اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

خرافة الدولة العميقة


ياسر صابر

Recommended Posts

خرافة الدولة العميقة

د. ياسر صابر 07.12.13

 

بعدما فشلت تجربة التيار الإسلامى "المعتدل" فى الحكم، بدأ الحديث يكثر عن الدولة العميقة، ودورها فى إفشال هذه التجربة، وبدأت تكثر المقالات والأبحاث التى تصف واقع الدولة العميقة وآلياتها فى العمل. والحقيقة أن إقحام مايسمى بالدولة العميقة ماهو إلا محاولة للقفز عن حقائق، آثر البعض تجاهلها متعمداً. وبعدما تم إقصاء التيار الإسلامى الحاكم فى مصر بإنقلاب عسكرى تم إستدعاء فكرة الدولة العميقة، ليُعلق الجميع عليها فشله، ويهرب من الأسئلة الهامة عن طريقة التغيير الصحيحة، التى يتم بموجبها تطبيق المشروع الإسلامى، أو بكلمات أخرى ماهى الطريقة التى يتم بها إيصال الإسلام إلى الحكم؟

 

إن الشىء الأساس الذى لم يستوعبه الإسلاميون الذين هرولوا إلى الحكم فى نظام لم يسقط بعد، هو أن الدولة لايمكن أن تتحمل هويتين، فإما دولة إسلامية تقوم على أساس الإسلام، وإما دولة علمانية تقوم على فكرة فصل الدين عن الدولة. والخطيئة الكبرى التى إرتكبها الإسلاميون هو تصورهم الخاطىء من أن هناك هوية مابين الهويتين وهى التى أطلقوا عليها "دولة مدنية بمرجعية إسلامية" فمثل هذه الفكرة تعتبر فكرة خيالية لايمكن أن توجد.

 

فالدولة بطبيعتها لاتقبل أن يكون لها رأسان، وإذا وجد مثل هذا فلايمكن أن يكون الأصل، بل هو مرحلة مؤقتة حتى يتم تحطيم أحد الرأسين للأخر، وهذا ماحدث بالفعل بالإنقلاب، حيث أزاح العسكر الإسلاميين من الحكم، وتبعه ماتبعه من عواقب ونكسات مازالت تئن مصر منها إلى الأن.

 

إذاً التوصيف الدقيق لما حدث فى مصر أن الدولة قد لفظت رأساً غريباً عنها، لم يستطع إدراك حقيقة الفروق بينه وبين الجسد. وليس كما يحاول البعض تأويله أن الدولة العميقة هى التى حالت دون نجاح الإسلاميين فى الحكم. فالرأس الإسلامى لايمكن أن ينسجم مع جسد علمانى إلا ويتم لفظه بعيداً عن الجسد.

 

ولربما من قائل : إن أصحاب مشروع الدولة المدنية بمرجعية إسلامية، ليسوا أصحاب مشروع إسلامى حقيقى بعدما تنازلوا عن كل شىء، وقبلوا بأن يحتكموا إلى النظام الدولى بجميع قوانينه فلماذا لم ينسجموا مع الجسد الذى هو الدولة العلمانية؟

 

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إنهم وإن تنازلوا عن ثوابت الإسلام المتعلقة بالحكم، إلا أنهم أصيبوا بحالة إنفصام، صعَّبت عليهم الإنسجام مع أنفسهم إبتداءً، على العكس من قدوتهم رجب طيب أردوجان، الذى لم يجد حرجاً ليصرح فى أرض الكنانة "بأنه مسلم يرأس نظاماً علمانياً تحت دستور علماني"، فكان بذلك منسجماً مع نفسه أولاً، ثم مع الدولة التى يحكمها. أما صراعه مع الجيش فلم يكن صراعاً فكرياً بل صراعاً داخل المنظومة العلمانية بسبب إختلاف الولاءات والتبعيات السياسية لاأكثر.

 

أما تجربة الإسلاميين فى مصر فإنهم لم يستطيعوا حل مشكلة التناقض بين مطالب الجماهير العريضة التى تؤيدهم، لالشىء إلا حباً فى الإسلام، وبين النظام الدولى الذى أخضعوا أنفسهم له.

