اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

معالم الإيمان المستنير / سلسلة حلقات من المكتب الإعلامي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

 

المعلم الأول: لفت النظر إلى مكونات الكون

 

 

 

 

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: أخرج القرطبي في تفسيره عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "إن مما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم, وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم, ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه, و بين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه, فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه, ومن دنياه لآخرته, وفي الشبيبة قبل الكبر, وفي الحياة قبل الممات, فو الذي نفس محمد بيده, ما بعد الدنيا من مستعتب, وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المؤمنون:

سنكون معكم على مدار حلقات عدة, بقدر ما يفتح الله به علينا في هذا الكتاب المسمى"معالم الإيمان المستنير" نتأمل وإياكم معالم ديننا الحنيف, دين الإسلام العظيم؛ لننتهي إليها كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بوحي من الله جل في علاه, ومع المعلم الأول نتناول فيه موضوع: "لفت النظر إلى مكونات الكون" نقول وبالله التوفيق:

 

أيها المؤمنون:

لا يمكن للإنسان أن يؤمن بشيء إيمانا صحيحا على نحو القطع واليقين إلا إذا علمه وصدقه تصديقا جازما وأقام عليه الدليل. لذا لفت الله تعالى عقل الإنسان للنظر في الكون والإنسان والحياة في كثير من الآيات في القرآن الكريم؛ لأن أكثر شيء يثق به الإنسان هو عقله، ومن خلال العقل يحكم على الأشياء التي يقع عليها حسه فيصدق بها ويطمئن لها قلبه. وهذه الأشياء التي تقع تحت حسه موجودة قطعا؛ لأن حكم الحواس كالسمع والبصر على وجود الشيء المحسوس قطعي لا يقبل الشك والارتياب. وبالعقل يتميز الإنسان عن الحيوان، و به جعله الله تعالى مكلفا، أي مطالبا بالإيمان والعمل بشرع الله، حين أمره ونهاه.

 

أيها المؤمنون:

خاطب الله الإنسان في كثير من الآيات؛ لأنه يعقل، قال تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولـكن تعمى القلوب التي في الصدور). (الحج 46) أي: يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد. ومن لم يستعمله فقد شبهه الله بالدواب التي لا عقل لها، قال تعالى: ( إن شر الدواب عند اللـه الصم البكم الذين لا يعقلون). (الأنفال 22)

 

والأشياء التي يقع عليها حس الإنسان هي التي يعقلها ويدركها. وما لا يقع عليها حسه لا يعقلها ولا يدركها. فهو يدرك الكون وما يوجد فيه من مجرات ونجوم وكواكب وشهب ونيازك، والشمس والقمر.

 

وما يوجد في الأرض من أنهار وبحار وجبال، وسحب ورياح وأمطار، وحيوانات وحشرات، وأشجار ونباتات وأزهار، وليل ونهار. وزلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات وبرق ورعد. وكلها آثار محسوسة دالة على وجود موجد لها.

 

أيها المؤمنون:

يدرك الإنسان أن كل هذه الأشياء لم تأت صدفة بل جاءت بتنظيم دقيق، وترتيب عجيب، وتقدير بديع، وجمال يأخذ بالألباب. وهذه الآثار أي الآيات الكونية تدل على قدرة عظمى وباهرة. وأن هذا الإحكام في البناء والتدبير، له خالق عظيم وإله جليل؛ لأنه لا يعقل أن يوجد شي دون موجد. وفي هذا الشأن يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

تلك الطبيعة قف بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري

 

الأرض حولك والسماء اهتزتا لروائـــع الآيـات والآثار

 

من كل ناطقة الجلال كأنها أم الكتاب على لسان القاري

 

دلت على ملك الملوك فلم تدع لأدلة الفقهاء والأحبار

 

من شك فيه فنظرة في صنعه تمحو أثيم الشك والإنكار

 

 

وهذه أنشودة للشاعر يوسف العظم رحمه الله. ينبغي أن نعلمها لأطفالنا الصغار. دعونا نتساءل معه ثم نجيب الإجابة التي يجيبها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, والأنشودة بعنوان:"الله الخالق"

من أنزل الأمطار, وفجر الأنهار؟ وأنبت الأزهار, تزخرف الجبال؟

 

ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟

 

من زين السـماء, وجمل الفضاء؟ وأرسل الضياء؛ ليرسم الظلال؟

 

ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟

 

من علم العصفور في الجو أن يطير؟ ومن جلا الغدير, ودفق الشلال؟

 

ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟

 

من أنطق اللسان, وأسمع الآذان؟ وعلم الانسان, وأبدع الجمال؟

 

ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟

 

من ينشر الصباح, ويرسل الريـاح؟ ويملأ البطاح, من رزقه الحلال؟

 

ذاك العظيم في علاه من أبدع الكون سواه؟

 

 

والعقيدة الإسلامية عقيدة عقلية؛ لأننا توصلنا إليها عن طريق العقل. والذي يحدد نوع الدليل هو موضوع العقيدة نفسه فإن كان الموضوع واقعا تحت الحس البشري، ويستطيع العقل أن يدرك واقعه أو يدرك آثاره الدالة عليه كان الدليل عليه عقليا، كالإيمان بالله والقرآن ونبوة ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقضاء والقدر. وإن لم يكن موضوع العقيدة واقعا تحت الحس البشري، ولا يستطيع العقل أن يدرك واقعه أو يدرك آثاره الدالة عليه ، كان الدليل عليه نقليا من القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة.

 

الإخوة الكرام:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

02 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/21م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

العقل المستنير يهدي للإيمان بالله

 

المعلم الثاني

 

أيها المسلمون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

لفت الله تعالى نظر الإنسان إلى السماوات والأرض، وإلى نفسه الإنسانية، ليتفكر فيها ويصل للإيمان بالله تعالى. قال تعالى:[ وسخر‌ لكم ما في السماوات وما في الأر‌ض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكر‌ون ]. (الجاثية 13) وقال تعالى: [ وفي الأر‌ض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصر‌ون ]. (الذاريات20-21)

 

وما قول الأعرابي في جزيرة العرب عن الاستدلال بوجود الخالق سبحانه إلا بعد نظر وتفكير في ملكوت الله. سئل أعرابي عن وجود الله، وكيف نستدل عليه؟ فقال بتفكيره المستنير: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج, ألا تدل على الحكيم الخبير؟! فما أحسنه من استدلال! وما أعجبه من منطق وبيان!

 

ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم. وتستدل على أنه واحد أحد لا شريك له. ولا يطلب من العقل أن يدرك ذات الله؛ لأن ذلك مما لا يقع تحت حس الإنسان. ومن مأثور كلام أهل العلم في ذلك قولهم: " كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وعجزك عن إدراك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الله إشراك ". ويقول الله تعالى: [ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‌ ]. (الشورى 11)

 

ومن البدهيات عند الإنسان أن لكل موجود موجد، ولكل مصنوع صانع. فمثلا الكرسي الذي نجلس عليه مصنوع. من الذي صنعه؟ لا شك في أن النجار هوالذي صنعه. والكون وما فيه مصنوع، أي مخلوق. فمن الذي صنعه أو خلقه؟ لا شك في أن الله تعالى هو الذي خلقه. إذن لكل مخلوق خالق خلقه وهو الله تعالى. هذا برهان عقلي على وجود الله الخالق سبحانه وتعالى.

 

وإدراك العقل لوجود الله جاء نتيجة إدراكه للآثار المحسوسة الدالة على وجوده، وهذه الآثار هي الكون والإنسان والحياة، وهذه أشياء تقع تحت الحس، فيستطيع العقل البشري أن يدركها، لهذا كان إدراك وجود الله في حدود العقل. كمن يسمع صوت طائرة وهو جالس في البيت فيدرك من سماعه لصوتها أنها موجودة في السماء، ولكنه لا يدرك ذاتها؛ لأن جسم الطائرة لم يقع تحت لمسه وبصره. إذن لا يقال هنا : كيف آمن الإنسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله؟ والجواب: لأن الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله، ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته، وهي الكون والإنسان والحياة. وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل، فأدركها وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها، وهو الله تعالى. ولذلك كان الإيمان بوجود الله عقليا وفي حدود العقل، بخلاف إدراك ذات الله فإنه مستحيل؛ لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة أي وراء العقل. والعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك.

 

وكل ذي عقل سليم يستطيع أن يستدل على وجود الله بعقله إذا تفكر في الكون والإنسان والحياة. فهذا مثلا "قس بن ساعدة الإيادي" في الجزيرة العربية من كبار خطباء الجاهلية قبل الإسلام ومن قبيلة إياد. كان يركب ناقته، ويسير إلى سوق عكاظ فيخاطب الناس بكلمات يدعوهم فيها للتفكر والتأمل: " أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا, إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، أفلا يدل ذلك على الله الواحد القدير؟! ". ومعنى نجوم تزهر: أي تتلألأ. وبحار تزخر: أي ملآنة. وليل داج: أي مظلم. ونهار ساج: أي ذاهب وآت رويدا. ويقول: إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا. يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالا؟ وأطول آجالا؟ طحنهم الدهر بكلكله، ومزقهم بتطاوله, ومعنى بكلكله: أي بصدره. فتلك عظامهم بالية, وبيوتهم خاوية, عمرتها الذئاب العاوية, كلا بل هو الله الواحد المعبود, ليس له والد ولا مولود .ثم أنشأ يقول :

 

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

03 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/22م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

ح1

 

الكون لم يخلق صدفة

 

 

أيها المسلمون:

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد

 

أيها المؤمنون:

 

الكون لم يخلق صدفة. وإليكم هذه المناظرة بين أبي حنيفة رحمه الله وعدد من الملحدين: ظهر في بغداد زمن دولة الخلافة العباسية من يروج لفكرة أن الكون خلق صدفة، وذلك بعد ترجمة الفلسفة الإغريقية الوثنية. وصعب إقناع الملحدين بأن الله هو من خلق الكون. والناس في حيرة من هذا الأمر.

 

فطلب إلى شيخ بغداد وعالمها الجليل الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله أن يتصدى لهم. فقبل، وحدد يوم الجمعة وقتا للمناظرة بين صلاتي المغرب والعشاء. وحدد ضفة نهر دجلة مكانا لها. وجعل عنوانها " هل الكون خلقه الله أم وجد صدفة وحده"؟

 

حضر المناظرة جمع غفير ليشهدوا ما يجري فيها. وقضيت صلاة المغرب والناس ينتظرون الإمام أبا حنيفة إلا أنه لم يأت، ثم دخل وقت صلاة العشاء وصلى الناس ولم يأت أبو حنيفة. فأصاب الناس الذعر والاستغراب بسبب تأخره. وأخذ الملحدون يقولون: إن صاحبكم اقتنع أنه خاسر؛ فلذلك لن يأتي.

 

وبينما الناس في حيرة مما يجري، فإذا بالإمام أبي حنيفة يصل. فسأله الناس عن سبب تأخره؟ فقال: أنتم تعرفون أننا تواعدنا على ضفة نهر دجلة، وأنا كنت على الضفة الأخرى، ولم أستطع القدوم في موعدنا لأنني لم أجد قاربا أعبر به النهر. فقالوا له: فكيف أتيت إذا؟ فقال: بينما كنت جالسا على ضفة النهر أنتظر والوقت يمر، فإذ بي أرى أمرا عجيبا غريبا، إذ رأيت منشارا يخرج من الماء ويتجه إلى الأشجار فينشرها ويصنع منها ألواحا. والمسامير تخرج من باطن الأرض وتثبت الألواح معا. والمطرقة تأتي من التراب فتدق المسامير فصار القارب جاهزا فأتيت به. وهذا هو سبب تأخري.

 

فاستغرب الناس من هذا الجواب! وأخذ الملحدون يضحكون ويستهزئون بأبي حنيفة ويقولون له: أفيعقل أن يصنع القارب وحده هكذا صدفة، لا بد أنك مجنون يا أبا حنيفة! لا بد أن القارب الذي جئت به قد صنعه أحد ما.

 

هنا وقف الإمام قائلا: لقد أفحمتكم وغلبتكم! أيها القوم: أنتم لا تصدقون أن الله هو من خلق الكون، وتقولون: إن الكون تكون وحده وخلق صدفة. ولكنكم لا تصدقون أن هذا القارب البسيط قد صنع وحده دون أن يصنعه أحد. أفيعقل ما تزعمون: أن هذا الكون لم يخلقه أحد! أما هذا القارب فلا بد أن يصنعه أحد! وهكذا أخزى الله الملحدين، وانقلبوا صاغرين.

 

الإمام الشافعي يقدم الدليل على وجود الله:

 

جاء سبعة عشر رجلا من الزنادقة إلى الإمام الشافعي رحمه الله لا يؤمنون بوحدانية الله ولا باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وسألوه: ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورقة التوت طعمها واحد، تأكلها الدودة فيخرج منها الحرير، ويأكلها النحل فيخرج منه العسل، ويأكلها الغزال فيخرج منه المسك، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد؟ فاستحسنوا كلام الإمام وأسلموا. على يديه.

