Jump to content
منتدى العقاب

مع الحديث الشريف / سلسلة من المكتب الإعلامي لحزب التحرير


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب من بنى لله مسجدا

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جاء في حاشية السندي، في شرح سنن ابن ماجة "بتصرف"، في باب " باب من بنى لله مسجدا "

 

حدثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ قال حدثنا يونسُ بنُ محمدٍ قال: حدثنا ليثُ بنُ سعدٍ عن عثمانَ بنِ عبدِ الله بنِ سُراقَةَ العَدَوِيِّ عن عمرَ بنِ الخطابِ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة".

 

 

قوله ( من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله ) على بناء المفعول، والجملة في موضع التعليل كأنه قيل بني ليذكر اسم الله تعالى فيه ، فهذا في معنى ما جاء يبتغى وجه الله. قوله (بيتا ) تنكيره للتعظيم أي عظيماً، وإسناد البناء إلى الله تعالى مجاز، أي أمر الملائكة ببنائه أو البناء مجاز عن الخلق، والإسناد حقيقة، قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي بناه كان بعيدا من الإخلاص.

 

أيها الكرام:

 

إن الله تعالى جازى على من يعمل من الخير مثقال ذرة، فكيف بمن يقوم بعمل كبير كبناء المسجد؟ لا شك أن ثواب من يقوم بهذا عظيم عظيم. فهو من جهة فيه خير لأنه ينفع المسلمين ويثيب الله عليه، وهو من جهة أخرى يُعتبر صدقة جارية، تبقى بعد وفاة صاحب هذا العمل إلى ما شاء الله. كما جاء في الحديث " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"

 

أيها المسلمون: إن حكامكم الذين عرفتموهم طيلة هذه العقود العجاف، لسان حالهم يقول: من بنى خمّارة، من بنى بيت دعارة، لا من بنى مسجدا، سيروا في الأرض في بلاد المسلمين وانظروا، ألا ترون هذه البيوت؟ ألا ترون البيوت الرّبوية التي فاقت حرمتُها حُرمة الزنا؟ حتى هذه السلطة المسخ في فلسطين، بمجرد وضع قدمها على هذه الأرض المقدسة، بنت (كازينو)، قبل أن تقوم بأي أمر من الأمور. هؤلاء هم حكامكم أيها المسلمون، كلاب حراسة الغرب، مع اعتذاري للكلاب، فالكلاب حفيظة للوفاء. إنها الأوامر، أوامر السيد للعبد، ولا مناص من تنفيذها حتى لو خالفت ما عليه الأمة في فكرها ومشاعرها. الله سبحانه وتعالى يقول: " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ" ولكن أين هؤلاء الرويبضاتُ ممّا يريد الله تعالى؟ لا عذر لكم - أيها المسلمون- أمام الله تعالى إن سكتم عليهم وعلى وجودهم حكاما عليكم بعد أن افتُضح أمرهم، وكُشفت عوراتهم، لا عذر لكم وقد انبلج فجر الأمة من جديد، فهذه ثورات الخير تعم بلاد المسلمين، إنه زمن التغيير، زمن عودة الإسلام بعد انقطاع، زمن الخلافة التي وعدنا بها ربُّنا سبحانه، والبشرى التي بشرنا بها نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. شمروا عن سواعدكم أيها الأحبة، وعاهدوا الله أن تكونوا من هؤلاء العاملين الذين يعملون لتغيير هذا الواقع الأليم، لتكونوا من الثلة الثانية التي ذكرها الله سبحانه في كتابه العزيز (( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ {39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ))

 

اللهم استعملنا في طاعتك، لتطبيق شرعك على عبادك في أرضك، اللهم آمين آمين.

 

نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.

 

 

25 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/11م

 

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

حق التصرف بالمال المملوك

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى النسائي في سننه قال :

 

أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيَّ وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَشْعُرُ قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدِكِ بِالْمَعْرُوفِ

 

جاء في حاشية السندي :

 

قَوْله ( رَجُل شَحِيح )

 

أَيْ بَخِيلٌ

 

( بِالْمَعْرُوفِ )

 

أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُتَحَمَّلُ فِي الْعُرْف أَخْذُهُ

 

أيها الكرام :

 

في هذا الحديث أباح الرسول للمرأة التي يقصر زوجها في النفقة عليها وعلى أولادها أن تأخذ من ماله ما يكفيهم دون إذنه.

 

مع أن المال هو ملك للزوج وهو صاحب الحق في التصرف فيه إلا أن حق التصرف إنما اكتسبه المالك بإذن الشارع له بالتملك ومن ثم بالتصرف ....وهو أي التصرف يجب أن يتحقق فيه الانتفاع بالمال المملوك انتفاعا يعود بالفائدة على المالك وعلى المجتمع الذي يعيش فيه وفق أحكام الشرع , لا يتجاوزها , فإن لم يحسن المالك إنفاق ماله على الوجه الذي أراده الشرع بأن بخل به أو أنفقه على المحرمات حرم من حقه في التصرف بماله لأن التصرف مرتبط بطاعة الله فيما شرع من أحكام للتصرف بالمال .....فليس المالك مطلق التصرف بما يملك ....بل هو مقيد بحدود الشرع التي حددها للانتفاع بالثروة ولا يجوز له تجاوزها.

 

فمثلا في قصة هند هذه فإن أبا سفيان لم يلتزم حدود الله في تصرفه في ماله , فقصر في نفقته على عياله مع أن نفقته عليهم واجبة .....لذا فقد أباح الشرع لزوجه أن تنفق من ماله على من تجب عليه نفقتهم دون إذن منه .....

 

وعليه فإن ملكية المال في الإسلام والتي تعني حق التصرف إنما تعني الانتفاع بالمال المملوك , وحق التصرف إنما يعني الحق بتنمية المال والحق بإنفاقه : نفقةً وصلهً. ولا تعني أبداً حق تبذيره أو إضاعته دون فائدة كما لا تعني كنزه وحرمان المجتمع من منفعته وخاصة حرمان أصحاب الحق فيه من الانتفاع به.

 

مستمعينا الكرام ....بالأمس كان الرسول ثم خلفاؤه من بعده يقومون على رعاية مصالح الناس , وحفظ حقوقهم فيمنعون المكلف من التقصير في حق من هو مكلف برعايتهم ....ويأخذ على يد المبذر أو البخيل أو السفيه .....فمن للناس اليوم يقوم على مصالحهم ....ويضع أحكام الله موضعها من التطبيق ......؟

 

نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

28 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/14م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

أنا ثالث الشريكين

 

 

 

روى أبو داوود في سننه قال:

 

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ

 

 

إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أحدهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا

 

 

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ : ( أَنَا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ )

أي مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْبَرَكَة أَحْفَظ أموالهمَا وَأُعْطِيهِمَا الرِّزْق وَالْخَيْر فِي مُعَامَلَتهمَا ( خَرَجَتُ مِنْ بَيْنهمْ ) وَفِي بَعْض النُّسَخ " مِنْ بَيْنهمَا " بِالتَّثْنِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِر ، أي زَالَتْ الْبَرَكَة بِإخراجِ الْحِفْظ عَنْهُمَا .

وَزَادَ رَزِين " وَجَاءَ الشَّيْطَان " أي وَدَخَلَ بَيْنهمَا وَصَارَ ثَالِثهمَا .

 

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : الشَّرِكَة عِبَارَة عَنْ اِخْتِلَاط أموال بَعْضهمْ بِبَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّز ، وَشَرِكَة اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمَا عَلَى الِاسْتِعَارَة ، كَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْبَرَكَة وَالْفَضْل وَالرِّبْح بِمَنْزِلَةِ الْمَال الْمَخْلُوط ، فَسَمَّى ذَاته تَعَالَى ثَالِثهمَا ، وَجَعَلَ خِيَانَة الشَّيْطَان وَمَحْقه الْبَرَكَة بِمَنْزِلَةِ الْمَخْلُوط وَجَعَلَهُ ثَالِثهمَا ، وَقَوْله خَرَجَتُ مِنْ بَيْنهمَا تَرْشِيح الِاسْتِعَارَة .

 

وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الشَّرِكَة فَإِنَّ الْبَرَكَة مُنْصَبَّة مِنْ اللَّه تَعَالَى فِيهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا ، لِأَنَّ كُلّ وَأحد مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ، يَسْعَى فِي غِبْطَة صَاحِبه ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى فِي عَوْن الْعَبْد مَا دَامَ الْعَبْد فِي عَوْن أَخِيهِ الْمُسْلِم .

 

الأخوة الكرام

في هذا الحديث الشريف دلالة على جواز الشراكة في الإسلام بل فيه حث عليها ....إذ يخبر تعالى أنه مع الشريكين يبارك رزقهما ويحفظه ما داما يلتزمان أحكام الشرع في تعاملهما.

والشركة في الإسلام عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان على القيام بعمل مالي بقصد الربح.

وعقد الشركة كسائر العقود يقتضي الإيجاب والقبول فيه معاً.

فالإيجاب أن يقول أحدهما للآخر شاركتك في كذا , والقبول أن يقول الآخر قبلت.

 

وليست العبرة بذات الألفاظ بل بالمعنى، أي: لا بد أن يتحقق في الإيجاب والقبول ما يفيد أن أحدهما خاطب الآخر بالشركة على شيء, سواء أكانت المخاطبة مشافهه أو كتابة. وأنَّ الآخر قَبِلَ ذلك .

 

ويشترط في صحة العقد أن يكون المعقود عليه تصرفاً قابلا للوكالة, ليكون ما يستفاد بهذا التصرف مشتركاً بينهما. أي أن العقد يجب أن يكون على بدن أحد الشريكين أو كليهما ....وهذا من استقراء وتتبع أنواع شركات العقود التي كان الناس يتعاملون بها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أقرهم عليها, ومن تتبع الأحكام الشرعية المتعلقة بها.

فالبدن عنصر أساسي في جميع أنواع الشركات في الإسلام.

فإن اشترك اثنان في تجارة, المال من أحدهما والعمل من الآخر على أن يكون الربح بينهما بنسبة معينة مناصفة مثلاً أو ثلثاً لأحدهما وثلثين للآخر أو أي نسبة محددة يتفقان عليها سميت هذه الشراكة: المضاربة.

والمضاربة من الأعمال المشروعة لكسب المال وتملكه. فالمضارب قد اشترك بجهده في الاِتِّجار بمال شريكه - مقابل حصوله على نسبة معينة من الربح. فكان عمله هذا سبباً لكسبه المال. ووسيلة لتنمية مال شريكه. فما أرفعها وأرقاها من معاملة, يقدم فيها ذوو الأموال من أموالهم لإخوان لهم، يحتاجون للعمل ويملكون الخبرات لكنهم لا يملكون المال اللازم لإدارة عمل تجاري, فيضارب العامل بمال شريكه ويجني الربح فيتقاسماه معاً وفق ما اتفقا عليه في عقد الشراكة.

إذ بهذه الطريقة يَعِفُّ صاحبُ الخبرةِ الفقيرُ عن الاقتراض من البنوك الربوية لإقامة مشروع تجاري, أو عن الجلوس عاطلا عن العمل يتكفف الناس ويتناول الصدقات من أيديهم, فيتجرع معها الذل والانكسار.

حقاً إن ديننا دين عظيم من لدن عليم حكيم ......شرع لنا من العلاجات لما يواجهنا من مشكلات في كل مجالات الحياة ......لكن كثيرا من الناس لا يدركون الكنوز المدفونة والدرر المكنونة في كتاب ربهم وسنة نبيهم ..والتي تحل مشاكلهم وتحفظ عليهم كرامتهم وتزيل الحسد والحقد والبغضاء من قلوبهم وتسعدهم في دنياهم وآخرتهم ....فيلجأون إلى قوانين الغرب يلتمسون عندها النجاة ....وما دَرَوْا أن حلول الغرب هي الهلاك بعينه.

اللهم أنر بصائر أمة محمد وافتح قلوبها لترى وتدرك أين مصالحها الحقة لتعود إليك تائبة آيبة ... فتعيد حكمك ودولة نبيك .....لترضى عنها وتوفقها في الدنيا والآخرة.

اللهم آمين

 

 

30 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/16م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي

 

 

 

 

 

روى مسلم في صحيحه قال :

 

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ

 

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا

قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ قَالَ لَكِنِّي أَرْفَعُه.

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم :

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْر وَأَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا).

 

وَفِي رِوَايَة : ( فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفْرًا ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه : هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُكْرَه ، وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة : لَا يُكْرَه ، وَفِي رِوَايَة : يُكْرَه ، وَفِي رِوَايَة : يَحْرُم فِي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب . وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - " قَالَتْ : كُنْت أَفْتِل قَلَائِد هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدهُ ، وَيَبْعَث بِهِ وَلَا يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه حَتَّى يَنْحَر هَدْيه " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . قَالَ الشَّافِعِيّ : الْبَعْث بِالْهَدْيِ أَكْثَر مِنْ إِرَادَة التَّضْحِيَة ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيث النَّهْي عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه . قَالَ أَصْحَابنَا : وَالْمُرَاد بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذ الظُّفْر وَالشَّعْر النَّهْي عَنْ إِزَالَة الظُّفْر بِقَلَمٍ أَوْ كَسْر أَوْ غَيْره ، وَالْمَنْع مِنْ إِزَالَة الشَّعْر بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِير أَوْ نَتْف أَوْ إِحْرَاق أَوْ أَخْذه بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ ، وَسَوَاء شَعْر الْإِبْط وَالشَّارِب وَالْعَانَة وَالرَّأْس ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ شُعُور بَدَنه ، قَالَ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا : حُكْم أَجْزَاء الْبَدَن كُلّهَا حُكْم الشَّعْر وَالظُّفْر ، وَدَلِيله الرِّوَايَة السَّابِقَة : ( فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا ) قَالَ أَصْحَابنَا : وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي أَنْ يَبْقَى كَامِل الْأَجْزَاء لِيُعْتِق مِنْ النَّار ، وَقِيلَ : التَّشَبُّه بِالْمُحْرِمِ ، قَالَ أَصْحَابنَا : هَذَا غَلَط ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِل النِّسَاء وَلَا يَتْرُك الطِّيب وَاللِّبَاس وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكهُ الْمُحْرِم.

