اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

حول قضية الحاكمية


Recommended Posts

رأى الدكتور أسامة الأزهرى أن الحاكمية هى الفكرة المحورية التى تأسست عليها بقية مفاهيم التيارات الإسلامية، والجذر الذى نهضت على أساسه منظوماتهم الفكرية بكل مقولاتها، ومفاهيمها، وفروعها، فانبثقت منها فكرة شرك الحاكمية والوعد الإلهى والجاهلية، وفكرة المفاضلة والتمايز الشعورى بين الفئتين، وفكرة الاستعلاء من العصبة المؤمنة على الجاهلية وأهلها، وفكرة حتمية الصدام بين الفئتين، والتمكين، وإلى آخر شجرة المفاهيم التى نتجت من قضية الحاكمية.

يقول «الأزهرى»: عند التفتيش عن الخيط الناظم لهذه الأطروحات، تجد كتب «فى ظلال القرآن»، و«معالم على الطريق» لسيد قطب، الذى بنى فكرته عن الحاكمية على فهم مغلوط لقوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، فصالح سرية، وشكرى مصطفى، ومحمد عبدالسلام فرج، وتنظيم الجهاد، انتهاءً بـ«داعش»، انبثقوا من كتاب سيد قطب، ونحن فى غنى عن التنبيه بأن شخص سيد قطب فى ذاته لا يعنينا، فقد مضى إلى دار الحق، وهو بين يدى الحكم العدل، لكن الذى يعنينا أطروحاته فى فهم القرآن، ومقدار ما فى تلك الأطروحة من تهجم على حرمة الوحى الشريف وإلصاق الأفهام المغلوطة به، على نحو افتقدت معه مقاصد الشريعة، واستباحت به تلك الفئات تكفير عموم المسلمين، ثم رتبوا على التكفير تعمد الإضرار بهم، فنضع تلك الأطروحة تحت مجهر الفحص بغرض إزالة ما تم إلحاقه بالشرع من فهم مغلوط.

«قطب» خالف اعتقاد عموم المسلمين الثابت بأن أهل الإسلام لا يرجعون كفاراً.. ونظرية «الجاهلية» عنده قائمة على عدد من الافتراضات المغلوطة المشوشة وتنتهى بالتكفير

ويضيف: أخذ «قطب» أطروحاته من أبوالأعلى المودودى إلا أنه طورها، حيث يقول القرضاوى فى مذكراته: «فى نظر سيد قطب كل المجتمعات القائمة فى الأرض مجتمعات جاهلية»، كذلك يرى تكفير الشخص بعدم إجراء الأحكام الشرعية حتى وإن كان مؤمناً بها أو لا يتمكن من إجرائها لعارض من العوارض، مشيراً إلى أنه مذهب غريب جداً، فى غاية التشدد والتضييق، مسارع فى التكفير بعد أن زاد فى أمور الاعتقاد والإيمان أمراً جديداً مثل الخوارج وسمّاه «الحاكمية»، فمذهب علماء المسلمين جيلاً بعد آخر وكذا الصحابة على خلاف ذلك، فقد ذهب الجميع إلى أن الآية تعنى أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحد كون تلك الأحكام وحياً حقاً، فهذا كفر دون شك، أما من أقر أنها حق ووحى وأمر إلهى لكنه تعذر عليه تطبيقها فليس بكافر.

وسرد «الأزهرى» عدداً من آراء العلماء الموضحة للأمر، حيث أورد تفسير الإمام الفخر الرازى، الذى قال: «من عرف بقلبه كونه حكم الله، وأقر بلسانه كونه حكم الله فهو حاكم بما أنزل الله وإذا كان تاركاً له فلا يلزم دخوله تحت الآية»، وقال حجة الإسلام أبوحامد الغزالى، فى كتابه المستصفى فى معرض تفسيره للآية: «ومن لم يحكم بما أنزل الله مكذباً به، وجاحداً له»، والإمام ابن عطية الأندلسى الذى قال: «وليس حكام المؤمنين إذا حكموا بغير الحق فى أمر بكفره بوجه»، ونقل عن الصحابة ابن عباس وابن مسعود ومن التابعين إبراهيم النخعى والشعبى وعكرمة وقتادة وعطاء ثم الإمام الطبرى.

وفسر الأزهرى خطأ «قطب» بقوله: «إن قطب أعرض عن تجربة علماء الإسلام فى فهم الوحى عبر تاريخ المسلمين، وتجاهل مناهج الفهم عندهم، بل جعل النتاج الفكرى لأمة الإسلام ثقافة جاهلية فقد عزل نفسه عن مناهج أهل العلم فى فهم القرآن».

وأورد «الأزهرى» تحذير النبى من هذا المسلك التكفيرى أشد التحذير، فعن حذيفة قال، قال رسول الله (إِنَّمَا أَخْوَفُ ما أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئاً لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْره، وَسَعَى عَلَى جَارهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ)، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِى؟ قَالَ: (بَلِ الرَّامِى)»، وهو ما يوضح انحراف العقول وحيرتها وتخبطها فى فهم القرآن ولصق الأهواء والأفكار المنحرفة بها، والتى حولت دين الله من الرحمة والراحة إلى إراقة الدماء.

وعرض «الأزهرى» جدولاً للصحابة والعلماء الذين خالفهم قطب بفهمه المختل للآية، أورد فيه أسماء 30 منهم، بدءاً من ابن عباس حتى الشيخ محمد متولى الشعراوى، ثم أورد عدداً من الأحاديث وأقوال العلماء حول خطورة التكفير وحمل السلاح والأفكار التى تؤدى بالناس إلى هذا الطريق. وسرد «الأزهرى» فى كتابه مناظرة الصحابى عبدالله بن عباس مع الخوارج حول آية «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»، فيقول: «هناك قضايا عدة، القضية الأولى أن ابن عباس سعى إليهم ولم ينتظر أن يسألوا مما يفيدنا بأن يكون فى مؤسساتنا مرصد يتابع عن كثب كل ما يطرأ عندنا من تيارات فكرية، ثم اعتصار الأفكار وبيان وجوه مناقشتها، والقضية الثانية أن ابن عباس لبس حلتين من أجود حلى اليمن فأراد أن يلفت انتباههم ويستفز فيهم النظر إلى غياب جماليات الهدى النبوى وافتقاد شمائله التى يتعين على فهم أحكامه وفقهه وإدراك مقاصده، والثالثة أنه شرع فى التذكير بمواضع القوة فى منهجه ومواضع النقص فى منهجهم، والرابعة دوام الرصد والمتابعة، والخامسة أن ابن عباس تعرض لمدخل جليل وهو حصر المقولات المركزية التى تنبنى عليها نظريتهم وتتشيد على أساسها أفكارهم ثم استوثق منهم أن هذه المقولات هى التى عليها المعول عندهم ثم يضع قولهم على ميزان العلم ويبرز الفهم الصحيح، والقضية الأخيرة هى القضية المركزية التى انطلقوا منها وهى الحاكمية، وهى أيضاً القضية المركزية التى انطلقت منها التيارات المتطرفة فى زماننا، ما يدل على أننا أمام منهج فكرى واحد له السمات والصفات والخصائص نفسها لكنه يظهر فى كل زمن وباسم وهيئة تتبنى الفكرة نفسها.   30 عالماً واجهوا أفكار «منظّر الإخوان» فى تفسير «الحاكمية» أبرزهم «ابن عباس والشعراوى»

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...