الدّين، هل تنازلوا عن قسم من مطالب الدّين أم عن قسم من

مطالبهم؟

والجواب هو، إمّا أن يقال تنازل رجال الدّين عن قسم من مطالب الدّين، وهذا يثبت علاقة الدّين بالحياة،

ويبطل العقيدة الغربية القائلة بفصله. وإمّا أن يقال تنازل رجال الدّين عن قسم من مطالبهم، وهذا يبطل

الاتفاق نفسه لأنّه عقد على غير مح ّ ل التراع، إذ لا علاقة للدّين بالحياة لينصّ على فصله.

وقد يقول قائل: إن الدّين في التصور الغربي يعني رجال الدّين، لوجود ارتباط بين الكنيسة وبين الدّين، لذلك

فإن الغرب لا يفرّق بينهما.

والجواب هو، أن هذا التبرير يبطل كون العلمانية عقيدة عالمية، إنسانية، صالحة للبشر كّلهم؛ لأنّها مبنية على تصور غربي للدّين، فلا تصلح لتعمّم على البشرية.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحل الوسط حل ترضية. والترضية لا يمكن تصورها بين الآراء والأفكار،

وإن تصورت بين الأشخاص. لأن الحكم على الفكر يفيد وصفه بالبطلان والخطأ أو وصفه بالصواب

والصحة. والعقل السليم لا يستسيغ الجمع بين الحقّ والباطل، والنور والظلام.

وعليه، فإن العلمانية في واقعها حل ترضية بين فريقين: فريق يعبّر عن المفكرين أعطى لنفسه صلاحية التنازل

عن رأي فكري، وفريق يعبّر عن الكنيسة أعطى لنفسه صلاحية التنازل عن رأي ديني. وهذا يفيد أن العلمانية نشأت عن ترضية بين رجال، وتسوية بين طائفتين، فلم تتمّ بين الفكر ذاته والدّين، وهو أمر يدل على أن التراع بين الدّين والفكر لا زال قائما إلى يومنا هذا، وأن العقل الغربي لم يقدّم حلا عقليا لأساس المشكلة.

 

وقد يقال: إن الغرب أﻧﻬى التراع بعدم البحث فيه، وجعل بحث المشكلة من اهتمام الفرد.

والجواب عن هذا، هو أن مسألة وجود الخالق المدبّر، والدّين المنظم لشؤون الإنسان، مسألة إنسانية وليست

مسألة فردية، فهي تتعّلق بالإنسان من حيث هو إنسان، لا من حيث هو فرد. والدليل على كوﻧﻬا مسألة

إنسانية تعني الإنسان ككل، اهتمام البشر منذ قديم الزمن، وإلى يومنا هذا، بالبحث فيها. علاوة على هذا،

فهناك فرق بين كون الدّين من اهتمام الفرد، وبين جعله كذلك. فكون الدّين من اهتمام الفرد يدل على أصل واقعه الذي هو عليه، وجعل الدّين من اهتمام الفرد، يدل على واقع لم يكن عليه وإنما صار إليه. لذلك فإن جعل الغرب الدّين من اهتمام الفرد، يدل في حقيقة الأمر على أن الدّين في واقعه من اهتمام الإنسان لا الفرد.

ثم إن الغرب بجعله الدّين من اهتمام الفرد، يهرب من حل المشكلة. ذلك أن عجز الغرب عن حل المشكلة حلا جذريا يتمّثل في الاعتراف بالدّين ودوره في الحياة واﻟﻤﺠتمع، أو في القضاء عليه كلية بإنكاره، دفع به إلى اختيار التسوية بفصله عن الحياة وترك مسألة الإيمان والإلحاد للفرد. وهذا يدل على أن الغرب في حقيقة الأمر لم يحل المشكلة بل هرب من حّلها.

