اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مع الحديث الشريف / سلسلة من المكتب الإعلامي لحزب التحرير


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

باب خيار الائمة وشرارهم

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي" بتصرف" في " بَاب خِيَارِ الْأَئِمَّةِ وَشِرَارِهِمْ ", حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ".

 

 

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ مَعْنَى يُصَلُّونَ : أَيْ يَدْعون.

يكاد المرء يذهل مما يسمع ويرى ما يجري في بلاد المسلمين شرقا وغربا، حكام رضعوا العمالة والخيانة، ووقفوا في وجه الأمة، فقتلوا أبناءها وأذلوا شيوخها واغتصبوا نساءها واستحلوا حرماتها، وقطعوا أوصالها، وسلبوا أموالها، وقائمة الخزي طويلة، لا تكاد تتوقف، فهي تسير عندهم مع الحياة. ولكن السؤال إلى متى؟ إلى متى سيستمر هذا الخزي وهذا الإذلال للأمة؟ وكيف سيقرأ أبناؤنا هذا التاريخ بعد عشرين عاما أو يزيد؟ لذلك استحقوا اللعنة التي في الحديث بامتياز، فاللهم عليك ببشار وزمرته وشبّيحته ونبيحته، وجميع حكام المسلمين الخونة الساقطين، وأرح الأمةَ من شرورهم، فهم أبالسة هذا الزمان، اللهم إنا نشهدك أننا نبغضهم ونعمل على كنسهم من بلادنا بعد قتلهم وسحقهم، اللهم أدخلنا قصورهم وامنحنا أكتافهم، واجعلنا ممن ينتصر لهؤلاء المستضعفين من أبناء الأمة، الذين انفرد بهم حكامهم، طيلة هذه العقود، لنسطر بقتلهم بداية عهد جديد، بحروف العزة والرفعة، عهد الخلافة على منهاج النبوة، بشرى رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ووعد ربنا في كتابه العزيز، فلا تغرنكم الدنيا أيها المسلمون، فتقعدوا عن العمل مع العاملين، وتتركوا هذا الخير العميم.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

03 من محرم 1434

الموافق 2012/11/17م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

تأجير الأرض للزراعة

 

 

المزارعة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

روى أبو داوود في سننه قال : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ : كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا , وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا وَأَنْفَعُ قَالَ : قُلْنَا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ أرض فَلْيَزْرَعْهَا أو فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى.

 

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :

 

( كُنَّا نُخَابِر ) : أَيْ نُزَارِع أو نَقُول بِجَوَازِ الْمُزَارَعَة وَنَعْتَقِد صِحَّتهَا . قَالَهُ الْقَارِيّ

( فَذَكَرَ ) : أَيْ رَافِع ( أَتَاهُ ) : أَيْ رَافِعًا ( فَقَالَ ): أَيْ بَعْض عُمُومَته

( وَطَوَاعِيَة اللَّه ): أَيْ طَاعَته وَهُوَ مُبْتَدَأ وَخَبَره أَنْفَع . ( وَأَنْفَع ): كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ

( وَمَا ذَاكَ ) : أَيْ الْأَمْر الَّذِي كَانَ لَكُمْ نَافِعًا

( فَلْيَزْرَعْهَا ) : مِنْ زَرَعَ يَزْرَع بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ لِيَزْرَعهَا بِنَفْسِهِ

( أو لِيُزْرِعهَا ) : مِنْ بَاب الْإِفْعَال أَيْ لِيُعْطِهَا لِغَيْرِهِ يَزْرَعهَا بِغَيْرِ أُجْرَة

( وَلَا يُكَارِيهَا ): وَفِي بَعْض النُّسَخ " وَلَا يُكَارِهَا " بِالنَّهْيِ

 

يستفاد من هذا الحديث أنه لا يجوز لمالك الأرض أن يؤجر أرضه للزراعة مطلقاً . فلا يجوز أن يؤجرها مقابل نقود ولا يجوز أن يؤجرها مقابل جزء من إنتاجها لأنه كله إجارة , وإجارة الأرض للزراعة غير جائزة كما يدل حديثنا وكما دلت أحاديث أخرى كثيرة على النهي عن إجارة الأرض منها ما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه ".

 

 

وما جاء في صحيح مسلم : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ ".

 

وجاءفي سنن النسائي : " نهى رسول الله عن صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض . قلنا : يا رسول الله إذن نُكْرِيْها بشيء من الحب, قال: لا, قال: وكنا نُكْرِيْها بالتبن, فقال: لا, وكنا نُكْرِيْها بما على الربيع الساقي, قال: لا, ازرعها أو امنحها أخاك ".

 

فهذه الأحاديث كلها صريحة في النهي عن إجارة الأرض للزراعة وشاملة لكل حالات إجارة الأرض للزراعة ...وهي وإن كانت تدل على مجرد طلب الترك إلا أن هناك قرينة تدل على الطلب الجازم, أي التحريم ......وهذه القرينة هي إصراره صلى الله عليه وسلم على النهي فقد قالو له : نكريها بشيء من الحب فقال: لا , ثم قالوا نكريها بالتبن, فقال لا, ثم قالوا كنا نكريها على الربيع فقال: لا, ثم أكد على موقفه بقوله: "ازرعها أو امنحها أخاك " , فهذه المحاورة توضح إصراره صلى الله عليه وسلم على منع تأجير الأرض للزراعة مما يفهم منه التحريم.

 

وقد يقال إنه صلى الله عليه وسلم قد أجر أرض خيبر فلِمَ هذا التناقض (الظاهري) بين قوله وعمله؟ ولنوضح أنه ليس هناك تناقض بين قوله وعمله عليه الصلاة والسلام, علينا أن نعلم أمرين اثنين :

 

الأول : طبيعة أرض خيبر : فخيبر لم تكن أرضها ملساء أي تزرع موسمياً بل كانت شجرية أي مزروعة بالشجر بدليل ما روى ابنُ اسحق في السيرة عن عبد الله بن أبي بكر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى أهل خيبر عبدَ الله بنَ رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود فيخرص عليهم .......ثم أصيب عبد الله بن رواحة بمؤتة يرحمه الله فكان جبار بن صخر ابن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة ".

 

والخارص هو الذي يقدر الثمر وهو على أصوله قبل أن يُقطَفَ فهذا صريح بأن أرض خيبر شجر وليست ملساء.

ثانياً : أن المزارعة ( أي تأجير الأرض للزراعة ) غير المساقاة والتي هي تأجير الأرض الشجرية لسقيها والعناية بها مقابل أجر.

 

والمساقاة مباحة وهي ما ينطبق على معامله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر.

 

أما المزارعة فهي ما نهى عنه الرسول الكريم في الحديث.

 

ومما نريد التأكيد عليه هو أن تحريم إجارة الأرض منصب على تأجيرها للزراعة, أما تأجيرها لغير الزراعة فهو مباح ....فلصاحب الأرض أن يؤجرها مخزناً للبضاعة .... أو مَراحاً للإبل .... أو ملعباً ..... أو لأي منفعة أخرى عدا الزراعة وليس عليه أو على المستأجر من بأس .

 

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

04 من محرم 1434

الموافق 2012/11/18م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الحِمى

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

لا حمى إلا لله ورسوله.

 

روى البخاري في صحيحه قال :

 

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ".

 

 

 

قال ابن شهاب : " وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشَّرَفَ والرَّبذَة ".

 

( أُفضِل قول ابن شهاب على قول يحيى لأن يحيى يذكر أن عمر حمى السَّرَف ، ويُخشى أن يُظن أنها خطأ فقد ورد عندنا في كتاب الأموال " وحمى عمر كذلك الشَّرَفَ والرَّبذة " وهو لفظ البخاري حسب ما ورد في فتح الباري, وكما ورد في نيل الأوطار أيضا وأضاف " وأما سَرِفْ (بكسر الراء) فهو موضع قرب مكة، ولا يدخله الألف واللام ". وقيل إن سَرِفْ هي مما حماه عثمان بن عفان ).

 

وَقَالَ (اي يحيى ) : بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ.

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر :

 

قَوْله : (لَا حِمَى).

 

أَصْل الْحِمَى عِنْد الْعَرَب أَنَّ الرَّئِيس مِنْهُمْ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخْصِبًا اِسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان عَالٍ فَإِلَى حَيْثُ اِنْتَهَى صَوْته حَمَاهُ مِنْ كُلّ جَانِب فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْره وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْره فِيمَا سِوَاهُ ، وَالْحِمَى هُوَ الْمَكَان الْمَحْمِيّ وَهُوَ خِلَاف الْمُبَاح ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْنَع مِنْ الْإِحْيَاء مِنْ ذَلِكَ الْمَوَات لِيَتَوَفَّر فِيهِ الْكَلَأ فَتَرْعَاهُ مَوَاشٍ مَخْصُوصَة وَيَمْنَع غَيْرهَا ، وَالْأَرْجَح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْحِمَى يَخْتَصّ بِالْخَلِيفَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَق بِهِ وُلَاة الْأَقَالِيم ، وَمَحَلّ الْجَوَاز مُطْلَقًا أَنْ لَا يَضُرّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

 

وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِهِ فِي اِشْتِرَاط إِذْن الْإِمَام فِي إِحْيَاء الْمَوَات ، وَتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ بَيْنهمَا فَإِنَّ الْحِمَى أَخَصّ مِنْ الْإِحْيَاء وَاللَّه أَعْلَم . قَالَ الْجُورِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة : لَيْسَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَة ، فَالْحِمَى الْمَنْهِيّ مَا يُحْمَى مِنْ الْمَوَات الْكَثِير الْعُشْب لِنَفْسِهِ خَاصَّة كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّة ، وَالْإِحْيَاء الْمُبَاح مَا لَا مَنْفَعَة لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ شَامِلَة فَافْتَرَقَا ، وَإِنَّمَا تُعَدّ أَرْض الْحِمَى مَوَاتًا لِكَوْنِهَا لَمْ يَتَقَدَّم فِيهَا مِلْك لِأَحَدٍ ، لَكِنَّهَا تُشْبِه الْعَامِر لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَة الْعَامَّة .

 

لقد حفظ الإسلام لكل فرد من أفراد الرعية حق الانتفاع بالمنافع العامة على الوجه الذي وجدت من أجله , فله السير في الطرقات , والرعي في المراعي العامة , والسقي من الينابيع الغزيرة والأنهار الكبيرة , والصيد في البحار والأنهار والمحيطات , والاستشفاء في المشافي ، والصلاة في المساجد وحضور دروس العلم فيها بل وإلقاء الدروس وهكذا .....