 

ومن الأدلة أيضا: أن البيضة حصن حصين، وبناء رصين، لا منفذ فيها ولا مخرج, ولا هواء ولا ماء, تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن، وهيئة جميلة، وصوت مليح، فاسأل من خلق، ومن برأ، ومن أنشأ، ومن صور، إنه الخلاق العليم. والزهرة ذات الألوان؛ الأبيض الفاتح، والأحمر الغامق، والأسود الفاحم، والأخضر الممتع، تهل بالندى، وتفوح بالشذى، وتميس مع الهوى، آية من آيات من على العرش استوى. وفي هذا يقول الشاعر العباسي أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس شاعر الخمر:

 

تــأمل في نبـــــــــات الأرض وانظر إلى آثــــــــــــــــــــــار مـــــــــــــا صنـــــــع المليــك

عيون من لجـــــــــيـــن شاخصـــــــــات بأغصــان هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات بـأن الله ليــــس لـــــــــــــــه شريــــــــــــــــــك

 

أيها الكرام:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

04 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/23م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

ح2

 

 

الكون لم يخلق صدفة

 

 

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

إليكم هذا "الرد على القائلين بأن الكون قد تكون بطريق المصادفة دون سابق تفكير أو تدبير" إن المصادفة تكون أحيانا ممكنة, وتكون أحيانا في حكم المستحيلة عقلا, وسنضرب أمثلة نبين فيها حالة الإمكان, وحالة الاستحالة: لو أخبرك مخبر أنه شاهد ثلاثة رجال اجتمعوا بباب مسجد بطريق المصادفة ومن غير سابق هدف وتفكير , فإنك لا تستغرب هذا الخبر ؛ لأن المصادفة ممكنة. أما لو أخبرك مخبر أنه شاهد مائة رجل اجتمعوا بباب المسجد بطريق المصادفة ومن غير هدف وتفكير سابقين, لاستغربت الخبر, ولكان حظه من التصديق أقل من حظ الخبر الأول, لماذا يا ترى؟ لأن حظ المصادفة من التصديق يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانات المتكافئة المتزاحمة. أي كلما كان عدد الإمكانات أقل كان التصديق أكثر, فإذا زاد العدد قل التصديق, حتى إذا بلغ العدد رقما كبيرا انعدم التصديق, كما لو أخبرك مخبر أنه شاهد عشرة آلاف رجل تجمعوا في مسجد كبير, أو ميدان كبير كميدان التحرير في القاهرة مثلا, وانتظموا في صفوف متوازية يقومون بحركات متشابهة, يركعون جميعا, ويرفعون ويسجدون جميعا, ويجلسون ويتلفظون بكلمات واحدة, ويقومون بأعمال منسقة, وبعد أن فرغوا من أداء الصلاة أخذوا جميعا يهتفون بإسقاط النظام, كل ذلك يعملونه بطريق المصادفة, ومن غير سابق هدف أو تفكير, أيصدق عقلك؟ الجواب بالقطع لا؛ لأن المصادفة في تلك الحالة تستحيل عقلا! وكيف لو قال عالم من علماء الفلك: إن مئات الملايين من الكواكب والنجوم وجدت في هذا الكون لتسير حسب نظام دقيق, وأبعاد متناسبة, وحركات منسقة, وسرعة معينة, ومنازل مقدرة متناسبة, تسير في المجموعة الشمسية متدرجة متضاعفة, فلو قال قائل: إنها وجدت بطريق المصادفة, ومن غير سابق تفكير أو تدبير لنظر إليه بازدراء واحتقار! هل دوران الأرض حول الشمس في كل ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع اليوم مرة واحدة, ودورانها حول محورها في كل أربع وعشرين ساعة مرة محدثة الليل والنهار, والسنين والأيام, وهل دورانها حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة, ودورانها حول الشمس بسرعة خمسة وستين ألف ميل في الساعة, ودورانها بحيث لو كانت سرعتها مائة ميل في الساعة لكان طول النهار مائة وعشرين ساعة, وهل خطها على مدارها بشكل مائل بمقدار ثلاث وعشرين درجة بحيث لو زاد درجة أو نقص درجة لاختل نظام الفصول الأربعة على ظهرها, وهل وجودها بشكل كروي محدثا تعاقب الفصول الأربعة, بحيث لو لم تكن كروية لكانت إما نهارا سرمدا, وإما ليلا سرمدا, فهل كل هذه النسب المحددة والأوضاع المنسقة حصلت بطريق المصادفة, ومن غير أن تسبق بتفكير أو تدبير؟ إنك لو نظرت إلى آلة هندسية كالفرجار مثلا, لرأيت أحد الرأسين مدببا, والآخر فيه مقبض حديدي قابل أن يوضع فيه قلم أو قطعة طباشير, فتدرك سبب اختلاف الرأسين, وأن وجودهما على ذلك الوضع لم يكن عبثا, ولا بطريق المصادفة, بل لمصلحة توخاها صانع الفرجار, وبحيث لو كان رأساه على غير ما هما عليه لما أديا تلك المصلحة, فيكون واضعها قد فكر فيهما قبل وضعهما, لذلك وضع تصميما بحيث يؤديان ما يريد واضعهما.

 

ولو نظر امرؤ إلى قطع ساعة يدوية, كيف أنها في وضعها وترتيبها تعطي نظاما للساعات والدقائق والثواني, بحيث لو نزعت قطعة من مكانها, أو وضعت قطعة في مكان غير مكانها, لتعطل العمل ولاختل النظام, فيدرك من ذلك أن وضع كل آلة أو قطعة في مكانها المعين لم يكن عبثا, ولا مصادفة, وإنما لغاية أرادها لها واضعها, فيكون وضعها في أماكنها قد حصل بتفكير وتدبير معين لتؤدي النظام الذي فرضه عليها مهندسها, لأن النظام مفروض عليها من قبله, لذلك رتب آلاتها أو قطعها على وضع معين لتعطي ذلك النظام, فالنظام لا يمكن أن يحصل بمجرد وجود الأشياء متقاربة أو متباعدة لا يوجد نظاما, فقطع الساعة لو وضعت مجتمعة أو متناثرة لا يحصل من مجرد وضعها نظام, ولكن وضعها بشكل معين هو الذي يحدث فيها النظام, وإذا فالوضع المعين مفروض عليها فرضا فمن الذي فرض عليها ذلك الوضع؟ إنه المهندس الذي صمم تلك القطع, وحدد أماكنها؛ ليحصل من وضعها المعين النظام الذي يريده, ومن هنا يتبين أن نظام الساعة ليس جزءا منها, وإلا لوجد النظام من مجرد وجود قطعها مجتمعة أو متناثرة, وليس نظام الساعة خاصية من خواصها, إذ لو كان الأمر كذلك لأحدثت لنفسها نظاما يتفق مع كل وضع من أوضاعها. ولله المثل الأعلى, فما ينطبق على قطع الساعة ينطبق على أجزاء الكون من كواكب ونجوم ومجرات, كلها تسير بنظام دقيق. وهذا النظام لم يحصل بمجرد اجتماعها, وهو ليس جزءا منها, وليس خاصية من خواصها, ولا هي أحدثته لنفسها, وإنما فرض عليها من قبل خالقها الذي خلقها. وعليه فإن الكون لم يتكون بطريق المصادفة دون سابق تفكير أو تدبير. بل له خالق خلقه وهو الله سبحانه وتعالى.

 

 

 

 

05 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/24م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المعلم الرابع

 

 

إثبات وجود الخالق

 

 

أيها المؤمنون:

 

إن إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى له طريقتان:

الأولى: طريقة سهلة ميسـرة, يفهمها كل إنسان, وهي الطريقة التي دعا القرآن إلى استخدامها, يهتدي بها كل من تفكر في مخلوقات الله, كطريقة الأعرابي الذي قال: "البعرة تدل على البعير, والأثر يدل على المسير, فسماء ذات أبراج, وأرض ذات فجاح, وبحار ذات أمواج, ألا تدل على الواحد القدير؟

والثانية: طريقة يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل , تعرض فيها الأدلة والبراهين بشيء من التفصيل, يحتاجها كل من لم يقتنع بالطريقة السهلة الميسرة.

أولا: إثبات وجود الخالق بالطريقة السهلة الميسرة:

إن وجود الخالق حقيقة ملموسة, والبرهان عليه في منتهى البساطة, فإن الإنسان يحيا في الكون فهو يشاهد في نفسه وفي الحياة التي يحياها الأحياء, وفي كل شيء في الكون تغيرا وانتقالا من حال إلى أحوال, ويشاهد وجود أشياء وانعدام أشياء, ويشاهد دقة وانتظاما في كل ما يرى ويلمس, فيصل إلى أن هناك موجدا لهذا الوجود المدرك المحسوس, وهذا أمر قطعي وطبيعي جدا, فإن الإنسان يسمع دويا فيظن أنه دوي طائرة, أو سيارة, أو مطحنة, أو أي شيء آخر, ولكن يوقن أنه دوي ناتج عن شيء, فيوقن بوجود شيء ما خرج منه هذا الدوي, فكان وجود الشـيء الذي ينتج عنه الدوي أمرا قطعيا عند من سمعه, فقد قام البرهان الحسـي على وجوده, وهو برهان في منتهى البساطة, فيكون الاعتقاد بوجود شيء ينتج عنه الدوي اعتقادا جازما قام البرهان القطعي عليه, ويكون هذا الاعتقاد أمرا طبيعيا ما دام البرهان الحسـي قد قام عليه, وكذلك فإن الإنسان يشاهد التغير في الأشياء, ويشاهد انعدام بعضها, ووجود غيرها, ويشاهد الدقة والتنظيم فيها, ويشاهد أن كل ذلك ليس منها, وأنها عاجزة عن إيجاده, وعاجزة عن دفعه, فيوقن أن هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء, ويوقن بوجود خالق خلق هذه الأشياء, وهو الذي يغيرها, ويعدمها, وينظمها, فكان وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمرا قطعيا عند من شاهد تغيرها ووجودها وانعدامها ودقة تنظيمها, فقد قام البرهان الحسي بالحس المباشر على وجوده, وهو برهان في منتهى البساطة. يقول الشاعر العباسي أبو العتاهية:

 

فيا عجبا كيف يعــــــصى الإله أم كيـــــــــــــــــــف يجحــــــده الجاحد

وفي كـــــــل شـــــيء لــــــــــــــــه آيـــــــــــــــــــــة تـــــــــــــــــــدل على أنـــــــــــــــــه الواحــــــــــد

ولله في كـل تحريكة وتسكينة فـــــــــــــــــــــي الـــــــــــــــــــــــــورى شاهــــــــــــــــد

فيكون الاعتقاد بوجود خالق لهذه الأشياء المخلوقة, والتي تنعدم وتتغير, ولا تملك إيجاد ذلك لها ولا دفعه عنها, اعتقادا جازما قام البرهان القطعي عليه. ولذلك كان من الطبيعي جدا أن من يشاهد الأشياء المدركة المحسوسة, وما يحصل لها وفيها مما لا يستطيع إيجاده لها, ولا دفعه عنها, أن يصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجدا لهذا الوجود المدرك المحسوس, وهذا أمر عام يشمل جميع البشـر, ولا يستثنى منهم أحد مطلقا؛ ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاما عند جميع بني الإنسان في جميع العصور, والخلاف بينهم إنما كان في تعدد الآلهة أو توحيدها, ولكنهم مجمعون على وجود الخالق, لأن أدنى إعمال للعقل فيما يحسه من الموجودات يري أنها مخلوق لخالق؛ لهذا كان البرهان بسيطا في منتهى البساطة, لأنه لا يعدو لفت النظر إلى ما يقع تحت الحس من الموجودات, فإن مجرد النظر فيها مما لا تستطيع إيجاده لنفسها ولا دفعه عنها يوصل إلى أنها مخلوقة لخالق, وإلى أن هناك خالقا خلقها؛ ولذلك جاءت أكثر براهين القرآن الكريم لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق, فهذه براهين قاطعة على وجود الخالق, فلينظر الإنسان إلى كيفية خلق الإبل, ورفع السماء, ونصب الجبال, ليدرك وجود الله لا إله إلا هو؛ ولذلك فإن "تيتوف" رائد الفضاء الروسي حين قام برحلته الفضائية حول الأرض قال: "إنه رأى الأرض معلقة في الفضاء لا يمسكها شيء أبدا لا من فوقها ولا من تحتها ولا عن جوانبها, فهي معلقة بنفسها هكذا في الفضاء دون أن يمسكها شيء, وإنه تذكر ما تقوله الديانات". وصدق الله العظيم حيث قال: ]إن اللـه يمسك السماوات والأر‌ض أن تزولا ? ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ? إنه كان حليما غفور‌ا[. (فاطر41)

 

06 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/25م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

إثبات وجود الخالق

 