والهروب من حل المشكلة يعني بقاء المشكلة واستمرار وجودها. لذلك فإن السؤال عن علاقة الدّين بالحياة

لازال قائم الذات، ويحتاج العقل الغربي إلى بحثه والإجابة عنه. وحتى لا يكرّر قولهم إن المسألة من اهتمام

الفرد، نقول: ماذا لو آمن جل الغربيين أنفسهم بعلاقة الدّين بالحياة؟ ما هي المبرّرات العقلية التي تجعلهم

يتخّلون عن إيماﻧﻬم؟

 

3. إن عقيدة فصل الدّين عن الحياة تناقض نفسها بنفسها، لأنّها تثبت الدّين وتنفيه في آن واحد. أمّا إثباﺗﻬا للدّين فمن خلال قولها بفصله عن الحياة، إذ إن الفصل بين أمرين يعني الاعتراف ﺑﻬما وإثباﺗﻬما. فالفصل يكون بين موجودين وليس بين معدومين أو بين معدوم وموجود. وأمّا نفيها للدّين آن إثباته، فيفهم من واقع الدّين نفسه. فالدّين هو الإيمان بخالق وبيوم بعث وحساب. وإذا كان الإيمان بالخالق يقتضي إثبات صفات الكمال له، كالقدرة والعلم المحيط بكل شيء، فإن فصل الدين عن الحياة ينفي هذا الإيمان لأنّه يجرّد الخالق من صفاته، وينفي عنه القدرة على التدبير. وإذا كان الدّين يقتضي الإيمان بيوم حساب، فإن الفصل ينفيه لأنّه ينفي أعمال الحساب. فهل يحاسب الخالق على ما أمر به وﻧﻬى عنه، أم يحاسب على ما أمر به عقل الإنسان الغربي وﻧﻬى عنه؟

ثم إن إثبات الخالق يقتضي بداهة النظر في علاقته بالمخلوق. وعلاقة الخالق بالمخلوق، إمّا أن يحدّدها الخالق أو يحدّدها المخلوق. أمّا المخلوق فلا يصلح لتحديد علاقته بالخالق، لعجزه وقصوره ومحدوديته، ولعدم علمه

بإرادة الخالق منه ما لم يعلمه الخالق نفسه. لذا، فإ ّ ن تحديد علاقة الخالق بالمخلوق، للخالق نفسه.

بناء عليه، فمن حدّد علاقة الخالق بالمخلوق التي اقتضت وفق التصور الغربي فصل الدّين، أو نظام الخالق عن الحياة. فإن قيل حدّدها المخلوق، فباطل، وما أدرانا أﻧﻬا إرادة الخالق. وإن قيل حدّدها الخالق، فأين الدليل.

الدليل عند العقل الغربي هو عبارة الإنجيل: "ردّوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله". وهو دليل باطل؛ لأنّه قد

يعطي مشروعية الفصل للنصارى إلا أنّه لا يعطيها لغيرهم. فبطل أن تكون العلمانية عقيدة للإنسان ككل.

 

4. إن العقيدة العلمانية عقيدة مخالفة لفطرة الإنسان. ذلك أنّها باعترافها الضمني بالدّين، تقرّ بغريزة التديّن

المفطور عليها الإنسان، وبإقرار العلمانية بالدّين فإنّها تشبع غريزة التدّين في الإنسان إشباع تقديس وعبادة. إلا أن التدّين لا يظهر في التقديس فقط، إنما يظهر أيضا ويبرز في العجز والاحتياج، فلما فصلت العلمانية بين الدّين والحياة، فإنّها نفت واقع عجز الإنسان واحتياجه، أي أنكرت جزءا من الفطرة الإنسانية وتجاهلته.

فالعلمانية جعلت من الدّين علاقة شخصية بين الخالق والمخلوق، أي اعترفت به من ناحية أنّه تقديس وعبادة، وتجاهلت شعور الإنسان بالعجز والنقصان الذي يظهر في تدبيره لشؤونه. والإنسان في تدبيره لشؤونه في الحياة، أي في تنظيم سلوكه المتعّلق بإشباع غرائزه وحاجاته العضوية، يظهر عليه الاختلاف والتناقض. وظهور التناقض والاختلاف في تدبير الإنسان لشؤونه يد ّ ل على عجزه واحتياجه إلى الخالق المدبّر. لهذا كان من الفطرة الإنسانية أن يكون الدّين، أي النظام الذي أمر به الخالق المدبّر، العليم بخبايا الإنسان، أساس تدبير شؤون الإنسان.