 

وحرّم الإسلام استعمال المنافع العامة بغير ما وجدت من أجله , من مثل الجلوس في الطرقات , أو الوقوف فيها لإجراء معاملات البيع والشراء, فالطرق وجدت للمرور وليس للجلوس الذي يسبب عرقلة مرور الناس والإضرار بهم .

 

والحديث يؤكد على حق الرعية بالانتفاع بالمنافع العامة إذ يمنع حماية هذه الأماكن وتخصيصها لأفراد معينين ومنع غيرهم من الانتفاع بها لأن الحماية تعني منع العامة من الاستفادة من الأرض المحمية.

ويكون الحمى عادة في الأرض الموات أو في الأرض التي هي من الملكية العامة , أما الأرض الموات , وهي الأرض التي لم يسبق أن امتلكها أحد أبداً : فالأصل فيها جواز إحيائها من قبل الأفراد وهي ملكية فردية مُسْتَحَقَّةٌ لمن يحييها , وإِن حمايتها من قبل أفراد لَتَحْرِمُ المسلمين من إمكانية إحيائها والاستفادة منها وهذا فيه إضرار بالمسلمين , لذا فقد حرم الشرع حمايتها من قبل الأفراد حرصاً على مصلحة الجماعة ومنعاً للإضرار بهم.

 

وأما الملكية العامة : فإن لكل مسلم حق الانتفاع بها , ولذلك فإنه لا يجوز حمايتها من قبل أفراد لأن ذلك يَحرم باقي الرعية من منفعتها وهذا فيه أيضاً إضرار بالجماعة.

 

والحديث اذ حرم حماية الأفراد للملكيات العامة وللأرض الموات فإنه استثنى من المنع رئيس الدولة (الخليفة) , فللخليفة أن يحمي من الأرض ما فيه مصلحة للمسلمين وفق رأيه واجتهاده.

 

روى أحمد في مسنده قال : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ لِلْخَيْلِ ، قَالَ حَمَّادٌ: فَقُلْتُ لَهُ: لِخَيْلِهِ ؟ قَالَ: لَا لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ ".

 

وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:" أتى أعرابي عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها؟ قال: فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه ، وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ ، فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر: المال مال الله والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر".

 

مما تقدم نرى أن الدولة كانت تحمي المراعي للخيول المعدة للجهاد , ومواشي الزكاة إلى أن يتم توزيعها على مستحقيها , فكان الحمى دائماً لمصلحة من مصالح المسلمين.

 

ولا يقتصر الحمى على ما تقدم من مصالح ، فللخليفة القادم قريباً بإذن الله أن يحمي من الملكيات العامة أو الموات ما يراه في مصلحة المسلمين حسب رأيه واجتهاده , فقد يحمي أحدَ آبار البترول , أو أحَد مناجم اليورانيوم , أو الحديد مثلا ويوقفه في سبيل الله , وقد يحمي بعض الأراضي الموات ويجعلها خالصة للجيش يبني فيها المعسكرات وقد وقد .....حسب رأيه واجتهادة في تعيين مصالح المسلمين ورعايتها , لكن يشترط أن لا تتسبب الحماية في الإضرار بأحد من الرعية , لما روى الحاكم في المستدرك : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضرر ولا ضرار، من ضارّ ضارّه الله ، ومن شاقّ شاقّ الله عليه ".

 

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

05 من محرم 1434

الموافق 2012/11/19م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

فيما سقت الأنهار والغيم العشور

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى مسلم في صحيحه قال : حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

فِيمَا سَقَتْ الْأنهار وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ.

 

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِيمَا سَقَتْ الْأنهار وَالْغَيْم الْعُشُور وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْف الْعُشْر ).

 

ضَبَطْنَاهُ ( الْعُشُور ) بِضَمِّ الْعَيْن جَمْع عُشْر ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : ضَبَطْنَاهُ عَنْ عَامَّة شُيُوخنَا بِفَتْحِ الْعَيْن جَمْع ، وَهُوَ اِسْم لِلْمُخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ صَاحِب مَطَالِع الْأَنْوَار : أَكْثَر الشُّيُوخ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ وَصَوَابه الْفَتْح ، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَاهُ مِنْ الصَّوَاب لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَقَدْ اِعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَر الرُّوَاة رَوَوْهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الصَّوَاب جَمْع عُشْر، وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى قَوْلهمْ : عُشُور أهل الذِّمَّة بِالضَّمِّ وَهُوَ الصَّوَاب جَمْع عُشْر ، وَلَا فَرْق بَيْن اللَّفْظَيْنِ.

 

وَأَمَّا الْغَيْم - هُنَا فَبِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة - وَهُوَ الْمَطَر ، وَجَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم ( الْغَيْل ) بِاللَّامِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ مَا جَرَى مِنْ الْمِيَاه فِي الْأنهار ، وَهُوَ سَيْل دُون السَّيْل الْكَبِير . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : هُوَ الْمَاء الْجَارِي عَلَى الْأرض.

 

وَأَمَّا السَّانِيَة : فَهُوَ الْبَعِير الَّذِي يُسْقَى بِهِ الْمَاء مِنْ الْبِئْر ، وَيُقَال لَهُ : النَّاضِح ، يُقَال مِنْهُ : سَنَا يَسْنُو إِذَا أُسْقِيَ بِهِ.

 

وَفِي هَذَا الْحَدِيث وُجُوب الْعُشْر فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاء وَالْأنهار وَنَحْوهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَة كَثِيرَة ، وَنِصْف الْعُشْر فِيمَا سُقِيَ بِالنَّوَاضِحِ وَغَيْرهَا مِمَّا فِيهِ مُؤْنَة كَثِيرَة ، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ . وَلَكِنْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِب الزَّكَاة فِي كُلّ مَا أَخْرَجَتْ الْأرض مِنْ الثِّمَار وَالزُّرُوع وَالرَّيَاحِين وَغَيْرهَا إِلَّا الْحَشِيش وَالْحَطَب وَنَحْوهمَا ؟ أَمْ يَخْتَصّ ؟ فَعَمَّمَ أَبُو حَنِيفَة ، وَخَصَّصَ الْجُمْهُور عَلَى اِخْتِلَاف لَهُمْ فِيمَا يَخْتَصّ بِهِ ، وَهُوَ مَعْرُوف فِي كُتُب الْفِقْه.

 

 

لقد بين الحديث الشريف أحد الأحكام المتعلقة بالأرض .....وهو حكم دفع العشر أو نصف العشر على ناتج الأرض , فما هي الأرض التي يجب فيها دفع العشور.

 

لقد وضع الإسلام للأرض أحكاما تبين حقها وواجبها , كما بين ما لمالك الأرض من حقوق فيها وما عليه من واجبات.

 

وللأرض في الإسلام رقبة ومنفعة فالرقبة هي أصل الأرض والمنفعة هي استعمالها سواء في الزراعة أو في غيرها, وقد جعل الإسلام الأرض نوعين أرضاً عشرية وأرضاً خراجية.

 

فالعشرية هي التي أسلم أهلها عليها كاندونيسيا أو فتحت دون قتال كأرض بني النضير وكذلك فإن أرض جزيرة العرب عشرية رغم أنها فتحت عنوة.

 

والأرض العشرية رقبتها ومنفعتها ملك لمالكها.

 

والواجب في هذه الأرض هو العشر إن كانت تسقى بماء الأنهار أو المطر سقياً طبيعيا ويؤخذ من الناتج الفعلي للأرض.....أما إن كانت تسقى بالساقية سقياً اصطناعياً ففيها نصف العشر على الناتج الفعلي للأرض كما جاء في الحديث الشريف.

 

وهذا العشر هو زكاة ويوضع في بيت المال مع أموال الزكاة ولا يصرف إلا للأصناف الثمانية المذكورين في الآية الكريمة : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) ...التوبة.

 

أما إن انتقلت ملكية الأرض العشرية إلى غير مسلم فإنه لا يدفع العشر لأنه ليس من أهله لذا فإنه يدفع الخراج لأنه من أهله ولأن الأرض لا تخلو من وظيفة .....فإما العشر وإما الخراج.

 

أما الأرض الخراجية : فهي الأرض التي فتحت عنوة أو صلحاً, فإن فتحت بالحرب عنوة كانت رقبة الأرض ملكاً للدولة الإسلامية, وإن فتحت صلحاً وكان الصلح على أن الأرض لنا وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه فإن رقبتها للدولة ويبقى الخراج عليها أبدياً حتى لو انتقلت ملكيتها إلى مسلمين بالشراء أو بإسلام أهلها عليها.

 

أما إن كان الصلح على أن الأرض لهم وأن تبقى في أيديهم مقابل خراج معلوم يضرب عليهم فهذا الخراج يكون بمثابة الجزية ....ويسقط بإسلامهم أو ببيعهم الأرض إلى مسلم فتصبح الأرض عشرية ....أما إن بيعت لكافر فإن الخراج يبقى عليها ولا يسقط لأن الكافر من أهل الخراج والجزية.

 

وما يجب في الأرض الخراجية هو الخراج ويقدر من قبل الدولة على صاحب الأرض بحسب إنتاج الأرض التقديري عادة لا الإنتاج الفعلي, على أن يقدر على الأرض بقدر احتمالها فلا يظلم صاحب الأرض ولا بيت المال.

 

ومن الجدير ذكره أن الأرض الخراجية الأبدية إن ملكها المسلم وجب عليه فيها العشر إضافة إلى الخراج.

 

هذه أيها الأحبة الكرام بعض أحكام الأرض في الإسلام ....أسأل الله العلي القدير أن يعجل بدولة الخلافة الراشدة الثانية لتعيد وضع هذه الأحكام موضع التطبيق كما كانت في عهد الإسلام الزاهر ..........اللهم آمين

 

والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

06 من محرم 1434

الموافق 2012/11/20م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الشركة في الإسلام

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى البخاري في صحيحه قال : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

 

عندما فتح المسلمون خيبر لم يُجْلِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أهل خيبر عن أرضهم بل أقرهم عليها على أن يعملوا له فيها ولهم نصف الثمر.

 

وهذه المعاملة ليست إجارة، إذ الأجير يدفع له المؤجر مبلغاً محدداً من المال أجرة له, لكن إن كان العقد على أن يأخذ العامل نسبة معينة من الربح أو من الإنتاج فهو شريك وليس بأجير .....