م4 -ح2

 

 

 

 

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:

 

وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتـــــــــك الحسنى فقــــــــد يرقــــــع النعل

 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا". أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة الرائعة في هذه القصيدة التي نظمها الشاعر العراقي معروف الرصافي تحت عنوان: "انظر لتلك الشجرة" سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:

انظـــــــــــر لتــــــلك الشجـــــــــرة ذات الغصـــــون النضــــــرة

كيـــــــــــف نمــــــت مــــن حبــــــة وكيف صــــارت شجـــــــرة

فانظر وقل مـــــن ذا الذي يخـــــــــــــــرج منهـــــــــــــا الثمـــــــــرة

ذاك هـــــــــــــــــــو الله الــــــــــــــــذي أنعمـــــــــــــــــــــــــــــه منهمـــــــــــــــــــــــــــرة

ذو حكمــــــــــــــــــــــــة بالغــــــــــــــــــــــة وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتـــــــــــــــــــدرة

انظـــــــر إلى الشمـــــس التـــي جذوتهـــــــــــــــــــــــــــا مستعـــــــــــــــــرة

فيهــــــــــــــا ضيـــــــــــــاء وبهــــــــــــــــــــــــا حـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرارة منتشــــــــــرة

مــــــن ذا الــــــــــذي أوجــــــــدها في الجــــــــــــــــــو مثــــل الشــررة

ذاك هــــــــــــــــــــو الله الــــــــــــــذي أنعمـــــــــــــــــــــــــــــــــه منهمــــــــــــــــــــــــرة

ذو حكمــــــــــــــــــــــــــة بالغــــــــــــــــــــــة وقـــــــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتــــــــــــــــــــدرة

انظــــــــــــــــــــــــــر إلــــــــــــى الليــــــــــــــــــل فمـــــــــــــــــــــن أوجد فيه قمره

وزانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه بأنجـــــــــــــــــــــــــــــم كالــــــــــــــــــــــــــــــــدر المنتــثــــــــــــــــــــــــــرة

ذاك هــــــــــــــــــــــــو الله الــــــــــــذي أنعمـــــــــــــــــــــــــــه منهمــــــــــــــــــــــــــــــرة

ذو حكمـــــــــــــــــــــــــــــــــة بالغـــــــــــــــة وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتـــــــــــــــــــــدرة

انظــــــــــــــر إلى المــــــــــــرء وقــــــل مـــــن شــــــــــــــق فيـــــــــــه بصــــره

مـــن ذا الـــــــــــــــــــذي جهـــــــــــزه بقـــــــــــــــــــــــــــدرة مبتكـــــــــــــــــــــــــــــــرة

ذاك هـــــــــــــــــــو الله الـــــــــــــــــذي أنعمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه منهمــــــــــــــــــــرة

ذو حكمــــــــــــــــــــــــــــــة بالغــــــــــــــــــة وقـــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتــــــــــــــــــــــــــدرة

 

 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

07 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/26م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

إثبات وجود الخالق

 

 

الحلقة الثالثة

 

 

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:

 

وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الحسنى فقد يرقع النعل

 

 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا".

أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة في هذه الرائعة الشعرية للشاعر: إبراهيم علي بدوي من السودان, والقصيدة بعنوان: "لله في الآفاق آيات" سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:

 

لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداكا

 

ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا

 

والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرا لها أعياكا

 

قل للطبيب تخطفته يد الردى: من يا طبيب بطبه أرداكا؟

 

قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب: من عافاكا؟

 

قل للصحيح يموت لا من علة: من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟

 

قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها: من ذا الذي أهواكا؟

 

بل سائل الأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟

 

قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟

 

قل للوليد بكى وأجهش بالبكا لدى الولادة: ما الذي أبكاكا؟

 

وإذ ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟

 

واسأله: كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟

 

واسأل بطون النحل: كيف تقاطرت شهدا؟ وقل للشهد: من حلاكا؟

 

بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث: من ذا الذي صفاكا؟

 

وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله: من يا حي قد أحياكا؟

 

وإذا ترى ابن السود أبيض ناصعا فاسأله: من أين البياض أتاكا؟

 

وإذا ترى ابن البيض أسود فاحما فاسأله: من ذا بالسواد طلاكا؟

 

قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية: من بالجفاف رماكا؟

 

وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله: من أرباكا؟

 

وإذا رأيت البدر يسري ناشرا أنواره فاسأله: من أسراكا؟

 

واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كل شيء: ما الذي أدناكا؟

 

قل للمرير من الثـــــمار: من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا؟

 

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟

 

وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟

 

وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا قمم السحاب فسله: من أرساكا؟

 

وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه فسله: من بالماء شق صفاكا؟

 

وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال سرى فسله: من الذي أجراكا؟

 

وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسله: من الذي أطغاكا؟

 

وإذا رأيت الليل يغشى داجيا فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟

 

وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟

 

ستجيب ما في الكون من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا!

 

هذي عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا!

 

والله في كل العجائب ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟

 

ربي لك الحمد العظيم لذاتك حمدا وليس لواحد إلاكا!

 

يا مدرك الأبصار والأبصار لا تدري له ولكنهه إدراكا

 

إن لم تكن عيني تراك فإنني في كل شيء أستبين علاك

 

وأرى منبت الأزهار عاطرة الشذى ما خاب يوما من دعا ورجاكا!

 

يا مجري الأنهار عاذبة الندى ما خاب يوما من دعا ورجاكا!

 

يا أيها الإنسان: مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراكا؟

 

لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليــه هداكا!

 

ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا!

 

 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

08 من شـعبان 1433

الموافق 2012/07/26م

 

 

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الرابع:إثبات وجود الخالق

 

الحلقة الرابعة

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:

 

وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الحسنى فقــد يرقع النعل

 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا". أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة في هذه الرائعة الشعرية للشاعر: إبراهيم علي بدوي من السودان, والقصيدة بعنوان: "بك أستجير": سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:

 

بـك أستجير ومـن يجـير ســواكا؟ فأجر ضعيفا يحتمــي بحمـاكا

إني ضعيــف أستعــين على قـوى ذنبـي ومعصيتي ببعض قواكا

أذنبـت يـا ربــي وآذتني ذنــوب مـالهـا مــن غافر إلاكـا

دنياي غرتني وعفوك غرني مــا حيلتي في هـذه أو ذاكا؟

لـو أن قلبــي شــك لم يك مؤمنــا بكريـم عفـوك ما غوى وعصاكــا

يا مدرك الأبصــار والأبصــار لا تــدري له ولكنهه إدراكــا

أتراك عـين والعيون لهـا مــدى مـا جاوزتــه ولا مـدى لمداكا

إن لم تكن عيني تــراك فإنني فـي كــل شـيء أستبين علاكــا

يــا منبت الأزهار عاطرة الشذا هـذا الشذا الفواح نفح شذاكا

يا مرســل الأطيــار تصدح في الربا صـدحاتها إلهــام حمــد عطاكا

يا مجري الأنهـار : مــا جريانهــا إلا انفعالة قطــرة لنـداكا

ربـاه هأنــذا خلصــت من الهوى واستقبل القلـب الخـلـي هواكا

وتركـت أنســي بالحيـاة ولهوها ولقيـت كــل الأنس في نجواكــا

ونسيت حبــي واعتزلت أحبتـي ونسيت نفسي خوف أن أنساكــا

ذقت الهـوى مـرا ولــم أذق الهوى يا رب حلوا قبــل أن أهــواكا

أنـا كنــت يا ربي أسـير غشــاوة رانت على قلبـي فضـل ســناكا

واليوم يا ربي مسحت غشاوتـي وبــدأت بالقلــب البصــير أراكا

يــا غافــر الذنب العظيم وقابلا للتــوب: قلـب تائــب ناجاكا

أتــرده وترد صـادق توبتــي حاشاك ترفض تائبا حاشـاكا

يا رب جئتك نادما أبكـي على ما قدمتـه يـداي لا أتبــاكى

أنـا لست أخشى من لقاء جهنم وعذابها لكنـني أخشاكا

أخشى من العرض الرهيب عليك يا ربي وأخشى منك إذ ألقاكــا

يــا رب عدت إلى رحابـك تائبــا مستسلــما مستمسكـا بعراكـا

مالي وما للأغنيـاء وأنت يا رب الغني ولا يحد غناكـا

مالـي وما للأقوياء وأنت يا ربي ورب النـاس ما أقواكــا

مــالي وأبــواب الملوك وأنت من خلـق الملـوك وقسم الأملاكـا

إني أويـت لكل مــأوى في الحياة فمــا رأيت أعز من مـأواكا

وتلمست نفسي السبيل إلى النجـاة فلم تجد منــجى سـوى منجاكــا

وبحثت عــن سر السعــادة جاهدا فوجدت هـذا السـر في تقواكــا

فليرض عني الناس أو فليسخطـوا أنا لم أعـد أسعى لغـير رضاكـا

أدعوك يا ربي لتغـفر حوبتي وتعيننـي وتمدنـي بهداكا

فاقبل دعائي واستجــب لرجاوتـي ما خاب يومـا من دعــا ورجاكا

يـا رب صــار العلــم كفـرا عندما سخـرت يــا ربــي لــه دنياكــا

علمتــه من علمك النووي مـا علمتـه فإذا بـه عاداكا

مـا كــاد يطلق للعلا صاروخــه حتــى أشـاح بوجهـه وقلاكـا

واغتر حتى ظن أن الكـون في يمنــى بنـي الانسان لا يمناكــا

وما درى الإنسان أن جميــع ما وصلت إليه يداه مـن نعمـاكا

أو ما درى الإنسان أنك لو أردت لظلــت الـذرات في مخباكــا

لو شئت ياربي هــوى صاروخه أو لو أردت لما أستطاع حراكا

يا أيها الإنسان مهـلا وائــتــئـد واشكر لربــك فضل ما أولاكـا

واسجـد لمولاك القديــر فإنما مستحدثات العلم مـن مولاكا

الله مازك دون ســائر خلقه وبنعمـة العقـل البصير حباكا

أفـإن هــداك بعلمـه لعجيبــة تـزور عنه وينثني عطفاكــا

إن النـواة ولكتـرنـاتها التي تجري يـراها الله حين يراكـا

ما كنت تقــوى أن تفتــت ذرة منهـن لـولا الله الــذي سواكا

كل العجائب صنعة العقــل الذي هو صنعــة الله الذي سواكا

والعقل ليــس بمــدرك شيئا إذا ما الله لـم يكتب لـه الإدراكـا

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

09 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/28م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المعلم الرابع: إثبات وجود الخالق

 

(ح5)

 

 

أيها المسلمون:

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

 

ثانيا: إثبات وجود الخالق بالطريقة التي يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل:

 

أيها المؤمنون:

من خلال خبرتي المتواضعة في التدريس, والتي استغرقت أكثر من خمسة وعشـرين عاما وجدت أن أفضل الطرق, وأرقى الأساليب لإيصال الأفكار والمعلومات هي طريقة السؤال والجواب؛ لذا فإني سأسلك هذه الطريقة وسأتبع هذا الأسلوب في إثبات وجود الخالق بالطريقة العقلية المفصلة لمن لا يقتنع بالطريقة السهلة الميسرة, وهو يمر في مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة.

المرحلة الثانية: مرحلة إثبات المحدودية للأشياء المدركة المحسوسة.

فإذا أثبتنا هذه الصفات للأشياء المدركة المحسوسة, فإننا نكون قد توصلنا إلى أنها مخلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى الذي يتصف بصفات تناقض صفات هذه الأشياء المخلوقة, فهي تتصف بالعجز والنقص والاحتياج والمحدودية, وهو سبحانه يتصف بالقدرة والكمال والغنى, وعدم المحدودية.

أولا: مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة:

أيها المؤمنون: وللسير في هذه المرحلة أوجه سؤالي لمن أريد إقناعه بموضوع حلقتنا, وأتركه يجيب, وإن عجز عن الإجابة أساعده في الوصول إليها, ولا أنتقل معه في النقاش من نقطة إلى أخرى حتى أشبع الأولى بحثا وأتفق وإياه عليها.

السؤال الأول: عدد مدركات العقل التي يستطيع العقل إدراكها عن طريق الحواس الخمسة المعروفة, واحصرها في أشياء ثلاثة أساسية.

الجواب: الأشياء التي يدركها العقل, وتقع تحت الحواس تنحصر في ثلاثة لا غير هي: الكون والإنسان والحياة. فالشمس والقمر والنجوم وسائر الكواكب التي تسبح في الفضاء, والسماء والأرض والسهول والجبال والصحارى الشاسعة والبحار الزاخرة والمحيطات العميقة, كلها تندرج تحت مسمى الكون. والإنسان هو ذلك الكائن الحي المعروف الذي يعيش على سطح الأرض, وقد أفرد وفصل عن سائر الكائنات الحية لتميزه بالعقل. والحياة هي ما نشاهده في الكائنات الحية من الحركة والنمو والتكاثر, وهي موجودة في الإنسان والحيوان والنبات, وسائر الكائنات الحية, صغيرها وكبيرها, ذكرها وأنثاها. ومظهرها فردي, تبدأ في الفرد, وتنتهي فيه.