 

أضف إلى ذلك غياب التصور الكامل للحكم ، فلو أمتلك هؤلاء مشروعاً علمانياً له معالم واضحة فى تسيير الدولة إجتماعياً وإقتصادياً وخارجياً، لربما إستطاعوا أن يحكموا مصر، ولكن حتى هذه فلم يملكوا لها تصوراً، وبذلك تفوق عليهم أردوجان فى هذه الجزئية. وبكلمات أخرى نجمل القول أن أصحاب مشروع الدولة المدنية بمرجعية إسلامية لم يمتلكوا أى مشروع للدولة لاإسلامى ولاعلمانى!

 

إن الإسلاميين " المعتدلين" لم يكونوا بحاجة إلى هذه التجربة المؤلمة حتى يتم لفظهم، لو أدركوا الطريقة الصحيحة للتغيير، والتى تهدف إلى بناء دولة وليس مجرد إستلام حكم، وهذه لايمكن أن تتم إلا ببناء الأساس الفكرى لهذه الدولة. والبناء الطبيعى لهذه الدولة يتم بحمل مشروع فكرى سياسى منبثق عن عقيدة الأمة تتم الدعوة له بين الناس، حتى يصبح الرأى العام له، ليس هذا فحسب بل يتم تشكيل الرأى العام لهذا المشروع بوصفه واجباً شرعياً يجب على الناس العمل من أجل وضعه موضع التنفيذ، أو بكلمات أخرى يتشكل هذا الرأى العام عن وعى وإدراك ، وليس مجرد إنجرار خلف مصلحة، حتى لو تعلقت بتحسين سبل الحياة. إن الرأى العام المنبثق عن وعى، يجعل الناس تهب للتغيير وتضحى بالغالى والنفيس من أجله لأنه قربة إلى الله.

 

حين تتم صياغة الرأى العام صياغة مبدئية، قائمة على العقيدة الإسلامية، يكون عندها التغيير من أسهل مايكون، لأن هذه الدولة المسماه بالعميقة ستصبح جسماً غريباً فى المجتمع، وبالتالى سقوطها يصبح ضرورة ملحة لايمكن أن ينسجم المجمتمع بها.

وعند ذلك سيكون العمل لإيصال الإسلام إلى الحكم بكسب الجيش لهذا التغيير لا الإصطدام معه، وبذلك يتبنى أهل القوة فى هذه الحالة المشروع الذى تبناه الناس، ليس هذا فحسب بل سيبذلون فى سبيله المُهج، ليس فقط لأن لهذا المشروع رأياً عاماً، بل لأنه المشروع الذى ينبثق عن عقيدة الأمة وبالتالى فهو المشروع الذى يحرر هذه الجيوش من التبعية للغرب ويعيدها جيوشاً حامية للعقيدة.

 

هكذا يكون التغيير النظيف الذى لايكلف الأمة قطرة دم واحدة تُسفك، وبهذه الطريقة لايكون الإصطدام مع مؤسسات موجودة بالفعل، بل يكون بإزالة الأساس الفكرى الذى قامت عليه، وبناء أساس فكرى جديد لها. فيتحول الشرطى الذى تربى على معاداة شعبه إلى رجل أمن يبذل مهجته فى الدفاع عنه، ويتحول رجل الإقتصاد الذى مارس عمله على أساس الفكر الرأسمالى، إلى رجل إقتصاد يمارس عمله على أساس الإقتصاد الإسلامى، ورجل القضاء الذى يفصل فى المحاكم على أساس القانون الفرنسى الذى وضعه المستعمر ، يتحول هو نفسه إلى قاضى يفصل فى الخصومات بين الناس على أساس الإسلام ، ويستنبط أحكامه بإجتهاد شرعى من الكتاب والسنة بدل أن يجتهد فى نصوص كتبها روسو وفولتير.