 

والشركة هي عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان على القيام بعمل مالي بقصد الربح, وهي قائمة على الوكالة والأمانة.

 

والشراكة من العقود المباحة فقد جاء الإسلام والناس يتعاملون بها فأقرهم عليها فكان إقراره دليلاً على إباحتها

وهي خمسة أنواع :

 

1- شركة العنان :

 

هي شركة بين اثنين يتعاقدان على أن يشارك كل منهما بماله وجهده في عمل تجاري , فيكونان على نفس المستوى من المسؤولية والصلاحيات, فعن علي رضي الله عنه: "الوضيعة على المال" وما دام المال من كليهما فكلاهما سيصيبه ما يطرأ على المال من خسارة.

 

وبما أنهما مشاركان في بدنيهما فيكون لهما نفس الصلاحيات في التصرف في الشركة على مستوى عقد الصفقات وإنفاق الأموال وكل ما يتعلق بإدارة الشركة لذا سميت شركة العنان.

 

وهذا النوع من الشركة يجب أن يجعل رأس المال فيه نقوداً ....لأن النقود هي قيم الأموال وهي أثمان المبيعات ......فبها يعرف ويحدد رأس المال ومقدار الربح أوالخسارة فتحفظ الحقوق ويمنع الخلاف.

 

2- شركة الأبدان :

 

وهي أن يشترك اثنان أو أكثر بجهودهم فقط سواء الجسدية أو الفكرية دون أموالهم للقيام بعمل معين على أن يقسموا ما يحصلون عليه من ربح فيما بينهم حسب ما يتفقون عليه من نسب لحصص الأرباح.

 

ولا يشترط في الشركاء أن يكونوا أصحاب مهنة واحدة ولا أن يكونوا صناعاً, بل قد يكونون عمالا أو أطباء أو مهندسين أو سائقين أو من أي مهنة كانت.

 

ودليلها ما روى أبو داوود في سننه قال : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ.

 

3- شركة المضاربة :

 

وهي أن يشترك شخصان أحدهما بماله والآخر بجهده, على أن يعمل شريك الجهد (البدن) بمال شريكه في عمل تجاري, والربح بينهما حسب ما يتفقان عليه, أما الخسارة فعلى صاحب المال وحده, لقول علي رضي الله عنه: "الوضيعة على المال" . وتكون صلاحية إدارة العمل في هذه الشركة للمضارب, أي لمن يشارك ببدنه.

 

ودليلها : ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط : عن ابن عباس قال : كان العباس بن عبد المطلب " إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه: لا يسلك به بحرا، ولا ينزل به وادياً، ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجازه ".

 

4- شركة الوجوه :

 

وهي أن يشترك بدنان بمال غيرهما, أي أن يدفع أحدٌ مالَه إلى اثنين أو أكثر مضاربة, فدليلها هو دليل شركة المضاربة.

 

وسبب تسميتها بشركة الوجوه مع أنها شكل من أشكال شركة المضاربة أنها تراعي وجاهة الشركاء أو بعضهم فتراعى وجاهة الشريك أو الشركاء حين تحديد نسب الأرباح بينهم.

 

والوجاهة المقصودة هنا هي المهارة في العمل أو حسن الإدارة أو بثقة تجار السوق بسداد الشريك لديون الشركة, فيأخذ أحد الشركاء نسبة أعلى من الربح بناء على مهارته أو حسن إدارته أو ثقة التجار به.

 

إلَّا أن الوجاهة لا تؤثر في الصلاحيات الشرعية في التصرف في الشركة فلجميع الشركاء بالجهد صلاحية التصرف في الشركة على حد سواء.

 

ومن المهم ملاحظة أن إدخال شريك بناء على وجاهته أي مكانته في المجتمع ودون أن يشارك بماله أو جهده ثم إعطاءه نسبة من الربح بناء على هذه المكانة ليس من شركة الوجوه الشرعية في شيء, بل هي شركة مخالفة للشرع , وما يأخذه ذلك الوجيه من حصة من الأرباح هو مال حرام لا يحل له أخذه إلا إذا شارك فعلا بماله أو بجهده.

 

5- شركة المفاوضة :

 

وهي أن يشترك الشريكان فيجمعان في عقدهما بين المضاربة والعنان والأبدان والوجوه.

 

ومثالها : أن يشترك مهندسان بجهدهما ومالهما فيكونان شركة عنان ويشاركا شخصا آخر بماله فقط فتكون شركة مضاربة, وأن يقوما بشراء بضاعة من السوق نسيئةً فتكون شركة أبدان بناء على ثقة التجار بهما فتكون شركة وجوه.

 

ودليله هو دليل الأنواع السالفة.

 

هذه هي أنواع الشركات في الإسلام التي كان الناس يتعاملون بها قبل الإسلام فأقرهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وضبطها بأحكام الإسلام.

 

ونلاحظ أن جميع هذه الشركات كان البدن هو محل العقد فيها, فالبدن أو الفرد هو عنصر أساسي في الشركة في الإسلام, فهي قائمة على الوكالة والأمانة ....فشريك المال يأتمن شريكه المضارب على أمواله ويوكله للعمل بها نيابة.

إننا في هذا العصر البعيد عن الإسلام لفي أشد الحاجة لمعرفة أحكام الشركات في الإسلام وشروطها وضوابطها لأننا نرى أنواعاً وأشكالاً من الشركات تُعرض علينا ونُدعى لها, فكيف سنعرف من منها موافق لشرعنا ومن يخالفه؟ لا بد لنا من تعلم أحكام ديننا وخاصة الاقتصادية منها لما تعرضت له هذه الأحكام من تغييب وتكفير وتضليل, لأن النظام الرأسمالي الغربي يحكم السوق عندنا ويسيطر على معاملاتنا الاقتصادية فيلبس علينا أحكام ديننا ....

 

اللهم عجل بإقامة دولة الإسلام لتعود أحكام دينك للتطبيق من جديد , فتحيى بها الأمة الإسلامية من جديد وتغيض أحكام الكفر ومفاهيمه من حياتنا.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

07 من محرم 1434

الموافق 2012/11/21م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب النوم في المسجد

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جاء في حاشية السندي، في شرح سنن ابن ماجة "بتصرف"، في باب " باب النوم في المسجد ", حدثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ حدثنا الحسنُ بنُ موسى حدثنا شيبانُ بنُ عبدِ الرحمن، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ عن أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمن أن يعيشَ بنَ قيسِ بنِ طَخْفَةَ حدثه عن أبيه، وكان من أصحاب الصُّفَّةِ قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انطلقوا فانطلقنا إلى بيت عائشة وأكلنا وشربنا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم نمتم ها هنا، وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد، قال: فقلنا بل ننطلق إلى المسجد ".

 

 

قوله ( نمتم هاهنا ) من النوم بكسر النون انطلقتم إلى المسجد أي ونمتم فيه.

 

إن المسجد هو الجامعة الأولى التي تخرّج منها الصحابة الكرام، فهو شعاع النور والإيمان، ومن مناراته تخرج أعظم الكلمات " لا إله إلا الله محمد رسول الله"، كلمة التوحيد، وبداخله تذوب كل الفروقات بين الأفراد، وبداخله يرتقي المسلمون بالفقه والمعارف والعلوم، بهذا أصبح الحفاة العراة رعاة الشاة قادة وسادة للدول، فلم تكن رسالة المسجد مقصورة على الصلاة وحدها، بل كانت المساجد مفتوحة الأبواب لا يُرَدُّ عنها أحد، ففيها تعقد الدروس، وفيها تعقد الألوية للجهاد، وهي تتسع لأعمال الدعوة والخير، وكما جاء في الحديث أن من المسلمين كان يجد فيها مكانا للراحة والنوم، ما يدل على أنها مشرّعة الأبواب، لا تغلق في أمام المسلمين.

 

أيها المسلمون: إن الناظر لواقع المساجد اليوم في بلاد المسلمين، لا يرى ما نقول، بل يرى خلافه، فالمسجد اليوم لا يتسع لهذا الدور، فإذا كان المسجد زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يتسع حتى لمن أراد النوم أو الراحة، فإن المسجد اليوم لا يتسع حتى للصلاة فيه، فلا فقه إلا فقه السلطان، ولا علوم إلا علومه، ومتى انتهت الصلاة أُغلق المسجد وانتهى دوره، فلا علم ولا تعلم. لماذا كل هذا؟ لأن الحكام القابعين على رقاب المسلمين، أدركوا هذا الخطر للمسجد، فهو يخرّج شخصيات إسلامية، وهذا يشكل تهديدا لحكمهم العلماني الكافر، فأصبح المسجد مجرد بناء خاوٍ لا روح فيه. وحتى يعود للمسجد إشعاعه ونوره، وحتى يتسع للدور المنوط به، لابد من إزالة هؤلاء الحكام وكنسهم من بلاد المسلمين، فهم يحاربون الله ورسوله، ويتخذون المساجد ملكية خاصة لهم، فلو وقف مسلم بالقرب من الكعبة وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وقد لا يستطيع إنهاء كلمة الرحيم، لأصبح في عداد المفقودين أو المتهمين بالإرهاب، نتحدى أن يقوم شخص بذلك، أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر في بيت الله الحرام. إذن ألا يحتاج هذا البيت إلى تحرير كباقي بيوت الله حتى يتسع لأحكام الله؟ ألم يإن الوقت لذلك - أيها المسلمون - ؟ بلى والله قد آن. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن نكون ممن يعمل لتحرير هذه المساجد وعلى رأسها البيت الحرام والمسجد الأقصى من الاحتلال السعودي والصهيوني وسائر الاحتلالات. اللهم آمين.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

13 من محرم 1434

الموافق 2012/11/27م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

البر والصلة والآداب

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ.

 

 

قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ ، وَهِدَايَتُهُ ، وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ ، وَبُغْضُهُ إِرَادَةَ عِقَابِهِ أَوْ شَقَاوَتِهِ وَنَحْوِهِ ، وَحُبُّ جِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ ، وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ ، وَدُعَاؤُهُمْ . وَالثَّانِي أَنَّ مَحَبَّتَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ، وَهُوَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ وَاشْتِيَاقُهُ إِلَى لِقَائِهِ . وَسَبَبُ حُبِّهِمْ إِيَّاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى ، مَحْبُوبًا لَهُ .

 

وَمَعْنَى ( يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) أَيِ الْحُبُّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ، وَرِضَاهُمْ عَنْهُ ، فَتَمِيلُ إِلَيْهِ الْقُلُوبِ ، وَتَرْضَى عَنْهُ . وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ ( فَتُوضَعُ لَهُ الْمَحَبَّةُ )

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا " بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ ، إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ.