والحاصل، فإن العقيدة العلمانية عقيدة باطلة لمخالفتها العقل والفطرة.

 

2. فساد العلمانية كقاعدة فكرية

العلمانية أو فصل الدّين عن الحياة هي قاعدة الغرب الفكرية التي تبنى عليها أفكاره، وتنبثق عنها أحكامه.

والمراد من ابتناء الأفكار قياس ك ّ ل فكرة على الأصل، فإن وافقت الأصل، قبلت، وإن خالفت الأصل، ردّت. من ذلك القول بوجود خالق مدبّر، فهي فكرة مخالفة لأصل العلمانية التي تنفي التدبير عن الخالق، إذ لا معنى لاعتباره مدبّرا إلا ربط الدّين بالحياة. وأمّا انبثاق الأحكام فالمراد منه صدور المعالجات المتعلقة برعاية الشؤون في الحياة عن مصدر تقرّ به الفكرة الأساسية أي العقيدة. والمصدر الذي أقرّته العقيدة الغربية هو الإنسان أو العقل، إذ بنفيها علاقة الدين بالحياة أقرّت بأصل جعل التشريع للإنسان.

والعلمانية كقاعدة فكرية فاسدة، والدليل على فسادها ما يلي:

1. العلمانية في واقع الأمر لم تقرّر حقيقة الوجود من حيث هو أزلي أم مخلوق لخالق، ولم تبحث الأمر لإعطاء الجواب النهائي القاطع فيه، واكتفت بفصل الدّين عن الحياة. وفكرة فصل الدّين عن الحياة فكرة متناقضة تحوي في ثناياها جملة من المتناقضات، فهي تقرّ بالدّين من جهة، وتنفي وجوده من جهة أخرى، تثبت الخالق، وتنفي الصلة به، وتثبت يوم البعث، وتنفي الغاية منه، وتثبت الحساب، وتنفي أعماله، وتعترف بأن الإنسان مخلوق محدود وعاجز، ثم تجعل منه إلها مشرّعا حاكما، وتعترف بعدم أزلية الحياة الدنيا، وتزرع في الإنسان حبّ الخلود والركون إلى الأرض. لذلك كان التناقض من ميّزات هذه القاعدة الفكرية، وكانت الأفكار التي بنيت عليها متناقضة تجمع بين الأضداد، وبين الحقّ والباطل.

فلا عجب إذن أن يقرّ العقل الغربي بفكرة دارون مع أنّه يعترف بفكرة الخلق ووجود الخالق، أو أن يعترف

بقداسة الكنيسة مع أنّه يحارﺑﻬا. ولا عجب أن نجد الدساتير الغربية تنصّ على الفصل بين الكنيسة والدولة، مع أنّها تنصّ على حكم الشعب نفسه بنفسه. فلو آمن الغربيون بالدّين كمنظم لشؤون الحياة، لناقض هذا وجوب الفصل بين الدّين والحياة، ولو ألحد الغربيون، وأنكروا وجود الدّين، لناقض هذا مادة دستورية، إذ لا معنى لها مع وجود شعب ملحد.

2. بنيت العلمانية على أساس الحل الوسط، لذلك كانت الوسطية أبرز ما يميّز القاعدة الفكرية الغربية، وكان التوسط بين الحقّ والباطل من ميزات الأفكار والمعالجات الغربية. فلا توجد عند العقل الغربي حدود فاصلة بين الخير والشرّ، وبين الحقّ والباطل، وبين النور والظلام، فهو يبنى كل الحلول والمعالجات، الفكرية منها، والسياسية، والاقتصادية، واﻟﻤﺠتمعية، على أساس الحل الوسط. ولذلك كانت الوسطية أسمى صفة يتميّز ﺑﻬا الغربي، سواء أكان مفكرا أم سياسيا، رجل دنيا أم رجل دين، وكانت أرقى صفة توصف ﺑﻬا المعالجات والحلول.