السؤال الثاني: هل هذه المدركات موجودة قطعا؟

الجواب: كون هذه المدركات المحسوسة موجودة أمر قطعي لأنها مشاهدة بالحس.

السؤال الثالث: هل الأشياء المدركة المحسوسة عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها؟

الجواب: كون هذه الأشياء المدركة المحسوسة عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها أمر قطعي لأنها بالمشاهدة لا تستطيع التصرف والانتقال من حال إلى حال إلا بغيرها.

السؤال الرابع: أعط أمثلة على احتياج الأشياء المدركة إلى غيرها.

الجواب: الأمثلة على احتياج الأشياء المدركة المحسوسة إلى غيرها كثيرة نذكر منها ثلاثة:

مثال (1) النار تحرق إذا كانت المادة الأخرى فيها قابلية الاحتراق, فهي محتاجة إلى المادة القابلة للاحتراق.

مثال (2) وبعض الأحماض تذيب بعض العناصر ولا تذيب غيرها, فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الذوبان.

مثال (3) وبعض العناصر تتحد مع عناصر أخرى وتتفاعل معها ولا تتفاعل مع غيرها, فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الاتحاد والتفاعل.

السؤال الخامس: هل يقال: إن الأشياء المدركة المحسوسة احتاجت لبعضها, ولكنها في مجموعها مستغنية عن غيرها؟

الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن الحاجة إنما تبين وتوضح للشـيء الواحد, وتلمس لمسا, ولا تفترض افتراضا لشـيء غير موجود, فالأشياء التي من الكون لا يحصل من اجتماعها شيء يحصل منه الاستغناء أو الحاجة. فالحاجة والاستغناء متمثلة في الجسم الواحد, ولا يوجد شيء من مجموع ما في الكون حتى يوصف بأنه مستغن أو محتاج, فإنه يكون وصفا لشـيء متخيل الوجود, لا لشيء موجود, ولذلك يرد هذا السؤال, لأنه سؤال فرضي تخيلي لا يجاب عنه.

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

10 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/29م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

المعلم الرابع: إثبات وجود الخالق

(ح6)

 

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

لا زلنا في مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة, ونتم وإياكم موضوع "إثبات وجود الخالق بالطريقة التي يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل" سالكين أسلوب السؤال والجواب:

 

السؤال السادس: هل يقال: إن الأشياء احتاجت لبعضها, فلا يكون دليلا على أنها محتاجة لخالق؟

 

الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن البرهان إنما يكون منصبا على مجرد الاحتياج, لا الاحتياج إلى الخالق, فمجرد وجود الاحتياج في شيء يثبث الاحتياج في كل شيء, كذلك فإن ثبوت الاحتياح ولو لمرة واحدة, يدل على ثبوت الاحتياج, كمن يمشـي خطوة فقد ثبت له وصف المشي, وكمن يتكلم كلمة واحدة فقد ثبت له وصف التكلم.

 

السؤال السابع: ما هو الكون؟

 

الجواب: الكون هو مجموعة أجرام, وكل جرم منها يسير بنظام مخصوص لا يملك أن يغيره.

 

السؤال الثامن: هل النظام جزء من الكون؟

 

الجواب: النظام ليس جزءا من الكون؛ لأن سير الكواكب في مدار معين لا يتعداه, والمدار كالطريق هو غير السائر, والنظام الذي يسير به ليس مجرد سير فقط, بل تقيده بالسير في هذا المدار , وأيضا فإن السير نفسه ليس جزءا من الكوكب بل هو عمل له.

 

السؤال التاسع: هل النظام خاصة من خواص الكون؟

 

الجواب: لو كان النظام خاصة من خواص الكون لكان من خواصه أن ينظم سير نفسه, وحينئذ يستطيع أن ينظم نظاما آخر ما دام من خواصه التنظيم, والواقع أنه لا يستطيع ذلك؛ ولهذا لا يمكن أن يكون النظام من خواصه.

 

السؤال العاشر: هل النظام شيء خارج عن الكون؟

 

الجواب: النظام إما أن يكون جزءا من الكون, أو خاصية من خواصه, أو شيئا آخر غيره, ولا يمكن أن يكون غير واحد من هذه الثلاثة مطلقا, وما دام ليس جزءا منه, وليس من خواصه, فهو من غيره قطعا, فيكون الكون بذلك قد احتاج إلى غيره أي احتاج الكون إلى نظام.

 

السؤال الحادي عشر: هل يقال: إن كون الكوكب مسيرا في مدار معين هو خاصية ناتجة عن اجتماع الكواكب مع بعضها في جسم واحد, وهو جزء لا يتجزأ من هذا الجسم؟

 

الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن الكواكب لم تكن لكل منها خاصية وهو منفرد, ثم صارت له خاصية بالاجتماع في جسم واحد, بل ظلت هذه الخاصية خاصية لكل كوكب بمفرده خاصية له وحده, ولم يجتمعا ويكونا جسما واحدا فقط, ولذلك تكون الخاصية للكوكب, ولا تكون لاجتماع الكواكب في جسم واحد؛ لأن الاجتماع يشكل جسما آخر لم يحصل.

 

السؤال الثاني عشر: هل الحياة محتاجة؟

 

الجواب: احتياج الحياة إلى الماء وإلى الهواء ملموس ومحسوس لا نقاش فيه.

 

السؤال الثالث عشر: هل الإنسان محتاج؟

 

الجواب: إن احتياج الإنسان إلى الحياة, ثم إلى الطعام, وغير ذلك ملموس ومحسوس أيضا, وعليه فإن الكون والإنسان والحياة محتاجة قطعا.

 

السؤال الرابع عشر: هل يقال: إن ما في الكون من أشياء احتاجت لبعضها, وهي أشكال لشيء واحد وهو المادة, فالمادة احتاجت لنفسها, ولم تحتج إلى غيرها, فهي ليست محتاجة.

 

الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن المادة حتى تتشكل بأشكال مختلفة لا تستطيع أن تتشكل إلا بنسبة معينة مفروضة عليها فرضا من غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة حتى يتحول, وهذه النسبة ليست من المادة, وإلا لاستطاعت أن توجدها كما تشاء, ولما فرضت عليها, فكونها مفروضة عليها معناه أنها جاءت من غيرها, فهي محتاجة إلى هذه النسبة, ومحتاجة إلى من يوجد هذه النسبة, أي ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

11 من رمــضان 1433

الموافق 2012/07/30م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بارك الله بالكاتب والناشر والناقل

وهل يحتاج وجود الخالق عز وجل الى كثير إثبات !

والكل دونه يميل الى غيره سدا لحاجة وتتميما لنقص

فسبحان من لا يعتريه نقص ولا ترجؤه حاجة و هو رب الحاجات ودارئ النقص

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

معالم الإيمان المستنير

 

ح7

 

إثبات وجود الخالق

أيها المسلمون:

 

أيها المؤمنون:

 

لا زلنا في مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة. ومع

السؤال الخامس عشر: ما مدلول كلمة محتاج؟

 

الجواب: مدلول كلمة محتاج يعني أنه مخلوق؛ لأن مجرد حاجته تعني أنه عاجز عن إيجاد شيء ما من العدم, أي عاجز عن إيجاد ما احتاج إليه, فهو ليس خالقا, وما دام ليس خالقا فهو مخلوق؛ لأن الوجود كله لا يخرج عن كونه خالقا أو مخلوقا, ولا ثالث لهما, وأيضا فإن المحتاج لا يمكن أن يكون أزليا, لأن مدلول كلمة أزلي تعني أن لا يستند إلى شيء؛ لأنه إذا كان في تصرفه وتحوله يحتاج إلى غيره, يكن احتياجه إلى غيره في وجوده من باب أولى, ولأنه لو احتاج في وجوده إلى غيره لكان غيره موجودا قبله, فلا يكون أزليا, فمدلول كلمة "الأزلي" أنه لا يستند إلى شيء, ولا يحتاج إلى شيء, وما دام المحتاج ليس أزليا, فهو مخلوق قطعا, وعلى هذا فكون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة أمر قطعي, وهذا يعني أن كونها مخلوق لخالق أمر قطعي أيضا, وعلى هذا فإن الكون محتاج وهو مخلوق لخالق.

 

السؤال السادس عشر: ما مدلول كلمة خالق؟

 

الجواب: الخالق لا بد أن يكون غير مخلوق؛ لأنه لو كان مخلوقا لما كان خالقا, لأنه لا يوجد إلا خالق ومخلوق, وهما شيئان متباينان, فأحدهما غير الآخر قطعا, ولذلك فإن من صفات الخالق كونه غير مخلوق, فما ليس بمخلوق هو الخالق. ولا بد أن يكون الخالق أزليا, أي لا أول له ولا آخر؛ لأنه إذا كان له أول وآخر كان مخلوقا. إذ قد بدئ وجوده من حد معين, فكونه خالقا يعني بأن يكون أزليا, إذ الأزلي تستند إليه الأشياء, ولا يستند إلى شيء وهذا الأزلي هو الخالق وهو مدلول كلمة الله أي هو الله تعالى. سبحانه لا إله إلا هو. وقد عبر القرآن الكريم في سورة الإخلاص عن معنى كلمة أزلي بتعبير آخر فقال:{اللـه الصمد}. والصمد هو الأزلي تستند إليه الأشياء, ولا يستند هو إلى شيء. قال المفسرون: هو المقصود في الحوائج كلها.

 

السؤال السابع عشر: هل يقال: إن الخالق خالق لشيء, ومخلوق لشيء آخر؟

 

الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن البحث ليس بحثا عن شيء معين كالإنسان أو الإله, بل البحث عن المخلوق من حيث هو مخلوق, لا عن مخلوق معين, وعن الخالق من حيث وصفه بالإيجاد من العدم, فلا يكون الشـيء خالقا ومخلوقا في وقت واحد, فالخالق هو ما سوى المخلوقات.

 

أيها المسلمون:

 

بهذا نكون قد أثبتنا صفة العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة وهي الكون والإنسان والحياة, وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق وهو الله تعالى.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

12 من شـعبان 1433

الموافق 2012/07/31م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الرابع : إثبات وجود الخالق

 

ح8

 

 

 

 

أيها المسلمون:

أيها المؤمنون: ننتقل وإياكم إلى المرحلة الثانية, وهي مرحلة إثبات المحدودية للأشياء المدركة المحسوسة ومع:

 

السؤال الخامس عشر: هل الإنسان محدود؟

الجواب: الإنسان محدود؛ لأنه ينمو في كل شيء إلى حد ما ولا يتجاوزه, فهو محدود, وكذلك قدراته وطاقاته الجسدية والعقلية محدودة, فسمعه محدود, وبصـره محدود, وعقله محدود, وعمره محدود, ورزقه محدود, وكل شيء فيه محدود.

 

السؤال السادس عشر: هل جنس الإنسان محدود؟

الجواب: جنس الإنسان كذلك محدود؛ لأن ما يصدق على الفرد يصدق على الجنس كله, مهما تعددت أفراده, والفرد الواحد يموت, معناه جنس الإنسان يموت, وهذا يعني أن جنس الإنسان محدود.

 

السؤال السابع عشر: هل الحياة محدودة؟

الجواب: الحياة محدودة, لأن مظهرها فردي فقط, والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد, فهي محدودة, وما دامت الحياة تنتهي بالفرد الواحد, فمعناه أن جنس الحياة ينتهي فهي محدودة.

 

السؤال الثامن عشر: هل الكون محدود؟

الجواب: الكون محدود؛ لأنه مجموع أجرام, وكل جرم منها محدود, ومجموع المحدودات محدود بداهة, وذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر, فمهما تعددت الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود.

 

السؤال التاسع عشر: هل المحدود أزلي؟

الجواب: المحدود ليس أزليا, وإلا لما كان محدودا؛ لأن المدرك المحسوس إما أن يكون له أول فيكون ليس أزليا, وإما أن يكون لا أول له فيكون أزليا, وثبت أن المحدود له أول, فلا يكون أزليا؛ لأن مدلول الأزلي أن لا أول له, وما لا أول له لا آخر له قطعا؛ لأن وجود آخر يقتضي وجود أول؛ لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة, وهذا يعني أن النهاية لا بد منها.

 

السؤال العشرون: هل المحدود مخلوق:

الجواب: حين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا, وإلا لما كان محدودا, فلا بد أن يكون المحدود مخلوقا لغيره, فكون الكون والإنسان والحياة محدودة, معناه أنها ليست أزلية, وإلا لما كانت محدودة, وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها, مخلوقة لخالقها الأزلي, مخلوقة لله تعالى, لا إله إلا هو سبحانه.

