اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

لماذا تأخر النصر عن سوريا؟ (1) - د. إياد قنيبي


الرضا

Recommended Posts

لماذا تأخر النصر عن سوريا؟

 

سؤال يرد على ذهن كثير منا. وأود بداية أن أصحح السؤال. فالنصر في سوريا لم يتأخر. النصر في سوريا يولد كل يوم وينمو كل يوم. فنحن كمسلمين نؤمن بالآخرة نُعرف النصر بتعريف الله عز وجل له. قال الله تعالى: ((فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز))، والذين يُقتلون على الإيمان من أهلنا في سوريا هم بهذا المعنى الآن إن شاء الله فائزون منتصرون.

 

أهل الأخدود عذبوا وحرقوا أحياء، ومع ذلك قال الله تعالى في سورة البروج التي تتحدث عن مصيرهم: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير))، ولهذا فالذين يعذبون ويقتلون من أهلنا في سوريا هم الآن إن شاء الله فائزون منتصرون.

في الحديث الذي رواه البخاري أن حرام بن ملحان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طعنه مشرك غدرا برمح في ظهره نفذ من صدره، فجعل حرام يضع يده على الدم ويمسح به وجهه وهو يقول: فزت وربِّ الكعبة، فزت وربِّ الكعبة.

 

فأهم أشكال الفوز والنصر في ديننا أن تموت وأنت ثابت على دينك. فالذين يقتل من أهلنا في سوريا ثابتين على دينهم هم فائزون منتصرون. ولهذا نقول أن النصر يولد كل يوم.

لذا دعونا نصحح السؤال ونقول: لماذا طال البلاء في سوريا؟

إخواني وأخواتي لله تعالى الحكمة التامة. تعالوا نتأمل بعض الحكم الظاهرة لتطويل البلاء على أهل سوريا:

1) ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) ومن أشكال العبادة أن نُعاني ونصبر ونموت في سبيل الله. فالذي يحدث في سوريا هو الأصل وليس شذوذا عن القاعدة. فالله لم يخلقنا الله لنأكل ونشرب وننام ثم نموت، بل ليختبرنا...

لم يخلقنا ربنا عبثا حتى يتركنا هكذا دون اختبار: ((أم حسبتم أن تُتركوا))...أي: (مهملين، لا نختبركم بأمور يظهر فيها الصادق من الكاذب)...(( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)).

((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين))

 

هذه حقيقة نغفل عنها في غمرة الحياة فنظن أن الأصل أن نأكل ونشرب ونتمتع وتَسلم لنا أموالنا وأهلنا...لا يا إخواني، ما لهذا خُلقنا. ولهذا ينبه الله تعالى بمثل هذا المطلع: ((أم حسبتم أن تُتركوا))، ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا))...لن نُترك، فالله تعالى ما خلقنا عبثا بل: ((هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)).

بل عندما نرى آلافا من إخواننا وأخواتنا يُقتلون ننسى أمرا مهما جدا، وهو أن اصطفاء الشهداء مقصود لذاته. الله تعالى يريد أن يتخذ من عباده شهداء: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)). لاحظ: يغير الله تعالى موازين القوى حتى يتغلب الكفار فيجاهدَهم المؤمنون فتسفك دماء في سبيله تعالى، فهذا أرقى أشكال العبودية. إن كان الله تعالى يحب أن يُتقرب إليه بإهراق دم الأضاحي، كما قال رسول الله: ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم))، فما بالك عندما يقبل المسلم أن يراق دمه في سبيل الله. فاصطفاء الشهداء مطلب في ذاته.

 

هذا معنى ننساه ونحن نتحسر على آلاف الشباب الذين يقتلون في بلاد الشام ويقول بعضنا: ذهب دمهم هدرا، ولا والله –إن شاء الله- ما ذهب هدرا ما داموا قد قُتلوا من أجل دينهم وماتوا ثابتين عليه. لم يضيعوا سدىً، بل اتخذهم الله لنفسه.

ولاحظ التعبير: ((ويتخذ منكم)) أي: لنفسه سبحانه ((شهداء)). تصور صندوقا يُعرض عليك فتزهد في كل ما فيه إلا جوهرة نفيسة تتخذها لنفسك وتقول هذه نصيبي وحصتي. ولله المثل الأعلى: ماذا يريد الله بالدنيا وما فيها؟! هي كلها بزينتها وجمالها وثرواتها لا تَزِن عند الله جناح بعوضة...إنما يتخذ منها لنفسه ويؤيي إلى كنفه: الشهداء.

إذن فهذه الحكمة الأولى: أن الله ما خلق الناس إلا لهذا: ليبتليهم فتظهر منهم العبودية ويتخذ منهم شهداء.