لو تمت قراءة سيرة الرسول قراءة تشريعية، لكفى ذلك الحركات الإسلامية، لتستنبط طريقة تغيير شرعية تكاد تنطق وقائعها فى كل جزيئاتها بما نعيشه اليوم حرفياً، ولكن الركون إلى العقل فى إختراع طريقة للتغيير، يؤدى حتماً إلى أن يضل العاملون للتغيير طريقهم نحو مايصبون إليه، بل ربما تُجبرهم أخطاؤهم إلى أن يتحولوا إلى المحلل الشرعى للأنظمة التى وجب عليهم إزالتها.

 

Twitter @dryassersaber

رابط هذا التعليق
شارك

(هكذا يكون التغيير النظيف الذي لا يكلف الامة قطرة دم واحدة تسفك) كل الاحترام و التقدير للدكتور ياسر صابر المبجل. و لكن هل هذا ممكن على ارض الواقع؟؟؟؟؟ هل يمكن احداث التغيير المنشود و ازاله انظمه دمويه من جذورها دون بعض الدماء هنا و هناك؟؟؟؟؟؟؟ و لنا في ثورة الشام الدليل الساطع على ذلك.فهناك الكثير ممن ربطوا حياتهم و مصيرهم بحياةالانظمة القائمه.

رابط هذا التعليق
شارك

اخي بصير الدكتور ياسر يعلم جيدا المراحل التي تمر بها الدعوة من اجل بناء الكيان التنفيذي لمجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات القائمة و المنبثقة على, لا اله الا الله محمد رسول الله, تكون على وعي تام وفهما صحيحا في من يريد تغييرهم.ومن المعلوم عنده ايضا بمراحل الدعوة الأولى بقيادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد سفكت فيها الدماء الطاهرة والزكية,بالمقارنة مع الطرق القائمة على غير اساس الاسلام العظيم انها مكلفة جدا ولن تحدث التغيير المطلوب شرعا ونتائجها كارثية و ظاهرة للعيان,وقوله (يكون التغيير النظيف الذي لا يكلف الامة قطرة دم واحدة تسفك).أي في غير محلها ولن تكون مثل ما نراه الان بالآلاف,يراها البسطاء شهداء وهم في حقيقتهم يتساقطون هلكة.واختم بكلمة حول الدولة العميقة,الدولة العميقة في الدول الغرب المستعمر هي تكمن في امرين ,الامر الاول هو المبدأ الرأسمالي وهو الحارس والمحافظ على الامر الثاني الذي هو ارباب المال والاعمال في هذه الدول التي وجدت من اجلهم.اما الدولة العميقة في بلادنا فهو المستعمر الغرب الرأسمالي يمسك بخيوط الدولة الرئيسية اماكن السيادة فيها قادة الجيوش والوسط السياسي,والعمل المطلوب تجاههم هو تعريتهم وفضحهم للامة لكي تلفظهم لفظ النواة لانهم هم اداة الغرب الكافر المستعمر الذي يمسك به الامة من ان تتحرر من قبضته التي وضعتها في ذيل الامم ,وليس العمل معها وبها ضمن منظومة الغرب الكافر المستعمر للتغيير كما يفعل المعتدلين الان من ابناء امتنا.قال تعالى (عتل بعد ذلك زنيم ) .

تم تعديل بواسطه طارق
رابط هذا التعليق
شارك

سؤال لمن يريد الجواب عليه.كم قطرة دم سقطت عندما انتقلت الدعوة من مرحلة التفاعل الى مرحلة التي تليها الدولة,على حد علمي المتواضع لم تسقط قطرة دم واحدة.

 

وعمار وياسر وسمية والكثير منهم ماذا تسميهم ؟

رابط هذا التعليق
شارك

في البداية اشكرك على تفاعلك مع السؤال اخي اعصار الشام.اقول في آل ياسر ما تقول,والسؤال لا ينحو هذا المنحى الذي ذهبت اليه,بل تساءلت عن مرحلة دقيقة لا اقول بالاستلام الحكم لانها فيها شبهة هذه الكلمة فتجنبتها بالمرحلة التي تليها وهي التمكين والحكم بالاسلام العظيم,وهي كذلك اقامة دولة وولادة امة بعد مخاض عسير.واوضح اكثر عندما هاجر قائدنا للأبد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الى المدينة المنورة واخذا الحكم من اهلها واصبح هو صاحب الحكم والسلطان عليهم برضاهم وتحولت السيادة من ...الى الله تعالى ورسوله عليه السلام السؤال هنا كم زهقت من نفس جراء ذلك.

