اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

معالم الإيمان المستنير / سلسلة حلقات من المكتب الإعلامي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

 

ح2

 

 

أيها المؤمنون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

كان نبي الله نوح عليه السلام يتوكل على الله تعالى حق توكله. قال تعالى في سورة يونس: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ [71] فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [72] فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [73] }.

 

أيها المؤمنون:

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة :

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اقصص على المشركين من أهل مكة الذين يكذبونك ويخالفونك خبر أخيك نوح عليه السلام مع قومه الذين كذبوه كيف أهلكهم الله ودمرهم أجمعين بالغرق, ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك. حين قال لقومه: يا قوم إن كان عظم وشق عليكم طول بقائي فيكم وبين أظهركم, وتذكيري وتخويفي إياكم بآيات ربكم وحججه وبراهينه, وعزمتم على قتلي وطردي, فعلى الله توكلت وعليه وحده اعتمدت, وبه وثقت, فلا أبالي بكم, فاعزموا أمركم, وادعوا شركاءكم الذين تدعون من دون الله من الأصنام والأوثان, ودبروا ما تريدون لمكيدتي, ولا يكن أمركم في شأني مستورا بل مكشوفا مشهورا, فأنفذوا ما تريدونه في أمري, ولا تؤخروني ساعة واحدة, فإني لا أبالي بكم, ولا أخاف منكم.

قال المفسرون: وإنما خاطبهم بذلك إظهارا لعدم المبالاة, وثقة بالله ووعده له بحمايته وعصمته من أعدائه. فإن كذبتم وأعرضتم عن نصيحتي وتذكيري, فليس لأني طلبت منكم أجرا حتى تمتنعوا, بل لشقاوتكم وضلالكم, وما أطلب ثوابا أو جزاء على تبليغ الرسالة إلا من الله, فأصروا واستمروا على تكذيب نوح عليه السلام, فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة, وجعلنا من معه من المؤمنين سكان الأرض, يخلفون المغرقين, فانظر يا محمد كيف أنجينا المؤمنين, وأهلكنا الكافرين! والغرض من هذه القصة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم , والتحذير لكفار مكة أن يحل بهم ما حل بالسابقين.

أيها المؤمنون :

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

20 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/07م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

التوكل على الله

 

 

ح3

 

 

 

 

 

 

أيها المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

كان نبي الله هود عليه السلام يتوكل على الله حق توكله. قال تعالى في سورة هود عليه السلام: ( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غير‌ه إن أنتم إلا مفتر‌ون * يا قوم لا أسألكم عليه أجر‌ا إن أجر‌ي إلا على الذي فطر‌ني أفلا تعقلون * ويا قوم استغفر‌وا ر‌بكم ثم توبوا إليه ير‌سل السماء عليكم مدر‌ار‌ا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجر‌مين * قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتار‌كي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتر‌اك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بر‌يء مما تشر‌كون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظر‌ون * إني توكلت على الله ر‌بي ور‌بكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ر‌بي على صر‌اط مستقيم * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أر‌سلت به إليكم ويستخلف ر‌بي قوما غير‌كم ولا تضر‌ونه شيئا إن ر‌بي على كل شيء حفيظ * ولما جاء أمر‌نا نجينا هودا والذين آمنوا معه بر‌حمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ).

 

أيها المؤمنون :

 

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. يقول الله تعالى : ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد نبيا منهم اسمه هود عليه السلام قال: يا قوم اعبدوا الله وحده دون الآلهة والأوثان, ليس لكم إله معبود غيره يستحق العبادة, وما أنتم في عبادتكم غير الله إلا كاذبون؛ لأنه لا إله سواه, ياقوم لا أطلب منكم على النصح والبلاغ جزاء ولا ثوابا, ما ثوابي وجزائي إلا على الله الذي خلقني, أفلا تعقلون أن من يدعوكم إلى الخير دون إرادة جزاء منكم هو لكم ناصح أمين؟

 

ويا قوم استغفروا ربكم من الكفر والشرك, وارجعوا إليه بالطاعة والاستقامة على دينه, والتمسك بالإيمان والتوحيد, يرسل عليكم المطر غزيرا متتابعا, ويزدكم عزا وفخارا فوق عزكم وفخاركم, ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه مصرين على الإجرام, وارتكاب الآثام.

 

قالوا : يا هود ما جئتنا بحجة واضحة, قال المفسرون: " وإنما قالوه لفرط عنادهم أو لشدة عماهم عن الحق ". ولسنا بتاركين عبادة الأصنام من أجل قولك, ولسنا بمصدقين لنبوتك ورسالتك, ما نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها.