 

السؤال الحادي والعشرون: هل القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق حقيقة قطعية أم إنه فرض جرى ترتيب البرهان عليه؟

الجواب: إن القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية, وإنما هو حقيقة قطعية؛ لأننا لم نقم الفرضية أولا ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان, وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث فعلقنا النظر إلى أنها محتاجة قطعا.

 

السؤال الثاني والعشرون: من خلق الخالق؟

الجواب: في مضمون السؤال الجواب عليه, فالله خالق, وكونه خالقا يجعلنا لا نتصوره مخلوقا, إذ لو كان مخلوقا لما استطاع أن يخلق. ألا ترى أن الإنسان مثلا, وهو أرقى وأقوى المخلوقات, مع كل ما أوتي من إمكانات لم يستطع أن يخلق شيئا من عدم, فكيف نتصور خالق هذا الكون مخلوقا. ويقول علماء التوحيد: إن مثل هذا السؤال لا معنى له, ويقولون: إذا سرنا مع السائل شوطا عندما سأل من خلق الله؟ فقلنا لهم: غيره وليكن "س" مثلا. يعود السائل يسأل: ومن خلق غيره؟ فنقول له: غيره وليكن "ص" مثلا. يعود السائل يسأل: ومن خلق غيره؟ فنقول له: آخر وليكن "ع" مثلا. وماذا بعد ذلك؟ فإننا بالتالي لا بد أن نصل في النهاية إلى ذات لا بداية لها ولا خالق, ونفهم من هذا كله أن الخالق هو الله وحده لا إله إلا هو, ولا خالق سواه.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

13 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/01م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الرابع : إثبات وجود الخالق

ح9

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

السؤال الثالث والعشرون: معلوم أن الله على كل شيء قدير , فهل يقدر على إيجاد إله أقوى منه؟

 

الجواب: واضح أن السؤال خطأ من ناحيتين: لأن صاحب القدرة المطلقة لا يسأل ولا يطلب منه إيجاد قدرة مطلقة مثله, فضلا عن إيجاد قدرة أقوى منه. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإن قدرة الله عز وجل قدرة مطلقة لا حدود لها, ولا توجد قدرة مطلقة أخرى مثلها فكيف لنا أن نتصور قدرة أقوى منها, إن جاز لنا هذا التعبير. ولو سرنا شوطا أبعد في المسايرة, وقلنا: إن الله تعالى يقدر على إيجاد ذلك الإله, فهل يكون هذا الإله خالقا؟ كلا, إنه مخلوق, وما دام مخلوقا, فهو ليس خالقا, وما دام ليس خالقا, فهو ليس إلها؛ لأن من صفات الإله ألا يكون مخلوقا, فما ليس بمخلوق هو الخالق.

 

السؤال الرابع والعشرون: كيف آمن الإنسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله سبحانه وتعالى؟

 

الجواب: الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله, ووجود الله مدرك من وجود مخلوقاته, وهي الكون والإنسان والحياة, وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل فأدركها, وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها وهو الله تعالى؛ لذلك كان الإيمان بوجود الله عقليا, وفي حدود العقل. إن إدراك ذات الله مستحيل؛ لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة, فهو وراء العقل, والعقل لا يمكنه أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك. ثم إن عقل الإنسان محدود, وذات الله غير محدودة, فأنى للمحدود أن يدرك غير المحدود!

 

وهنا تحضرني قصة الإمام أبي حنيفة النعمان مع الملحدين الذين طالبوه أن يريهم الله جل في علاه, وكان قد حفر حفرة صغيرة عند شاطئ البحر, وجعل يغرف من ماء البحر, ويصب في الحفرة, فقالوا له: ما الذي تفعله يا أبا حنيفة؟ فقال لهم: أريد أن أنقل ماء البحر إلى هذه الحفرة! فقالوا له: هل جننت؟ كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تستوعب ماء البحر الكبير؟ فقال لهم: أأنا المجنون أم أنتم؟ وكيف تستوعب عقولكم الصغيرة رؤية الله الكبير, فاقتنعوا, وكفوا عن طلبهم؟!

 

السؤال الخامس والعشرون: قصور العقل عن إدراك ذات الله هل هو من مقويات الإيمان, أم من عوامل الارتياب والشك؟

 

الجواب: قصور العقل عن إدراك ذات الله يجب أن يكون من مقويات الإيمان, وليس من عوامل الارتياب والشك. لأنه لما كان إيماننا آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما, ولما كان شعورنا بوجود الله مقرونا بالعقل, كان شعورنا بوجوده يقينيا. وهذا يجعل عندنا إدراكا تاما, وشعورا يقينيا بجميع صفات الألوهية, وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به سبحانه. فيجب أن نسلم بما أخبرنا به الله مما قصر العقل عن إدراكه, أو الوصول إلى إدراكه؛ وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل الإنساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه, وإدراك ذات الله يحتاج إلى مقاييس ليست نسبية, وليست محدودة, وهي مما لا يملكه الإنسان, ولا يستطيع أن يملكه.

 

السؤال السادس والعشرون: ماذا يترتب على الإيمان بالله تعالى؟

 

الجواب: الإيمان بالله تعالى آت عن طريق العقل, وهو الركيزة التي يقوم عليها الإيمان بالمغيبات كلها, وبكل ما أخبرنا الله به, وما دمنا آمنا به تعالى, وهو يتصف بصفات الألوهية, يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبرنا به سواء أأدركه العقل أو كان مما وراء العقل؛ لأن المخبر صادق وهو الله تعالى, وصدق الخبر من صدق المخبر, ومن أصدق من الله قيلا؟

 

أيها المؤمنون:

 

سئل الإمام علي كرم الله وجهه ثلاثة أسئلة فيما يتعلق بالذات الإلهية وهي: أين الله؟ وكيف الله؟ ومتى كان الله؟

 

فأجاب على سؤال: أين الله؟ من أين الأين لا يسأل أين! وعلى سؤال: كيف الله؟ من كيف الكيف لا يسأل كيف! وعلى سؤال: متى كان الله؟ ومتى لم يكن؟

 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

14 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/02م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الرابع

إثبات وجود الخالق

 

ح10

 

أيها المسلمون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في نهاية بحثنا لموضوع إثبات وجود الخالق: نتعرض لفكرة في غاية الأهمية وهي:"عدم رؤية الشـيء لا يسوغ إنكار وجوده" نقول وبالله التوفيق :

 

أيها المؤمنون :

 

الهواء موجود في الجو لكننا لا نراه, والزبدة موجودة في الحليب ولكننا لا نراها, والجراثيم تملأ المكان ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة, والكهرباء موجودة في الأسلاك ولا يمكننا رؤيتها كذلك, وغير ذلك كثير من الأشياء الموجودة, والتي لا نراها, أو بعبارة أدق: لا يمكننا أن نراها, ولكن عدم رؤيتنا لها لا يسوغ إنكار وجودها بحال من الأحوال.

 

ويمكننا الاستدلال على وجودها من خلال الآثار التي تحدثها وتدل عليها. وإليكم قصة المعلم المنكر لوجود الله بسبب عدم رؤيته له, والأطفال الذين هم على الفطرة.

 

يحكى أن معلما كان يتكلم مع الأطفال في غرفة الصف حول موضوع إنكار وجود الله تعالى, يريد أن يقنعهم بعدم وجوده سبحانه, فسألهم :

 

المعلم: أيها الأطفال: هل ترونني؟

الأطفال: نعم.

المعلم: إذن أنا موجود! هل ترون هذه الطاولة؟

الأطفال: نعم.

المعلم: الطاولة موجودة! هل ترون هذه السبورة؟

الأطفال: نعم.

المعلم: السبورة موجودة! هل ترون الله؟

الأطفال: لا! لا! لا! - فانتهز المعلم الفرصة - وقال :

المعلم: إذن فالله ليس موجودا، ولو كان موجودا لتمكنا من رؤيته مثل الطاولة والسبورة ... تحير الأطفال بماذا يجيبون، فوقف أحدهم, ورفع يده طالبا الإذن للكلام.

الطفل: هل تسمح لي أن أسأل أسئلة تشبه أسئلتك يا أستاذ؟

المعلم: لا مانع لدي. تفضل.

الطفل: أيها الأطفال: هل ترون الأستاذ؟

الأطفال: نعم.

الطفل: الأستاذ موجود! هل ترون عقل الأستاذ؟

الأطفال: لا! لا! لا!

الطفل: بناء على كلام الأستاذ, لا ينبغي لهذا الأستاذ أن يكون له عقل؛ لأنه قال: إن الموجود هو ما نراه, وما لا نراه فليس موجودا! ونحن نرى الأستاذ ولا نرى عقله، إذن فعقل الأستاذ ليس موجودا, وكلام الأستاذ غير صحيح؛ لأنه لا عقل له! فضحك الأطفال! وأحرج الأستاذ, فلم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة!

 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

15 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/03م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الخامس: الهدى والضلال

 

(ح1)

 

 

 

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

أيها المؤمنون:

قال الله تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه * ومن ضل فإنما يضل عليها * ولا تزر‌ وازر‌ة وزر‌ أخر‌ى* وما كنا معذبين حتى نبعث ر‌سولا). (الإسراء 15)

 

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن صورة, وكرمه وفضله على كثير من خلقه, ووهب له العقل الذي به يعقل الأشياء, وبه يفكر ويميز الخير من الشر, والحق من الباطل, والنافع من الضار, والهدى من الضلال. وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الإنسان قابلية الهدى أو الضلال. والله سبحانه يثيب المهتدي, ويجعل جزاءه الجنة لأنه اختار الهدى على الضلال, ويعاقب الضال, ويجعـل جزاءه النار لأنه اختار الضلال على الهدى.

 

فإذا اختار الإنسان لنفسه الهداية نجا من عذاب النار, وإذا اختار الضلال فإنه سيهوي فيها, وهذا معنى قوله تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه* ومن ضل فإنما يضل عليها ). (الإسراء 15) فما معنى الهدى؟ وما معنى الضلال في لغتنا العربية؟ وهل للهدى والضلال معنى في الاصطلاح الشرعي؟

 

للإجابة عن هذه التساؤلات نقول: الهدى لغة معناه الرشاد. نقول: هدى خالد عامرا. أي دله وأرشده إلى العمل الصالح الذي يرضي الله تعالى, أو إلى العمل النافع والمفيد الذي ينفع صاحبه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا.

 

والضلال لغة هو ضد الهدى والرشاد. نقول: ضل سعي فلان. أي عمل عملا فذهب هباء, ولم يعد عليه نفعه. أما الهداية شرعا فهي الاهتداء إلى الإسلام. وأما الضلال شرعا فهو الانحراف عن الإسلام والابتعاد عنه. هذا وإن العمل الصالح يعود خيره وثوابه على فاعله, والعمل السيئ يعود شره وإثمه على فاعله. قال تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه * ومن أساء فعليها * وما ر‌بك بظلام للعبيد ). (فصلت 46)

الهداية شرعا هي الاهتداء إلى الإسلام, والضلال شرعا هو الانحراف عن الإسلام والابتعاد عنه. فمن أراد الهداية وفقه الله إليها, كما وفق نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عندما كان يتفكر في غار حراء, قال تعالى: (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ر‌بي ). (سبأ 50) ومن أراد الضلال خذله الله تعالى, ولم يوفقه للهداية, كما فعل مع عدو الله فرعون, ومع أبي لهب.

 

أيها المؤمنون:

وقد أراد الله تعالى بكم خيرا مرتين؛ لأنكم اخترتم الهداية: مرة حين يسر لكم دراسة هذا الدين الحنيف, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". ومرة حين هداكم للإيمان. قال تعالى: (وقالوا الحمد للـه الذي هدانا لهـذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللـه). (الأعراف 43)

 

واعلموا أن من أطاع الله تعالى فقد اهتدى, ومن أطاع الشيطان فقد ضل وغوى, واعلموا أيضـا أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله تعالى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى, قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى".

 

فإذا اختار الإنسان الضلال فإن الله تعالى لا يوفقه للهداية, وإذا اختار الإنسان الهداية فإنه يكون قد اختارها بهداية الله تعالى وتوفيقه, ويكون الله تعالى قد يسر له أسبابها. قال تعالى: (الذي خلقني فهو يهدين ). (الشعراء 78) وقال تعالى: (واللـه يقول الحق وهو يهدي السبيل ). (الأحزاب 4)

 

لذا ينبغي على المسلم أن يحمد الله تعالى دائما على أن هداه للإسلام فيقول: الحمد لله على نعمة الإسلام, وكفى بها من نعمة! الحمد لله الذي هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله! فمن أعطى الطاعة لله, واتقى المعصية, وصدق كلمة التوحيد, فإن الله تعالى سيهيئه لدخول الجنة, والدليل على ذلك قول الله تعالى: ( فأما من أعطى واتقى*وصدق بالحسنى* فسنيسر‌ه لليسر‌ى ). (الليل 7) ومن بخل عن الطاعة لله, واستغنى عن الجنة بشهوات الدنيا, وكذب بكلمة التوحيد, فإن الله تعالى سيهيئه لدخول النار والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسر‌ه للعسر‌ى). ( الليل 10)

 

جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة, وأعاذنا وإياكم من النار. آمين يا رب العالمين!