 

وقال ابن القيم رحمه الله : يكون حب الله للعبد بأمور :

 

أحدها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد منه.

الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث : دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب ، والعمل والحال . فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.

الرابع : إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى .

الخامس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة ، فإنها داعية إلى محبته .

السادس : وهو من أعجبها ، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى .

السابع: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب.

بأدب العبودية ثم ختم ذلك بالاستغفار.

الثامن: مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم.

 

أحبتي في الله :-

 

لقد ورد في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم العديد من الأسباب الموجبة لمحبة الله لعبده، منها: -

 

1.التقوى: قال تعالى: - { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } سورة آل عمران

 

2.التوكل على الله: قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران

 

3.الصبر بأنواعه الثلاثة :

 

الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على الحوادث المؤلمة. قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل عمران.

 

4.العدل :العدل مع كل الناس كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، مسلمهم وكافرهم. قال تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة.

 

5. التوبة : المداومة على التوبة والرجوع إلى الله:- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة.

 

6.الاتباع : اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه وسنته في كل شؤون الحياة.قال تعالى: (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران.

 

7.النوافل : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض. قال تعالى في الحديث القدسي- الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه-: ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا ، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ،... الحديث ) رواه البخاري.

 

أحبتي في الله :-

 

ان لمحبة الله لعبده آثار وثمار عظيمة منها :

 

1. التسديد : - تسديد الله للعبد في جوارحه فلا يفعل بها إلا ما يرضي الله، ولا يستعملها فيما يغضب الله.

 

2. استجابة الله لدعائه : -

 

قال تعالى في الحديث القدسي - الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه- : { ...، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ } رواه البخاري.

 

3. وضع القبول له في الأرض :

 

قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ } رواه مسلم>

 

يا خير أمة أخرجت للناس :-

 

ان محبة الله دعوى يدعيها كل واحد فما أسهل الدعوى! وما أعز المعنى! فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخداع النفس ، فالمحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح.

 

فالبحث ليس مقدار حبنا لله -تبارك وتعالى- بل مقدار حب الله لنا. كذلك فإن معنى أن يحبنا الله -عز وجل- أن يغفر لنا، فمن يحب يعفو ويغفر، وقد ورد ذلك في الكثير من الآيات والأحاديث، ومن أمثلة ذلك (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) سورة الأنعام.

 

وإذا أحب الله عبدا جعله شفيقا رحيما على جميع عباده رفيقا بهم شديدا على أعدائه كما قال الله (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح ، وقال عنهم ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) المائدة.

 

فالإنسان عباد الله لا يدري بما يختم له عند الموت فعليه أن يسأل الله دائما حسن الختام، إن الإنسان يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه .ولا يظلم ربك أحداً .

 

اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك ومن يقربنا إلى حبك ، اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، وأعزنا بالإسلام ، وبدولة الإسلام ،ونجنا من الظلمات إلى النور , وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتممها علينا .

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

19 من محرم 1434

الموافق 2012/12/03م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب فضل الجهاد والرباط

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ.

 

 

(الْمَعَاشُ ) :- هُوَ الْعَيْشُ ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، (مَتْنُهُ ):- ظَهْرِهِ، ( هَيْعَةً ):- الصَّوْتُ عِنْدَ حُضُورِ الْعَدُوِّ، (الْفَزْعَةُ ):- هي للنُّهُوض إِلَى الْعَدُوِّ، أما معنى (يَبْتَغِي الْقَتْلَ مَظَانَّهُ ):- أي يَطْلُبُهُ فِي مَوَاطِنِهِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِي الشَّهَادَةِ،، أما معنى (الْغُنَيْمَةُ ) :- أي: قِطْعَةٌ مِنْهَا، و(الشَّعَفَةُ ):- أَعْلَى الْجَبَل.

عرَّف العلماء الرباط بأنه :- الإقامة في الثغر لإعزاز الدين ودفع خطر الأعداء عن المسلمين ، والمراد بالثغر:- مكان ليس وراءه إسلام.

 

وقال ابن حجر في ( فتح الباري ) :- الرباط :- ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم فالمرابطون بمثابة الحراس لحدود البلاد الإسلامية من هجوم الأعداء، وكلما كان الثغر أشد خوفاً واحتمالا للخطر كانت المرابطة فيه أفضل وأعظم أجرا.

 

استعداد للنفور والجهاد كلما سمع هيعة ركب فرسه فطار به، أي مشى مشياً مسرعاً.

 

وكذلك من كان في مكان من الأودية والشعاب منعزلاً عن الناس، يعبد الله عزّ وجلّ، ليس من الناس إلا في خير، فهذا فيه خير.

 

أحبتي في الله :-

 

إنه رجل حي نذرنفسه لله تعالى قد هيأها للانطلاق في سبيله لا تحده الحدود، ولا تعوقه العوائق، (يطير على متنه) (طار عليه) دلالة على سرعة المبادرة وحيوية الحركة وهمته العالية.

 

وعزيمته صادقة يتطلع إلى أفق عال لا يرضى بالقليل من العمل، فارس طيار مستدعى دائما كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها طيرا، لإدراكه طبيعة المرحلة التى تمر بها الأمة وأهمية العمل، يغلب علي ظنه الموت والاستشهاد وهو في مهمته، أيطلبه الموت أم يطلب هو الموت، جندي فارس وطيار أمين، جندي عقيدة، جندي في ميدان العمل والجهاد الحق. هو طيار فى سبيل الله يعلم أن التكليف مغنم لا مغرم، لا ينتظر التكليف وإنما يطلبه ويتمناه لا يفر منه ولا يريد من يدفعه إلى العمل دفعاً، ولا يختفي ولا يتأخر، إنها ذروة سنام الجندية القائمة على السمع والطاعة المبصرة، يفهم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و (الله أكبر ولله الحمد). هى أقدار الله تعالى يسيرها كيف يشاء يمهد لدعوته ويغرس لها على يد من يشاء من عباده يستعملهم في طاعته، غرس يختارهم الله على عينه ليكونوا سبباً لإعلاء الحق والحقيقة، يقذف بهم ليجري بهم أقداره تعالى، منتظريين إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة، مستعد لكل أمرٍ طارئ في أي لحظة مدركا أن رباطه أن يعلم العدو بأنه مستعد دوما للقائه ليوقع الرهبة في قلب العدو في أي وقت، مدركا أن الرباط أن يعلم العدو أنه لم يغفل وأنه على الاستعداد التام ليس بالخيل فقط بل بالقوة المادية والفكرية.

 

مسلم عزيز، عزته بإسلامه، منتبه وحريص على الدفاع عن بلاد الإسلام والمسلمين لا يرضى الدنية ولا يقبل الذل، ينشر الأمن والأمان في ربوع العالم كله ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبذل روحه وماله ووقته لا يبالي الموت في سبيل الله مدركا أن الدنيا دنية وأن يوما في الرباط خير من الحياة كلها فالله الله في قتال الكفار وغيرهم وزرع الرهبة في قلوبهم والنكاية بهم وتبديد قوتهم وكسر شوكتهم، ومناصرة إخوانهم وصد عدوان الكافرين ودفع بغيهم وظلمهم.

 

عباد الله ، ياخير أمة أخرجت للناس :-

 

إن الأحداث في العالم الإسلامي تتلاحق، والمتغيرات السياسية تتابع، والصراع بين الإسلام والكفر ينتقل من طور إلى طور، ومن دائرة إلى أخرى، بحاجة لكل الطاقات والجهود يكمل بعضها بعضا، ولا يكفي أن يبقى الإنسان مشاهداً، متابعاً من بعد، لا يتجاوز دوره التشجيع والتعاطف، إن الأمة الإسلامية تملك طاقات هائلة -بحمد الله تعالى- لا بد أن تسخر التسخير الأمثل لخدمة الأمة، إن الثروة الحقيقية التي تملكها الأمة ليست في الأموال أو الأجهزة والمعدات ونحوها، وإنما هي في الإنسان المؤمن بربه والجاد الذي يشعر بالمسؤولية وعظم الأمانة، والثروة الحقيقية؛ في تلك النفوس الحية المتقدة النابضة بروح العطاء والبذل، مدركة أن إنتاج المرء يعتمد على مقدار طموحه وهمته، يجعل أمامه هدفا عاليا وأنه يحرص على الوصول إلى هدفه وغايته،

 

ومَنْ يتهيَّب صعودَ الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحُفَـر

 

ومما قاله الإمام ابن قيم الجوزية: من لاح له الأجر هانت عليه التكاليف، ومن لاح له كمال الآخرة هان عليه فراق الدنيا، إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسُوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله.

 

عباد الله :-

 

قد يفهم بعض الناس أن المسلمين يقاتلوا الأمم حبا لسفك الدماء أو زيادة ثروات البلاد وجباية الأموال؟

 

لو راجع المنصفون تاريخ المسلمين لوجدوا أمثلة رائعة، فأبو عبيدة قائدجيش المسلمين قبل معركة اليرموك أعاد لأهل حمص جزيتهم التي دفعوها لأنه لم يستطيع الدفاع عنهم أمام جيش الروم. وأن جيوش المسلمين قد خرجوا من سمرقند بعد فتحها لأنهم حاربوا القوم قبل أن يعرضوا عليهم الإسلام. إن الغاية من الجهاد أن تخرج الأمم والشعوب من الظلام الى النور.

 

يا جند محمد صلى الله عليه وسلم وأحبائه يا أنصار الدين - يا جيوش الأمة الأسلامية :-

 

إن أعداء المسلمين في كل وقت وحين يتربصون ينتظرون الفرصة المواتية للانقضاض على المسلمين.

 

إن الهجوم على الإسلام لم ينقطع منذ بعثته صلى الله عليه وآله وسلم و إلى اليوم، وقد كان في مقابل هذا الهجوم ملازمة المسلمين ورباطهم فالجيش المسلم القوي كان أبرز هذه الأمور.

 

إن العلاقة بين الرباط و الصبر علاقة لا يمكن أن تنفصل من ناحية أنها حبس للنفس في جهة الحق لنيل رضوان الله تعالى أنه صبر على الملازمة في سبيل الله في موطن معين و في حالة استعداد كامل.