وعليه، فإن العقل الغربي لا ينظر مثلا إلى فلسطين كمسألة حقّ هو للمسلمين أو اليهود، إنما يقسمها بينهم

ويعتبر التقسيم أعدل الحلول. والعقل الغربي لا ينظر إلى فكرة العدالة الاجتماعية، وحقوق العمال والنقابات، كفكرة مضادة للرأسمالية، بل يرّقع ﺑﻬا فكرته الأصلية، ويصوغ منهما الديمقراطية الاشتراكية، ويعتبرها أرقى الأنظمة. وترى التشريعات والقوانين الغربية تسير وفق المقياس الوسطي، فتوضع المقترحات ويدور النقاش حولها من أجل إيجاد صيغة وسطية يقرّها الساسة والبرلمانيون بالإجماع. فليست المسألة عندهم مسألة صواب وخطأ، أو حقّ وباطل، إنما مسألة إيجاد تسوية بين الأطراف المختلفة.

3. بما أن العلمانية تفصل الدّين عن الحياة، فإنّها تقول بانبثاق المعالجات التي ترعى ﺑﻬا شؤون الإنسان في

الحياة، عن الإنسان نفسه. لذلك كان العقل هو الذي يعيّن الخير والشرّ، والحسن والقبح، وكانت السيادة

للإنسان، فيسير في الحياة وفق النظام الذي يريده ويختاره. وهي نظرية فاسدة لأن الإنسان عاجز عن وضع

نظام دقيق، لا يرى فيه التفاوت والاختلاف. ونظرة إلى واقع الغرب تري مدى التفاوت والتناقض في

التشريعات التي وضعها العقل الغربي، حيث أصبحت اﻟﻤﺠتمعات حقل تجارب يجري الحقوقيون، والمشرّعون،

والساسة، تجارﺑﻬم عليهم، فما من حقّ إلا وقيد، وما من قانون إلا وغيّر أو عدّل، وما من مادة إلا وألحقت ﺑﻬا عشرات التأويلات والتفسيرات، حتى أضحى الدستور لعبة بين أيدي السّاسة يغيرون فيه ويعدّلون في كل يوم مادة. ولقد طالت أيدي العبث أسس المبدأ الرأسمالي وقيمه، فعدّل الغرب من فكرة الحرية، وحقوق الإنسان، من خلال قوانين مكافحة الإرهاب، وهو أمر يد ّ ل على فساد هذه القاعدة الفكرية، وعدم قدرﺗﻬا على إيجاد معالجات للواقع إلا بتغيير أسسها وتعديل المفاهيم المنبثقة عنها.

 

3. فساد العلمانية كقيادة فكرية

العلمانية قيادة فكرية، لأنّها تقود من يعتنقها في الحياة، فتعيّن له وجهة نظر، وتحدّد له نمط عيش. أمّا وجهة

النظر العلمانية فمبنية على أساس المنفعة، إذ تصور الحياة كمنفعة، وترى السعادة في النهم من الملذات الدنيوية والتمتع بالمتع الجسدية، لذلك فهي لا تقيم لغير القيمة المادية وزنا، ولا توجد فيها قيم روحية، ولا أخلاقية، ولا إنسانية. وأمّا نمط الحياة الذي قادت إليه العلمانية معتنقيها، فهو نمط يتمّثل في الحريات، والفردية. والعلمانية كقيادة فكرية فاشلة، لأنّها لم توفر للبشرية السعادة الحقّ، ولم توجد لدى معتنقيها طمأنينة وسكينة.