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

16 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/04م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الهدى والضلال

 

ح2

 

أيها المسلمون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: أخرج القرطبي في تفسيره عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "إن مما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم, وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم". في هذه الحلقة نتأمل وإياكم معالم ديننا الحنيف, دين الإسلام العظيم؛ لننتهي إليها كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بوحي من الله جل في علاه, ومع المعلم السادس عشر الذي نتابع فيه موضوع:"صفات المهتدين" نقول وبالله التوفيق :

 

أيها المؤمنون :

 

إن الله تعالى لا يوفق للهداية من اختار الضلال, فمن كانت صفاته صفات الضال لم تتهيأ له أسباب الهداية, وإنما تتهيأ له أسباب الضلال, ومن كانت صفاته صفات المهتدي تتهيأ له أسباب الهداية. فما هي صفات المهتدي؟ تعالوا نتعرف أولا إلى الصفات التي اتصف بها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حتى اجتباه الله وهداه واختاره من بين البشر ليكون نبيه وخليله, وحتى استحق هذه المرتبة, وهذه المكانة عند الله سبحانه , ثم بعد ذلك نتعرف إلى صفات المهتدي: قال تعالى في سورة النمل: [ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ] . [ إن إبر‌اهيم كان أمة ]. أي كان إماما قدوة, جامعا لخصال الخير ولذلك اختاره الله. [ قانتا للـه ] أي مطيعا لربه, قائما بأمره. [ حنيفا ] أي مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق, دين الإسلام. [ ولم يك من المشر‌كين ] وهذا تأكيد لما سبق, ورد على اليهود والنصارى في زعمهم أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا. [ شاكر‌ا لأنعمه ] أي قائما بشكر نعم الله عليه.

 

أيها المؤمنون: للمهتدي صفات تبين حاله, ومن هذه الصفات: الإيمان, والطاعة, والأمانة, والصدق, والعدل. وقد عرفنا هذه الصفات من خلال الآيات القرآنية التي تنفي الهداية عن أناس اتصفوابصفات لا يرضى عنها الله تبارك وتعالى. تعالوا نريكم كيف استخرجنا هذه الصفات واستخلصناها من الآيات الكريمة, وذلك بأخذ أضاد تلك الصفات الواردة فيها :

 

1. قال تعالى: [ إن اللـه لا يهدي القوم الكافر‌ين ]. (المائدة 67) بل يهدي المؤمنين.

2. قال تعالى: [ واللـه لا يهدي القوم الفاسقين ]. (المائدة 108) بل يهدي الطائعين.

3. قال تعالى: [ وأن اللـه لا يهدي كيد الخائنين ]. (يوسف 52) بل يهدي الأمناء.

4. قال تعالى: [ إن اللـه لا يهدي من هو كاذب كفار‌ ]. (الزمر3) بل يهدي الصادقين.

5. قال تعالى: [ إن اللـه لا يهدي من هو مسر‌ف كذاب ]. (غافر28) بل يهدي الصادقين.

6. قال تعالى: [ إن اللـه لا يهدي القوم الظالمين ]. (المائدة 51) بل يهدي العادلين.

فهذه هي صفـات المهتــدين جعلنا الله وإياكم منهم آمين يا رب العالمين!

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

17 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/05م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الخامس: الهدى والضلال

 

(ح3)

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون: عرفنا من خلال الآيات الكريمة التي تعرضنا إليها في الحلقة السابقة أن من صفات المهتدين: الإيمان, والطاعة, والأمانة, والصدق, والعدل. تعالوا بنا نتناول هذه الصفات بشيء من التفصيل:

أولا : الإيمان: الإيمان ضد الكفر, ومعناه التصديق الجازم, فالمهتدي يصدق تصديقـا جازما أي قاطعـا بوجود الله تبارك وتعالى. وذلك بالتفكر في مخلوقاته سبحانه, ويؤمن أيضا بالملائكة عليهم السلام لأن الله تعالى أخبرنا عنهم, ويؤمن كذلك بكتب الله التي أنزلها على رسله, والتي آخرها القرآن الكريم, ويؤمن أيضا برسل الله سبحانه, ويؤمن باليوم الآخر, وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى. والإيمان هو سبب الهداية قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ر‌بهم بإيمانهم تجر‌ي من تحتهم الأنهار‌ في جنات النعيم). (يونس9) وقال تعالى : ( وإن اللـه لهاد الذين آمنوا إلى صر‌اط مستقيم). (الحج54)

ثانيا: الطاعة: الطاعة ضد المعصية, وهي ضرورية لصلاح الأمة, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "لا إسلام إلا بجماعة, ولا جماعة إلا بإمارة, ولا إمارة إلا بطاعة". فإذا ضاعت الطاعة ضاعت الإمارة, وإذا ضاعت الإمارة ضاعت الجماعة, فأصبحت الأمة أفرادا دون إمارة تجمعهم, ودون دولة ترعاهم. وروى البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أطاعني فقد أطاع الله, ومن عصاني فقد عصـى الله, ومن أطاع أميري فقد أطاعني, ومن عصـى أميري فقد عصاني". هذا وإن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم توصل إلى طريق الهداية قال تعالى: (وإن تطيعوه تهتدوا ). (النور 54)

ثالثـا:الأمانة: الأمانة لغة ضد الخيانة, فالذي اختار الهداية ينبغي أن يكون أمينـا, حافظـا للأمانة كما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى عرف بين قومه بأنه الصادق الأمين, وأداء الأمانة واجب ينبغي القيام به امتثالا لأمر الله القائل: (إن اللـه يأمر‌كم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). (النساء 58) والأمانة حملها ثقيل, تنوء به السموات والأرض والجبال. قال تعالى: (إنا عر‌ضنا الأمانة على السماوات والأر‌ض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). (الأحزاب 72) هذا وإن أصح الأقوال كما يقول علماء التفسير في معنى الأمانة التي حملها الإنسان أنها تعني التكاليف الشرعية. فالإنسان له عقل, والعقل مناط التكليف, فهو مكلف بحمل الأمانة, أي بأداء التكاليف الشـرعية التي أمره الله بها, والسموات والأرض والجبال لا عقل لها, فهي غير مكلفة, أي غير حاملة للأمانة. ولكنها تطيع أمر ربها فيما سخرها له, قال تعالى: (قل أئنكم لتكفر‌ون بالذي خلق الأر‌ض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك ر‌ب العالمين وجعل فيها ر‌واسي من فوقها وبار‌ك فيها وقدر‌ فيها أقواتها في أر‌بعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأر‌ض ائتيا طوعا أو كر‌ها قالتا أتينا طائعين). (فصلت11)

رابعـا: الصدق: الصدق ضد الكذب, وهو مطابقة الواقع في الأقوال والأفعال, ولا يكون المرء مهتديـا إلا إذا كان صادقـا, لأنه بالصدق مع الله يهتدي, ويهدي الله على يديه آخرين. والمسلم يلتزم بالصدق لأن الله تعالى أمر بالصدق, قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللـه وكونوا مع الصادقين). (التوبة 119) والصدق في الأقوال والأفعال يتطلب نوعا من الهداية, قال تعالى: (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صر‌اط الحميد). (الحج 24)

خامسا: العدل: العدل ضد الظلم والجور, وهو يعني الإنصاف والمساواة, فالذي اختار طريق الهداية لا يحكم إلا بالعدل وذلك امتثالا لقوله تعالى: (إن اللـه يأمر‌ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القر‌بى وينهى عن الفحشاء والمنكر‌ والبغي يعظكم لعلكم تذكر‌ون) (النحل90) وقوله: (إن اللـه يأمر‌كم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). (النساء 58) هذا وإن العدل أساس الملك كما يقولون. والظلم مؤذن بخراب العمران أي بزوال الملك كما يقول ابن خلدون في مقدمته.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

18 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/06م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

ح4

الهدى والضلال

 

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون: لقد عرفتم من خلال المقالين السابقتين صفات المهتدين, ولو أننا عكسنا تلك الصفات, وأخذنا نقيضها لعرفنا صفات الضالين, لكننا في هذه الحلقة بالإضافة إلى ذلك سنتعرف إلى صفات الضالين, متبعين النهج السابق الذي اتبعناه في معرفة صفات المهتدين, وهو استخراج هذه الصفات واستخلاصها من خلال الآيات القرآنية, والآن تعالوا بنا نعكس صفات المهتدين, ونأخذ نقيضها, ثم نتأمل بعض الآيات القرآنية, ونستخرج منها صفات الضالين:

 

أولا: صفات المهتدين: الإيمان. والطاعة. والأمانة. والصدق. والعدل.

 

ثانيا: صفــات الضــالين: الكفر. والمعصية. والخيانة. والكذب. والظلم.

 

أيها المؤمنون: في كل يوم تطلع فيه الشمس وتغيب نصلي لله خمس صلوات في اليوم والليلة, نقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب, نردد صباح مساء قوله تعالى: {اهدنا الصر‌اط المستقيم * صر‌اط الذين أنعمت عليهم غير‌ المغضوب عليهم ولا الضالين} (الفاتحة 7) فهلا سألنا أنفسنا: من هم الضالون الذين ندعو الله تبارك وتعالى أن يجنبنا طريقهم؟

 

الضالون هم الكافرون المنحرفون عن الإسلام, ذلك الدين القيم الذي يمثـل الصراط المستقيم, والمسلم في صلواته الخمس حين يقرأ فاتحة الكتاب, فإنه يدعو الله تبارك وتعالى أن يهديه الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم, ويدعو الله تعالى أن يجنبه طريق الضالين وهم النصارى, ويجنبه طريق المغضوب عليهم وهم اليهود. والضالون لهم صفات تدل عليهم من أهمها:

 

أيها المؤمنون: فالضالون إذا هم الكافرون المنحرفون عن دين الإسلام, وهذه هي أبرز صفاتهم كما وردت في كتاب الله تعالى:

 

أولا : الكفر والشرك بالله: فالكفر رأس المعاصي كلها, والشرك من أعظم الذنوب, وهما من أبرز صفات الضالين, قال تعالى: { إن الذين كفر‌وا وصدوا عن سبيل اللـه قد ضلوا ضلالا بعيدا } (النساء: 167) وقال تعالى:{ ومن يشر‌ك باللـه فقد ضل ضلالا بعيدا }(النساء: 116)

 

ثانيا: المعـصية لله ولرسوله: فمن يكفر بالله تهون عليه معصيته, ومن لم يؤمن برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تهون عليه مخالفة أمره, وكلا الأمرين ضلال مبين, قال تعالى:{ومن يعص اللـه ور‌سوله فقد ضل ضلالا مبينا} (الأحزاب: 36)

 

ثالثـا: الظـلم: فالضالون يتصفون بالظلم لأنهم مشركون, ولأن الشرك ظلم عظيم كما أخبر الله رب العالمين. قال تعالى:{ إن الشر‌ك لظلم عظيم } (لقمان 13) وقال تعالى:{ ويضل اللـه الظالمين} (إبراهيم: 27)

 

رابعا: الفسق: والفسق هو الخروج عن طاعة الله, والفاسقون ضالون لأنهم خارجون عن طاعة الله تبارك وتعالى, قال تعالى: { وما يضل به إلا الفاسقين}(البقرة: 26)

 

خامسا: طاعة السادة والكبراء: فالضالون يطيعون قادتهم وزعماءهم على باطلهم في الدنيا, لكن القادة والزعماء يتخلون يوم القيامة عن أتباعهم الذين كانوا يطيعونهم, بل ويتبرؤون منهم, أما الأتباع فيقولون: إن سادتهم وكبراءهم هم سبب ضلالهم, لكن الله سبحانه وتعالى سيعاقب السادة والأتباع كـلا بما يستحق, قال تعالى: { وقالوا ر‌بنا إنا أطعنا سادتنا وكبر‌اءنا فأضلونا السبيل } (الأحزاب: 67)

 

سادسا: الصد عن سبيل الله: لم يكتف الضالون بكفرهم, بل إنهم يسعون ويتمنون أن يصبح الناس كلهم كفارا, ليس هذا فحسب, بل يقفون في وجه المؤمنين ليمنعوهم من الإيمان, ويأمرونهم باتباع سبيل الكافرين, ويزعمون أنهم يتحملون عنهم إثمهم وخطاياهم يوم القيامة, قال تعالى: { ودوا لو تكفر‌ون كما كفر‌وا فتكونون سواء } (النساء: 89) وقال تعالى:{ وقال الذين كفر‌وا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفتر‌ون } (العنكبوت: 13) وهؤلاء لعنهم الله تعالى في كتابه, ومعنى لعنهم أي طردهم من رحمته, فهم لا يستحقون هذه الرحمة, قال تعالى: { ألا لعنة اللـه على الظالمين الذين يصدون عن سبيل اللـه ويبغونها عوجا وهم بالآخر‌ة هم كافر‌ون} (هود: 19) وقال تعالى: { الذين كفر‌وا وصدوا عن سبيل اللـه أضل أعمالهم} نعوذ بالله من ذلك الصنف!