 

إن أمر الجهاد لايتم إلا بالصبر و بمصابرة العدو، وهو مقاومته ومنازلته فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمرٍ آخر وهي المرابطة و هي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو، فالمرابطة هي لزوم هذه الثغور، فلا يخلى مكانها فيصادف العدو والثغر خالياً فيدخل منها.

 

ومما ورد في كتاب الموطأ .. فقد روى عن عبد الله بن عمر أنه قال فرض الله الجهاد لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين، وحقن دماء المسلمين أحبّ إليّ من سفك دماء المشركين.

 

ياجند الله ويا حراس العقيدة :-

 

من هو صاحب الحظ الذي يظفر أن يطير على متن فرسه مستعدا للنفور والجهاد كلما سمع هيعة وفزعة يبتغي القتل مظانه؟ من يعمل لأمر الله لنصرة دينه ببيعة خليفة ليضمن تحقيق طيرانه في سبيل الله؟

 

ومما قاله أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: (لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود).

 

وقال عبد الله بن المبارك للفضيل بن عياض - وكان مرابطا في طرسوس :

 

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

 

من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

 

أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

 

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب

 

فلما قرأها الفضيل ذرفت عيناه وقال: (صدق أبو عبد الرحمن ونصح ).

 

اللهم انصرنا ولا تنصر علينا وأعنا ولا تعن علينا اللهم أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى أصحابه الطيبين.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

20 من محرم 1434

الموافق 2012/12/04م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الإمارة

 

 

 

 

الجزء الأول

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله :

 

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يَقُولُ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ

 

 

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُصَيْبَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْت الْأَبْيَض بَيْت كِسْرَى ) ‏: ‏هَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ فَتَحُوهُ - بِحَمْدِ اللَّه - فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَالْعُصَيْبَة تَصْغِير عُصْبَة ، وَهِيَ الْجَمَاعَة ، وَكِسْرَى بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْحهَا . ‏

 

‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَعْطَى اللَّه أَحَدكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ ) ‏ : ‏هُوَ مِثْل حَدِيث : " اِبْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول " . ‏

 

‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا الْفَرَط عَلَى الْحَوْض ) ‏ : ‏( الْفَرَط ) بِفَتْحِ الرَّاء ، وَمَعْنَاهُ : السَّابِق إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِر لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ . وَالْفَرَط وَالْفَارِط ، هُوَ : الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء لِيُهَيِّئ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ . ‏

 

أما قوله :- الدين قائما ... أو يكون عليكم ، قال بعض اهل العلم :- قائما " يعني الدوام والاستمرار ، يقال أقام الشيء أي أدامه ، ومنه قوله تعالى " ويقيمون الصلاة " وقوله تعالى " الا ما دمت عليه قائما " ، فيكون التقدير : لا يزال الدين باقيا مستمرا على الدوام حتى قيام الساعة .

 

وقوله : أو يكون عليكم ، أو هنا للعطف وهي بمعنى الواو ، فيكون التقدير " ويكون عليكم اثنا عشر - خصهم بالذكر لتحقق العزة والظهور وعدم حصول الضرر في زمنهم ...

 

للعلماء في تفسير وتوجيه هذا الحديث مسالك عدة

 

قالوا : المراد العادلين من الخلفاء ، وقد مضى بعضهم في الأمة ، وسيكتمل عددهم إلى قيام الساعة .

 

يقول النووي رحمه الله ناقلا عن القاضي عياض : ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين ، وقد مضى منهم من عُلم ، ولا بد مِن تمام هذا العدد قبل قيام الساعة. و يقول النووي رحمه الله - ناقلا عن القاضي عياض - : ويحتمل أن المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ، ويجتمع المسلمون عليه ، كما جاء في سنن أبي داود : ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) .

 

ونقل السيوطي: أن المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا.

 

وفي فتح الباري: وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة

 

قال ابن كثير : -

 

ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد أربعة على نسق واحد وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ومنهم عمر بن عبد العزيز ، بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره .

 

 

يا أمة الخير - يا أبناء الخلافة :-

 

كم نلاحظ ان الحديث ورد بلفظ ( خليفة ) ويدل على من يتولى الحكم والولاية العامة كما وقد بين الحديث بان الدين قائما دلالة على التمكين والسيادة والنفوذ والغلبة على من ناوأه أو خالفه فلا يضره كيد الكائدين ولا طعن الطاعنين ..الإسلام دين ومنهج ومرجعية للدولة القائمة حكاما ومحكومين .

 

و الحديث لا يجعل لأولئك الخلفاء مزية أو فضلا لمجرد أن الإسلام كان عزيزا في زمنهم، إذ المقصود هو الفترة الزمنية بغض النظر عن شخوص الحكام وأعيانهم ، إنما هو نبوءة اخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الدين يبقى قائما في تلك الفترة الزمنية ظاهرا غالبا على من قاومه ، بهدف القضاء عليه كدين وحضارة ودولة، أو الحيلولة بين الناس والدخول فيه أو محاولة إخراجهم منه أو تشكيكهم في أحكامه وتعاليمه والطعن فيها.

 

 

 

 

ومن مظاهر تلك الغلبة وذلك الظهور وتلك العزة ، أن الضرر لا يلحق بالإسلام كدين مهما كثرت معاول الهدم فلا يستطيع المخالفون له وهم الأعداء من خارج أتباعه سواء كانوا مشركين من أهل الكتاب، أو حاقدين أو من قبل نظم الكفر مثل أمريكا الكافرة أو بريطانيا الحاقدة وأمثالهم، أن يضروه بأي شكل من الأشكال مصداقا لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال الآية36 (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ). كما لا يستطيع المفارقون له والمنحرفون عنه كليا أو جزئيا، ممن كانوا يدينون به حقيقة أو نفاقا، أن يلحقوا به ضررا...

 

فقد ظلت دولة الإسلام قوية في زمن المنصور بعد القضاء على أبي مسلم الخراساني، وكانت قوية في عهد الرشيد في حين عز بعض المناوئين وبدؤوا الانتقاض في البلاد المفتوحة ، وتغلغلوا في أجهزة الدولة الإسلامية حتى أوشكوا على السيطرة التامة ، كما فعل البرامكة أيام الرشيد قبل أن يتم القضاء على حركتهم على يد الرشيد نفسه ...

 

وبذلك نرى أن ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قد تحقق في فترة الاثنى عشر خليفة , فالإسلام حينها كان هو العزيز وكل ما عداه هو الذليل ان الدين سيظل قائما الى قيام الساعة وحالة العزة والظهور المطلق التي تصحب ذلك القيام محصورة في تلك الفترة الزمنية التي يتولى فيها اولئك الاثنى عشر خليفة

 

أحبتي في الله :-

 

لابد من ملاحظة أنه لا عبرة بالعدد ، وللتوضيح - الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عمار رضي الله عنه (فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) - والسؤال الذي يرد - هل المنافقون في هذه الأمة اثنا عشر فقط أم أنهم أكثر؟ - والجواب على ذلك - فيقال إن عدد المنافقين أكثر ويقال أيضا: الخلفاء أكثر من 12 ولكن لظهور العزة والرفعة في عهدهم خصهم بذكر عددهم، وإلا فبإمكاننا أن نسمي أكثر من 12 خليفة كان الإسلام عزيزا وظاهرا في عهدهم، وفي خلفاء بني عثمان الذين فتحوا أوروبا كفاية فضلا عمن سبقهم من خلفاء المسلمين، رحمهم الله تعالى.

 

 

يا أبناء الفاتحين :-

 

لقد كان المسلمون والحكام والعلماء جميعا في خندق واحد، يدافعون عن عقيدة الإسلام، أمراؤهم صالحون، يطبقون الإسلام، ويحملونه إلى العالم بالدعوة والجهاد. وعلماء المسلمين، وفقهاؤهم يعلمون الناس الإسلام، ويتحاورون فيما بينهم، وينصحون الحكام ويحاسبونهم، ولا يخشون في الله لومة لائم. والمسلمون ينعمون بحكم الإسلام وكانت أمة الإسلام أمة وسطاً، صاحبة الصدارة بين الأمم، وشاهدة على العالم، كما وصفها وجعلها الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } البقرة143

 

وان على أبناء المسلمين ومنهم علماؤهم، عليهم أن يدركوا أن دعوتهم الفردية لا تكفي، وأن عليهم أن يعملوا في جماعة، تقود العمل للتغيير الشامل من أجل إنهاض الأمة الإسلامية، بإعادة الاحتكام إلى دينها، في دولتها كما كانت في دولة الخلافة الجامعة، من أجل إعزاز الدين . حتى يأذن الله بنصره، ويعود المسلمون سيرتهم الأولى، خير أمة أخرجت للناس يعز الإسلام في زمنهم باذن الله . قال تعالى:{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يوسف108

 

 

أحبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

21 من محرم 1434

الموافق 2012/12/05م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الإمارة

 

ج2

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يَقُولُ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ.

 

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُصَيْبَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْت الْأَبْيَض بَيْت كِسْرَى ).

 

هَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ فَتَحُوهُ - بِحَمْدِ اللَّه - فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَالْعُصَيْبَة تَصْغِير عُصْبَة , وَهِيَ الْجَمَاعَة , وَكِسْرَى بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْحهَا.

 

عباد الله :

 

إنها البشرى بشرى النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته أن المستقبل للإسلام وأهله وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته بفتح الأنصار (بلاد الكفر) وبشرهم بكنوز كسرى وقيصر، هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد امتنَ الله تعالى على المؤمنين بنصرهم وتمكينهم في الأرض.

 

فالله عز وجل بشر عباده المؤمنين بأن المستقبل للأسلام وأهله وامتن عليهم بنصره لهم بل وأمر ربنا عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبشر أصحابه وأمته بالنصر والتمكين والغلبة وبان يبشرهم بان المستقبل للأسلام وأهله، ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون ولو كره المشركون.

 

فقال سبحانه :- ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) الصف ، وقال ( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون ) الصافات.

 

يا أبناء الفاتحين :-

 

ليعرف العالم مآثر سلفنا الصالح وكم تعبوا في إرساء دعائم هذا الدين؟

 

إليكم خبر من سبقكم من الفاتحين كما أخبر بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( عُصَيْبَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْت الْأَبْيَض بَيْت كِسْرَى ).