2) طال البلاء لأن الله تعالى أعد لأهل الشام-فيما نحسب- جائزة عظيمة في الدنيا قبل الآخرة...قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن النصر مع الصبر))...إذن فعلى قدر الصبر يكون النصر. وأهلنا صبروا صبرا عظيما فسيكون نصرهم إن شاء الله عظيما.

 

البلاد العربية التي اكتسحتها الثورات وسقطت فيها الأنظمة...حصلت فيها تضحيات، أي نعم، لكن البلاء كان قصيرا نسبيا، أقل من أن يكون به الرفعة والتمكين مما عهدناه من سنة الله. فجاءت ثمرة هذه الثورات مشوبة معكرة. أما أهلنا في الشام، فنُذكرهم أن من حكم الله عز وجل في تربية عباده ما ذكره ابن القيم: (أنه تعالى إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلّوا وانكسروا وخضعوا فاسْتوْجبوا منه العز والنصر، فإن خلعة النصر (أي هدية النصر) إنما تكون مع وَلاية الذل والإنكسار، قال تعالى : {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} وقال في المقابل: ((ويوم حنين إذْ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً))

فهو سبحانه إذا أراد أن يُعز عبده ويجبره وينصره كَسَرَهُ أولاً، ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره). انتهى كلام ابن القيم.

 

ولهذا لما سؤال الشافعي: أيهما خير للمرء: أن يُمكن أم يبتلى؟ قال: لا يمكن حتى يُبتلى.

وهذا مصداق قوله تعالى: ((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون))، وقوله تعالى: ((وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)).

فالاستضعاف من العدو إن قابله الصبر من المؤمن جاء من الله المنة ووراثة الأرض والتمكين.

أبطأ سيف الدولة على المتنبي مرة في العطايا فقال له المتنبي:

 

ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السحب في المسير الجهام

 

أي أني أرى تأخر عطيتك خيرا، لأن السحابة سريعة السير لا تحمل المطر، أما إن كانت تحمله فهذا يبطئ سيرها.

 

فالفرج المنتظر ليس فرجا على الشام وحدِها، بل على الأمة كلها، وأملنا أن تولد الخلافة الإسلامية من جديد في بلاد الشام، على الرغم من كل المحاولات العالمية لقطف ثمرة الثورة والجهاد في سوريا. نسأل الله لأهلنا الثبات ليستحقوا أن يمكر الله لهم ويقلب مكر أعدائهم عليهم، و نسأله تعالى أن يعيننا على نصرتهم.

فكل أخ سوري يسقط مؤمنا يسهم إن شاء الله في رفع صرح النصر للأمة، وهذا يخفف المعاناة. وتفاؤلنا هذا ليس له سند من فهم سنن الله فحسب، بل من الأحاديث الثابتة أيضا.

فعن ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة: جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق)). فقال ابن حوالة: خِر لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: ((عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده)) ...إلى أن قال: ((فإن الله توكل لي بالشام وأهله)) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني وحسنه الوادعي).

وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام)) (صححه الألباني والوادعي)...ولا يخفى أننا في زمان الفتن، خاصة الفتن في الأفكار والقلوب.

 

3) طال البلاء ليصبح أهلنا في الشام حجة الله على خلقه بأن يضربوا أمثلة من البطولة والثبات والتضحية فيعلمَ الناس أن القرآن لا زال يصنع الرجال، وأن أمة محمد تمرض لكنها لا تموت، وأن قوى الكفر كلها لا تستطيع أن تقتلع جبل الإيمان من قلب طفل سوري أو امرأة سورية بعد أن أرسى الله هذا الجبل. طال البلاء ليكون تثبيت أهل سوريا مظهرا من مظاهر قدرة الله تعالى.

كان الخطباء والدعاة إذا أرادوا أن يحضروا خطبة عن الصبر والثبات عادوا إلى أمثلة من التاريخ...سحرة فرعون قبل ثلاثة آلاف سنة آمنوا في لحظة فلم يعودوا يأبهون بالتقطيع والتصليب والتعذيب، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة سنة يُسحبون على الحديد المحمى وتوضع على صدورهم الصخور لينطقوا بكلمة كفر فيرفضون.

 

كان الناس، بل ربما نحن الوعاظ والدعاة، نورد هذه النماذج و نحن نتشكك في احتمالية تكررها في العصر الحاضر...كنا نعلم أن هناك أناسا يُعذبون في السراديب في زماننا، لكننا لا نعلم الكثير عن نفسياتهم وظنهم بربهم، خاصة عندما يطول بلاؤهم

 

وشاء الله عز وجل أن يطول البلاء في سوريا ليرى العالم نماذج لا تقل بطولة عن هذه الأمثلة التاريخية...أطفال ونساء وشيوخ تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم فيتحولون إلى عمالقة أنسَت الناس غاندي ومانديلا وجيفارا الذين كان بعض المسلمين يرفع صورهم وكأن أمة محمد عقمت عن إنتاج أبطال مؤمنين لا شيوعيين وكافرين. مَن جيفارا أمام طفل سوري يتألم من آثار التعذيب فيقول: (في سبيل الله، في سبيل الله)؟!