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

19 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/07م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

المعلم السادس: إثبات حاجة الناس للرسل

 

 

أيها المؤمنون: إثبات حاجة الناس للرسل يمر في مرحلتين:

 

 

المرحلة الأولى: إثبات حاجة الناس للرسل ليبلغوهم دين الله:

 

ثبت بالدليل العقلي القاطع الذي لا يدع مجالا للشك أن الإنسان مخلوق لله تعالى, وأن التدين فطري في الإنسان؛ لأنه غريزة من غرائزه, وأن الإنسان بفطرته يقدس خالقه, وهذا التقديس هو العبادة, والعبادة هي العلاقة بين الإنسان والخالق. وهذه العلاقة إذا تركت دون نظام؛ فإن تركها يؤدي إلى اضطرابها وإلى عبادة غير الخالق؛ لذلك لا بد من تنظيم هذه العلاقة بنظام صحيح. هذا النظام لا يتأتى من الإنسان؛ لأنه لا يتأتى له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه, فلا بد أن يكون هذا النظام من الخالق, ولا بد أن يبلغ الخالق هذا النظام للإنسان؛ لذلك لا بد من الرسل يبلغون الناس دين الله تعالى.

 

المرحلة الثانية: إثبات حاجة الناس للرسل ليبلغوهم النظام الذي شرعه الله:

 

خلق الله الإنسان, وجعل فيه الطاقة الحيوية, والطاقة الحيوية لدى الإنسان هي الغرائز والحاجات العضوية. أما الغرائز فهي ثلاث: غريزة النوع, وغريزة التدين, وغريزة حب البقاء, ولكل غريزة من هذه الغرائز عدة مظاهر تدل عليها. فمن مظاهرغريزة النوع: الحنان والعطف والميل الجنسي. ومن مظاهر غريزة التدين: التقديس والخشوع والعبادة. ومن مظاهر غريزة حب البقاء: التملك, والخوف والحرص, والأمل, والطمع. وأما الحاجات العضوية فهي الأشياء التي تحتاجها أعضاء جسم الإنسان؛ ليظل حيا كالحاجة إلى الطعام والشراب والتنفس والراحة, وتتمثل أكثر ما تتمثل في الإحساس بالجوع والعطش والنوم, وتتبدى مظاهر الحاجات العضوية بتناول الطعام والشراب والإغفاء. والحاجات العضوية والغرائز كلها بحاجة إلى إشباع, فالإحساس بالجوع يدفع الإنسان للبحث عن الطعام حتى يشبع, والإحساس بالعطش يدفع الإنسان للتنقيب عن الماء حتى يرتوي, وكذلك ميل الإنسان إلى الأنس والاجتماع وإلى تحقيق قيمته الإنسانية يزين له الزواج والإنجاب. والفرق بين الحاجات العضوية والغرائز هو أن الحاجات العضوية تحتاج إلى إشباع. وإن لم يسارع الإنسان إلى تأمين هذا الإشباع فإنها تؤدي به إلى الفناء. أما الغرائز فإن عدم إشباعها قد لا يؤدي إلى الموت, وإنما يجلب للإنسان الشقاء ويسبب له القلق؛ ولذا كان حتما على الإنسان أن يسعى لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية, وهذا الإشباع إذا سار دون نظام أدى إلى الإشباع الخطأ أو الشاذ, وسبب شقاء الإنسان, فلا بد من نظام ينظم الغرائز والحاجات العضوية للإنسان, وهذا النظام لا يتأتى من الإنسان؛ لأن الإنسان في فهمه لتنظيم غرائزه وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها, وإذا ترك ذلك للإنسان كان النظام عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض, وأدى إلى شقاء الإنسان فلا بد أن يكون النظام من الله تعالى. ومن هنا ظهرت حاجة الناس للرسل.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

20 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/08م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

إعجاز القرآن

 

م7

 

 

الحمد لله المعروف بدليله, المحكم لآياته وتنزيله, الصادق في قيله, الهادي إلى سواء سبيله, المحمود على كثير الإنعام وقليله, والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله, وآله وصحبه الذين اهتدوا بهديه, ونهجوا نهجه في دقيق الأمر وجليله, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم, يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا, وتذهل كل مرضعة عما أرضعت, ويتخلى كل خليل عن خليله.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

الإعجاز إثبات العجز، والعجز: ضد القدرة، وهو القصور عن فعل الشيء,والمعجزة هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي, سالم بعيد عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة موافقا لدعواه.

 

ومن خلال تعريف المعجزة نستطيع أن نستنتج شروطها, وهي أن تكون المعجزة خارقة للعادة, أي على غير ما اعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية. وأن تكون مقرونة بالتحدي للمكذبين أو الشاكين. وأن تكون سالمة بعيدة عن المعارضة، فمتى أمكن معارضتها, والإتيان بمثلها، بطل كونها معجزة.

 

ومن الشروط التي ينبغي توافرها في المعجزة: أن يكون الرسول صاحب المعجزة متحديا غير مسالم. وأن يكون قومه قادرين على قبول التحدي. وأن يحسوا بدافع الاستجابة للتحدي.

 

أيها المؤمنون:

 

نأتي الآن إلى موضوع تحدي القرآن للعرب وبيان عجزهم, فلقد تحدى الله العرب وهم أهل الفصاحة, بل تحدى العالم أجمع, تحداهم في بداية الأمر بالقرآن كله, في كل جيل بأن يأتوا بمثله، وأعلن ذلك التحدي على رؤوس الأشهاد, فقال جل من قائل ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ).

(الطور34) وقال تبارك وتعالى( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ). (الإسراء 88) فعجزوا عن الإتيان بمثله.

 

ولما كبلهم العجز عن هذا، فلم يفعلوا ما تحداهم به، جاءهم بتخفيف التحدي، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور، فقال تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ). (هود13-14)

 

ثم أرخى لهم حبل التحدي، ووسع لهم غاية التوسعة فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، أي سورة, ولو من قصار السور، فقال تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ). (يونس 38)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

21 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/09م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الدليل العقلي على أن القرآن من عند الله

ح1

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد

 

القرآن : هو كلام الله تعالى، المتواتر في قراءاته، المنقول إلينا مكتوبا في الصحف بين دفتين، المعجز بطراز أسلوبه، المتعبد بتلاوته، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين بوساطة الملك الذي ينزل بالوحي من الله تعالى وهو جبريل عليه السلام، المبدوء بسورة الفاتحة, المختوم بسورة الناس.

 

والقرآن هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, تلك المعجزة التي قامت حجة على العرب وعلى العجم, بل على العالم أجمع، أي على الناس كافة، وهي باقية إلى يوم الدين للدلالة على صدقه صلى الله عليه وسلم.

 

لقد اقتضت إرادة الله أن يرسل الرسل إلى الناس؛ ليبلغوهم دينه، والناس غير ملزمين باتباع الرسل ما لم يقدموا دليلا قاطعا على نبوتهم؛ كي لا يدعي أحد أنه رسول وهو كاذب. والدليل الذي يأتي به الرسول لا بد أن يكون معجزا للناس الذين كلف بإبلاغهم رسالته، ومتحديا لهم في أعز ما يستطيعون، وأكثر شيء برعوا فيه.

 

وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن من الشروط التي ينبغي توافرها في المعجزة: أن يكون الرسول صاحب المعجزة متحديا غير مسالم. وأن يكون قومه قادرين على قبول التحدي. وأن يحسوا بدافع الاستجابة للتحدي.

 

وقد توافرت هذه الشروط في معجزة سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم. القرآن الكريم, ذلك الكتاب الذي يقع تحت حاستي السمع والبصر، فنسمعه يتلى في محطات الإذاعة وأجهزة التلفاز صباح مساء، ونقرأ آياته في الصلوات الخمس، ونراها بأبصارنا مكتوبة في المصاحف، فهو موجود قطعا.

 

وقد علمنا أن المعجزة هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رسوله دليلا على صدقه. والقرآن الكريم له احتمالات ثلاثة: إما أن يكون من عند العرب، وإما أن يكون من عند العجم, وإما أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن من عند هؤلاء الثلاثة, فلا شك أنه من عند الله. وبعبارة أخرى: هل يستطيع العرب - ومحمد صلى الله عليه وسلم واحد منهم- والعجم وغيرهم أن يأتوا بمثل القرآن, فإن لم يفعلوا؛ فهو حتما من عند الله تعالى.

 

أولا: بطلان كون القرآن من عند العرب :

 

القرآن كلام الله, ويستحيل أن يقوله غير العرب؛ لأنه كلام عربي مبين؛ ولأنه عربي اللغة والأسلوب في ألفاظه وجمله، قال تعالى: ( وإنه لتنزيل ر‌ب العالمين * نزل به الر‌وح الأمين * على قلبك لتكون من المنذر‌ين * بلسان عر‌بي مبين ). (الشعراء 195) أما كون القرآن من عند العرب فباطل؛ لأن العرب نطقوا بكلام منه الشعر ومنه النثر، وكلامهم محفوظ في الكتب ومنقول عنهم استظهارا، نقله الخلف عن السلف ورواه بعضهم عن بعض. فالقرآن إما أن يكون من طراز كلامهم فيكون قد قاله عربي بليغ، وإما أن يكون من غير طراز كلامهم فيكون الذي قاله غير العرب. فإن قالوا مثله فقد استطاعوا أن يأتوا بمثله، فيكون كلام بشر مثلهم، وإن عجزوا عن الإتيان بمثله مع أنه كلام عربي وهم فصحاء العرب وبلغاؤهم، لم يكن كلام البشر. والناظر في القرآن وفي كلام العرب يجد أن القرآن طراز خاص من القول لم يسبق للعرب أن قالوا مثله، ولا أتوا بمثل هذا النمط من القول في شيء، لا قبل نزول القرآن ولا بعده، حتى لا تقليدا له ولا محاكاة لأسلوبه، فدل ذلك على أن العرب لم يقولوا هذا القول فهو كلام غيرهم، فقد ثبت بالتواتر الذي يفيد القطع واليقين أن العرب عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن مع تحدي القرآن لهم.

 

فقد تحداهم بصريح آياته أن يأتوا بمثله, فلم يستطيعو قال تعالى: ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القر‌آن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهير‌ا ). (الإسراء88) ثم تحداهم بعشر سور مثل القرآن, فلم يستطيعوا قال تعالى: ( أم يقولون افتر‌اه قل فأتوا بعشر‌ سور‌ مثله مفتر‌يات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ). (هود 13)

 

ثم تحداهم بسورة واحدة مثل القرآن فلم يستطيعوا قال تعالى: ( وإن كنتم في ر‌يب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسور‌ة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‌ التي وقودها الناس والحجار‌ة أعدت للكافر‌ين ). (البقرة 23) وقال أيضا: ( أم يقولون افتر‌اه قل فأتوا بسور‌ة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ). ( يونس 38)

 

وبالرغم من هذا التحدي الصارخ فقد عجز العرب أن يأتوا بمثل القرآن الكريم رغم محاولاتهم الفاشلة. وعجزهم هذا ثابت بطريق التواتر، ولم يعرف التاريخ ولا روى أحد أنهم أتوا بمثله. والسؤال الذي يرد الآن هو: هل قبل العرب التحدي أم لم يقبلوه؟ هل حاول العرب أن يثبتوا أن بمقدورهم أن يأتوا بقرآن مثل هذا القرآن؟ أم أنهم أقروا بالعجز للوهلة الأولى؟ هذا ما سنجيب عنه في الحلقة القادمة.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

22 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/10م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم الثاني عشر: من أسماء الله الحسنى (ح6)

 

المعز , المذل, الحي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أسماء الله عز وجل تنقسم إلى قسمين:

قسم له مقابل: وهي الأسماء الحسنى التي يكون عملها في مخلوقات الله عز وجل، ومنها المعز والمذل، والنافع والضار. فالحق سبحانه وتعالى يعز من خلقه من يشاء, ويذل من يشاء. وينفع من يشاء, ويضر من يشاء. وقسم ليس له مقابل: وهي أسماء ذات الله العلية الخاصة به. فمن أسمائه عز وجل (الحي)، بينما ليس من أسمائه (الميت). لأن اسمه (الحي) من أسماء ذاته. وأسماء الذات ليس لها مقابل. ومثل ذلك أيضا (العزيز) لا يصح أن نقول: إن من أسمائه (الذليل). والقدوس في هذا الصدد تعني المطهر عما يناقض أسماء ذاته العلية. فهو سبحانه وتعالى (الحي) المطهر عن الموت. (العزيز) المطهر عن الذل. (القادر) المطهر عن العجز. (الكريم) المطهر عن البخل. (العليم) المطهر عن الجهل. وهكذا شأن سائر أسماء ذاته الإلهية العلية. والله سبحانه وتعالى مطهر عن أن يكون له مثيل أو شبيه من مخلوقاته. سواء في الشكل أو في الصفات وتعالى الله عما يصفون علوا كبيرا. وكل ذلك مناقض لما قرره القرآن الكريم. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نعلم أن صفات الحق تبارك وتعالى قسمان:

القسم الأول خاص بالله سبحانه: وهو مجموعة الصفات الخاصة به, والتي لا توجد في أي من مخلوقاته بأي درجة من الدرجات. ومن هذه الصفات الوحدانية والخلق من العدم والإحياء والإماتة والبعث والأزلية، وأنه سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وكونه سبحانه الأول والآخر. كل هذه الصفات خاصة بالحق جل وعلا ولا توجد لدى مخلوقاته مطلقا. وهذه الصفات لا يمكن أن نتصور فيها المماثلة بين الله عز وجل والإنسان لأنها غير موجودة لدى الإنسان.