 

قال هود عليه السلام: إني أشهد الله على نفسي, وأشهدكم أيضا أيها القوم بأنني بريء مما تشركون في عبادة الله من الأوثان والأصنام, فاحتالوا في هلاكي أنتم وآلهتكم, ثم لا تمهلوني طرفة عين.

 

قال المفسرون: " من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه, يرمونه عن قوس واحدة, وذلك لثقته بربه, وأنه يعصمه ويحميه منهم ".

 

قال هود عليه السلام: إني لجأت إلى الله, وفوضت أمري إليه تعالى فهو مالكي ومالككم جميعا, ما من نسمة ولا دابة تدب على وجه الأرض إلا هي في قبضته وتحت قهره. والأخذ بالناصية علامة على الملك والقهر. والجملة التي قالها هود عليه السلام دليل على قوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق. إن ربي عادل يثيب المحسن بإحسانه, ويجازي المسيء بإساءته, ولا يظلم أحدا. فإن تعرضوا عن قبول دعوتي, فقد أبلغتكم أيها القوم رسالة ربي, وما على الرسول إلا البلاغ المبين. فسوف يهلككم الله ويستخلف قوما آخرين غيركم, وهذا وعيد وتهديد شديد لهم, ولا تضرون الله شيئا بإشراككم, إنه سبحانه رقيب على كل شيء, وهو يحفظني من شركم ومكركم. ولما جاء أمرنا بالعذاب, وهو ما نزل بهم من الريح العقيم, نجينا من العذاب هودا والذين آمنوا معه بفضل عظيم ونعمة منا عليهم, وخلصناهم من ذلك العذاب الشديد, وهي الريح المدمرة التي كانت تهدم المساكن, وتدخل في أنوف أعداء الله, وتخرج من أدبارهم, وتصرعهم على وجوههم حتى صاروا كأعجاز نخل خاوية.

 

عافانا الله وإياكم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة! آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

21 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/08م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

ح4

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

كان نبي الله موسى عليه السلام يتوكل على الله حق توكله.

 

قال تعالى في سورة يونس: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ [75] فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ [76] قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ [77] قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ [78] وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [79] فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ [80] فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [81] وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [82] فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ [83] وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [84] فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [85] وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [86] وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [87] وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [88] قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }.

 

أيها المؤمنون:

 

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. في هذه الآيات الكريمة يقص الله تعالى علينا قصة موسى عليه السلام مع فرعون فقال جل من قائل: لقد أرسلنا من بعد نوح عليه السلام رسلا إلى أقوامهم فجاءوهم بالمعجزات الواضحات, فما كانوا ليصدقوا بما جاءتهم به رسلهم, ولم يزجرهم عقاب السابقين, كذلك نختم على قلوب المتجاوزين الحد في الكفر والتكذيب والعناد. ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل والأمم موسى عليه السلام وهارون عليه السلام إلى فرعون وأشراف قومه بالبراهين والمعجزات الباهرة. وهي الآيات التسع المذكورة في سورة الأعراف. فتكبروا عن الإيمان بها, وكانوا مفسدين تعودوا الإجرام وارتكاب الذنوب العظام, فلما وضح لهم الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام من اليد والعصا, قالوا لفرط عتوهم وعنادهم: هذا سحر ظاهر أراد به موسى أن يسحرنا به.

 

قال موسى عليه السلام "مستخدما صيغة الاستفهام الإنكاري للتوبيخ": أتقولون عن هذا الحق: إنه سحر؟ ثم أنكر عليهم أيضا باستفهام آخر: أسحر هذا الذي جئتكم به؟ والحال أنه لا يفوز ولا ينجح الساحرون. قالوا: أجئتنا لتصرفنا وتلوينا عن دين الآباء والأجداد؟ ويكون لك ولأخيك هارون العظمة والملك والسلطان في أرض مصر؟ ولسنا مصدقين لكما فيما جئتما به!

 

قال فرعون: ائتوني بكل ساحر ماهر, عليم بفنون السحر. فأتوه بالسحرة, فلما جاءوا قال لهم موسى عليه السلام: ألقوا ما أنتم ملقون من حبالكم وعصيكم. فلما ألقوا قال موسى عليه السلام: ما جئتم به الآن هو السحر, لا ما اتهمتموني به, إن الله سيذهب به وسيظهر بطلانه للناس, إن الله لا يصلح عمل من سعى بالفساد, ويثبت الله الحق ويقويه بالحجج والبراهين, ولو كره ذلك الفجرة الكافرون. فما آمن مع موسى عليه السلام, ولا دخل في دينه مع مشاهدة تلك الآيات الباهرة إلا نفر قليل من أولاد بني إسرائيل على تخوف وحذر من فرعون وملئه أن يعذبهم ويصرفهم عن دينهم. وإن فرعون لعال متكبر مفسد في الأرض, وإنه لمن المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية.