 

هذا الحديث الشريف يعلمنا بعض ما يستحب للمضحي أن يفعله في نفسه إذا ما نوى تقديم الأضحية .......فمن نوى القيام بهذه الشعيرة المباركة فليتهيأ لها , ليعيش أجواءها ويستشعر ثوابها من اليوم الأول لدخول شهر التضحية والفداء ....شهر ذي الحجة ....فلا يحلق شعره ولا يقلم أظافرة ....

 

إن ما هو مطلوب في هذا الحديث شيء ثقيل على النفس مناقض للفطرة ......لكنه في هذه الأجواء المباركة يكون محببا تتقبله النفس بل وتسعد به ...لم لا وهي تعلم أن هذا مما يستحب لها فعله ليكون عملها كاملا متكاملا , تستحق عليه الثواب غير منقوص بل مضاعفاً باذن الله . نعم إن الثواب متحصل بالذبح المجرد ما دام خالصاً لله تعالى ...إلَّا أن أداءه في أجواء إيمانية ,على الهيئة التي حثنا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم , ليس بدافع الخوف من عقاب الله وإنما حباً فيه وحرصاً على تقديم طاعاتنا له بأحب صورة ترضيه ليضاعف حسناتنا ويرفع درجاتنا.

 

ثم إن التحلل من هذه الممنوعات بعد ذبح الأضحية قربة خالصة لوجه الله ليشعرالمضحي بالفرحة التي تعم الحجيج وهم يتحللون من إحرامهم وتكتمل لهم شعائر حجهم ....فما أسعدها من لحظات .....وما أجملها من أوقات , تستحق المشاركة فيها والعيش في أجوائها.

 

إن كل عبادة من العبادات تحتاج الى أجواء إيمانية تبين عظمتها وجميل أثرها على نفس المؤمن , وإن شعيرة الأضحية وما يصاحبها من أعمال وما يرافقها من أجواء , لتذكر المؤمن بأن الحياة الحقة هي بالبذل والعطاء , وأن السعادة تأتي بعد الجهد والعناء , ولعلها تحثنا على مزيد من الجهد والبذل في سبيل إقامة دين الله , فالعبودية لله لا تتجزأ ....والطاعة لا تتنوع ....وإن الله ليحب أن يطاع بما افترضه علينا قبل أن نتقرب إليه بالنوافل .... وإن فريضة إقامة دولة الإسلام مقدمة على غيرها من الفرائض بل هي تاج الفروض .....وإن الأجواء الإيمانية التي ترافق أعمالنا لتجعلنا نعرف مقادير العبادات .....فنقدم الفريضة على النافلة , والنافلة على المباح ليس نفياً لأي منها بل وضعاً لكل في منزلته حتى تكون أعمالنا متقبلة ....وهنا تكون الفرحة الكبرى ورضوان من الله أكبر ....

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

01 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/17م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إحياء الأرض

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى البيهقي في السنن الكبرى قال :

 

(أخبرنا) أبو سعيدِ بنُ أبى عَمْرٍو حدثنا أبو العباسِ الأصَمُّ حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ حدثنا يحيى بنُ آدمَ حدثنا يونُسُ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن عبدِ الله بنِ أبى بكرٍ قال جاء بلالُ بنُ الحارث المُزَنِيُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضا فقطعها له طويلة عريضة. فلما ولي عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا طويلة عريضة قطعها لك وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليمنع شيئا يُسْألُهُ وإنك لا تطيق ما في يديك. فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعل والله, شيء أقْطَعَنِيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر: والله لتفعلن, فأخذ منه ما عجز عن عمارته , فقسمه بين المسلمين .

 

إن الأرض كنز يختلف عن غيره من الأموال والأملاك ....فهي تحتوي على مزايا ليست في كثير من الممتلكات فهي محل للزراعة ....ولاستخراج ما في باطنها من كنوز ومعادن .....ومحل لإقامة الأبنية عليها لمختلف الأغراض ....تجارية كانت كإقامة المباني التجارية والصناعية والمخازن أو شخصية كالمباني السكنية أو مرافق كالمباني الحكومية الخدماتية من مستشفيات ومدارس ودوائر.

 

فالأرض إذن لا يجوز أن تهجر أو تترك من غير استخدام لما في إهمالها من خسارة وضياع للمنافع الضرورية لحياة الناس ......من هنا فان الشرع أكد على ضرورة استغلال الأرض حين شرع تملكها بالمبادلة أو الإرث أو الإحياء أو الإقطاع .....بل لقد أكد على ضرورة استغلالها للزراعة خاصة ولسائر الاستخدامات المباحة على وجه العموم حين أعطى الدولة الحق في وضع يدها على الأرض التي يهملها صاحبها فيعطلها سنوات ثلات متتالية, لتعطيها لمن يريد زراعتها واستغلالها.

 

وفي الحديث إشارة إلى هذا التأكيد ......فبلال قد طلب من الرسول أرضاً واسعة, وقد أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها ....لكنها كانت أكبر من أن يستطيع زراعتها كلها فتركها دون زراعة أو عمارة ....

 

لكن ولي الأمر ....خليفة المسلمين ....الذي كلفه الله برعاية مصالح المسلمين ...بتطبيق احكام الله عليهم , قد انتبه الى حقيقة ان بلالا أخذ أرضا وعطلها بتركه إياها دون إعمار ........وأدرك أن في هذا الإهمال والتعطيل ضياعاً لمصالح الناس فأجبر بلالاً على التخلي عن المساحة من الأرض التي لا يستطيع إعمارها ....وأبقى له منها ما يطيقه اي ما في طاقته إعماره وزراعته .....ولقد كان ذلك على مرأى من الصحابة رضوان الله عليهم فكان إجماعاً منهم على أن من عطل أرضا فقد حقه في ملكيتها.

 

وهذا عام في كل أرض ....وليس خاصا في الأرض المُقْطَعَةِ أو المُحْيَاةِ ....بل هو فيها وفي غيرها من الأراضي الموروثة أو المتبادلة ما دامت زراعية...

 

.....وعندنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ....فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ....لم يحدد نوع الأرض أو طريقة تملكها بل جعل التعبير عاما في كل أرض مهما كانت طريقة تملكها .... إحياء أو إقطاعا أو مبادلة أو إرثا .

 

وإجماع الصحابة على الرضى بعمل عمر في حديثنا اليوم بَيَّنَ أن من عطل أرضاً مقطعة له من قبل الدولة فللدولة أن تستردها وتقطعها لغيره.

 

من هذا الحديث نفهم الحكمة من مشروعية الإحياء والإقطاع أنها من أجل العمل واستغلال الأرض وليس للمكاثرة في المساحات المملوكة. فمن أعطى الأرض حقها من العمل والاستثمار استمر تملكه لها....ومن عطلها إهمالا أو لعدم قدرته على استغلالها فقدَ حقه في ملكيتها إن استمر إهماله أو تعطيله لها ثلاث سنين متتالية ...وصار لغيره الحق في أخذها واستغلالها , أما إن كانت تلك الأرض إقطاعا من الدولة فقدْ صار للدولة الحق في استرجاعها وإقطاعها لغيره لزراعتها.

 

ومن الجدير ذكره أن العمل في الأرض ليس بالضرورة ان يقوم به مالك الأرض بنفسه .....بل له أن يعمل بها بنفسه وينفق عليها من أمواله, كما له أن يستأجر عمالا للعمل فيها ويدفع لهم أجوراً, ينفق من ماله أجرة للعمال وأثمان البذور والآلات المستخدمة فيها .... فإن عجز عن النفقة أعانته الدولة في النفقات.

 

لكن إن لم يرغب في زراعتها فإن عليه منحها لغيره ليزرعها دون مقابل ....لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرض للزراعة.

 

وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

01 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/17م

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين

 

 

 

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

 

"ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ"

 

وقال: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ"

 

وقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ"

 

جاء في فتح الباري لابن حجر

 

قَوْله : ( كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ )

 

هَكَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيق ، وَقَائِل ذَلِكَ هُوَ أَنَس ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة مُخْتَصَرَة وَرِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ الْمَذْكُورَة عَقِبهَا مُبَيَّنَة ، لَكِنْ فِي هَذِهِ زِيَادَة قَوْل أَنَس أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ ، وَفِيهَا أَيْضًا إِشْعَار بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ ، فَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ الضَّأْن فِي الْأُضْحِيَّة أَفْضَل .

 

 

قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ : ( إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ )

 

 

الْأَمْلَح بِالْمُهْمَلَةِ: هُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَاد وَبَيَاض وَالْبَيَاض أَكْثَر، وَيُقَال هُوَ الْأَغْبَر وَهُوَ قَوْل الْأَصْمَعِيّ ، وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ الْأَبْيَض الَّذِي فِي خَلَل صُوفه طَبَقَات سُود ، وَيُقَال الْأَبْيَض الْخَالِص قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ، وَبِهِ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيَّة فِي تَفْضِيل الْأَبْيَض فِي الْأُضْحِيَّة ، وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمُرَة ، وَقِيلَ الَّذِي يَنْظُر فِي سَوَاد وَيَمْشِي فِي سَوَاد وَيَأْكُل فِي سَوَاد وَيَبْرَك فِي سَوَاد ، أَيْ أَنَّ مَوَاضِع هَذِهِ مِنْهُ سُود وَمَا عَدَا ذَلِكَ أَبْيَض وَاخْتُلِفَ فِي اِخْتِيَار هَذِهِ الصِّفَة : فَقِيلَ لِحُسْنِ مَنْظَره ، وَقِيلَ لِشَحْمِهِ وَكَثْرَة لَحْمه ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِخْتِيَار الْعَدَد فِي الْأُضْحِيَّة ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّة إِنَّ الْأُضْحِيَّة بِسَبْعِ شِيَاه أَفْضَل مِنْ الْبَعِير لِأَنَّ الدَّم الْمُرَاق فِيهَا أَكْثَر وَالثَّوَاب يَزِيد بِحَسْبِهِ ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي بِأَكْثَر مِنْ وَاحِد يُعَجِّلهُ وَحَكَى الرُّويَانِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة اِسْتِحْبَاب التَّفْرِيق عَلَى أَيَّام النَّحْر ، قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا أَرْفَق بِالْمَسَاكِينِ لَكِنَّهُ خِلَاف السُّنَّة ، كَذَا قَالَ وَالْحَدِيث دَالّ عَلَى اِخْتِيَار التَّثْنِيَة ، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي بِعَدَدٍ فَضَحَّى أَوَّل يَوْم بِاثْنَيْنِ ثُمَّ فَرَّقَ الْبَقِيَّة عَلَى أَيَّام النَّحْر أَنْ يَكُون مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَر فِي الْأُضْحِيَّة أَفْضَل مِنْ الْأُنْثَى وَهُوَ قَوْل أَحْمَد ، وَعَنْهُ رِوَايَة أَنَّ الْأُنْثَى أَوْلَى ، وَحَكَى الرَّافِعِيّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيّ أَحَدهمَا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيّ الذَّكَر لِأَنَّ لَحْمه أَطْيَب وَهَذَا هُوَ الْأَصَحّ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْأُنْثَى أَوْلَى ، قَالَ الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا يُذْكَر ذَلِكَ فِي جَزَاء الصَّيْد عِنْد التَّقْوِيم ، وَالْأُنْثَى أَكْثَر قِيمَة فَلَا تُفْدَى بِالذَّكَرِ ، أَوْ أَرَادَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِد . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْأَصَحّ أَفْضَلِيَّة الذُّكُور عَلَى الْإِنَاث فِي الضَّحَايَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاء ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّضْحِيَة بِالْأَقْرَنِ وَأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ الْأَجَمّ مَعَ الِاتِّفَاق عَلَى جَوَاز التَّضْحِيَة بِالْأَجَمِّ وَهُوَ الَّذِي لَا قَرْن لَهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَكْسُور الْقَرْن . وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب مُبَاشَرَة الْمُضَحِّي الذَّبْح بِنَفْسِهِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة اِسْتِحْسَان الْأُضْحِيَّة صِفَة وَلَوْنًا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : إِنْ اِجْتَمَعَ حُسْن الْمَنْظَر مَعَ طِيب الْمَخْبَر فِي اللَّحْم فَهُوَ أَفْضَل ، وَإِنْ اِنْفَرَدَا فَطِيب الْمَخْبَر أَوْلَى مِنْ حُسْن الْمَنْظَر

 

الإخوة الكرام :

 

لا زلنا مع الأضحية والمضحّين ......نتتبع أحاديث المصطفى ونتعلم منه ونهتدي بهديه .. وحديث اليوم يبيّن لنا بعض ما يُفضَّل في الأضحية ...من حيث نوعها وصفاتها .....وما يندب للمضحي أن يقوم به عند النحر ....فيندب له أن يسمي الله ويكبر ...وأن يذبح أضحيته بنفسه ....