رؤية هذا الطفل ، أو شاب سوري يُدفن حيا وآخر يحرق وهم يرددون: لا إله إلا الله، رؤية امرأة عفيفة تقول أنها نذرت نفسها وأولادها لله وصبرت على موت من مات منهم...كل مشهد من هذه المشاهد أبلغ من الخطب والمواعظ في بطون الكتب وعلى المنابر... وأين هذا؟ في بلد أهله معروفون بالتدين؟ بل في سوريا! سوريا التي ما كنا نظن أن يخرج منها هذا الخير كله، سوريا التي اقترن اسمها بالمسلسلات المدبلجة التي بَح الخطباء حناجرهم في التحذير من آثارها وإفسادها، فإذا بمقاطع فيديو من دقيقة أو دقيقتين لطفل أو امرأة ضعيفة في سوريا...تسكت الخطباء والدعاة وتفعل أكثر من فعلهم عبر السنين وتربيهم وتعلمهم هم أنفسَهم ما كانوا يعلمونه نظريا للناس.

 

ويشاء الله أن يَستدرجَ جنودَ بشار ليصوروا هذه المقاطع ويبثوها ظانين أنهم بذلك يبثون الرعب ويكسرون العزائم، فيقلبها الله عليهم تلهب حماس أهلنا في الشام وتزيد إصرارهم وتلقن العالم أجمع أبلغ الدروس.

فالله تعالى أقام الحجة على أهل هذا الزمان وأقام لهم أروع الأمثلة بأهل الشام.

وإني لأحسب أن الله عز وجل من فوق عرشه يباهي ملائكته بنماذج البطولة في سوريا، يريهم الله أن هذا الجنس البشري استحق أن يُسجدهم له. ويريهم ما سبق في علمه حين قالوا له: ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك))...كأن الملائكة تقول: ماذا تريد يا رب من خلق البشر ونحن نعبدك عبادة لا يفوقنا أحد فيها فنسبح بحمدك ونقدس لك. ما ظنت الملائكة أن يكون في الجنس البشري عظماء بهذا الشكل يفوقونهم في عبوديتهم لله. قال: ((إني أعلم ما لا تعلمون))...سبق في علم الله أن هذه النماذج العظيمة ستكون. وأين حينئذ تسبيح الملائكة من صراخ طفل أو امرأة: (ما لنا غيرك يا الله)، (في سبيل الله)، (لا إله إلا الله)؟! أين تسبيح الملائكة في رخائهم من هذه العبارات تحت التعذيب؟

وبهذا نفهم قوله تعالى: ((وليعلم الله الذين آمنوا))...هو سبحانه يعلم، لكنه يريد إظهار هذا الإيمان لخلقه والمباهاة به.

ولهذا كله طال البلاء في سوريا، وما كانت هذه الحكم لتتحقق بهذا الشكل لولا أن البلاء طال.

هل لا زالت هناك حكم نتكلم نتأملها؟ لكننا سنؤخر الحديث عنهذه الحكمة وغيرها لكلمة قادمة بإذن الله.

 

http://al-furqan.org/PR/Default.aspx?pid=530&pvr=1

رابط هذا التعليق
شارك

مع احترامي للدكتور القنيبي .. إلا أنه كان ينبغي أن يكون العنوان:

 

لَمْ يتأخر النصر عن سوريا!

تم تعديل بواسطه صوت العقاب
رابط هذا التعليق
شارك

و كأننا حققنا كل شروط النصر لنقول تأخر النصر

 

نصر الله لم يتأخر و لم يتقدم في اليوم الموعود ....نحن من نتقدم له أو نتأخر عنه

 

السلام عليكم

 

لا يوجد للنصر شروط وانما يوجد له اسباب و هذا ما نص عليه الحزب في نشراته منذ تأسيسه .

 

وشكرا

رابط هذا التعليق
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

نعم أخي الكريم يوجد أسباب لتحقيق هذا الشرط

 

إن تنصروا الله ينصركم

 

بارك الله بك

 

لا اخي الكريم ما تفضلت به من اية قرئانية هي عين ما يستدل به على السببية و ان كانت في صيغة الشرط فهي سبب ، و الادق هو ان النصر له سبب و هذا السبب نفسه له شروط وليس العكس .

 

وتقبل تحياتي .

تم تعديل بواسطه عمرو بين العاص
رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...