رابط هذا التعليق
شارك

في ظلال ما هو معلوم من ارتباط قيادات الجيوش بالغرب الكافر ارتباطا سياسيا وفكريا يصعب تصور ان تتم عملية تسليم الحكم بطريقة انقلابية بيضاء سيما وان الرهان في تسليم الحكم ليس قائما على الحلقة الاولى من قيادات الجيوش(وزير الدفاع ورأيس الاركان واركان الجيش)فهؤلاء من الاخلاص لاسيادهم الكفار الغربين وعمق تعلقهم بالثقافة الغربية وثراءهم الفاحش وازدراءهم للاسلام وجهلهم به جهلا مطبقا وتوريط الكافر المستعمر لهم اخلاقيا وسيطرة هاجس انتقام الشعوب منهم على نفوسهم يجعلهم ليس مؤملا ان يعطوا النصرة وحسب بل يجعلهم اكثر ان لم يكن من أوائل من سيحاربون عملية تسليم الحكم للاسلام,,الامر الذي يرجح معه ان تكون عملية تسليم الحكم اشبه بعملية ولادة متعسرة تسيل فيها بعض الدماء وتاخذ وقتا ليس اعتياديا الوضع الذي قد يضطر فيه الى انتزاع المولود انتزاعا باللجوء الى شق البطن والمولود هنا هو دولة الاسلام والبطن هم قيادات الجيوش والسياسيين العلمانيين وادوات الجراحة هم من اعطوا النصرة ممن هم دون القيادات رتبة وتولوا عملية تسليم الحكم للاسلام

 

لكن يمكن فهم قول الاخ ياسر صابر في السياق اللغوي وأفانينها للمبالغة في وصف الصعوبة والسهولة

رابط هذا التعليق
شارك

الأخوة الكرام حياكم الله

 

صراع الحق والباطل لايخلو من الإبتلاءات ومنها القتل والتعذيب والتشريد وغيرها ، وهذا لايمكن أن ننفيه فهذه سنة لاتتخلف فى صراع الحق والباطل.

 

 

كما لاينبغى فهم الكلام الذى أتى فى المقال فى سياق الأحداث التى تعيشها الأمة الأن ، بل فى السياق الذى تحدث عنه المقال وهو العمل بشكل مبدئى لتكتيل الأمة خلف مشروع حقيقى ينبثق عن عقيدتها. فالمشروع الإسلامى الحقيقى يقطع الطريق عن الفئة المجرمة خالصة الولاء للكافر ، ويجردها من قوتها لأنها ستكون فى مقابل أمة إختارت طريقاً لارجعة فيه. وهذا الواقع لم نعشه بعد ، ولكن تأخر هذا الواقع عنا لاينبغى أن يبعدنا عن تصوره ، وعن حقيقته.

الأمة قدمت دماءً كثيرة ماكانت لتسيل لو إنتهجت الأمة الطريق الصحيح.

 

تذكروا قديماً كنا ننصح الشيوخ والعلماء أن يوجهوا نداءات للجيوش لتنصر مشروع الخلافة ، وكان رد العلماء فى حينها : أنترك دماء المسلمين تسيل وندعو إلى الخلافة ؟ وهاهى الدماء قد سالت وتسيل !!

 

الأمة بها خير كثير مدفون فى تربتها، هو نتاج 1400 عام من الحضارة التى لايمكن أن تتلاشى بمجرد سقوط دولتها ، مانريده إخراج هذا الخير وتركيزه ولايمكن أن يتم هذا إلا بالمشروع الحقيقى الذى لايوجد غيره

 

وهو مشروع الخلافة

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...