 

إن مسألة ذبح المضحي لأضحيته بنفسه وإن كانت على الندب، إلا أنها تصبح مسألة حيوية إذا كان السبب في دفع المضحّي أضحيته لغيره ليذبحها نيابة عنه ....أنه لا يطيق رؤية كائن حي يذبح .....أو أنه لا يطيق رؤية دم يسفح .....حينها تصبح المسألة طامّة كبرى .

 

فهل يليق بأمة مجاهدة أن يكون فيها من لا يطيق الذبح أو لا يطيق رؤية الدم المسفوح حتى لو كان دم حيوان ؟ هذا ليس من شيم أمة محمد، أمة التضحية والجهاد .... لكننا بتنا مؤخرا نرى ونسمع من أمثال هؤلاء , نراهم يهربون من رؤية الذبح ، أو نسمعهم يقولون لن أذبح أضحيتي بنفسي لأنني لا أطيق رؤية الدم ....أو لا أطيق رؤية عملية الذبح .....فيا حسرتاه على رجال الأمة.

 

لقد أنفت نساء دولة الخلافة من عملكم هذا وتعالت عليه، فشهدت نحر أضحياتها بل إن بعضهن ذبحتها بنفسها ....مهلله مكبرة تبتغي التقرب إلى الله ونيل رضوانه

 

إن توكيل من يذبح عن المضحي جائز ....وذبحه لأضحيته بنفسه مندوب وليس فرضاً ...لكن العبرة هي في التأسي بالرسول والمسارعة لما ندبنا إليه أولاً.

 

وثانيا : وهو بيت القصيد ، استعدادنا لخوض غمار الحياة في كل الظروف ، وإراقة الدم أي دم ما دام في سبيل الله وقربة إلى الله ....سواء في ساحات الوغى أو في ذبح الأضحيات ...فمن لا يقدر على إراقة دم أضحية تقربا إلى الله ، فكيف سيقدر على قتل الأعداء غدا في ساحات الجهاد ؟!

 

 

لا تخدعنكم مقولة الأعداء: "إن الإسلام إرهابي محب لسفك الدماء" ، فإنما نحن نسفكها تقرباً إلى الله وفي سبيل نشر دينه وإعلاء كلمته ....أما هم فيسفكونها في سبيل نزواتهم وتحقيق أطماعهم .. وشتانَ بين الفعلين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

02 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/18م

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

لا تذبحوا إلا المسنة

 

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى مسلم في صحيحه قال :

 

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ.

 

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم :

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَنْ يَعْسُر عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَة مِنْ الضَّأْن ).

 

قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا ، وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض ، وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : يُجْزِي الْجَذَع مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْمَعْز وَالضَّأْن ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاء . وَأَمَّا الْجَذَع مِنْ الضَّأْن فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة يُجْزِي سَوَاء وَجَدَ غَيْره أَمْ لَا ، وَحَكَوْا عَنْ اِبْن عُمَر وَالزُّهْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا : لَا يُجْزِي ، وَقَدْ يُحْتَجّ لَهُمَا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث . قَالَ الْجُمْهُور : هَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالْأَفْضَل ، وَتَقْدِيره يُسْتَحَبّ لَكُمْ أَلَّا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَة ضَأْن ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِمَنْعِ جَذَعَة الضَّأْن ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ.

 

وَالْجَذَع مِنْ الضَّأْن : مَا لَهُ سَنَة تَامَّة ، هَذَا هُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا ، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْد أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ . وَقِيلَ : مَا لَهُ سِتَّة أَشْهُر ، وَقِيلَ : سَبْعَة ، وَقِيلَ : ثَمَانِيَة ، وَقِيلَ : اِبْن عَشْرَة ، حَكَاهُ الْقَاضِي ، وَهُوَ غَرِيب ، وَقِيلَ : إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ بَيْن شَابِّينَ فَسِتَّة أَشْهُر ، وَإِنْ كَانَ مِنْ هَرِمَيْنِ فَثَمَانِيَة أَشْهُر.

 

وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور : أَنَّ أَفْضَل الْأَنْوَاع الْبَدَنَة ، ثُمَّ الْبَقَرَة ، ثُمَّ الضَّأْن ، ثُمَّ الْمَعْز . وَقَالَ مَالِك : الْغَنَم أَفْضَل ؛ لِأَنَّهَا أَطْيَب لَحْمًا . حُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِي عَنْ سَبْعَة ، وَكَذَا الْبَقَرَة ، وَأَمَّا الشَّاة فَلَا تُجْزِي إِلَّا عَنْ وَاحِد بِالِاتِّفَاقِ . فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيل الْبَدَنَة وَالْبَقَرَة . وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب مَالِك فِيمَا بَعْد الْغَنَم ، فَقِيلَ : الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة ، وَقِيلَ : الْبَقَرَة أَفْضَل مِنْ الْإِبِل ، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْدهمْ . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب سَمِينهَا وَطَيِّبهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِينِهَا ، فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور اِسْتِحْبَابه ، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ كُنَّا نُسَمِّن الْأُضْحِيَّة ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُون .

 

إن الأضحية سنة مندوبة وهي من أهم ميزات عيد الأضحى..... بل لقد سمي العيد باسمها . لذا نجد القرآن الكريم قد حث عليها , يقول تعالى :

 

" وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (36) الحج.

 

والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الحث عليها والحديث عنها ، وبيان شروطها الواجبة والمندوبة ، حتى تكون محققةً ما شرعت لأجله....

 

وحديثنا لهذا اليوم يبين لنا أحد هذه الشروط .....وهو : أن تكون مسنة أي مكتملة النمو والنضوج ، وما يمكن أن يفهم من كونها ممتلئة لحما ، وليست صغيرة ضئيلة الحجم قليلة اللحم ..... تليق بأن تقدم قربة لرب الأرباب جل وعلا ....فهو طيب لا يقبل إلا الطيب من القربات .

 

ثم إن المسنة وهي مظنة أن تحوي الكثير من اللحم ستكفي لإطعام العيال والتصدق على المحتاج ...فهذا العيد عيد النحر وأكل اللحم ....ليس لمن يضحي خاصة بل لجميع المسلمين .....ولمّا كان النحر ليس متيسرا لكثير من المسلمين فقد جعل الشرع للفقير والمحتاج في الأضحية نصيب.... لكي ينال كل فرد من المسلمين حظاً من المتعة ، ومن دواعي الفرحة والسرور.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

03 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/19م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

من أحاط حائطاً

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان ، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى أبو داوود في سننه قال :

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أرض فَهِيَ لَهُ

 

 

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ : ( مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا ) : أَيْ جَعَلَ وَأَدَارَ حَائِطًا أَيْ جِدَارًا ، ( عَلَى أرض ) : أَيْ حَوْل أرض مَوَات، ( فَهِيَ ) : أَيْ فَصَارَتْ تِلْكَ الْأرض الْمَحُوطَة ( لَهُ ) : أَيْ مِلْكًا لَهُ أَيْ مَا دَامَ فِيهِ .

 

كَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاح . قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : يَسْتَدِلّ بِهِ مَنْ يَرَى التَّمْلِيك بِالتَّحْجِيرِ ، وَلَا يَقُوم بِهِ حُجَّة ، لِأَنَّ التَّمْلِيك إِنَّمَا هُوَ بِالْإِحْيَاءِ وَتَحْجِير الْأرض وَإِحَاطَته بِالْحَائِطِ لَيْسَ مِنْ الْإِحْيَاء فِي شَيْء ، ثُمَّ إِنَّ فِي قَوْله عَلَى أرض مُفْتَقِر إِلَى الْبَيَان إذ لَيْسَ كُلّ أرض تُمْلَك بِالْإِحْيَاءِ . قَالَ الطَّيِّبِي رَحِمه اللَّه : كَفَى بِهِ بَيَانًا قَوْله أَحَاطَ فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ بَنَى حَائِطًا مَانِعًا مُحِيطًا بِمَا يَتَوَسَّطهُ مِنْ الْأَشْيَاء نَحْو أَنْ يَبْنِي حَائِطًا لِحَظِيرَةِ غَنَم أو زَرِيبَة لِلدَّوَابِّ . قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمه اللَّه :إذا أَرَادَ زَرِيبَة لِلدَّوَابِّ أو حَظِيرَة يُجَفِّفُ فِيهَا الثِّمَار أو يَجْمَع فِيهَا الْحَطَب وَالْحَشِيش اِشْتَرَطَ التَّحْوِيط ، وَلَا يَكْفِي نَصْب سَعَف وَأَحْجَار مِنْ غَيْر بِنَاء،كَذَا فِي الْمِرْقَاة .

 

الأرض من أهم مصادر الإنتاج إذ فيها المعادن الضرورية لحياة الإنسان من نحاس وذهب وحديد وملح وماء وبترول وغاز وغيرها الكثير ، كما أنها فيها تنمو النباتات المختلفة الشجرية والبرية والموسمية فيشكل إنتاج الأرض من النباتات والمعادن أهم المصادر الطبيعية لإنتاج الثروة كما يساهم إنتاج الأرض بصورة مباشرة وغير مباشرة في تنمية الثروة وزيادتها، إذ عليه تقوم الصناعة والتجارة لتتشكل بذلك العناصر الثلاثة لإنتاج وتنمية الثروة لدى الأفراد وبالتالي لدى المجتمع وهذه العناصر هي : الزراعة والتجارة والصناعة ، من هنا نجد الإسلام قد عني عناية خاصة بالأرض ووضع لها الأحكام التي تجعلها تعطي كل ما لديها من خيرات ومنافع ولا تبخل بها على الإنسان .

 

ومن هذه الأحكام :

 

أن الشرع قد جعل الأرض أرضين : أرضاً عُشرية وأرضاً خراجية ، كما أنه جعل الأرض من حيث ملكيتها جعلها ثلاثاً : ملكية فردية وملكية عامة وملكية دولة.

ومنها حكم إباحة إحياء الموات من الأرض، والأرض الموات هي التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد فرداً كان أو دولة، فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحوها فالشرع يملك الأرض لمن يحييها؛ تشجيعا للأفراد على العمل في الأرض واستخراج خيراتها، ومنها حكم تحجير الأرض الذي هو موضوع حديثنا لهذا اليوم .

 

وتحجير الأرض هو كالإحياء سواء بسواء، فالتحجير يملك به المحتجر التصرف بالأرض المحتجرة بدلالة الحديث , فله أن يحييها أو يبيعها أو يهبها أو يورثها، وتمليك الأرض لمن يحتجرها يشمل المسلم والذمي، كما أنه يشمل الأرض العشرية والخراجية، في دار الإسلام أو دار الكفر لان الحديث جاء عاما ومطلقاً في كل أرض وكل إنسان.

 

ومن الجدير ذكره أن هناك شرطاً هاما لتملك الأرض المُحْيَاةِ أو المُحْتَجَرَةِ ألا وهو استثمار تلك الأرض خلال ثلاث سنين من تاريخ وضع يده عليها وأن يستمر إحياؤها باستغلالها, لأنه إن لم يستثمرها خلال ثلاث سنين من تاريخ وضع يده عليها أو أنه أهملها بعد ذلك مدة ثلاث سنين متوالية فانه يفقد حقه في ملكيتها لما رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب : قال عمر بن الخطاب " .... وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين " ، وقد قال عمر ذلك وعمل به على مرآىً ومَسْمَعٍ من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعاً.

 

احبتنا الكرام ، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر ، نترككم في رعاية الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

03 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/19م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الحديث الشريف

 

صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى البخاري في صحيحه قال :

 

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا قَالَ إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَ فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ.

 

 

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر :

 

قَوْله : ( فَلَا يَنْقُش عَلَيْهِ أَحَد )

فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْده " يَنْقُشَنَّ " بِالنُّونِ الْمُؤَكِّدَة ، وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَنْقُش أَحَد عَلَى نَقْشه لِأَنَّ فِيهِ اِسْمه وَصِفَته ، وَإِنَّمَا صَنَعَ فِيهِ ذَلِكَ لِيَخْتِم بِهِ فَيَكُون عَلَامَة تَخْتَصّ بِهِ وَتَتَمَيَّز عَنْ غَيْره ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يَنْقُش أَحَد نَظِير نَقْشه لَفَاتَ الْمَقْصُود .

 

هذا الحديث فيه دلالة على مشروعية الاستصناع .....وهو أن يصنع شخص عند صاحب حرفة شيئاً ما مثل : آنية , أو خزانة , أو ملابس , أو مصاغ ......الخ.

 

فعن سهل بن سعد رضى الله عنه في قصة المنبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة أن مُرِيْ غلامَك النجارَ يعملْ لي أعواداً أجلس عليهن.

 

والصانع إن قام هو بالعمل وتكلف نفقات الشيء المصنوع كان العقد بينه وبين الموصي بالشيء المصنوع عقد بيع.

 

أما إن زوده طالب السلعة بالمواد الخام أو أعطاه ثمنها كان العقد بينهما عقد إجارة.