فقد جرّت هذه القيادة الفكرية، بوجهة نظرها النفعية ونمط عيشها الاباحي، الويلات على الأمم والشعوب، إذ عرفت البشرية في عهدها الحروب العالمية، ومعتقلات النازية والفاشية، والجريمة المنظمة، وفقر الملايين من الناس وموﺗﻬم جوعا، وجلبت معها الأمراض النفسية كالإكتئاب، والأمراض الجسدية كالإيدز، وتفشت معها الإباحية الجنسية، وتفسخت بناء عليها الروابط الاجتماعية والعائلية، وأنتجت ثقافة الاغتصاب والعنف، وأفرزت فكرة الانتحار. وقد نشرت صحيفة "ألخماين بلاد" الهولندية ALGEMEENBLAD" بتاريخ 2001/12/18 م عن المكتب المركزي للإحصائيات، إحصائية مفادها انتحار أربعة أشخاص يوميا ﺑﻬولندا وأمريكا، وحوالي ثمانية أشخاص يوميا ببلجيكا. وأشارت إلى أ ّ ن معدل الانتحار ثابت منذ سنة 1980 م. لذلك فإن القيادة الفكرية الغربية قيادة فاشلة نظريا وعمليا.

 

4. الخلاص

يقول كولن ولسون في (سقوط الحضارة) : "أنظر إلى حضارتنا نظري إلى شيء رخيص تافه، باعتبار أﻧﻬا تُمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية." و يقول المؤرخ أرنولد توينبي: "إن الحضارة الغربية مصابة بالخواء الروحي الذي يُحوّل الإنسان إلى قزم مشوّه يفتقد عناصر الوجود الإنساني، فيعيش الحد الأدنى من حياته، وهو حد وجوده المادي فحسب، والذي يُحول اﻟﻤﺠتمع إلى قطيع يركض بلا هدف، ويُحول حياته إلى جحيم مشوب بالقلق والحيرة والتمزق النفسي". ويقول روجر تري في كتابه (جنون الاقتصاد) :" يعرف الأمريكيون أن هناك خطأ ما في أمريكا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والأهمّ من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ..وكل ما بإمكاﻧﻬم هو الإشارة إلى أعراض المرض فقط...وفي الحقيقة فإن بعض ما يسمّى حلولا يزيد الطين بّلة، ذلك إن تلك الحلول تحاول أن تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي أفرز تلك النتائج ويقول الكاتب والسياسي الفرنسي أندري مالرو Malraux André (ت 1976 م): "حضارتنا هي الأولى في التاريخ التي تجيب على سؤال: ما معنى الحياة؟ بلا أدري".

 

إن خلاص الإنسان الغربي، وخلاص العالم بأسره، يكمن في التخلص من العقيدة العلمانية، وأخذ عقيدة تحل عقدة الإنسان الكبرى ح ّ لا يقنع العقل ويوافق الفطرة فيملأ القلب طمأنينة وسكينة.

والعقيدة الحقّ هي التي توجد لدى الإنسان فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، وعن علاقتها جميعا بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها، إذ بناء على هذه الفكرة الكلية يستطيع الإنسان أن يحدّد معنى وجوده، والغاية منه، وبالتالي يحدّد مفاهيمه عن الحياة الدنيا، فيكيّف وفقها سلوكه.

والطريق إلى إيجاد فكرة كلية لدى الإنسان هو التفكير المستنير، وليس الوسطية، أو الهرب من الإجابة عن

أسئلة الإنسان المصيرية، من أين أتيت، ولماذا أتيت، وإلى أين المصير.