 

وقال موسى عليه السلام لقومه لما رأى تخوف المؤمنين من فرعون: يا قوم إن كنتم آمنتم وصدقتم بالله وآياته فعلى الله وحده اعتمدوا, فإنه يكفيكم كل شر ويقيكم من كل ضر إن كنتم مستسلمين لحكم الله, منقادين لشرعه. فأجابوا قائلين: على ربنا اعتمدنا, وبه وثقنا. ربنا لا تسلطهم علينا حتى يعذبونا, ويفتتنوا بنا فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا, وخلصنا وأنقذنا بفضلك وإنعامك من كيد فرعون وأنصاره الجاحدين!

 

وأوحينا إلى موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام أن اجعلوا بيوتكم مصلى تصلون فيها عند الخوف, وأدوا الصلاة المفروضة في أوقاتها بشروطها وأركانها على الوجه الأكمل, وبشر يا موسى أتباعك المؤمنين بالنصر والغلبة على عدوهم.

 

وقال موسى عليه السلام: يا ربنا إنك أعطيت فرعون, وكبراء قومه وأشرافهم زينة من متاع الدنيا, وأموالا كثيرة في الحياة الدنيا لتكون عاقبة أمرهم إضلال الناس عن دينك, ومنعهم عن طاعتك وتوحيدك. ثم دعا عليهم فقال: ربنا أهلك أموالهم وبددها, واطبع على قلوبهم حتى لا تنشرح للإيمان, ودعا عليهم بلفظ آخر فقال: اللهم فلا يؤمنوا حتى يذوقوا العذاب المؤلم ويوقنوا به حيث لا ينفعهم ذلك, وإنما دعا عليهم موسى عليه السلام لطغيانهم وشدة ضلالهم, وقد علم بطريق الوحي أنهم لن يؤمنوا فدعا عليهم.

 

قال الله تعالى: قد استجبت دعوتكما على فرعون وأشراف قومه, فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة إلى الله وإلزام الحجة, ولا تسلكا سبيل الجهلة في الاستعجال أو عدم الاطمئنان بوعد الله تعالى. اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك, واجعلنا نخشاك حتى نلقاك, آمين آمين آمين برحمتك يا رب العالمين!

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

23 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/09م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

 

ح5

 

أيها المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

كان نبي الله إبراهيم عليه السلام وأم إسماعيل عليه السلام يتوكلان على الله حق توكله. قال تعالى في سورة الشعراء: ( واتل عليهم نبأ إبر‌اهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضر‌ون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفر‌أيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا ر‌ب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مر‌ضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر‌ لي خطيئتي يوم الدين * ر‌ب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ).

 

أيها المؤمنون :

 

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. نشأ إبراهيم عليه السلام بين قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام, وكان والده يصنعها ويتاجر بها. وقد اختار الله إبراهيم نبيا, فأخذ يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى, وعبادته وحده, وترك عبادة الأصنام. قال إبراهيم عليه السلام يوما لأبيه وقومه: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال إبراهيم عليه السلام: هل يسمعونكم إذ تدعون؟ أو ينفعونكم أو يضرون؟ قالوا: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.

 

أنكر عليهم إبراهيم عليه السلام هذه العبادة, وأخبرهم بأنه لا يعبد إلا الله رب العالمين, فهو الذي خلقه, وبيده حياته وموته, وهو يشفيه إذا مرض, ويطعمه ويسقيه إذا جاع وعطش. خرج قوم إبراهيم عليه السلام للاحتفال بعيد لهم بعيدا عن مكان الأصنام, وطلبوا إلى إبراهيم عليه السلام أن يخرج معهم, ويشاركهم عيدهم, ولكنه رفض ذلك, ثم ذهب إلى الأصنام وكسرها, ولم يترك منها غير صنم كبير وخرج. وعندما رجع قوم إبراهيم عليه السلام من مكان الاحتفال, وجدوا أصنامهم مكسرة فأحضروا إبراهيم عليه السلام وسألوه: قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال إبراهيم عليه السلام: اسألوهم إن كانوا ينطقون! فسكتوا قليلا ثم قالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون! قال إبراهيم عليه السلام: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم؟ أف لكم ولما تعبدون من دون الله. أفلا تعقلون؟ ولكن قوم إبراهيم عليه السلام أصروا على موقفهم, وقرروا أن يحرقوا إبراهيم عليه السلام, فأوقدوا نارا عظيمة, ورموه فيها.