 

وأيا ما كان نوع التوصية على المنتج من قبل المستصنِع, فإنه تطبق عليها أحكام الاستصناع كما يحكم الشرع في إلزام المستصنِع بما صُنِعَ له أو عدم إلزامه.

 

 

إن الصناعة من أهم أسس الحياة الاقتصادية لأية امة أو شعب, ولقد كانت في الماضي تعتمد على المصنع اليدوي ( الورشة ) ثم حل محل المصانع اليدوية المصانع الآلية وذلك حين تم استخدام البخار في تسيير الآلات, وما إن حدث الانقلاب الصناعي حتى تحولت المصانع من مصانع يدوية الى مصانع آلية, بل أصبحت المصانع الآلية أساس الحياة الاقتصادية.

 

أما عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالمصانع سواء كانت مصانع يدوية أو آلية فهي تتراوح بين أن تكون أحكام الشركات أو أحكام الإجارة أو أحكام البيع والتجارة الخارجية .

 

فمن حيث إنشاء المصنع إن كان إنشاؤه بمال أفراد يشتركون في انشائه تطبق عليه أحكام الشركة في الإسلام.

 

و من حيث العمل فيه من إدارة أو عمل أو صناعة أو غير ذلك فتطبق عليه أحكام الإجارة.

 

ومن حيث تصريف الانتاج تطبق عليه أحكام البيع وأحكام التجارة الخارجية ان كان انتاجه يصدر الى الخارج.

 

كما يطبق عليه أحكام منع الغبن والاحتكار والتدليس وغيرها من المعاملات المالية المحرمة.

 

إن المعاملات المالية اليوم تدور وفق النظام الرأسمالي القائم على فكرة : دعه يعمل دعه يمر .... التي تقدس الفرد، والخالية من أي شعور بالمسؤولية عن المجتمع وعن الجماعة التي تعيش فيه.

 

أما الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية فنادر من يتعامل بها أو يعي عليها, مع أننا أحوج ما نكون الى معرفتها والتزامها .....لأنها أحكام رب العالمين ومن ثم فإنها الأحكام التي توفر النجاح والرفاهية لنا.

 

فمتى تعود لنا أحكام شرعنا الحنيف ....لتسعدنا في الدارين ؟؟؟

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

05 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/21م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى

 

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في " باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى" حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء فصلى ثم انصرف، فخطب الناس فقال: " إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما، يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم ".

 

 

اتفقت كلمة الفقهاء والأئمة من السلف والخلف على أن صوم يومي الفطر والأضحى حرام لا يجوز لا يُعلم لهم مخالف، وهناك طائفة من الأدلة على ذلك، منها هذا الحديث الذي بين أيدينا. والحق أن هذا النهي في الحديث هو مجرد نهي، لا يُعلم إن كان نهيا جازما يفيد التحريم، أم كان نهيا غير جازم يفيد الكراهة، ولكن في الحديث الآخر الذي أورده أبو سعيد الخدري حيث قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" لا يصلح الصيام في يومين، يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان ". ففي هذا الحديث كلمة (لا يصلح)، الدالة على أن النهي هنا نهي جازم وأنه للتحريم. وهذا يشبه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، حيث قال: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس،... " أو كما قال عليه الصلاة والسلام. لذلك فعلى الأمة أن تتقيد بصومها وبإفطارها، وأن تتحرى الدقة في ذلك، خاصة وأنها تعيش أياما حالكة، حيث يتربص بها حكامها، الذين عبثوا في عباداتها وجعلوا لها العيد عيدين وثلاثة أعياد .

 

 

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن تجتمع الأمة في يوم عيدها على إمام واحد، يُوحد المسلمين وبلاد المسلمين، ويقضي على حدود سايكس بيكو التي رسمها الاستعمار. اللهم آمين آمين.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

07 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/23م

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

ما يتقى من الضحايا

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى مالك في موطئه قال :

 

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ أَرْبَعًا - وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي ".

 

 

 

ذكر ابو محمد المقدسي في كتاب المغني أنّ :

 

العرجاء البيّن ضلعها : هي التي بها عرج فاحش يمنعها من اللحاق بالغنم التي تسبقها للكلأ فلا تدركه فينقص لحمها.

 

العوراء البين عورها: هي التي انخسفت عينها وذهبت.

 

المريضة البيّن مرضها: هي التي مرضها أفسد لحمها وأضعف راعيتها فأوكس ثمنها، وسواء في ذلك الجرب والورم والبثور.

 

العجفاء التي لا تُنقى: هي التي لا مُخَّ لها في عظامها لهزالها، والنِّقْيُ هو المخ.

 

ها هم الصحابة الكرام في هذا الحديث الشريف يُسطّرون لنا درساً قيّما في كيفية إحسان العمل, والإحاطة بكل ما يجعله مقبولا عند الله.

 

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فمن أراد أن يتقرب إلى الله, فليتقرب إليه بشيء يليق بجلاله وعظيم سلطانه، فهو القائل :" لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " آل عمران 92.

 

هذا ما يعلمنا إياه حديثنا لهذا اليوم .

 

فأنت إذا ما أردت تقديم هدية لأحد في هذه الدنيا تراعي قرابته منك ودلالته عليك ومنزلته الاجتماعية, فتجعل الهدية تليق به حتى تلقى القبول منه، فهذا الهدف من الإهداء في النهاية، إنه التحبب والتقرب من المهدى اليه, ولا يتحقق الهدف إلا إن نالت الهدية قبول ورضى المهدى إليه، فما بالنا برب الأرباب، ملك الملوك، الكبير المتعال!!

 

ولقد وعى الصحابة هذه الحقيقة، كيف لا وقد درسوا في مدرسة النبوة وتتلمذوا على يد خير معلم للبشرية, فعرفوا أن العمل حتى يكون مقبولا يجب أن يسير وفق ما يحب الله تعالى ويرضى, فسارَعوا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفات التي تجعل الضحية تفقد قيمتها ولا تلقى القبول من رب العالمين حتى يتجنبوها, فهم حريصون على قبول هداياهم ونيل ثواب قرباتهم, وجاء الجواب مفصلاً وواضحاً من سيد المعلمين ورأس المدرسين المبعوث رحمة للعالمين, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

فيا أحفاد الصحابة وأتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم, الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لنلتزم بالدرس الذي تعلمه أجدادنا والذي مفاده، ألّا تعمل عملاً قبل معرفة حكمه وشروطه وكيفية القيام به, وإن جهلت فاسأل، فإنما دواء العي السؤال.

 

فمن نوى التضحية فليختر من الأضاحي ما يليق بأن يقدم لملك الملوك ورب الأرباب, الكبير المتعال، وليحذر من اختيار الأضحية الناقصة فهو يقدمها لمن تنزه عن كل نقص, وترفع عن كل عيب وضعف.

 

ودرسنا لهذا اليوم مستمعينا الكرام, عام شامل لا يقتصر على تعليمنا التحري والتدقيق في اختيار الأضحية فحسب, وإنما يعلمنا التحري والتدقيق في كل ما نتلقاه وكل ما يصدر عنا، فإن لكل عمل وكل قول وكل حركة في حياتنا حكماً شرعياً، علينا أن نحرص على تعلم تلك الأحكام، لأننا مسؤولون عنها أمام الله تعالى، فاذا ما رأينا أن تعلمها لا يكفي لإحسان تطبيقها، فلنعمل على إيجاد الأجواء المُعينة على التطبيق - الأجواء الإسلامية - التي لا يوفرها إلا حكم بالإسلام في جميع نواحي الحياة وليس فقط في العبادات, فدولة الإسلام هي الضامنة لتطبيق أحكام الإسلام كافة وتمكين المسلمين من عبادة الله كما يحب ويرضى.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

08 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/24م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

يوم عرفة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى الترمذي في سننه قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ" أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى الْحَجُّ عَرَفَةُ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ".

 

 

 

جاء في تحفة الأحوذي 814 :

 

قَوْلُهُ : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قَالَ الْحَافِظُ : صَحَابِيٌّ نَزَلَ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ مَاتَ بِخُرَاسَانَ .

 

قَوْلُهُ : (فَسَأَلُوهُ): وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: فَجَاءَ نَاسٌ أَوْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَأَمَرُوا رَجُلًا فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ الْحَجُّ.

 

(الْحَجُّ عَرَفَةُ) : أَيْ الْحَجُّ الصَّحِيحُ حَجُّ مِنْ أَدْرَكَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ.

 

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ: تَقْدِيرُهُ إِدْرَاكُ الْحَجِّ وُقُوفُ عَرَفَةَ.

 

وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ: أَيْ مِلَاكُ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ.

 

(مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ): أَيْ لَيْلَةَ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ لَيْلَةُ الْعِيدِ.

 

(قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ): أَيْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَيْ مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ وَوَقَفَ فِيهَا لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.

 

وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ : مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ.

 

فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ ) : أَيْ لَمْ يَفُتْهُ وَأَمِنَ مِنْ الْفَسَادِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوُقُوفَ يَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إِلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.

 

وَحَكَى النَّوَوِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْوُقُوفُ لَيْلًا وَمَنْ اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّهُ.

 

(أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ): مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ يَعْنِي أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهُمْ، لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْرُ يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَ يَوْمُ الْنَّحْرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَجَازَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ فِي ثَانِيهِ.

 

(فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ): أَيْ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا.

 

(فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) فِي تَعْجِيلِهِ، (وَمَنْ تَأَخَّرَ) أَيْ عَنْ النفر فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ ( فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) فِي تَأْخِيرِه.

يوم عرفة من أيام الله, خصَّه تعالى بكثير من أفضاله, ففيه نزلت آية إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم، روى البخاري عن طارق بن شهاب قال : " جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدا، قال: أي آية ؟ قال:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً } [ المائدة 3 ] فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة ونحن واقفون معه بعرفة ".

وصوم يومه لغير الحاجّ مُكَفِّرٌ للذنوب: روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة ".

 

أما الوقوف فيه فشعيرة من شعائر الحج بل أهم شعائر الحج، بل هو الحج....فيه يجتمع الحجيج القادمون من كل حدب وصوب على صعيد واحد صعيد عرفة, يتوجهون إلى فاطر السموات والأرض, يلبون ويذكرون ويدعونه تعالى ويتضرعون إليه أن يقبل حجهم ويغفر ذنوبهم، وما شاء لهم الله من الدعاء ... إنه يوم الفضل والمنة، فيه تستجاب الدعوات وتغفر الذنوب والزلات, فيه يرحمُ اللهُ أهل عرفة ويباهي بهم ملائكته، قال صلى الله عليه وسلم:" إن اللهَ تعالى يدنو عشيةَ عرفةَ ويباهي الملائكةَ بأهلِ عرفةَ ".

 

فلنتوجه إلى الله تعالى في هذا اليوم العظيم والموقف المهيب ونتضرع إليه سبحانه أن يرفع مقته وغضبه عنا، وأن يمُّن علينا بالنصر المبين, وأن يرفع عن إخوتنا في سوريا ما بهم من ضر وقتل وذبح وتنكيل، ويدمر المجرم بشار وأعوانه ومن وراءهم من أعداء الدين، وأن يمن علينا بأنصار كأنصار رسوله الكريم لنقيم دولة الحق دولة الخلافة حامية حمى الإسلام والمسلمين وليتوحد دعاؤنا حجاجا ومقيمين، لعله يلقى ساعة إجابة من رب رحيم، تغير حال المسلمين والبشرية أجمعين.

 

سبحانك اللهم ما أكرمك وما أرحمك وما أحلمك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك, لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

09 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/25م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

ما عمل آدمي من عمل يوم النحر

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى الترمذي في سننه قال : حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْحَذَّاءُ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا "

 

 

 

جاء في تحفة الاحوذي : قَوْلُهُ : ( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِن مَاجَهْ اِبْنُ آدَمَ ( مِنْ عَمَلٍ ) : مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ أَيْ عَمَلًا ، ( أَحَبَّ ) : بِالنَّصْبِ صِفَةُ عَمِلَ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ هُوَ أَحَبُّ قَالَهُ الْقَارِي ، ( مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ) : أَيْ صَبَّهُ . ( وَأَنَّهُ ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ إِهْرَاقُ الدَّمِ ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ : ( بِقُرُونِهَا ) : جَمْعُ قَرْنٍ . ( وَأَشْعَارُهَا ) : جَمْعُ شَعْرٍ ، ( وَأَظْلَافُهَا ) : جَمْعُ ظِلْفٍ ، وَضَمِيرُ التَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِهْرَاقَ دَمَهُ أُضْحِيَّةٌ ، قَالَ الْقَارِي قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ : يَعْنِي أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ يَوْمَ الْعِيدِ إِرَاقَةُ دَمِ الْقُرُبَاتِ . وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ شَيْءٍ مِنْهُ لِيَكُونَ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ أَجْرٌ ، وَيَصِيرُ مَرْكَبُهُ عَلَى الصِّرَاطِ اِنْتَهَى .