وكل من كان له عقل يدرك من مجرّد وجود الأشياء التي يقع عليها حسّه، أ ّ ن لها خالقا خلقها. فالأصل في الأشياء المدركة أن تكون ممكنة لذاﺗﻬا، أو مستحيلة لذاﺗﻬا، أو واجبة لذاﺗﻬا. فالممكن لذاته، حكم على شيء يوصف بمقتضى العقل بأنه ممكن وجوده أو عدمه لذاته. وهذا الحكم أي حكم إمكان الوجود يقابله حكم وجوب الوجود واستحالته. من ذلك وقوع حسّ الإنسان على طاولة، يثبت أحكاما عقلية بديهية متعّلقة بوجود الطاولة، إذ هي بالنسبة لذاﺗﻬا ممكنة الوجود؛ لأن وجودها مرتبط بصانعها. وأمّا الصانع بالنسبة للطاولة، فحكمه وجوب الوجود؛ لأن وجوده سبب لوجود الطاولة. وهكذا، فإن الكون والإنسان والحياة من قبيل الممكن وجوده، ووجودها يدل على وجوب وجود من أوجدها. وواجب الوجوب هو الخالق، وهو الله سبحانه وتعالى.

وإيمان الإنسان المخلوق بوجود خالق، يقتضي البحث في وجود علاقة للخالق بالمخلوق. وّلما كان الإنسان

عاجزا عن تحديد طبيعة علاقته بالخالق، فإن العقل يقتضي أن يتوقف الإنسان عن تحديدها، وأن يترك أمر

تحديدها إلى الخالق ذاته. وقد عيّن الخالق سبحانه وتعالى كيفية ربطه لعلاقة بالمخلوق، فبعث الرسل إلى

البشرية، ومنهم موسى إلى قومه، وعيسى إلى قومه، ومحمد إلى الناس كافة.

وللتّأكد من صدق رسالة الرّسول ونبوّته، فإن العقل يقتضي إقامة البرهان من الرسل على رسالتهم، فتطلب

ذلك إظهار المعجزات التي ليس للبشر القدرة على الإتيان ﺑﻬا عادة. فكانت معجزات من موسى، ومن عيسى ومن غيرهما من الأنبياء، إلا إنّها معجزات نقلية خبرية لا واقع لها الآن، والمعجزة الوحيدة التي يقع عليها حسّ الإنسان، ولا زال التّحدي قائما ﺑﻬا، هي المعجزة التي أتى ﺑﻬا محمد من الله وهي القرآن.

والتثبت من المعجزة يكون بطريقتين: بالإدراك المباشر أو الاستدلال. من ذلك لما انقلبت عصا موسى عليه

السلام إلى حية تسعى، أدرك السحرة أن هذا معجزة وليس بسحر، فوقفوا على المعجزة بأنفسهم، وتيقنوا من صدق موسى. وأمّا غير السحرة، فوقفوا على المعجزة من عجز السحرة على الإتيان بمثلها وتسليمهم لموسى ﺑﻬا، فكان طريق الاستدلال سبيلهم إلى الإيمان. وكذلك الشأن بالنسبة للقرآن، إمّا أن يقف المرء مباشرة على كونه معجزا لا يمكن الإتيان بمثله، أو يستدل بعجز العرب جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، على الإتيان بمثله مع تحدّيه لهم.

ثم إن القرآن إمّا أن يكون من العرب، أو من محمد، أو من الله تعالى. وقد بطل أن يكون من العرب؛ لأنّهم لم ينسبوه إلى أنفسهم، وعجزوا عن الإتيان بمثله مع تحدّيه لهم. وبطل أن يكون من محمد؛ لأنّه عربي فيصدق عليه ما يصدق على العرب كّلهم. ثم إن محمدا تكّلم بكلام كثير، ومن كلامه ما روي من أحاديث متواترة، ولو كان القرآن من كلامه لأدّعى الإعجاز في كلامه كّله، لا في بعضه، إذ لا معنى أن يدّعي الإعجاز في جزء مع قدرته عليه في الكل. وبما أنّه بطل أن يكون القرآن من العرب، أو من محمد، فيكون قطعا من الله تعالى، ويكون معجزة لمن أتى به.

وعليه، فإن الإيمان بالله، وبرسالة محمد أي الإيمان بالعقيدة الإسلامية مبني على العقل، ومستند عليه، لذلك

كانت العقيدة الإسلامية عقيدة عقلية.