 

إنه سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فاتح المدائن و مطفئ نار المجوسية إلى الأبد ،أحد العشرة المبشرين بالجنة قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله ), هو أول من أراق دما في الإسلام بأبي وأمي كان له سلاحان رمحه ودعاؤه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم استجب له إذا دعاك ), و لما تجهز الفرس لقتال العرب قال عمر رضى الله عنه و الله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ، وأراد عمر أن يقود الجيش بنفسه و لكن أهل المشورة صرفوه, فقال عمر : فأشيروا على برجل .. ثم قال عمر : وجدته ! قالوا : من ؟ قال :" الأسد عاديا في براثنه سعد بن مالك "خال المصطفى".

 

الأسد في براثنه يفتح المدائن ، وفيها إيوان كسرى المشهور :-

 

والغنائم التي عاد بها المسلمون الى المدينة تجعل الإيوان يستحق شهرته، فقد كان بينها تاجه وسواران وبساط هائل مرصع باللؤلؤ والجواهر، وبنات كسرى الثلاث وعليهن من الحلل والجواهر ما يفوق الوصف.

 

إيوان كسرى الذي أصبح أثرا بعد عين هو الأثر الباقي من أحد قصور كسرى آنوشروان الذي تم بناءه في عهد كسرى الأول، المعروف بأنوشِروان و يعتبر من أعظم الأبنية من نوعه في ذلك العصر, يقع جنوب مدينة بغداد في منطقة المدائن ، وتعرف محليا ولدى العامة بـ ( سلمان باك ) على أسم الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه المدفون هناك.

 

لقد كان العراق من البلدان التي أحتلت من قبل الفرس في أيام الدولة الساسانية وقبل تحريره على يد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت المدائن من عواصم بلاد فارس وكانت مقر قصر كسرى أنوشيروان الذي يعرف ( بالقصر الأبيض ) لدى الفرس والذي كان يحتوي على نار الفرس العظيمة التي كانوا يعبدونها - والعياذ بالله - وكما نعلم انه عند ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كانت من معجزات ولادته انطفاء نار الفرس التي كانت موقدة في الإيوان وانشقاق حائط طاق كسرى على طول القصر ولا يزال الشق موجودا حتى يومنا هذا في الطاق الذي كانت بمثابة مهولة أذهله الفرس في ذلك الوقت دون ان يعرفوا سببها.

 

ومعركة المدائن وقـعت بـين المـســلمـين والفـرس سنـة 16هـ، وقد اجتمع مع سعد رضى الله عنه ثلاثون ألفا وودعه عمر رضى الله عنه و هو يوصيه بتقوى الله و الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

 

ورمت الفرس بكل قوة وقد كان القائد الأعلى للجيش الفارسي يقود الحرب بنفسه ومعه خيرة قواد الفرس وكان الجيش مقداره ( 120 ) ألفا و يتبعها مثلها.

 

ولم يلق المسلمون في جميع حروبهم مقاومة أعنف مما لقوا من الفرس في هذه المعركة فلقد صبروا صبرا عجيبا، وأظهروا قدرة قتالية فائقة.

 

فبعد أن حاصر المسلمون القصر، ذهب إليهم سلمان الفارسي رضي الله عنه، ويقول لهم: - اقبلوا واحدة من ثلاث: إما الإسلام وتكونون منا، لكم ما لنا، وعليكم ما علينا، وإما الجزية ونمنعكم، وإما المنابذة ،وفي اليوم الثالث يخرج هؤلاء الفرس، ويقبلون دفع الجزية للمسلمين.

 

و اسـتطـاع المسـلمون خـلالهـا السيطرة عـلى المـدائـن الشـرقـيــة التـي يوجد فيهـا إيوان كسرى؛ حيث عـبر سـعد نـهر دجــلة مـن أضـيق مكـان فيه بنصيحـة سـلمـان الفــارســي عــلى خيولهم، فـلمـا رأى الفرس ذلك هربوا ، ودخـل سعد بن أبـى وقـاص إيوان كـسرى وكـان قبـل أيـام قـليـلة يهدد المسـلمين ويتوعدهم من قصره الأبـيض، مـقر مــلك الأكــاسـرة، الذي كــان آيــة مـن آيــات الفخـامـة والبـهــاء ، وفــى ذلك القـصر صــلى سـعد ابـن أبـى وقـاص صـلاة الشــكر لله عـــلى هـذا الفـتح العـظيـم وتـــلا فـــي خـشوع قـول الله تـعــالى:- ( كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) .الدخـان ،،،

 

فلك الله أيها الأسد فى براثنه يدير أشرس المعارك ودمامله تتقيح و تنزف وهو يكبر ويصيح - الزموا مواقفكم لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر فإنى مكبر ثلاث تكبيرات فإذا كانت الرابعة فاحملوا وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وغنم المـســلمـون غـنــائـم كـثيـرة فــي فتح المدائن، منهـا: كنوز كسرى وتــاجـه وثـيــابه وأسـاوره ومن السبي بنات كسرى ، فقال عمر: كيف الطريق الى العمل معهن؟ قال علي: يُقوّمن (أي يقدر ثمنهن) ومهما بلغ الثمن يَقُوم به من يختارهن. وهن قُوِّمن وأخذهن علي ( بسعر حصته من البساط الذي غنمه والذي كان بخمسين ألف دينار )، ودفع واحدة الى عبدالله بن عمر، فجاءت منه بولده سالم، ودفع الثانية لمحمد بن أبي بكر، فجاءت منه بولده القاسم، ودفع الثالثة لولده الحسين، فجاءت منه بولده علي زين العابدين.

 

يا من بشركم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالنصر والتمكين :-

 

البشرى قائمة الى يوم الدين - فكما بشرنا بفتح البيت الابيض -إيوان كسرى-عقر دار الكفار -وتمت البشرى وأطفئت نار المجوس إلى الأبد وشرعت رايات العقاب على بنيانه - فهو كذلك بشرنا بفتح البيت الابيض ( في واشنطن ) - ثم عقر دار الكفار وباذن الله سوف تطفئ نار الرأسمالية إلى الأبد وتشرع رايات العقاب على بنيانه وسيتم الفتح الثاني بأذن الله لأن الذي بشر به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, - لقوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا ) رواه مسلم ، ولقوله ( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ) رواه أحمد, و هذا الفتح يحتاج من المسلمين إلى عودة إلى دينهم وإلى ربهم وعوده إلى منهاج النبوه إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بذلك .

 

يا خير أمة أخرجت للناس :-

 

من زعم أن النصر لا يتحقق إلا بالمعجزات فقد كذب فقد فتحت فارس والروم وزال ملك كسرى وقيصر ، وغزا المسلمون الهند ، وفتحوا القسطنطينية، فلا بد من العمل والبذل لهذا الدين - والنصر لمن يستحقه -- ، إن أمتنا قد تمرض ولكنها لا تموت ، تخبو شعلتها ولكنها لا تنطفىء ، ولتعلم نظم الكفر أنا أمة لا نعرف لليأس مكانا ولا نفقد فى الله الرجاء. وسيكون للمسلمين في مقبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام ويذل الشرك وتفتح روما والبيت الابيض الثاني باذن الله ، مصداقا لقوله الله سبحانة وتعالى في كتابه :- ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) غافر.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

22 من محرم 1434

الموافق 2012/12/06م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

باب من الدين الفرار من الفتن

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب من الدين الفرار من الفتن".

 

حدثنا عبدالله بن مسلمة عن مالك عن عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ".

 

قوله : ( يوشك ) بكسر الشين المعجمة أي : يقرب.

 

قوله : ( يتبع ) بتشديد التاء ويجوز إسكانها، " وشعف " بفتح المعجمة والعين المهملة جمع شعفة كأكم وأكمة وهي رءوس الجبال.

 

قوله : ( ومواقع القطر ) بالنصب عطفا على شعف، أي: بطون الأودية، وخصهما بالذكر لأنهما مظان المرعى.

 

قوله: ( يفر بدينه ) أي: بسبب دينه. و"من" ابتدائية ،قال الشيخ النووي: في الاستدلال بهذا الحديث للترجمة نظر؛ لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينا، وإنما هو صيانة للدين.

 

يحلو لبعض المسلمين تفسير بعض الأحاديث التي وردت في موضوع الفتن بحسب ما يمليه عليه هواه، وبالتالي يقع صريع الشيطان بقعوده عن العمل لإعادة القرآن كتاب الله مطبقا في واقع الحياة، فهذا الحديث مثلا يعني عند البعض القعود عن العمل بأحكام الدين واعتزال جماعة المسلمين، وهذا غير صحيح؛ بل كل ما في الحديث هو بيان خير مال المسلم في أيام الفتن، وخير ما يفعله للهروب من الفتن، وليس هو للحث على البعد عن المسلمين واعتزال الناس، وعليه فإنه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بما فرضه الله عليه لإقامة الدين، ألا وهو العمل لإقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخلافة، وحين لا يوجد فيها من يقيم حدود الله لحفظ حُرمات الله، ولا من يقيم أحكام الدين، ويجمع شمل المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا توجد في الإسلام أية رخصة في القعود عن القيام بهذا الفرض حتى يُقام به.

 

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

24 من محرم 1434

الموافق 2012/12/08م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الإمارة

ج3

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ورد عند مسلم في صحيحه رحمه الله حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يَقُولُ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا الْفَرَط عَلَى الْحَوْض ).

 

 

( الْفَرَط ) بِفَتْحِ الرَّاء , وَمَعْنَاهُ : السَّابِق إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِر لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ . وَالْفَرَط وَالْفَارِط , هُوَ : الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء لِيُهَيِّئ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

 

يا خير أمة اخرجت للناس :-

 

إنه الحبيب المصطفى خير خلق الله وهادي الثقلين، هز عــروش الظالمين وفسقهم وحطم الأصنام، حمل الأمانة من ربه ومضى وكان الإمام، علم البشرية التقوى والرحمة وجاهد لنشر الحق وقال هذا حلال وذاك حرام، وأمن كل خائف لماله وعرضه ودمه.

 

أيها الأحبة في الله : -

 

الحوض موعدا لكل متظلم، الحوض موعدا لكل من لا يؤدى إليه حقه، الحوض موعدا لمن عمل لإعزاز دين الله في الارض بالحكم بكتابه وسنة حبية، الحوض موعدا لمن حمل الاسلام إلى العالم كافة في ظل الخلافة، الحوض موعدا لمن حقت له الشهادة بأداء الأمانة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة في آخر حياته (( إني فرطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر الى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها )) صحيح البخاري.