 

( وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعَ مِنْ اللَّهِ ) : أَيْ مِنْ رِضَاهُ ، ( بِمَكَانٍ ) : أَيْ مَوْضِعِ قَبُولٍ ، ( قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ ) وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ مَاجَهْ : قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِحَذْفِ مِنْ أَيْ يَقْبَلُهُ تَعَالَى عِنْدَ قَصْدِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ دَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ ، ( فَطِيبُوا بِهَا ) : أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ ، ( نَفْسًا ) :تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ : أَيْ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُهُ وَيَجْزِيكُمْ بِهَا ثَوَابًا كَثِيرًا فَلْتَكُنْ أَنْفُسُكُمْ بِالتَّضْحِيَةِ طَيِّبَةً غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهَا .

الأضحية هي من مناسك الحج الواجبة للقارن والمتمتع فمن نوى الحج متمتعاً أو قارناً وجب عليه التضحية ، وهي نسك مندوب للمقيم يتقرب بها إلى الله تعالى ، فيطعم منها أهله ويتصدق منها على الفقراء والمحتاجين ، في يوم بل أيام جعلها الله عيداً للمسلمين ، وشرع لهم التمتع فيها بالطيبات ، يوم النحر وأيام التشريق فليس النحر مقصورا على يوم العيد بل إن أيام التشريق أيضاً أيام نحر وأكل وشرب وذكر .

فسبحانك اللهم ما أكرمك وما أرحمك ... تكلفنا بالتكاليف الثقال وتعدنا لقاء القيام بها بجزيل الثواب ثم تعطينا الجوائز المعجلة لتجعل أداءها ميسورا بل مرغوبا به ، كيف لا وأنت الخالق المدبر العالم بمن خلق ، تعلم أن الحوافز تغري الإنسان للمسارعة بالعمل ، فتشرع الحوافز المعجلة تمهيدا للمؤجلة .

 

إن العيد جائزة ثمينة معجلة لمن أدى فريضة الحج ، لكن رحمة الله الواسعة لم تقصر العيد على الحجيج بل جعلته عاما لجميع المسلمين ، وحتى يشعر المسلمون بطعم العيد ، ندبهم الى القيام بأعمال فيها من المشقة ما يشوقهم للعيد ... للفرح والمرح والسرور ، فكان الندب لخص الأيام العشر بالطاعات والقربات من صيام وقيام ودعوات ثم الحث على ذبح الأضاحي في يوم العيد ؛ ليفرح الغني والفقير ويشعر المسلمون جميعاً بأن العيد حقا يوم جائزة ، يكافأون فيه على بذلهم وجهدهم ، فيتشاطرون الفرح والسرور ، والحمد والشكور .

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

10 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/26م

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ : " ضَحَّى خَالِي أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ ".

 

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ".

 

قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ".

جاء في فتح الباري لابن حجر : قَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء " إِنَّ أَوَّل مَا نَبْدَأ بِهِ يَوْمنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِع فَنَنْحَر ".

 

وَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات "فِي يَوْمنَا هَذَا نُصَلِّي" بِحَذْفِ "أَنْ" وَعَلَيْهَا شَرْح الْكَرْمَانِيّ فَقَالَ: هُوَ مِثْل " تَسْمَع بِالْمُعَيْدِيّ خَيْر مِنْ أَنْ تَرَاهُ " وَهُوَ عَلَى تَنْزِيل الْفِعْل مَنْزِلَة الْمَصْدَر، وَالْمُرَاد بِالسُّنَّةِ هُنَا فِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا، الطَّرِيقَة لَا السُّنَّة، بِالِاصْطِلَاحِ الَّتِي تُقَابِل الْوُجُوب ، وَالطَّرِيقَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيل عَلَى الْوُجُوب بَقِيَ النَّدْب وَهُوَ وَجْه إِيرَادهَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِوُقُوعِ الْأَمْر فِيهِمَا بِالْإِعَادَةِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُود بَيَان شَرْط الْأُضْحِيَّة الْمَشْرُوعَة ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ صَلَّى رَاتِبَة الضُّحَى مَثَلًا قَبْل طُلُوع الشَّمْس: إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس فَأَعِدْ صَلَاتك ، وَقَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء "وَلَيْسَ مِنْ النُّسُك فِي شَيْء": النُّسُك يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الذَّبِيحَة وَيُسْتَعْمَل فِي نَوْع خَاصّ مِنْ الدِّمَاء الْمُرَاقَة، وَيُسْتَعْمَل بِمَعْنَى الْعِبَادَة وَهُوَ أَعَمُّ يُقَال فُلَان نَاسِك أَيْ عَابِد ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدِيث الْبَرَاء بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّل أَيْضًا فِي قَوْله فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى " مَنْ نَسَكَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا نُسُك لَهُ ": أَيْ مَنْ ذَبَحَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا ذَبْحَ لَهُ أَيْ لَا يَقَع عَنْ الْأُضْحِيَّة.

 

يبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد ....وكما ورد في الحديث الذي بين أيدينا فمن ذبح بعد الصلاة , كتبت له أضحية ونال ثوابها بإذن الله , فقد تأسى بالنبيّ واهتدى بهديه ...أما من تعجل وذبح قبل الصلاة فما ضحّى ولا نال أجر التضحية وإنما هي ذبيحة كسائر الذبائح التي تذبح في باقي أيام السنة.

 

فليست العبرة بالذبح أو التضحية بل العبرة بالتزام أحكام الله وهدي نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم . يقول تعالى : " لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ " الحج (37).

 

إن العبرة الثمينة التي تتبادر للأذهان إخوتي الكرام من هذا الحديث الشريف : أن يحرص المسلم على إحسان التأسي بالرسول الكريم , والتيقن من فهم أحكام دينه الحنيف قبل أن يشرع بتنفيذ أي عمل يريد القيام به ....فليس كل عمل متقبل ولا كل عبادة مجزئة .....إذ لا بد من معرفة العمل المطلوب وحكمه وكيفية أدائه، قبل الشروع به حتى يكون موافقاً للشرع مقبولا عند الله، يستحق فاعله الأجر والثواب المترتب عليه ....

 

فإلى من يريدون تحكيم شرع الله ...ولا يعرفون الطريق الشرعي لإقامة حكم الله: لا تجازفوا بالعمل بأي طريقة دون تأن وتفكير، ولا تتوسلوا أية وسيلة كانت دون بحث وتمحيص ....لأن الثواب لا يحصله إلا من بحث عن الطريقة الشرعية وسار عليها متأسياً برسولنا العظيم .....فعمل في صفوف حزب سياسي لإعادة الخلافة الإسلامية ....الدولة التي بناها رسولنا الكريم وهدمها الكفار المجرمون، فأولئك هم من أصابوا سنة الرسول واستحقوا الثواب الجزيل على ما قدموا من أعمال، أما من تهاون في تحري الطريقة ....أو تسرع في فهمها .... فزاغ عن الطريق السوي أو تاه في زحمتها فما يناله إلا التعب وضياع العمر.

 

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

11 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/27م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إن الله كتب الإحسان

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى مسلم في صحيحه قال : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : " خَصْلَتَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا"، قَالَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَقُولُ:" فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ".

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح، وَلْيُحِدَّ أَحَدكُمْ شَفْرَته وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته ".

 

أَمَّا (الْقِتْلَة) فَبِكَسْرِ الْقَاف، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة.

 

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَأَحْسِنُوا الذَّبْح) فَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ أَوْ أَكْثَرهَا (فَأَحْسِنُوا الذَّبْح) بِفَتْحِ الذَّال بِغَيْرِ هَاء، وَفِي بَعْضهَا (الذِّبْحَة) بِكَسْرِ الذَّال وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة أَيْضًا.

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَلْيُحِدَّ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء، يُقَال: أَحَدّ السِّكِّين وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنًى: وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته، بِإِحْدَادِ السِّكِّين وَتَعْجِيل إِمْرَارهَا وَغَيْر ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُحِدّ السِّكِّين بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَة، وَأَلَّا يَذْبَح وَاحِدَة بِحَضْرَةِ أُخْرَى، وَلَا يَجُرّهَا إِلَى مَذْبَحهَا . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة) عَامّ فِي كُلّ قَتِيل مِنْ الذَّبَائِح، وَالْقَتْل قِصَاصًا، وَفِي حَدّ وَنَحْو ذَلِكَ.

 

وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة لِقَوَاعِد الْإِسْلَام، وَاللَّهُ أَعْلَم.

 

في هذا الحديث يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع الأضحية حين ذبحها, فأن يبيح الله تعالى ذبحها لا يعني أنه أباح تعذيبها، وإنما شاء سبحانه أن يكون الذبح بأسرع الوسائل وأقلها إيلاما وأبعدها عن التعذيب، إن عملية الذبح شيء مهول وليس أمرا مسلياً, والتعامل معه يجب أن يكون بهذا المفهوم، بعيدا عن القسوة والهمجية, والحكم الشرعي في كيفية تنفيذ عملية الذبح أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، فاستعمال السكين الحاد والسرعة في تنفيذ الذبح وعدم إطلاع الذبيحة على شحذ السكين وعدم ذبح أضحية أمام أختها، كلها لتدل على حرص الإسلام على إحسان القيام بالأعمال، وإن الإحسان هو أن يقام بالعمل وفق حكمه الشرعي, وأن يستشعر المسلم مراقبة الله له أثناء قيامه بأفعاله لأن هذا الشعور يبقيه ملتزما بأحكام الله متقياً مخالفته.

 

والإحسان مطلوب من المسلم في كل الأمور، أي مطلوب منه أن يستشعر مراقبة الله له في كل أحواله في صلاته وصيامه، في نومه وقيامه, في حله وترحاله، في عمله واستراحته، في تعامله مع أسرته وعائلته وقرابته، فمن كان محسنا في أعماله حمى نفسه من الزلات ونال أعلى الدرجات.

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنك أنت السميع المجيب.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

12 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/28م

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

أيـــام التشــــــــــريق

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أيام التشريق أيام أكل وشرب, روى مسلم في صحيحه قال : و حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ نُبَيْشَةَ قَالَ خَالِدٌ فَلَقِيتُ أَبَا الْمَلِيحِ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِي بِهِ فَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَزَادَ فِيهِ وَذِكْرٍ لِلَّهِ.

 

جاء في شرح النووي على مسلم قوله :

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أَكْلٍ وَشُرْبٍ)، وَفِي رِوَايَة (وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، وَفِي رِوَايَة: (أَيَّام مِنًى)، وَفِيهِ دَلِيل لِمَنْ قَالَ: لَا يَصِحّ صَوْمهَا بِحَالٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمَا.

 

وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء: يَجُوز صِيَامُهَا لِكُلِّ أَحَدٍ تَطَوُّعًا وَغَيْره، حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَابْن عُمَر وَابْن سِيرِينَ، وَقَالَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ: يَجُوز صَوْمهَا لِلتَّمَتُّعِ إِذَا لَمْ يَجِد الْهَدْي، وَلَا يَجُوز لِغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ اِبْن عُمَر وَعَائِشَة قَالَا: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ.

 

وَأَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ النَّاسِ لُحُومَ الْأَضَاحِيّ فِيهَا، وَهُوَ تَقْدِيدُهَا وَنَشْرُهَا فِي الشَّمْسِ، وَفِي الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الذِّكْر فِي هَذِهِ الْأَيَّام مِنْ التَّكْبِير وَغَيْره.

شُرع عيد الفطر يوما واحدا، فهو يأتي بعد تمام شعيرة الصوم بانتهاء شهر رمضان لكن العيد في الأضحى أربعة أيام: يوم النحر حيث يرمي الحجيج الجمرة الأولى ثم ينحرون هديهم ثم يتحللون من إحرامهم ثم يطوفون طواف الإفاضة، أما أيام التشريق فيُتمون فيها رمي باقي الجمرات، وينحر هديه من لم ينحر يوم النحر, فكانت أيام التشريق تمام شعائر الحج، فهي كيوم النحر أيام عيد، أيام رمي ونحر وأكل وشرب, وسرور ومرح.

 

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى ".

 

وَقَالَتْ عَائِشَةُ :" رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ يَعْنِي مِنْ الْأَمْنِ".

العيد يعني الفرح والسرور, والخروج عن المألوف في الحياة اليومية، عن الرتابة والروتين، لكن الإسلام أضاف لهذا المعنى شيئاً من السمو والرفعة، إذ ربط العيد بعبادة عظيمة هي ركن من أركان الدين, فكان الفرح فيه شكراً لله على أن أعاننا ويسر لنا إتمام عبادتنا وكان المرح تجديداً للهمة والنشاط في أعمالنا وعباداتنا, لنبقى دائما عالِيْ الهمة, بعيدِيْ الطموح, مليئين بالقوة بالنشاط، تخيم علينا أجواء الإيمان فلا ننسى أثناء احتفالنا بالعيد أن نبقي احتفالاتنا في حدود ما أباح الله من متع ولهو مباح, ونصحبها بالتضرع له سبحانه أن يتقبل منا أعمالنا, ويغفر لنا أخطاءنا, ويتم نعمته علينا بالنصر والتمكين لنحتفل بأيام النحر والتشريق في قابل، تحت ظل دولة الخلافة وبرعاية خليفة المسلمين, لتملأ الأرض عدلا بعد أن امتلأت جورا, ورعاية بعد أن امتلأت ظلما, إن الله سميع مجيب.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

13 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/29م

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

من حج لله فلم يرفث ولم يفسق

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى البخاري في صحيحه قال :حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ".