 

أيها المؤمنون :

 

ونجى الله إبراهيم عليه السلام: روى البخاري عن ابن عباس قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار " حسبي الله ونعم الوكيل ". فأمر الله تعالى النار وقال: ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ). وبذلك نجى الله نبيه إبراهيم عليه السلام فخرج من النار سالما, واستمر عليه السلام يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته وحده. وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف في سورة الأنبياء فقال تعالى: ( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضر‌كم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حر‌قوه وانصر‌وا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار‌ كوني بر‌دا وسلاما على إبر‌اهيم * وأر‌ادوا به كيدا فجعلناهم الأخسر‌ين ).

 

أيها المؤمنون :

 

كانت أم إسماعيل عليه السلام تتوكل على الله حق توكله. قال الله تعالى في سورة إبراهيم: ( وإذ قال إبر‌اهيم ر‌ب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * ر‌ب إنهن أضللن كثير‌ا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور‌ ر‌حيم * ر‌بنا إني أسكنت من ذر‌يتي بواد غير‌ ذي زر‌ع عند بيتك المحر‌م ر‌بنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وار‌زقهم من الثمر‌ات لعلهم يشكر‌ون ).

 

أيها المؤمنون :

 

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. رزق الله تعالى إبراهيم عليه السلام ولدين: الأول إسماعيل عليه السلام من زوجته السيدة هاجر, والثاني إسحق عليه السلام من زوجته السيدة سارة. وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يأخذ السيدة هاجر وولدها إسماعيل من فلسطين ويسكنها في مكة المكرمة. وكانت مكة يومئذ واديا لا ينبت فيه زرع, ولا يوجد فيه ماء, ولا يسكنه أحد. فاستجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله تعالى, وأخذ ولده الرضيع وأمه ووضعهما في ذلك الوادي, ودعا الله تعالى أن يعمر ذلك المكان بالناس, وأن يرزق أهله من الثمرات.

 

روى البخاري عن ابن عباس قال: " ثم جاء بها إبراهيم عليه السلام وبابنها إسماعيل عليه السلام وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر, وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. قالت: إذن لا يضيعنا... ". وفي رواية عند البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيها: " ... ثم رجع إبراهيم عليه السلام إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل عليه السلام حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله. قال فرجعت... ". اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك, واجعلنا نخشاك حتى نلقاك, آمين آمين آمين برحمتك يا رب العالمين!

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

24 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/10م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

 

ح6

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه من الصحابة رضي الله عنهم يتوكلون على الله حق توكله, فقد أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوكل عليه في آيات عديدة, فقال مخاطبا إياه في سورة النمل: (فتوكل على الله إنك على الحق المبين). وقال عز وجل في سورة الأحزاب: (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه الطويلة العديدة لا يخوض معركة حتى يعد لها عدتها, ويهيء لها أسبابها, فيختار مكان المعركة وزمانها, وقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يشن غارة في الحر إلا بعد أن يبرد الجو, ويتلطف الهواء من آخر النهار, بعد أن يكون قد رسم خطته, ونظم صفوفه, وإذا فرغ من كل الأسباب المادية المطلوبة لنجاح المعركة رفع يديه سائلا الله عز وجل قائلا: "اللهم منزل الكتاب, ومجري السحاب, وهازم الأحزاب, اهزمهم وانصرنا عليهم". وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الأسباب المادية والروحية التي هي إدراك الصلة بالله تعالى عند القيام بالعمل, فيعلق أمر نجاحه على ربه, وينوط فلاحه وفوزه بمشيئة مولاه تبارك وتعالى.

 

أيها المؤمنون:

 

وأثناء الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه بالهجرة بعد أن هاجر إليها جل أصحابه, وجاءه الإذن بالهجرة, ومن خلال هذه الحادثة التي تجلت فيها حقائق الإيمان والتوكل معا نرى أن رسول الله كان لا ينكر الأسباب, ولا يعتمد عليها, ونرى أيضا أن آخر الأسباب للمؤمن اطراحه بين يدي الله, وتفويضه أمره إليه سبحانه في ثقة واطمئنان. فما الترتيبات التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهجرته؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول: عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة قام بإعداد الترتيبات الآتية:

 

أولا: اتخذ رفيقا من خيرة الرفقاء ليصحبه في طريقه إلى دار هجرته, ألا وهو صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

 

ثانيا: أعد زاد السفر من طعام وشراب, وقد ربطته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه بنطاقها حتى لقبت ب "ذات النطاقين".