 

إن الحوض، حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، الحوض مكرمة ومنة عظيمة على رسوله في الآخرة. هو الذي قال الله فيه: إنا أعطيناك الكوثر، والكوثر نهر في الجنة، يصب منه ميزابان يشخبان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الاهتداء والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنهم يذادون عنه ويطردون جزاء وفاقا ... إذا خرج الناس من قبورهم، مغبرة رؤوسهم، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم فيحشرون في الموقف، والشمس تكون قريبة من رؤوسهم، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، أحوج ما يكونون إلى شربة ماء يروون بها ظمأهم، فيكون هناك الحوض في أرض المحشر.

 

هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه، إذ يحصل على الناس من الهم والغم والكرب والعرق والحر، ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء، فيردون حوض النبي صلي الله عليه وسلم.

 

وهو حوض عظيم في موقف القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، وله أواني كيسان عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وقد دلت النصوص على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضا، وأن طوله مسافة شهر وعرضه مسافة شهر؛ مسافة يمشي الراكب في طوله لمدة شهر، وفي عرضه مدة شهر. الحوض دلت عليه أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن حوضي ما بين أيلة -في الشام- وعدن -في اليمن- ) وفي لفظ: ( إن لي حوضا كما بين أيلة وبصرى ).

 

يرد الناس عليه - المؤمنون :-

 

فيشربون، قال عليه الصلاة والسلام : « إني فرطكم على الحوض » يعني أسبقكم، الفرط: المتقدم الذي يتقدم الركب، ويهيأ لهم ما يحتاجون، قال: « إني فرطكم » يعني: أسبقكم إلى الحوض، وأنتظركم هناك، وأستعد للقائكم « إني فرطكم على الحوض ».

 

ويرد أناس عليه :-

 

فيطردون ويذادون كما تذاد الإبل العطاش؛ لأنهم غيروا وبدلوا،ما برحوا يرجعون على اعقابهم وأحدثوا أمورا في الإسلام ليست منه.

 

ويقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك. وقد قال صلوات ربي وسلامه عليه : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )).

 

وقال القرطبي رحمه الله: ( إن أشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيله، ... وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم ).

 

لقوله عليه الصلاة والسلام: " إنه ليؤتى برجال -إنه يرد علي أناس- في لفظ -أعرفهم ويعرفونني- فيذادون -يعني يطردون- كما تذاد الإبل العطاش " يصرفون، عطشى يردون على الحوض عطاشا عندهم شدة ظمأ فيطردون ويذادون، الملائكة تطردهم بالعصي " كما تذاد الإبل العطاش" فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يا ربّ أصحابي أصحابي " وفي لفظ : " أصيحابي أصيحابي" فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم :" بعدا بعدا -وفي رواية سحقا سحقا - لمن غيّر بعدي ". في الصحيحين.

 

يا خير أمة اخرجت للناس :-

 

إن الأمر جد ( إنه لقول فصل ،،،وما هو بالهزل ) رحماك ثم رحماك يارب, ماذا أعددتم للحوض؟ وماذا أعددتم للقيا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الحوض فلنخشى يا عبدالله أن نطرد عن الحوض يوم العطش الأكبر ؟ إن الحوض حرام الشرب منه لأهل الحدث والفجور؟ جددوا العهد مع الله ،أن الحوض لا يرده إلا المؤمنون الصادقون؟ قال العلماء: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه بما لا يرضاه الله ولم يأذن به، فهو من المطرودين عن الحوض، وأشدهم طرداً الظلمة المسرفون في الظلم والجور، وطمس الحق وإذلال أهله، الذين لايستحون من الناس، ولا يستحون من الله.

 

ويقول عليه الصلاة والسلام: (( إني لكم فَرَط على الحوض، فإيّاي، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقاً )) رواه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: (( إني فرطكم على الحوض، من مرّ بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام، أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني فيقال : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي )).

 

أحبتي في الله :-

 

الحوض موعدنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. الحوض مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة. الحوض يُروى عنده الظمأى. الحوض يأمن عنده الخائفون، ويسعد عنده المحزونون. الحوض يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، وبقية الصحابة الكرام. الحوض يقف عليه سادات الأمة وعلماؤها. الحوض يرتوي منه مصلحوا الأمة ودعاتها . الحوض بداية فرح المؤمن في الآخرة، لأنه لا يرده إلا وقد نجى من هول عظيم وكرب جسيم.

 

أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال: سألت رسول الله أن يشفع لي؟ فقال : (( أنا فاعل. فقلت : أين أطلبك؟ قال : اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قلت : فإن لم ألقك؟ قال : أنا عند الميزان. قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الحوض )).

 

يا خير المرسلين وامام المجاهدين ويا قبلة العاشقين يا خير البريه وعلم الهدى الى يوم الدين وسبيل السائلين كن شفيعنا اذا جـــاء اليوم فمن سواك بعد الله يشفع لنا ومن غيرك الامام ، اللهم لا تحرمنا شربة هنيئة من حوض نبيك ولا تحرمنا شفاعته واجعلنا ممن ينالون شرف مرافقته في جنات النعيم اللهم نسألك شربة هنيئة من حوض نبينا لا نظمأ بعدها أبدا، اللهم رحمة اهد بها قلوبنا ، اللهم صلى على سيدنا محمد فى الاولين والاخرين وفى الملاء الاعلى الى يوم الدين.

 

احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

25 من محرم 1434

الموافق 2012/12/09م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الصرف

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

روى البخاري في صحيحه قال : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنْ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فَجَاءَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَذَرُوهُ.

 

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر :

 

قَوْلُهُ : ( شَيْئًا يَدًا بِيَد وَنَسِيئَة ).

 

تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْبُيُوعِ بِلَفْظ " كُنْت أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ ".

 

قَوْلُهُ : ( مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَرَدُّوهُ ).

 

فِي رِوَايَة كَرِيمَة " فَذَرُوهُ " أَيْ اُتْرُكُوهُ ، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ " رُدُّوهُ " بِدُونِ الْفَاءِ ، وَحَذْفهَا فِي مِثْلِ هَذَا وَإِثْبَاتهَا جَائِز ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيق الصَّفْقَة فَيَصِحُّ الصَّحِيحُ مِنْهَا وَيَبْطُلُ مَا لَا يَصِحُّ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ : " بَاع شَرِيك لِي دَرَاهِم فِي السُّوقِ نَسِيئَة إلى الْمَوْسِمِ " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ هَذَا الْبَيْع فَقَالَ : مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَلَا يَصْلُحُ " فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ : " مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ " أَيْ مَا وَقَعَ لَكُمْ فِيهِ التَّقَابُض فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَأَمْضُوهُ ، وَمَا لَمْ يَقَعْ لَكُمْ فِيهِ التَّقَابُض فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَاتْرُكُوهُ.

 

يبين هذا الحديث الشريف حكم الصرف في الإسلام, والصرف هو استبدال عملة بعملة, سواء أكان استبدال عملة بعملة من جنسها: كاستبدال الذهب بالذهب, أو الفضة بالفضة, أو الدولار بالدولار, أو اليورو باليورو أو استبدال عملة بعملة من جنسين مختلفين: كاستبدال الذهب بالفضة, والفضة بالذهب أو الدولار باليورو, أو الدينار بالريال.

 

والصرف في الإسلام جائز لكن بشروط :

 

فإن كان الصرف بين عملة وعملة من جنسها فيشترط التماثل ولا يجوز التفاضل فيه مطلقاً. فلا يجوز أن يبادل دينارا ذهبيا بدينارين ذهبيين مثلا, بل يكون الصرف ديناراً بدينار, أو درهما بدرهم, أو دولار بدولار.

 

أما إن كان الصرف بين عملتين من جنسين مختلفين فإنه يجوز التفاضل بينها لكن يشترط التقابض في مجلس العقد فالحديث الشريف يبين أنه يجب أن يكون التقابض في الصرف بين عملتين مختلفتين: يدا بيد ولا يحل التاجيل.

 

ونسبة الاستبدال بين عملتين مختلفتين يسمى سعر الصرف.

 

والصرف ضروري في العمليات التجارية, الداخلية منها والخارجية أي في حال البيع والشراء في الأسواق المحلية أو في الاستيراد والتصدير من وإلى الدول الخارجية كما أنه يلزم في حال السفر إلى الخارج, ولذا من المهم أن يعرف المسلمون شروط صحة الصرف بين العملات لأنها من المعاملات التي لا يستغني عنها التجار خاصة والناس عامة .

 

كما يجوز أن تفتح المصارف للاتجار بالعملات وما يحصل عليه المصرفي (الصراف) من أرباح نتيجة مبادلته للعملات المختلفة هو مال حلال, ما دام يلتزم شروط الصرف الشرعية .......العملتان من جنس واحد: بلا تفاضل, والعملتان من جنسين مختلفين يجوز التفاضل لكن بشرط التقابض في مجلس العقد.

 

أما كيف يحصل الصراف على الأرباح فمن تغيرسعر صرف العملات, إذ لا يبقى سعر صرف العملات على حال, بل يتغير ارتفاعاً وهبوطاً تبعاً لسعر العملة في السوق إن كانت معدنية وتبعاً لظروف الدول الاقتصادية أو السياسية إن كانت العملة معدنية أو ورقية إلزامية ويكون التغير في سعر صرف العملة الورقية الإلزامية أكثر تذبذباً وتغيراً، لأن قيمته آتية من القانون وليست قيمة ذاتية , لذا فلا غرابة في أن تتعرض هذه العملات إلى الهزات والتغيرات المفاجئة والكارثية تبعا لظروف الدولة صاحبة العملة السياسية أو المالية . والنظام الورقي الإلزامي هو ما تسير عليه دول العالم اليوم.

 

لكن الدولة الإسلامية القادمة قريبا بإذن الله لن تتأثر كثيراً بتغير سعر صرف عملتها, لأنها ستتبع في نقدها نظامي الذهب والفضة, أما الذهب فهو معدن نفيس في ذاته ومهما طرأ على سعره في سوق الذهب من تغيير فلن يكون تغييراً كبيراً مؤثراً على اقتصاد الدولة وموقفها المالي, لأنه سيبقى معدنا نفيساً. وأما الفضة فهي لمبادلة السلع والخدمات رخيصة التكاليف وهي أيضاً معدن له قيمته الذاتية التي مهما تغير سعره في السوق فسيبقى محافظاً على قيمته الذاتية.