 

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر قَوْله :

 

(مَنْ حَجَّ لِلَّهِ), فِي رِوَايَة مَنْصُور عَنْ أَبِي حَازِم الْآتِيَة قُبَيْل جَزَاء الصَّيْد " مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْت " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق جُرَيْجٍ عَنْ مَنْصُور" مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْت " وَهُوَ يَشْمَل الْحَجّ وَالْعُمْرَة.

 

قَوْله : (فَلَمْ يَرْفُث).

 

الرَّفَث : الْجِمَاع، وَيُطْلَق عَلَى التَّعْرِيض بِهِ وَعَلَى الْفُحْش فِي الْقَوْل.

 

قَوْله : (وَلَمْ يَفْسُق) : أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلَا مَعْصِيَة.

 

قَوْله : (رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر وَالتَّبِعَات، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الشَّوَاهِد لِحَدِيثِ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس الْمُصَرِّح بِذَلِكَ وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر فِي تَفْسِير الطَّبَرِيِّ، قَالَ الْطِيبِيُّ: الْفَاء فِي قَوْله " فَلَمْ يَرْفُث " مَعْطُوف عَلَى الشَّرْط، وَجَوَابه رَجَعَ أَيْ صَارَ، وَالْجَارّ وَالْمَجْرُور خَبَر لَهُ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا أَيْ صَارَ مُشَابِهًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَرَاءَة عَنْ الذُّنُوب فِي يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَة " رَجَعَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه ".

 

العيد حاجة إنسانية، لا تستغني عنه أمة ولا شعب، فالإنسان في هذه الحياة الشاقة يحتاج إلى يوم يزيح فيه عن كاهله أعباء وتعب الأيام ويخرج فيه عن روتين حياته الممل، لذا رأينا الإنسانية على مر العصور تحتفل بأيام معينة كل عام وتسميها أعيادا، تخرج فيها عن روتين حياتها اليومي، فينطلق أناس إلى الطبيعة يرفهون عن أنفسهم بلبس أجمل الثياب وتناول أشهى الطعام والشراب، وممارسة ألوان اللهو والمرح علّهم يتغلبون على ضغوطات الحياة وتعبها وشقائها الذي عاشوه وعانوه طوال سنتهم, فيشحذون الهمم والطاقات للأيام المقبلة.

 

وبغض النظر عن ما يمثله يوم العيد عند الأمة أو الشعب من ذكرى دينية كانت، أو قومية أو وطنية، فلكل أمة ولكل شعب قديما وحديثاً يوم عيد، فالفرس قديما على سبيل المثال، كان يوم النيروز لهم عيدا، والفراعنة زمن موسى عليه السلام كان يوم الزينة لهم عيدا، حتى أهل يثرب كان لهم عيد يحتفلون فيه إلى أن جاءهم الإسلام فاستبدل لهم ذلك العيد الوثني بعيدين مباركين يمثلان ركنين من أركان ديننا العظيم.

 

روى مسلم في صحيحه قال : و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ : " شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ ".

 

فكان يوم الفطر حيث أنهى المسلمون شهرا من الصوم الخالص لله تعالى فخرجوا منه مغفوراً لهم, قال عليه الصلاة والسلام:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".

 

ويوم الأضحى : يوم إنهائهم مناسك الحج وصدورهم عن عرفات مغفوراً لهم أنقياء أطهاراً كيوم ولدتهم أمهاتهم, كما بشرنا صلى الله عليه وسلم في حديثنا لهذا اليوم.

 

فالعيد عند المسلمين ليس بدعة ابتدعوها فلكل أمة عيدها، لكنه يتميز عن أعياد باقي الأمم والشعوب, بأنه جائزة ربانية فوق كونه حاجة إنسانية, فقد شرعه لهم ربهم مكافأة معجلة بعد أن جهدوا في إقامة ركن من أركان دينهم، فيه من المشقة والتعب ما فيه، فقاموا به طائعين لله راغبين بعفوه ومغفرته ورضوانه، فكانت مكافأتهم يوم القيامة وعداً بدخول جنة نعيم, أما في الدنيا فمغفرة من الله وفضل، فالله لا يضيع أجر المحسنين، وعيد مبارك يفرح فيه المسلمون ويمرحون, ويأكلون ما لذ وطاب ويشربون، ويلبسون أجمل الزي ويبتهجون.

 

لكن الإسلام حرص أن تكون أجواء العيد إيمانية، تبدأ بالصلاة والاستماع لخطبة العيد ثم تبادل التهنئة بين المسلمين, وبعدها ذبح الأضاحي وتناول الطعام وحلوى العيد مع الأهل والأبناء، ثم صلة الأرحام، كل هذا مصحوبا بالحمد والشكر والتكبير والتهليل لتبقى الحكمة من العيد حاضرة في الأذهان، مع شعور بالفرح والسرور بما وُعِدْنَا من رحمة ومغفرة من رب رحيم غفور.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

14 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/30م

 

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في " باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال ", حدثنا عمرو الناقد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها ".

 

 

قولها : ( وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين ) هو بفتح الهمزة والميم في ( أمر ) فيه منع الحيض من المصلى واختلف أصحابنا في هذا المنع فقال الجمهور : هو منع تنزيه لا تحريم ، وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة ، وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجدا . وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال : يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد .

 

قولها : في الحيض ( يكبرن مع النساء ) فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب ، وإنما يحرم عليها القرآن.

 

وقولها : ( يكبرن مع الناس ) دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين ، وهو مجمع عليه قال أصحابنا : يستحب التكبير ليلتي العيدين وحال الخروج إلى الصلاة . قال القاضي : التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام ، والتكبير في الصلاة ، وفي الخطبة ، وبعد الصلاة .

 

قولها : ( ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ) فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين وحلق الذكر والعلم ونحو ذلك.

 

فقوله : ( لا يكون لها جلباب ) قال النضر بن شميل هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها وقيل : هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها ، وظهرها ، وقيل : هو كالملاءة والملحفة ، وقيل : هو الإزار ، وقيل : الخمار.

 

قوله : صلى الله عليه وسلم - ( لتلبسها أختها من جلبابها ) الصحيح أن معناه لتلبسها جلبابا لا تحتاج إليه.

 

هذه هي أعيادنا تنطوي على حِكَم عظيمة، ففيها مساحة من الزمن لنسيان الهموم، فالرجال والنساء والأطفال يعيشون هذه الفرحة، وقد سن لنا الشرع الأكل قبل الخروج إلى المُصلى في العيد، وسن لنا أيضا الغناء والضرب بالدفوف والرقص بالسلاح في العيد، ويُسن إظهار الفرح والسرور فيه، ولا بأس أن يصحب الإمام وهو خارج إلى المُصلى ناس من المغنين ويرقصون حول الإمام أو وراءه .

 

أيها المسلمون :

 

أين العيد الذي نتحدث عنه ممّا نعيشه هذه الأيام، فالفرح والسرور غائبان عن حياتنا، والابتسامة التي ارتسمت على الوجه تخالف ما في القلب، كيف نتعبد الله في عيدنا وشلال دماء المسلمين يتدفق حتى في أيام العيد؟! كيف نتعبد الله في عيدنا وأهلنا في سوريا وبورما والعراق وكشمير وأفغانستان وباكستان وفي كل البلاد يموتون ونحن نعدّ قتلانا؟! كيف نتعبد الله في عيدنا وبلادنا مقطعة الأوصال نهب لأعدائنا؟! لقد أفسد علينا حكامنا أعيادنا كما أفسدوا علينا صيامنا وصلاتنا وسائر عباداتنا، فحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم يا الله، اجعل هذا العيد آخر الأعياد التي تمر على أمة حبيبك محمد - صلى الله عليه وسلم - بغير خليفة المسلمين، بغير حاكم يحكمنا بقرآنك وسنة نبيك. فقد ضقنا بحكام الضرار ولم نعد نطيق وجودهم بيننا، ولا سماع سيرتهم. اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا، اللهم ائذن بخلافة المسلمين الثانية على منهاج النبوة، لتعود للمسلمين عزتهم وأعيادهم وفرحتهم التي فقدوها منذ سنين. اللهم آمين آمين.

 

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

15 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/10/31م

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب الخطبة بعد العيد

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب الخطبة بعد العيد" : حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس قال : " شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ".

 

كما أن العيد فرحة ، فهو عبادة أيضا نتقرب بها إلى الله ، فنحن نتعبد الله في العيد ، فنفرح كما أمرنا الله ، فهو شعيرة من شعائر الله ، وفيه ما فيه من المعاني السامية والعظيمة، فهذه العبادة تُؤدى كما أدّاها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - فبعد أن ينتهي الإمام من صلاته، يقف أمام المصلين، يخطُب خُطبتين كخُطبتي الجمعة يعظ فيهما الناس، حاثا إياهم على الالتزام بأحكام الله، ولا بأس من الإكثار من التكبيرات في أثناء الخطبة ، وخطبة العيد سنة، لهذا لا يجب على المصلين الجلوس لها والاستماع إليها، بل يندب ذلك لهم فحسب.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

16 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/11/01م

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إحياء الأرض

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

روى البيهقي في السنن الكبرى قال :

 

(أخبرنا) أبو سعيدِ بنُ أبى عَمْرٍو حدثنا أبو العباسِ الأصَمُّ حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ حدثنا يحيى بنُ آدمَ حدثنا يونُسُ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن عبدِ الله بنِ أبى بكرٍ قال جاء بلالُ بنُ الحارث المُزَنِيُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضا فقطعها له طويلة عريضة. فلما ولي عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا طويلة عريضة قطعها لك وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليمنع شيئا يُسْألُهُ وإنك لا تطيق ما في يديك. فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعل والله, شيء أقْطَعَنِيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر: والله لتفعلن, فأخذ منه ما عجز عن عمارته , فقسمه بين المسلمين .

 

 

 

إن الأرض كنز يختلف عن غيره من الأموال والأملاك ....فهي تحتوي على مزايا ليست في كثير من الممتلكات فهي محل للزراعة ....ولاستخراج ما في باطنها من كنوز ومعادن .....ومحل لإقامة الأبنية عليها لمختلف الأغراض ....تجارية كانت كإقامة المباني التجارية والصناعية والمخازن أو شخصية كالمباني السكنية أو مرافق كالمباني الحكومية الخدماتية من مستشفيات ومدارس ودوائر.

 

فالأرض إذن لا يجوز أن تهجر أو تترك من غير استخدام لما في إهمالها من خسارة وضياع للمنافع الضرورية لحياة الناس ......من هنا فان الشرع أكد على ضرورة استغلال الأرض حين شرع تملكها بالمبادلة أو الإرث أو الإحياء أو الإقطاع .....بل لقد أكد على ضرورة استغلالها للزراعة خاصة ولسائر الاستخدامات المباحة على وجه العموم حين أعطى الدولة الحق في وضع يدها على الأرض التي يهملها صاحبها فيعطلها سنوات ثلات متتالية, لتعطيها لمن يريد زراعتها واستغلالها.

 

وفي الحديث إشارة إلى هذا التأكيد ......فبلال قد طلب من الرسول أرضاً واسعة, وقد أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها ....لكنها كانت أكبر من أن يستطيع زراعتها كلها فتركها دون زراعة أو عمارة ....

 

لكن ولي الأمر ....خليفة المسلمين ....الذي كلفه الله برعاية مصالح المسلمين ...بتطبيق احكام الله عليهم , قد انتبه الى حقيقة ان بلالا أخذ أرضا وعطلها بتركه إياها دون إعمار ........وأدرك أن في هذا الإهمال والتعطيل ضياعاً لمصالح الناس فأجبر بلالاً على التخلي عن المساحة من الأرض التي لا يستطيع إعمارها ....وأبقى له منها ما يطيقه اي ما في طاقته إعماره وزراعته .....ولقد كان ذلك على مرأى من الصحابة رضوان الله عليهم فكان إجماعاً منهم على أن من عطل أرضا فقد حقه في ملكيتها.

 

وهذا عام في كل أرض ....وليس خاصا في الأرض المُقْطَعَةِ أو المُحْيَاةِ ....بل هو فيها وفي غيرها من الأراضي الموروثة أو المتبادلة ما دامت زراعية...

 

.....وعندنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ....فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ....لم يحدد نوع الأرض أو طريقة تملكها بل جعل التعبير عاما في كل أرض مهما كانت طريقة تملكها .... إحياء أو إقطاعا أو مبادلة أو إرثا .

 

وإجماع الصحابة على الرضى بعمل عمر في حديثنا اليوم بَيَّنَ أن من عطل أرضاً مقطعة له من قبل الدولة فللدولة أن تستردها وتقطعها لغيره.

 

من هذا الحديث نفهم الحكمة من مشروعية الإحياء والإقطاع أنها من أجل العمل واستغلال الأرض وليس للمكاثرة في المساحات المملوكة. فمن أعطى الأرض حقها من العمل والاستثمار استمر تملكه لها....ومن عطلها إهمالا أو لعدم قدرته على استغلالها فقدَ حقه في ملكيتها إن استمر إهماله أو تعطيله لها ثلاث سنين متتالية ...وصار لغيره الحق في أخذها واستغلالها , أما إن كانت تلك الأرض إقطاعا من الدولة فقدْ صار للدولة الحق في استرجاعها وإقطاعها لغيره لزراعتها.