أما القسم الثاني فهو الصفات الموجودة لدى الله تعالى والإنسان: كالسمع والبصر والكلام والقدرة وغيرها من الصفات المشتركة. فهذه الصفات أيضا لا يمكن تصور المماثلة بين الله عز وجل والإنسان؛ لأن الاشتراك هنا اشتراك لفظي أو مجازي فقط, وليس اشتراكا أو مماثلة حقيقية. فعلى سبيل المثال: صفة السمع لدى الإنسان، نجد أن سمع الإنسان محدود في أمور لا يتعداها، أي يسمع أصواتا معينة، ولا يمكن أن يسمع أصواتا أخرى. والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان ومنحه السمع والبصر. فالله سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‌). (الشورى11) وهو منزه ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد، فتباركت ربنا وتعاليت.

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

23 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/11م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الدليل العقلي على أن القرآن من عند الله

 

ح3

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

وقفنا في الحلقة السابقة عند شهادة الوليد بن المغيرة في القرآن الكريم, هذا القرشي الكافر الذي أحنى رأسه اعترافا وإعجابا به! ولا ننسى أن القرآن في العرف العام عند قريش له سحر يأخذ بالنفوس والعقول. لذلك اشترطوا على ابن الدغنة الذي أجار أبي بكر رضي الله عنه أن يمنعه من أن يصلي في فناء بيته حيث كان على جانب الطريق, لأن أبا بكر يقرأ القرآن, وقريش تخشى أن يفتن هذا القرآن أبناءها وعبيدها وإماءها ونساءها, فمنذ متى كان سماع الكلام في قريش له مثل هذا التأثير؟ هل يخشون من الكلام وهم أرباب الفصاحة وأمراء البيان؟ ألا تدل هذه الخشية على الاعتراف بتفوق القرآن فصاحة وبيانا؟ ألا تدل هذه الخشية على عميق الاعتراف بإعجاز القرآن؟ وكيف لا والقرآن يتحداهم أن يأتوا بمثله, والتحدي قائم صباح مساء, يقرع أسماعهم, ويخاطب عقولهم؟

 

تعالوا معي نسمع ما يقوله كبير قريش وهو يفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم عرض عليه المال والجاه والسلطان والنساء والطب, فماذا عرض عليه محمد صلى الله عليه وسلم؟ أعرض عليه مالا وجاها وسلطانا؟ أم عرض عليه هذا القرآن؟ لقد عرض محمد صلى الله عليه وسلم معجزته, عرض بعضا من آيات الله! فهل يا ترى كان موفقا في عرضه؟

 

نقول: نعم, لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم موفقا في عرضه معجزته. روى ابن إسحق صاحب السيرة النبوية أن عتبة ابن ربيعة كان سيدا حليما قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش, ألا أقوم إلى هذا فأكلمه, وأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء, ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون فقالوا: بلى يا أبا الوليد, فقم فكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من التوسط في العشيرة والمكان في النسب, وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم, وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم, وكفرت من مضى من آبائهم, فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها ".

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل يا أبا الوليد أسمع " فقال: يا ابن أخي, إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا, وإن كنت إنما تريد شرفا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك, وإن كنت تريد ملكا ملكناك, وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك, طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ولعل هذا الذي يأتي به شعر جاش به صدرك, فإنكم لعمري يا بني عبد المطلب تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرغت يا أبا الوليد قال: نعم, قال فاستمع مني قال: أفعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بسم الله الر‌حمن الر‌حيم حم * تنزيل من الر‌حمن الر‌حيم * كتاب فصلت آياته قر‌آنا عر‌بيا لقوم يعلمون ). (فصلت3) فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة أنصت له وألقى بيده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه, حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ( فإن أعر‌ضوا فقل أنذر‌تكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ). (فصلت13) أمسك الوليد بكفه ووضعها على الفم الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: أمسك يا ابن أخي فلعله يصيبنا بعض الذي تقول! حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد فيها ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك!

 

ورجع إلى أصحابه, وقد بهرته المعجزة, أخذه الكلام, أقر بالعجز وبالإعجاز, فلما رآه عدو الله الجاهل أبو جهل قال: لقد جاءكم والله أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالواله: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: إني والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط! والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة! يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه, واعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ, فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم, وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم, وكنتم أسعد الناس به! قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! فقال: لم يسحرني, وإنما الرأي ما قلته لكم, فاصنعوا ما بدا لكم! قالوا: يا أبا الوليد, قل لنا قولا نقوله لوفود العرب إن هم قدموا إلى الحج, فلا يحسن أن يكذب بعضنا بعضا, قال: قولوا لأرى. قالوا: أنقول: إنه شاعر؟ قال: لا, لقد عرفت الشعر والنثر, عرفت رجزه وقصيده, وطويله وقصيره, وما كلام محمد بمشبه الشعر أبدا. قالوا: أنقول: إنه كاهن؟ قال: لا, فما كلام محمد بمشبه سجع الكهان. قالوا: نقول: إنه مجنون. قال: لا, فليس في محمد سقطات المجانين ولا زمزمتهم. قالوا: فما نقول إذن؟ قال: أقرب الأقوال أن نقول فيه: إنه ساحر بيان. وفي هذا الموقف نزل قوله تعالى: (إنه فكر‌ وقدر‌ * فقتل كيف قدر‌ * ثم قتل كيف قدر‌ * ثم نظر‌ * ثم عبس وبسر‌ * ثم أدبر‌ واستكبر‌ * فقال إن هذا إلا سحر‌ يؤثر‌ * إن هذا إلا قول البشر‌ * سأصليه سقر‌ ). (المدثر26)

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

24 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/12م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المعلم الثامن: الدليل العقلي على أن القرآن من عند الله

 

(ح4)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

وقفنا في الحلقة السابقة عند رواية ابن إسحق, وشهادة الوليد بن المغيرة في القرآن الكريم, نلحظ في هذه الرواية عدة أمور تخدم فكرتنا فكرة إثبات أن القرآن من عند الله!

أولها: إن الوليد قد أمسك بكفه ووضعها على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتناعا واعترافا بصدق القائل, وإعجاز المقول.

وثانيها: إن الوليد طلب من قومه ألا يتعرضوا للدعوة. وهذا إقرار ثان.

وثالثها: إن الوليد نفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكلامه صفة الشعر والنثر والكهانة, ونفى

 

عن القرآن مشابهة كلام البشر, وأثبت له صفة التأثير الشديد في الإنسان السامع, فكأنه السحر الذي يؤثر في حاسة البصر عند الإنسان فيجعلها تبصر ما ليس موجودا على الحقيقة. والكلام القرآني يؤثر على حاسة السمع, فيجعلها تؤخذ بما تسمع, وليس السمع كالرؤية, فالأذن لا تخدع, بينما العين تخدع, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من البيان لسحرا". فإذا كان الكلام لمحمد فلماذا لم يضعوا هذه الحواجز له وقد عاش فيهم أربعين عاما يحدثهم ويحدثونه حتى قالوا فيه: إنه الصادق الأمين!

 

وما دام القرآن باللغة العربية, وهي لغتهم, والكلام من جنس كلامهم, فلماذا يفزعون إلى الدعاية والاتهام, ولا يردون على الكلمة بالكلمة, والجملة بالجملة, والسورة بالسورة, والقرآن بمثله؟ أليس هذا شأن المهزوم العاجز؟ وهل هذا الأمر إلا إقرار للقرآن بالإعجاز, وبأنه ليس من عندهم, وليس من عند العرب على الإطلاق؟

 

وما دام بمقدورهم أن يثبتوا أن هذا القرآن ليس معجزا, فلم تنقلوا بين الاتهامات يختبرونها؟ ألم يكف إتيانهم بالبديل عن كل ذلك؟ ولكن أنى لهم البديل, وهم عاجزون عنه؟! وعلى كل حال لم يحفظ لنا التاريخ كتابا اسمه القرآن, الذي عارض فيه العرب القرآن الرباني, ولا زال الباب مفتوحا لمن يريد أن يأتي بشيء, ولا زال التحدي قائما, ولا أظن أحدا يستطيع, وقد عجز أهل اللغة الأوائل, فكيف بالمولدين؟؟!!

 

ولو كان القرآن من عند العرب لما اختلف عن الشعر والنثر, ولوجدت فيه كلمات ميتة, وكلمات خف استعمالها, ولكننا نجد كل كلمات القرآن لا زالت حية مستعملة, بخلاف كلام العرب سواء أكان شعرا أم نثرا فقد ماتت فيه الكثير من الكلمات, ويكفي أن نعطي مثالين اثنين من أمثلة الكلمات التي ماتت وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

 

أولهما كلمة "السجنجل" وتعني المرآة, وثانيهما كلمة "العسلوج" وتعني غصن الشجرة الرفيع.

والخلاصة أنه من كل ما تقدم نستطيع أن نقول: بأن القرآن ليس من عند العرب. فمن أين إذن جاء هذا القران؟ هل يمكن أن يكون القرآن قد جاء من عند العجم؟

ثانيا: بطلان كون القرآن من عند العجم:

 

أظن أن كون القرآن لم يأت من عند العجم لا يحتاج إلى إثبات, فالعجم هم من ليست العربية لغتهم, وهؤلاء لا يستطيعون أن يأتوا بكتاب يعارض القرآن العربي اللغة, ويتفقون عليه وهم لا يحسنون اللغة, علاوة على كون القرآن قد أعجز أصحاب اللغة, وأهل الفصاحة فيها, ومن أتقن اللغة العربية من غير العرب يشمله التحدي أيضا, ولا يكون والحالة هذه أعجميا, بل يكون عربيا؛ لأن العربية عربية اللسان, وليست عربية العرق والجنس؛ ولأن التحدي ليس تحديا للعرق والجنس, وإنما هو تحد للغة واللسان, وليس أدل على ذلك من أن بعض الأعاجم قد حذقوا علوم العربية والتفسير والفقه والحديث حتى صاروا أئمة فيها. ومن هؤلاء: سيبويه عالم العربية الشهير, والطبري المفسر الكبير, وتذهب جملة من المصادر المعتبرة إلى أن ثلاثة من أئمة الفقه الأربعة وهم: أبو حنيفة النعمان, ومحمد بن إدريس الشافعي, ومالك بن أنس هم من الأعاجم, وليسوا من العرب, وأن الإمام أحمد بن حنبل هو العربي الوحيد في المذاهب, وينتمي إلى بكر بن وائل.

 

زعم بعض الكفار أن الذي يعلم محمدا القرآن فتى أعجمي بمكة اسمه "جبر", وهذا الزعم زعم باطل نفاه الله تعالى بقوله: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر‌ لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عر‌بي مبين‌). (النحل103)

 

إن زعم الكفار هذا, هو من أسخف أنواع الاتهامات والمحاجات, ويسقط عند أدنى محاكمة عقلية, ففاقد الشيء لا يعطيه! لقيت مرة رجلا أعجميا فسألته: ما مثنى كلمة "ديك"؟ فلم يفهم السؤال, فسألته السؤال بطريقة أخرى فقلت له: "هذا ديك"و"هذا ديك" كم ديكا صار لدينا؟ فقال بلغة ركيكة: اتنين ديك. بدل قوله: صار لدينا ديكان اثنان!

 

وسألت أعجميا آخر كان يحفظ القرآن كله غيبا عن ظهر قلب ويؤم المصلين, فسألته: ما معنى قوله تعالى: (قل هو الله أحد‌). (الإخلاص1) فنظر إلى السماء وأشار بيده إلى فمه كأنه يضع فيه طعاما وقال: "الله في أكل" فهو لم يميز بين حرفي الكاف والقاف في كلمتي: "كل"و"قل" فهل هذان الأعجميان يستطيعان أن يأتيا بمثل القرآن. كلا!

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

25 من رمــضان 1433

الموافق 2012/08/13م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...