 

ثالثا: أعد راحلة ممتازة للركوب عليها في هذا السفر الشاق الطويل, وكلف من يزوده بأخبار العدو. وقد تكفل بذلك أبو بكر الصديق, فاشترى الراحلتين, وكلف ابنه عبد الله بنقل الأخبار من مكة.

 

رابعا: أحضر عالما خبيرا بمسالك الطريق ودروبها الوعرة؛ ليكون دليلا وهاديا في هذه الرحلة الصعبة, وقد استأجره أبو بكر الصديق رضي الله عنه واسمه عبد الله بن أريقط.

 

خامسا: أعد خطة للتمويه على العدو الذي ما برح ينتظر خروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته الذي طوقه العدو وحاصره فيه حتى لا ينفلت منه, فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام في فراشه, ثم خرج وترك العدو ينتظر قومته من فراشه الذي يتراءى لهم من خلال شقوق الباب, وهكذا فوت الفرصة على العدو الذي أراد أن يفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم .

 

سادسا: أعد خطة للاختفاء والاستتار عن أعين طالبيه الناقمين والحاقدين عليه, فلما اشتد المشركون في طلبه, وراحوا يبحثون عنه وعن صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الطريق المؤدي إلى المدينة شمال مكة, أوى مع صاحبه إلى غار ثور الواقع جنوب مكة فدخلا فيه, وهكذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم على تضليل العدو.

 

سابعا: أعد من يقوم بطمس آثار الأقدام إلى الغار, وهو الراعي الذي كان يعمل عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه واسمه عامر بن فهيرة.

 

ثامنا: وبعد كل تلك الإعدادات توكل على الله تعالى حق توكله, واعتمد عليه اعتمادا كليا, ووثق به وبنصره ثقة كاملة وأكيدة, لذلك فعندما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: "لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا يا رسول الله!". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما!؟". وقال له أيضا: "لا تحزن يا أبا بكر, إن الله معنا!؟".

 

أيها المؤمنون:

 

ولقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل نبيهم يتوكلون على الله حق توكله: قال تعالى: (الذين استجابوا لله والر‌سول من بعد ما أصابهم القر‌ح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر‌ عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا ر‌ضوان الله والله ذو فضل عظيم).

 

نزلت هذه الآيات الكريمة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين استجابوا لله وللرسول حين ندبهم لينطلقوا معه إلى الحج, بعد أن أصابهم القرح يوم أحد, حيث أصاب أبو سفيان وأصحابه من المسلمين ما أصابوا ورجعوا, واشتد على المسلمين الذي أصابهم, واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب, فمن ينتدب في طلبه؟". فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه, وعمر بن الخطاب رضي الله عنه, وعثمان بن عفان رضي الله عنه, وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه, وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعوهم, فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه, فلقي عيرا من التجار فقال: "ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا, وأخبروهم أني قد جمعت جموعا وأني راجع إليهم". فجاء التجار فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "حسبنا الله ونعم الوكيل". فأنزل الله تلك الآيات!

 

أجل حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم يظلم المسلمين ويمكر لهم, اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير, وانصرنا على عدوك وعدونا إنك على كل شيء قدير, وبالإجابة جدير!

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

25 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/11م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

 

ح7

 

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتوكل على الله حق توكله. روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين, ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية, فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا قبل الحبشة, حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة (1) وهو سيد القارة, قال ابن الدغنة: " إن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم, ( (1) الدَغِنّة: بفتح الدال, وكسر الغين, وتشديد النون, هكذا وردت في صحيح البخاري الدُغُنّة: بضم الدال والغين, وتشديد النون, عند أبي ذر مصححا عليه) وتحمل الكل, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق, وأنا لك جار, فارجع فاعبد ربك ببلادك ", فارتحل ابن الدغنة, فرجع مع أبي بكر رضي الله عنه, فطاف في أشراف كفار قريش. فقال ابن الدغنة لهم: " إن أبا بكر لا يخرج مثله, ولا يخرج. أتخرجون رجلا يكسب المعدوم, ويصل الرحم, ويحمل الكل, ويقري الضيف, ويعين على نوائب الحق؟ ".

 

فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة, وآمنوا أبا بكر رضي الله عنه. وقالوا لابن الدغنة: " مر أبا بكر فليعبد ربه في داره, فليصل, وليقرأ ما شاء, ولا يؤذينا بذلك, ولا يستعلن به, فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ". قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر رضي الله عنه, فطفق أبو بكر رضي الله عنه يعبد ربه في داره, ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره.