 

ومن الجدير ذكره أن العمل في الأرض ليس بالضرورة ان يقوم به مالك الأرض بنفسه .....بل له أن يعمل بها بنفسه وينفق عليها من أمواله, كما له أن يستأجر عمالا للعمل فيها ويدفع لهم أجوراً, ينفق من ماله أجرة للعمال وأثمان البذور والآلات المستخدمة فيها .... فإن عجز عن النفقة أعانته الدولة في النفقات.

 

لكن إن لم يرغب في زراعتها فإن عليه منحها لغيره ليزرعها دون مقابل ....لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرض للزراعة.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

22 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/11/07م

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الغبن الفاحش

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى البخاري في صحيحه قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ.

 

 

ورد في كتاب فتح الباري لابن حجر :

 

قَوْله : ( أَنَّ رَجُلًا )

 

فِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق " حَدَّثَنِي نَافِع عَنْ اِبْن عُمَرَ ، كَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَارِ " زَادَ اِبْن الْجَارُودِ فِي " الْمُنْتَقَى " مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ حَبَّان بْن مُنْقِذٍ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالْمُوَحَّدَة الثَّقِيلَة ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد الْأَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق يُونُس بْن بُكَيْر كِلَاهُمَا عَنْ اِبْن إِسْحَاق بِهِ وَزَادَ فِيهِ " قَالَ اِبْن إِسْحَاق فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَبَّان قَالَ هُوَ جَدِّي مُنْقِذ بْن عَمْرو " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ اِبْن مَنْدَهْ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ اِبْن إِسْحَاق.

 

قَوْله : ( ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

 

فِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاقَ " فَشَكَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْقَى مِنْ الْغَبْنِ ".

 

قَوْله : ( أَنَّهُ يُخْدَع فِي الْبُيُوع )

 

بَيَّنَ اِبْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته الْمَذْكُورَة سَبَب شَكْوَاهُ وَهُوَ مَا يَلْقَى مِنْ الْغَبْنِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيث أَنَس بِلَفْظِ " إِنَّ رَجُلًا كَانَ يُبَايِع ، وَكَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ ".

 

قَوْله : ( لَا خِلَابَةَ ) : بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْفِيفِ اللَّامِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ و " لَا " لِنَفْيِ الْجِنْسِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، زَادَ اِبْن إِسْحَاق فِي رِوَايَة يُونُس بْن بُكَيْر وَعَبْد الْأَعْلَى عَنْهُ " ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ اِبْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ ، فَإِنْ رَضِيت فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْت فَأَرْدُدْ " فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَان عُثْمَانَ وَهُوَ اِبْنُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، فَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَن عُثْمَانَ ، وَكَانَ إِذَا اِشْتَرَى شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ إِنَّك غُبِنْت فِيهِ رَجَعَ بِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّحَابَة بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ لَهُ دَرَاهِمَهُ . قَالَ الْعُلَمَاء : لَقَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ لِيُتَلَفَّظَ بِهِ عِنْد الْبَيْع فَيُطْلِعُ بِهِ صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فَيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ حَضِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى أَدَاءِ النَّصِيحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث حَكِيم بْن حِزَامٍ " فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بِوَرِكِ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا " الْحَدِيثَ . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَحْمَدَ وَأَحَد قَوْلَيْ مَالِك أَنَّهُ يُرَدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِش لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ قِيمَةَ السِّلْعَةِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْخِيَار لِضَعْفِ عَقْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْغَبْنُ يُمْلَكُ بِهِ الْفَسْخُ لَمَا اِحْتَاجَ إِلَى شَرْط الْخِيَارِ . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : يَحْتَمِل أَنَّ الْخَدِيعَةَ فِي قِصَّة هَذَا الرَّجُلِ كَانَتْ فِي الْعَيْبِ أَوْ فِي الْكَذِبِ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْغَبْنِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي مَسْأَلَة الْغَبْنِ بِخُصُوصِهَا ، وَلَيْسَتْ قِصَّةً عَامَّةً وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ فِي وَاقِعَةِ عَيْنٍ فَيُحْتَجُّ بِهَا فِي حَقّ مَنْ كَانَ بِصِفَةِ الرَّجُل قَالَ : وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ كُلِّمَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ : مَا أَجِدُ لَكُمْ شَيْئًا أَوْسَعَ مِمَّا جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَبَّانَ بْن مُنْقِذ ثَلَاثَة أَيَّام ، فَمَدَارُهُ عَلَى اِبْن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ اِنْتَهَى ، وَهُوَ كَمَا قَالَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمَا مِنْ طَرِيقه ، لَكِنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَدْ تَعَيَّنَتْ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا بِأَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ الْمُشْتَرَطَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ غَيْر زِيَادَة لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَرَدَ عَلَى خِلَاف الْأَصْل فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى أَقْصَى مَا وَرَدَ فِيهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ جَعْلُ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَاعْتِبَارُ الثَّلَاث فِي غَيْر مَوْضِع ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ إِنَّمَا قَصَرَهُ عَلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّ مُعْظَمَ بَيْعِهِ كَانَ فِي الرَّقِيقِ ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ عِنْد الْعَقْدِ " لَا خِلَابَةَ " أَنَّهُ يَصِيرُ فِي تِلْكَ الصَّفْقَةِ بِالْخِيَارِ سَوَاءٌ وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا أَوْ غَبْنًا أَمْ لَا ، وَبَالَغَ اِبْن حَزْم فِي جُمُودِهِ فَقَالَ : لَوْ قَالَ لَا خَدِيعَةَ أَوْ لَا غِشَّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى يَقُولَ لَا خِلَابَةَ . وَمِنْ أَسْهَلَ مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " لَا خِيَابَةَ " بِالتَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ اللَّامِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ اللَّامِ أَيْضًا وَكَأَنَّهُ كَانَ لَا يُفْصِحُ بِاللَّامِ لِلَثْغَة لِسَانِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ عِنْد أَحَد مِنْ الصَّحَابَة الَّذِينَ كَانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ اِكْتَفَوْا فِي ذَلِكَ بِالْمَعْنَى ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَبَيَّنَ سَفَهُهُ لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَنَس أَنَّ أَهْلَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه اُحْجُرْ عَلَيْهِ ، فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ فَقَالَ لَا أَصْبِرُ عَنْهُ فَقَالَ " إِذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَة " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الْكَبِيرِ لَا يَصِحُّ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الْبَيْع بِشَرْطِ الْخِيَار وَعَلَى جَوَاز شَرْط الْخِيَار لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ ، وَفِيهِ مَا كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ عَلَيْهِ مِنْ الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا.

إن الغبن في اللغة : هو الخداع . يقال غبنه غبنا في البيع والشراء : أي خدعه وغلبه . وغبن فلانا : نقصه في الثمن وغيره فهو غابن وذاك مغبون.

 

والغبن : هو البيع للشيء بأكثر مما يساوي أو بأقل مما يساوي ..... ولما كان الغبن هو الخديعة؛ والخديعة حرام.....فإن الغبن حرام إن كان فاحشاً ...... ذلك أن علة تحريم الغبن هي كونه خديعة في الثمن , والغبن اليسير ليس خديعة بل هو مهارة في المساومة ويكون خديعة إن كان غبناً فاحشاً فيكون الغبن حراما إن كان فاحشاً.

 

فإن ثبتت الخديعة في البيع فإن المغبون بين خيارين :

 

ان شاء فسخ العقد (أي رد السلعة واستعاد ماله) إن كان هو المشتري أو (رد المال واستعاد سلعته ) إن كان هو البائع .... وإن شاء أمضاه, وليس له خيار ثالث ......فلا يحل له أن يأخذ الإرش مثلاً أي لا يحل له أن يأخذ الفرق بين سعر السلعة الحقيقي والسعر الذي بيعت به.

 

ويثبت الخيار للمغبون بشرطين :

 

الأول : عدم العلم وقت العقد . والثاني : الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتغابن الناس بمثلها . أما تقدير الغبن إن كان فاحشاً أم معقولاً فيرجع لاصطلاح التجار في البلد وقت إجراء العقد ....وهذا يختلف من بلد إلى آخر ومن سلعة إلى أخرى.

 

وللغبن إشكال وألوان, فقد يحصل برفع سعر السلعة بأكثرَ كثيرا مما تستحق أو خفض سعرها بأقل كثيرا مما تستحق ...حين يبيعون أو يشترون من الغرباء عن السوق أو من عديمي الخبرة في البيع والشراء, وقد يكون بادعاء خصائص للسلعة ليست فيها فيقول مثلاً : إن هذه الحقيبة أو الحذاء أو المعطف مصنوع من الجلد الطبيعي مع أنها ليست كذلك, وقد يكون بادعاء أن السلعة غير مطلوبة في السوق مع أنها مطلوبة أو العكس, ويكون بإخفاء العيوب في السلعة لتظهر أنها سالمة من العيوب أو الادعاء بأنها صالحة مع أن جلها معطوب أو فاسد وذلك بأن يجعل الجزء الصالح ظاهرا والجزء الفاسد أو المعطوب مخفيا.

هذه بعض أشكال الغبن سقتها على سبيل المثال لا الحصر ...وإلا فما نشاهده ونصادفه في الأسواق من أنواع الغبن يصعب حصره فالتجار الجشعون لا يألون جهدا في تطوير أساليب الغبن والخداع ....لم لا والراعي المخلص غائب , وعصاه مكسورة ..... وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " التاجر الصدوق الأمين مع الأنبياء والصديقين والشهداء " . غائب عن عقول وقلوب التجار إلا من رحم ربي.

اللهم عجل لنا بعودة الخلافة الراشدة ليعود الراعي المخلص وتعود عصاه سليمة قوية يضرب بها كل من تسول له نفسه خداع أفراد الأمة وأكل أموالهم بالباطل.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

27 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/11/12م

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

شركات غير شرعية

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

عن ابن عباس قال : كان العباس بن عبد المطلب « إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه : لا يسلك به بحرا ، ولا ينزل به واديا ، ولا يشتري به ذات كبد رطبة ، فإن فعل فهو ضامن ، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجازه ».

 

كان العباس رجلا ثريا , وكان يستثمر أمواله بشتى وسائل الاستثمار , بالتجارة وبالربا وبالشراكة وربما بغيرها من وسائل الاستثمار، ففي الجاهلية لم تكن هناك معاملات محرمة، لكنه عندما دخل الإسلام ، ونزلت أحكام البيع والشركة وحرم الربا؛ التزم تلك الأحكام وانضبط بها شأنه شأن عامة المسلمين وخاصتهم ، فعندما نزل حكم تحريم الربا ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقود الربا التي كان العباس عقدها في الجاهلية فأطاع العباس راضيا مستسلماً ومُسَلِّمَاً نفسَهُ وماله لله رب العالمين , ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ , فما كان من العباس إلا الطاعة والتسليم .

 

وها هو في حديثنا لهذا اليوم يرفع شرطه الذي كان يشترطه على من يشاركه فيضارب في ماله، يرفعه للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ليعلم حكم الشرع فيه ؛ليستمر عليه إن كان حلالا ، ويتوقف عنه إن كان حراما مخالفاً للشرع ، ذلك ليواصل أعماله وهو عالم بما يصنع مطمئن بها، فيقره صلى الله عليه وسلم ويطمئنه إلى جواز هذه الشروط .

 

فهلا صنع المسلمون ما صنع العباس حين عرضت عليهم أشكال من الشركات الحديثة التي لم تكن زمن الرسول ولم يقرها صلى الله عليه وسلم ؟؟ هلا درسوا واقعها وقاسوها على واقع الشركة في الإسلام ليعرفوا ما ينطبق عليه منها تعريف الشركة في الإسلام وشروطها فيتعاملوا بها مطمئنين لشرعيتها ويتبينوا ما يخالفها ليجتنبوه ؟؟؟ ...

 

لقد دخل إلى عالمنا الإسلامي مع دخول النظام الرأسمالي أنواع من الشركات الغربية ، الغريبة عن ثقافتنا الإسلامية وإرثنا الشرعي ، شركات متعددة الصور والأشكال لكنها بعد البحث تبين أنها مع تعددها تنضوي تحت نوعين من الشركات هي:

 

شركات الأموال : ومثالها الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم.

وشركات الأشخاص : ومثالها شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة.

 

ولقد اندفع الناس للاكتتاب بهذه الشركات والمساهمة فيها بل وتأسيسها دون بحث ولا تمحيص في ماهيتها لمعرفة مدى موافقتها أو مخالفتها لأحكام الشرع ، وعلى وجه الخصوص الشركات المساهمة وشركات التضامن.

 

إن للشركة في الإسلام شروطاً لا بد من التزامها حتى يكون عقدها صحيحا وأرباحها حلالا , فمن شروط انعقاد الشركة : أن يتم العقد بين طرفين ، بإيجاب وقبول : إيجاب من الأول وقبول من الآخر لأن عقد الشركة من العقود اللازمة للطرفين, وليس عقد التزام من طرف واحد.

 

ومن شروط صحة عقد الشركة : أن يكون محل العقد ( أي ما يقع عليه العقد ) تصرفاً وأن يكون هذا التصرف قابلا للوكالة ليكون ما يستفاد بالتصرف (وهو الربح) مشتركا بينهما.