والعقيدة الإسلامية عقيدة موافقة لفطرة الإنسان، لأنّها تشبع غريزة التّدين فيه، وتقرّ باحتياجه إلى الخالق

المدبّر، وتجعل الدّين أي النظام الذي أمر به الله تعالى هو المدبّر لأعمال الإنسان، فيرعى به شؤونه ويعالج به

مشاكله. لذلك كانت العقيدة الإسلامية، كقاعدة فكرية، وقيادة فكرية، مقنعة للعقل، موافقة للفطرة، ينتج

عنها طمأنينة وسكينة، وكانت هي خلاص الإنسان.

أبو زين أوكاي بالا

عضو ممثل لحزب التحرير – هولندا

 

رابط هذا التعليق
شارك

هناك نقطة قد تكون مفيدة في فهم النفسية الاوربية

 

فالاوربيون كانوا وثنيين قبل التحول الى النصرانية

والوثني بطبعه منخفض فكريا

ولما جاءت النصرانية , لم تخاطب العقول بقدر ما خاطبت الغريزة -غريزة التدين - لديهم

لانها وصلتهم بعد المسيح عليه السلام بوقت ليس بقصير

وقد كانت التحولات في العلاقة بين الكنيسة والحكام في فترة لاحقة , وتحول الكنيسة الى اداة بيد الحكام في ذلك الزمان من جهة وفساد تلك الكنيسة من جهة اخرى

وما نتج عنه من الاضطهاد والظلم والانحطاط ......كل هذا مجتمعا ادى بالاوربيين الى ان يختاروا شيئا يكون نقيضا للدين بغض النظر عن صحة الفكرة

وقد قيل ان النصرانية لم تدخل قلوب(او قيل عقول) الاوربيين قط .

ولعل هذا ما جعلهم يقبلون بالعلمنة بغض النظر عن مدى صحتها

فهم يرفضون الدين ابتداء ثم يناقشون ما يأتي بعد هذه النقطة من نقاط

وحتى الاشتراكيين

فقد بدؤوا من نفس النقطة اعلاه , وان كانوا قد اصلوا لرفضهم للدين تاصيلا فكريا, بخلاف جمهور الاوربيين الذين لم يعنيهم نقاش صحة الدين من عدمه(نظرة وثنية)

والله تعالى اجل واعلم

رابط هذا التعليق
شارك

  • 7 months later...

أعتقد أن الاشتراكية و الرأسمالية كلاهما يتصف بالعلمانية. كنت قد دخلت عدة نقاشات مؤخرا مع بعض الناس العلمانين. الذين يرتدون رداء الإسلام. لفت نظري أن المداخل التي يدخلونها في نقاشاتهم كثيرا ما تكون خطيرة إذا لم يع عليها من يناقشهم...هم يتجنبون ذكر العلمانية لأنهم يعلمون أن الأمة ستلفظهم...فيطرحون أسئلة تبد بريئة و لكنها على غير ذلك.

 

المهم أن ذلك قادني لبض القراءة حتى أفهم منهجهم. مما أعجبني فعلا و كتاب من جزأين متوفر مجان على الانترنت عن العلمانية و العلمانيين العرب و نظرتهم للإسلام. لمصطفى باحو. يرجع فيه إلى تعريف العلمانية في الغرب و عند من تبناها من العرب. و يضع تعريفه ههو لها بأنها تقوم أصلا على انكار وجود الخالق و ليس فقط فصل الدين عن الدولة...

 

مما لفت نظري في نقاشي مع العلمانيين و حملهم على الامم الشافع..و كذلك قولهم بأنهم على منج المعتزلة مثلا! يقول باحو في كتابه أن تلق هؤلاء العلمانيين بالمعتزلة كالسراب يحسبه الظمآن ماء و أنه يعمل على كتاب بهذا الخصوص. أنا شخصيا أود أن أعلم كيف أن المعتزلة براء مما يحول العلمانيون التعلق به اليوم. فمن كان عنده مرجع بهذا الخصوص فليتكرم به

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...