 

ثم بدا لأبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجدا بفناء داره, وبرز فكان يصلي فيه, ويقرأ القرآن, ويتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه, وكان أبو بكر رجلا بكاء, لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن.

 

فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين, فأرسلوا إلى ابن الدغنة, فقدم عليهم فقالوا: " إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره, وإنه جاوز ذلك, فابتنى مسجدا بفناء داره, وأعلن الصلاة والقراءة, وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا, فأته, فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل, وإن أبى إلا أن يعلن ذلك, فسله أن يرد إليك ذمتك, فإنا كرهنا أن نخفرك, ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان ".

 

قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر رضي الله عنه فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه, فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له.

 

قال أبو بكر: " إني أرد إليك جوارك, وأرضى بجوار الله عز وجل ... ". اللهم يا مجير أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

26 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/12م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

 

التوكل على الله

 

 

ح8

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يتوكل على الله تعالى حق توكله وهو أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى الإمام أحمد في فضائل الصحابة, وابن إسحق في السيرة عن عروة قال: "كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط, فمن رجل يسمعهموه ...؟؟ فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنا...

 

قالوا: إنا نخشاهم عليك, إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال: دعوني, فإن الله عز وجل سيمنعني.

 

فغدا ابن مسعود رضي الله عنه حتى أتى المقام في الضحى, وقريش في أنديتها, فقام عند المقام ثم قرأ: (بسم الله الر‌حمن الر‌حيم). رافعا بها صوته (الر‌حمن * علم القر‌آن * خلق الإنسان * علمه البيان).

 

ثم استقبلهم يقرؤها ....... فتأملوه قائلين: ماذا يقول ابن أم عبد ......؟؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد ....... فقاموا إليه, وجعلوا يضربون وجهه، وهو ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ....... ثم انصرف إلى أصحابه, وقد أثروا في وجهه وجسده, فقالوا له: هذا الذي خشيناه عليك..... فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن, ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا ...... قالوا له: حسبك, فقد أسمعتهم ما يكرهون"......!!

 

اللهم مكنا من أن نقول كلمة الحق حيث كنا, لا نخشى في الله لومة لائم, اللهم قونا على طاعتك, اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

27 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/13م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

التوكل على الله

 

ح9

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم المسلمين التوكل والطاعة, فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومن معه من الأجناد كتابا جاء فيه: "أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال, فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو, وأقوى المكيدة في الحرب, وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم, فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم, وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله, ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة, لأن عددنا ليس كعددهم, ولا عدتنا كعدتهم, فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة, وإن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله, يعلمون ما تفعلون, فاستحيوا منهم, ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله, ولا تقولوا: إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا, فرب قوم سلط عليهم شر منهم, كما سلط كفرة المجوس على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله. (فجاسوا خلال الديار‌ وكان وعدا مفعولا). واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم, أسأل الله ذلك لنا ولكم. وترفق بالمسلمين في مسيرهم, ولا تجشمهم مسيرا يتعبهم, ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم, حتى يبلغوا عدوهم".

 

وكتب عمر رضي الله عنه إلى ولده عبد الله بن عمر رضي الله عنه جاء فيه: "أما بعد: اتق الله, فإن من اتقى الله وقاه, ومن توكل عليه كفاه, ومن شكر له زاده, ومن أقرضه جزاه, فاجعل التقوى عماد قلبك, وجلاء بصرك, فإنه لا عمل لمن لا نية له, ولا أجر لمن لا خشية له".

 

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعري قال: "شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح, ويزيد بن أبي سفيان, وشرحبيل بن حسنة, وخالد بن الوليد, وعياض وليس عياضا الأشعري قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه, فكتب إلينا: "إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا! هو الله عز وجل فاستنصروه، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم, فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم, ولا تراجعوني". قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم ...".

 

اللهم انصرنا على عدوك وعدونا إنك على كل شيء قدير, وبالإجابة جدير!

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

28 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/14م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

الرزق بيد الله وحده

 

 

 

المعلم الحادي والثلاثون

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

حين أسكن نبي الله إبراهيم عليه السلام ذريته بواد غير ذي زرع دعا ربه أن يرزق المؤمنين الذين يقيمون الصلاة. قال تعالى في سورة إبراهيم: ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).

 

وقال الله تعالى في سورة البقرة : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ). فماذا كان جواب الله تعالى لإبراهيم عليه السلام؟ قال الله تعالى مجيبا في الآية نفسها: ( قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ). أي ومن كفر فإني أرزقه كذلك, فالله تعالى يرزق كل الخلق, وكل الناس: المؤمنين منهم والكافرين.