 

كما يجب تحديد نوع العمل الذي ستقوم به الشركة ، وتحديد حصص الشركاء في رأس المال والأرباح، ومن محاولة تطبيق هذه الشروط على الشركات الرأسمالية نجد أن:

 

الشركات المساهمة تفتقد لشروط الانعقاد وشروط الصحة للشركة في الإسلام فهي لم تنعقد كشركة أصلاً ، بينما تفتقد شركات التضامن لشروط الصحة.

فشركة التضامن : هي عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان على الاتجار معا بعنوان مخصوص ويلتزم جميع أعضائها بديون الشركة على جميع أموالهم بالتضامن من غير قيد وَحَدْ.

وتشترط على أعضائها :

1- أن يلتزم جميع أعضائها بديون الشركة على جميع أموالهم بالتضامن من غير قيد وَحَدْ . مسؤوليتهم في ذلك غير محدودة فكل شريك مطالب بأداء جميع ديون الشركة ليس من أموال الشركة فقط بل من أمواله الخاصة أيضا.

2- أعضاء الشركة متضامنون في تعهداتهم قِبَلَ الغير في تنفيذ جميع تعهدات الشركة .

3- ولا يمكن أن يتنازل أي شريك عن حقوقه في الشركة لغيره إلا بإذن باقي الشركاء .

4- تنحل الشركة بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه .

5- لا تسمح هذه الشركة باتساع المشروع ويتم تكوينها من أعضاء قلائل يثق كل منهم بالآخر ويعرفه معرفة جيدة .

6- أهم اعتبار في هذه الشركة هو لشخصية الشريك، ليس من حيث كونه بدنا فقط بل من حيث مركزه وتأثيره في المجتمع.

 

وجميع هذه الشروط تخالف شروط الشركة في الإسلام، بل إنها تناقضها تماما مما يجعلها شركة فاسدة شرعاً لا يجوز الاشتراك بها .

 

أما الشركة المساهمة :

 

فهي نوع من أنواع التصرف بإرادة منفردة (أي عقد التزام من طرف واحد) ، فقد عرفها الرأسماليون بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال, لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة .

 

وهي على هذا الأساس باطلة شرعاً ؛ لأن الشركة في الإسلام عقد بين طرفين يقوم على الإيجاب من طرف والقبول من الطرف الاخر، وليست التزاماً بإرادة منفردة من طرف واحد ، والإيجاب والقبول من طرفي العقد هو شرط انعقاد في الشركة الإسلامية لا تنعقد الشركة بدونه فشركة المساهمة إذ تكتفي بالتزام الشريك بتقديم مال للشركة ليصبح شريكا دون حاجة لموافقة باقي الشركاء، يجعلها شركة باطلة لم تنعقد ابتداء. وهذا كاف لنقض هذه الشركة وبيان عدم شرعيتها وحرمة إقامتها أو المساهمة بها.

 

هذا إضافة إلى أن العقد لم يكن على القيام بعمل وانما التزم فيها شخص بتقديم مال فهي تخلو من بدن يباشر التصرفات بوصفه الشخصي في الشركة لأنها شركة أموال فقط لا بدن فيها كما تشترط الشركة في الإسلام فهي شركة بين أموال فقط كما أسلفنا ، والشركاء في هذه الشركة يتصرفون فيها رغم أنهم مشاركون بأموالهم دون أبدانهم وهذا أيضا مخالف لشروط الشركة الإسلامية إذ شريك المال لا حق له بالتصرف في الشركة , وإن مخالفة هذه الشركة لشروط الشركات في الإسلام لا تقف عند هذا الحد لكن ثبوت مناقضتها للشرع إذا جاء من الأساس الذي قامت عليه فلا حاجة لذكر باقي شروطها فكلها إما مخالفة للشرع صراحة أو لأنها مبنية على أساس باطل .

 

وإنه ومهما كان الترويج لهذه الشركات واسعاً وإغراءات أرباحها كبيرة ووجودها منتشر في بلادنا ، إلا أن هذا لا يعفي المسلمين من مسؤولية التأنِّي في قبول هذه الشركات ولا التعامل معها فهي طريقة لتنمية الأموال نعم لكنها طريقة مخالفة للشرع وأرباحها وإن كانت مضمونة إلا أنها حرام . فما بال المسلمين يتعامَون عن هذه الحقائق وينغمسون في التعامل بهذه العقود الباطلة دون تحفظ ، أَهُوَ الطمع بالدنيا وزينتها أم الجهل بأحكام الشرع الحنيف ؟! أم الاستهانة بحرمات الله ؟! إنه والله ليحز في النفس أن نرى هذه المؤسسات الرأسمالية تسيطر على الأسواق التجارية والمالية في بلاد المسلمين على شكل شركات استثمارية وبنوك وجمعيات تعاونية فكل هذه المؤسسات هي شركات مساهمة لم تنعقد شركة أصلا ومع ذلك يتعامل بها المسلمون بسذاجة وجهل بحكمها ، وإنه والله لا عذر لجاهل في معرفة أحكام الشرع ؛ لأن الأصل في أعمال المسلم : التقيد بحكم الشرع ، وهذا يتطلب تعلم أحكام الأعمال قبل القيام بها، هكذا كلفنا الخالق المدبر وبين لنا الرسول الكريم وعلمنا الصحابة الأجلاء ، فهلا سرنا على دربهم , واهتدينا بهديهم ؟

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

28 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/11/13م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

باب علامة المنافق

 

 

نحييكم جميعا أيها في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب علامة المنافق " حدثنا سليمانُ أبو الربيعِ قال حدثنا إسماعيلُ بنُ جعفرٍ قال حدثنا نافعُ بنُ مالكِ بنِ أبي عامرٍ أبو سُهَيْلٍ، عن أبيه عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ".

 

 

قوله : ( آية المنافق ثلاث ) الآية : العلامة ، وإفراد الآية إما على إرادة الجنس ، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث ، والأول أليق بصنيع المؤلف.

 

قوله : ( إذا وعد ) قال صاحب المحكم : يقال وعدته خيرا ، ووعدته شرا . فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير : وعدته ، وفي الشر : أوعدته . وحكى ابنُ الأعرابي في نوادره : أوعدتُهُ خيراً بالهمزة . فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير ، وأما الشر فيستحب إخلافه . وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة.

 

وأما الكذب في الحديث فقد قال الكرماني : إن حذف المفعول من " حدث " يدل على العموم ، أي : إذا حدث في كل شيء كذب فيه، أي : إذا وُجِدَ ماهِيَّةَ التحديث كَذَبَ . وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها ، فإن من كان كذلك كان فاسدَ الاعتقاد غالبا . وهذه الأجوبة كلها مبنيةٌ على أن اللام في المنافق للجنس.

إن النفاق صفة قبيحة تظهر على الإنسان عندما يُظهر خلاف ما يُبطن، فتظهر علامات على هذا الإنسان تدلل على هذا النفاق، وهذه العلامات هي الكذب، والخيانة وإخلاف الوعد. وقد ظهرت هذه العلامات أشد ما ظهرت في حكام المسلمين هذه الأيام، حيث اجتمعت فيهم جميعا منذ فجر وجودهم حكاما على المسلمين. فقد كذبوا على هذه الأمة وخانوها وغدروا بها حتى أصبح أمرهم مكشوفا لا يخفى على أحد. فلم يعد غريبا أن نراها وهي تبحُ حناجرهم في ميادين التحرير هاتفة: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

أيها المسلمون :

 

لم يعد غريبا أن نرى الأمة وهي تسقط هؤلاء الطواغيت المنافقين، ولكن الغريب العجيب أن يحلَّ مكان هؤلاء الحكام منافقون جدد، لم يستوعبوا ما حدث، ولم يقرؤوا الدرس قراءة صحيحة، فما أن وطأت أقدامهم سدة الحكم، حتى شرعوا مع كيان يهود في بناء العلاقات ، شرعوا بالكذب على الأمة من جديد، وبقتل المسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب، وباستحلال الربا القطعي في القرآن، وكأنهم سُكَّرت أبصارهم فهم لا يبصرون، ولأصوات الأمة لا يسمعون. فهل يظنون أنهم عن أيادي الأمة بعيدون؟ ألا تبا لهم ولما يخططون.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.

 

 

29 من ذي الحجة 1433

الموافق 2012/11/14م

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الإيمان

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان ", حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه ".

 

 

 

قوله : ( والذي نفسي بيده ) فيه جواز الحلف على الأمر المهم توكيدا وإن لم يكن هناك مستحلِف.

 

قوله : ( لا يؤمن ) أي : إيمانا كاملا.

 

قوله : ( من والده وولده ) قدم الوالد للأكثرية لأن كل أحد له والد من غير عكس ، وفي رواية النسائي في حديث أنس تقديم الولد على الوالد ، وذلك لمزيد الشفقة . ولم تختلف الروايات في ذلك في حديث أبي هريرة هذا، وهو من أفراد البخاري عن مسلم.

 

إن رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- لقي ما لقي من المحن والمشقة والعناء والتعب من أجل أن يصلنا الدين، وقد كان والحمد لله، كان بعد أن أُوذي وضُرب وشُتم وسُب وتبرأ منه أقرب الناس إليه، ورَمَوْهُ بالجنون والكذب والسحر، وأنه قاتل الناس ليحمي الدين من أجل أن يصل إلينا، فقاتلوه وأخرجوه من أهله وماله ودياره، وحشدوا له الجيوش. أبعد هذا لا نحبك يا حبيبنا يا رسول الله؟ أبعد هذا لا تكون محبتنا لك أكبر من أبنائنا؟ لا والله، فما حياتنا لولاك؟ وما وجودنا من غير سنتك؟ ولكن ماذا نقول وقد عبث العابثون في هذه السنة وفي هذه المحبة؟، فغدا الناس لا يكترثون بسيرته عليه الصلاة والسلام، فعاش المسلمون قرونا بعيدين عنها، حتى قيد الله لهذه الأمة من يأخذ بيدها نحو هذه المحبة، ويبصرها بالسنة الغائبة، فبدأت تتحرك على أساسها، وهذه من مظاهر المحبة لحبيبنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فالله سبحانه يقول: " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ".

 

نسأل الله أن تزداد هذه المحبة لرسولنا الكريم رسول الخير للبشرية جمعاء، فهي من علامات الإيمان، اللهم آمين آمين.

 

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

01 من محرم 1434

الموافق 2012/11/15م

 

Link to comment
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة.

 

حدثنا عبدُ السلام بنُ مُطَهِّرٍ قال حدثنا عمرُ بنُ عليٍّ عن معنِ بنِ محمدٍ الغَفَارِيِّ عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ الْمِقْبَرِيِّ، عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدينَ يُسْرٌ ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ من الدُلْجَةِ ".

 

 

قوله : ( باب الدين يسر ) ، أي : دين الإسلام ذو يسر ، أو سمى الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على مَن قَبْلَهُم . ومن أوضح الأمثلة له أن توبة بعضٍ منهم كانت بقتل أنفسهم ، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم.

 

قوله : ( أحب الدين ) أي : خصال الدين ; لأن خصال الدين كلها محبوبة ، لكن ما كان منها سمحا - أي : سهلا - فهو أحب إلى الله.

 

قوله : ( ولن يُشَادَّ الدينَ إلا غلبه ) هكذا في روايتنا بإضمار الفاعل ، وثبت في رواية ابن السَّكَنِ وفي بعض الروايات عن الأَصِيْلِيِّ بلفظ " ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه "، والْمُشَادَّةُ بالتشديد المغالبة ، يقال شادَّه يُشَادُّهُ مُشَادَّةً إذا قَاوَاهُ ، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفقَ إلا عَجِزَ وانقطعَ فَيُغْلَب.

 

قوله : ( فسددوا ) أي : الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط ، قال أهل اللغة : السداد التوسط في العمل.

 

قوله : ( وقاربوا ) أي : إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه.

قوله : ( وأبشروا ) أي : بالثواب على العمل الدائم وإن قل ، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صَنيعِهِ لا يستلزم نقص أجره ، وأَبْهَمَ الْمُبَشَّرَ به تعظيما له وتفخيما.

 

قوله : ( واستعينوا بالغدوة ) أي : استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة . والغدوة بالفتح سير أول النهار، والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام سير آخر الليل ، وقيل سير الليل كله.

 

يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن هذا الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، وهذا يعني أن الذي يريد أن يأخذ الدين بعقله ويتشدد بتطبيقه على نفسه، فقد يعجز ولا يصل إلى ما يريد، فلو قال أنا سأقوم الليل كله بشكل دائم، وسأصوم دون انقطاع، فإنه سيعجز وينتهي حيث بدأ. وأيضا لو ألزم نفسه أن يختم القرآن كل يوم أو كل يومين، فقد يعجز، كذلك لو حرّم على نفسه الشهوات المباحة يكون قد شدد على نفسه، وهذا من المُشادة التي في الحديث. وهنا يغلبه الدين وقد ينقلب على نفسه ويعود إلى الوراء، كما ورد في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - " اكْلَفُوْا من العمل ما تُطيقون فإن الْمُنْبَتَّ لا أرضاً قَطَعَ، ولا ظَهْراً أبقى " أي الذي يسافر على البعير مسافة طويلة، ثم يواصل السير خمسة أيام أو أكثر، لا أراحَ بعيرَه ولا أراحَ نفسَه، فإنه قد ينقطع به بعيره وسط الطريق ويؤدي إلى موته.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

02 من محرم 1434

الموافق 2012/11/16م

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
 Share


×
×
  • Create New...