 

أيها المؤمنون:

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا". ورد في حديث التوكل هذا قوله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله". فكيف يكون التوكل على الله حق توكله؟ للإجابة نقول: التوكل على الله فرض واجب على كل مسلم وجوبا مطلقا دون قيد أو شرط, بغض النظر عن الأسباب والمسببات, فالمسلم يتوكل على الله دائما في كل وقت وحين, وهو يتوكل عليه سبحانه في كل أمر من الأمور, وفي كل عمل من الأعمال.

 

أيها المؤمنون:

 

ويرد الآن سؤال هو: هل السعي في طلب الرزق واجب؟ وقبل الحديث عن وجوب السعي دعوني أذكركم بقصة ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته بباب المسجد, فقال يا رسول الله: أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "اعقلها وتوكل". أي اربط ناقتك وتوكل على الله, فهو تعليم لنا وللأعرابي, وتفهيم لنا وله بأن نجمع بين الأخذ بالأسباب والأخذ بالتوكل, فالأخذ بالأسباب لا ينفي التوكل, والتوكل لا ينفي الأخذ بالأسباب.

 

للإجابة عن السؤال نقول: السعي في طلب الرزق أمر ضروري ومطلوب, أما لاحظتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: "تغدو... وتروح..." أليس هذا الغدو وهذا الرواح من الطير سعيا ؟ بلى, هذا وإن السعي في طلب الرزق قد يكون واجبا, وقد يكون مندوبا. فإذا كان رب الأسرة لا يملك قوته ولا قوت أهله كان السعي واجبا في حقه, وأما إذا كان رب الأسرة غنيا عنده قوته وقوت أهله, فالسعي في حقه مندوب وليس واجبا. والمندوب هو ما يثاب فاعله, ولا يأثم تاركه, بخلاف الواجب فتاركه آثم.

 

أيها المؤمنون:

 

والجانب العقائدي في موضوع الرزق هو أن يدرك المسلم بأن سعيه لطلب الرزق ليس سببا في جلب الرزق, بل هو حالة من حالاته, فالمسلم حين يسعى طالبا للرزق يتلبس بالحالة التي يحصل فيها جلب الرزق, وقد يحصل جلب الرزق, وقد لا يحصل, لأن الرزق بيد الله وحده, فالله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين كما أخبر سبحانه عن نفسه حيث قال: ( إن الله هو الر‌زاق ذو القوة المتين ). (الذاريات 58) ولله در من قال:

عليك بتقوى الله إن كنت غافلا يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري

فكيف تخاف الفقر والله رازقك فقد رزق الطير والدود في الحجر

ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة لما أكل العصفور شيئا مع النسر

تزول عن الدنيا وأنت لا تدري إن جن عليك ليل فهل تعيش للفجر

فكم من سليم مات من غير علة وكم من سفيه عاش حينا من الدهر

وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وأكفانه في الغيب تنسج ولا يدري

فمن عاش في الدنيا ألفا وألفين لا بد من يوم يسير فيه إلى القبر

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

29 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/15م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

انتهاء الأجل هو السبب الوحيد للموت

ح32

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

أيها المؤمنون:

 

باديء ذي بدء لا بد لنا من أن نذكر بحقيقتين يغفل عنهما كثير من الناس: الحقيقة الأولى: وهي أن الرزق والأجل أمران متلازمان أي مقترنان ببعضهما, يبدآن معا وينتهيان معا, ففي اللحظة التي تبدأ فيها الحياة يبدأ فيها الرزق, وفي اللحظة التي تنتهي فيها الحياة ينتهي فيها الرزق. أما الحقيقة الثانية: فهي أن طاعة الله تجلب الرزق, وأن معصيته تحرم الرزق.

 

يؤكد هذا المعنى آيات من القرآن الكريم, وأكثر من حديث للنبي صلى الله عليه وسلم : ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطر‌يقة لأسقيناهم ماء غدقا). (الجن 16) وقوله تعالى: (وضر‌ب الله مثلا قر‌ية كانت آمنة مطمئنة يأتيها ر‌زقها ر‌غدا من كل مكان فكفر‌ت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). (النحل112) وروى الطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:"نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته". وروى الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن الحسن بن علي، عن أبيه، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر يوم غزوة تبوك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس، إني والله ما آمركم إلا بما أمركم الله به، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه، فأجملوا في الطلب، فوالذي نفس أبي القاسم بيده إن أحدكم ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله، فإن تعسر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة الله عز وجل". وروى ابن ماجة في سننه عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق للخطيئة يعملها". وفي رواية أخرى لابن ماجة عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

 

أيها المؤمنون:

يظن كثير من الناس أن الموت وإن كان واحدا, ولكن أسبابه متعددة, ويتردد على ألسنة العامة منهم بيت الشعر الذي يقول:

من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد

 

ويرون أن الموت قد يكون من مرض مميت كالطاعون مثلا, وقد يكون من طعن سكين أو ضرب رصاص, أو حرق بالنار, أو غرق, أو غير ذلك, فهذه كلها عندهم أسباب مباشرة تؤدي إلى الموت, أي أن الموت قد حصل بسببها, ولولاها لما حصل الموت. وهذا القول خطأ من وجهين: الوجه الأول: لأن الأشياء التي ذكروها وظنوها أسبابا للموت, هي كلها في حقيقتها وواقعها حالات للموت وليست أسبابا له, قد يحصل فيها الموت وقد لا يحصل, ولو كانت أسبابا للموت لما تخلفت, فالمسبب لا يمكن أن ينتج إلا عن سببه وحده. فلو كان المرض سببا للموت؛ لكان كل من يمرض يموت! ولو كان الطعن بالسكين سببا للموت؛ لكان كل من يطعن بالسكين يموت! ولو كان الضرب بالرصاص سببا للموت؛ لكان كل من يضرب بالرصاص يموت! ولو كان الغرق سببا للموت؛ لكان كل من يغرق يموت! ولو كان الحرق سببا للموت؛ لكان كل من يحرق يموت! والمشاهد المحسوس في حالات كثيرة أنه ليس كل من يمرض يموت! وليس كل من يطعن بالسكين يموت! وليس كل من يغرق يموت! وليس كل من يحرق يموت! فدل على أنها حالات للموت وليست أسبابا له. وأما الوجه الثاني فلأن الموت واحد, وسببه واحد أيضا هو انتهاء الأجل, وذلك للأدلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة. قال تعالى في سورة الأعراف: (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخر‌ون ساعة ولا يستقدمون). (الأعراف34) وقال تعالى في سورة يونس: (إذا جاء أجلهم فلا يستأخر‌ون ساعة ولا يستقدمون). (يونس 49) وقال تعالى في سورة آل عمران: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا). (آل عمران 145)

 

ولدينا شاهد قوي من تاريخ الإسلام, له شهرة واسعة, يعلمه القاصي والداني, يؤيد ويؤكد رأينا الذي ذهبنا إليه وهو أن السبب الوحيد للموت هو انتهاء الأجل. فكلكم تعلمون أن سيف الله المسلول خالد بن الوليد, بطل المعارك والجهاد في سبيل الله, لم يمت في ميادين القتال على كثرتها. فأين مات يا ترى؟ اسمعوا له وهو يتحدث عن نفسه قبيل وفاته رضي الله عنه: "لقد خضت أربعين زحفا أو زهاءها, وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف, أو طعنة برمح, أو رمية بسهم, وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير, فلا نامت أعين الجبناء!". اللهم أحينا سعداء, وأمتنا شهداء, واحشرنا مع زمرة الأنبياء! آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

وختاما أيها المؤمنون نقرا عليكم خاتمة هذه الحلقات والتي اعدها الاستاذ الفاضل محمد احمد النادي بارك الله فيه وبه وتقبل الله عمله خالصا لوجهه الكريم اللهم آمين

 

يقول الاستاذ الفاضل محمد احمد النادي:

تم الكلام وربنا محمود وله المكارم والعلا والجود

وعلى النبي محمد صلواته ما رف طير وأورق عود

 

سبحان ر‌بك ر‌ب العزة عما يصفون

وسلام على المر‌سلين, وآخر دعوانا أن الحمد لله ر‌ب العالمين

 

 

بهذا اللقاء أكون قد أنهيت معكم ما فتح الله به علي من"معالم الإيمان المستنير" فإن أحسنت ووفقت فمن الله تعالى وحده, وإن أسأت وخيبت فمن نفسي ومن الشيطان, وإن كانت الأولى فلله الحمد والمنة, وإن كانت الثانية؛ فأرجو منه سبحانه العفو والغفران, ومن إخواني المؤمنين الذين جشمتهم قراءة وسماع كتابي الدعوة لي بالرحمة والرضوان, والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم, وأن ينفعني به يوم الدين, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, وأن ينفع به المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها, وأن يجعلنا وإياهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

أخوكم الفقير إلى عفو الله تعالى ومغفرته ورضوانه

محمد أحمد النادي

30 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/16م

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...