 

وهي (الدولة الإسلامية) ستتعامل مع دول العالم تجارياً فهي ستكون دولة صناعية بل رائدة الدول الصناعية بإذن الله كما أنها دولة منتجة للمواد الخام التي يحتاجها العالم ولا غناء له عنها من بترول وغاز وحديد وذهب .....في حين أنها لن تكون بحاجة إلى سلع العالم وخاماته لذا فهي حين تقوم بعمليات الصرف بين عملتها وعملة أي دولة أخرى ستحافظ على سعر صرف عملتها لأنها معدنية بل من معدن نفيس ذي قيمة عالية وثابتة نسبياً في السوق, وهي في ذات الوقت لن تخشى من تسرب عملتها إلى الخارج لأنها ستكون مستغنية بذاتها عن سلع الدول الخارجية ولن تضطر إلى دفع نقودها لشراء سلع من الخارج مما يحفظ لها احتياطيها النقدي ويبقيها دولة قوية اقتصادياً ومالياً.

 

كما أن كونها دولة حاملة مبدأ ....ستكون في حالة نشاط دائم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً مما يجعل لعملتها قوة وهيبة واحتراماً .....ولن تكون كأمريكا اليوم قوتها تكمن في استغلالها لدول العالم وسيطرتها على اقتصاداتها, وخداعها وتضليلها للعالم ...... لكن حقيقتها وحقيقة موقفها المالي والنقدي أنه نمر من ورق مظهره مخيف وجوهره فارغ ضعيف.

 

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

28 من محرم 1434

الموافق 2012/12/12م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

من احتكر فهو خاطئ

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

روى مسلم في صحيحه قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ مَعْمَرًا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ ".

 

جاء في شرح النووي على مسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اِحْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئ).

 

فِي رِوَايَة: (لَا يَحْتَكِر إِلَّا خَاطِئ) قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْخَاطِئ بِالْهَمْزِ هُوَ الْعَاصِي الْآثِم.

 

وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي تَحْرِيم الِاحْتِكَار، قَالَ أَصْحَابنَا: الِاحْتِكَار الْمُحَرَّم هُوَ الِاحْتِكَار فِي الْأَقْوَات خَاصَّة، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِي الطَّعَام فِي وَقْت الْغَلَاء لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يَبِيعهُ فِي الْحَال، بَلْ يَدَّخِرهُ لِيَغْلُوَ ثَمَنه، فَأَمَّا إِذَا جَاءَ مِنْ قَرْيَته، أَوْ اِشْتَرَاهُ فِي وَقْت الرُّخْص وَادَّخَرَهُ، أَوْ اِبْتَاعَهُ فِي وَقْت الْغَلَاء لِحَاجَتِهِ إِلَى أَكْله، أَوْ اِبْتَاعَهُ لِيَبِيعَهُ فِي وَقْته، فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ وَلَا تَحْرِيم فِيهِ، وَأَمَّا غَيْر الْأَقْوَات فَلَا يَحْرُم الِاحْتِكَار فِيهِ بِكُلِّ حَال، هَذَا تَفْصِيل مَذْهَبنَا، قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الِاحْتِكَار دَفْع الضَّرَر عَنْ عَامَّة النَّاس، كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد إِنْسَان طَعَام، وَاضْطُرَّ النَّاس إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْره، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعه دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاس.

إن الاحتكار محرم بنص الحديث, فهو قد وصف مقترفه بأنه خاطئ, أي آثم وعاص, ولا يكون الإنسان عاصياً أو آثماً إلا إذا ارتكب معصية أي عصى الله تعالى، فيكون الاحتكار معصيةً أي حراماً.

 

فما هو الاحتكار؟ ومن هو المحتكر؟

 

يقال في اللغة : حكر بمعنى استبدَّ, ومنه الاستبداد بحبس البضاعة كي تباع بالكثير واحتكر الشيء: جمعه واحتبسه انتظاراً لغلائه, فيبيعه بالكثير، ومن هنا فإن المحتكر هو من يجمع السلع انتظاراً لغلائها, حتى يبيعها بأسعار عالية بحيث يضيق على أهل البلد شراؤها، فكيف يكون ذلك؟

 

يقوم التاجر بشراء السلعة من السوق وحبسها عنده حتى يفتقدها الناس ويجهدون في طلبها ثم يطرحها في السوق بأسعار عالية فيضطر الناس لدفع تلك الأسعار لحاجتهم للسلعة وعدم توفرها إلا عنده.

 

يقوم المزارع بحبس إنتاجه من سلعة ما وعدم طرحه في السوق وهو يعلم أنه هو الوحيد الذي يورد هذه السلعة للسوق، مما يشق على الناس حصولهم عليها، وحينها يطرح إنتاجه بأسعار عالية فيضطر الناس لدفع تلك الأسعار مقابل تلك السلعة.

 

يقوم صاحب مصنع بحبس إنتاج مصنعه أو مصانعه من سلعة معينة يكون هو المصنِّع الوحيد لها، حتى يفتقدها الناس ويشق عليهم إيجادها ثم يطرحها بأسعار عالية.

 

ومن أشكال الاحتكار المعاصرة، ما يسمى بقوانين حماية الملكية الفكرية، وحماية العلامات التجارية، والصناعات ومنتجات المصانع والشركات المختلفة، فلا يسمح لغيرهم بإنتاج مثل هذه السلعة، وهذا من إفرازات النظام الرأسمالي الذي يقوم على حماية مصالح الرأسماليين.

 

باختصار, يقوم المحتكر تاجراً كان أو صانعاً أو مزارعاً بحبس السلع التي أنتجها أو استوردها أو اشتراها من السوق المحلية وجمعها عنده، ولا يطرحها في السوق إلا بعد أن يشق على الناس الحصول عليها، فيتحكم في تسويقها وأسعارها، وهذا فيه ما فيه من المشقة على الناس, والرسول الكريم يقول :" من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم, كان حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ".

 

والاحتكار محرم في جميع الأشياء من غير فرق بين قوت الإنسان أو قوت الدواب, ومن غير فرق بين الطعام وغيره, وبين ضروريات الناس وكمالياتهم, وذلك لأن معنى احتكر في اللغة: جمع الشيء مطلقاً، ولم تأت بمعنى جمع الطعام أو القوت أو ضروريات الناس، فلا يجوز أن تخصص بغير معناها اللغوي، ولأن ظاهر الأحاديث التي وردت في الاحتكار يدل على تحريم الاحتكار في كل شيء، فقد جاءت تلك الأحاديث مطلقة من غير قيد وعامة من دون تخصيص فتبقى على اطلاقها.

 

وقد استدل البعض على أن الاحتكار لا يكون إلا في الطعام بأحاديث نصت على تحريم الاحتكار في الطعام منها: روى الأثرم عن أبي أمامة قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام ", وهذا استدلال خاطئ, لأن النص على الطعام لا يعني حصر الحكم بالطعام, وإنما هو من قبيل التنصيص على أحد أنواع الاحتكار وهذا لا ينفي الحكم عن بقية الأنواع .

 

قال الشوكاني : ظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم من غير فرق بين القوت وغيره، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

06 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/20م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الضمان

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين, روى أبو داوود في سننه قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ".

 

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: (لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن)

 

قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه وَغَيْرُه : " وَامْتِنَاعُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاة عَلَى الْمَدْيُون الَّذِي لَمْ يَدَّعِ وَفَاءً إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنْ الدَّيْن وَالزَّجْر عَنْ الْمُمَاطَلَة وَالتَّقْصِير فِي الْأَدَاء أَوْ كَرَاهَة أَنْ يُوقَف دُعَاؤُهُ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوق النَّاس وَمَظَالِمهمْ " اِنْتَهَى.

 

(أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن إِلَخْ): فِي كُلّ شَيْء لِأَنِّي الْخَلِيفَة الْأَكْبَر الْمُمِدُّ لِكُلِّ مَوْجُود، فَحُكْمِي عَلَيْهِمْ أَنْفَذ مِنْ حُكْمهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ، وَذَا قَالَهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة.

 

(فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ): مِمَّا يَفِيء اللَّه بِهِ مِنْ غَنِيمَة وَصَدَقَة ، وَذَا نَاسِخٌ لِتَرْكِهِ الصَّلَاة عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن وَتَقَدَّمَ شَرْحه فِي كِتَاب الْفَرَائِض.

 

قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.

 

في هذا الحديث الشريف أحكام عديدة :-

 

أولها: إباحة الدَّيْن، فالرسول لم يذم المدين وإن امتنع عن الصلاة عليه.

 

ثانيها: تحذير للمسلمين من المماطلة في أداء الدين وحث لهم على عدم التهاون في أداء حقوق العباد بالتنصيص على الدين وبالقياس عليه باقي حقوق العباد.

 

ثالثها: حث للمسلمين على العفو والمسامحة للمعسر الذي لا يملك سداد ما عليه من ديون وحقوق للعباد, وذلك حين امتنع صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت ليستثير شفقة المسلمين على الميت الذي يُحرَم من صلاة الرسول عليه ودعائه له, ما يجعلهم يتسامحون فيما بينهم ويسقطون حقوقهم عمن مات قبل أن يتمكن من أداء ما عليه من ديون.

 

رابعها: حث المسلمين على التضامن والتكافل, فهو كرئيس للدولة يجب عليه أن يعقل عن المدين لكنه لم يكن يملك في بيت المال ما يسد به دين الميت، ولأن الدين من حقوق الناس التي لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة من قبل صاحب الحق (وهو هنا الدائن) فإنه أثار مشاعر المسلمين نحو أخيهم الميت الذي هو في أمَّس الحاجة لصلاة الرسول ودعائه, فإن لم يحظ الميت بمسامحة الدائن فلا أقل من أن يحمل دينه أحد المسلمين, ولقد كان له ما أراد, إذ بادر أحد المسلمين الأخيار وتكفل بأداء دين الميت حرصاً منه على أن لا يحرم ذلك الميت من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ودعائه له.

 

خامسها: إباحة الضمان، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قبل ضمان أبي قتادة الأنصاري وصلى على الميت, وهو إقرار من الرسول لما فعله أبو قتادة, فما الذي فعله أبو قتادة؟

 

لقد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن, وإن أبا قتادة حين ضم ذمته إلى ذمة الميت لم يطلب عوضاً.

 

من هذا الحديث يمكننا التعرف على الضمان الذي أقره الشرع: إنه التزام حق في الذمة دون معاوضة، وهو يشتمل على ثلاثة عناصر: الضامن والمضمون عنه والمضمون له, والضمان يجوز فيه أن يكون المضمون له والمضمون عنه مجهولان ولا يشترط فيه معرفتهما للضامن.

 

هذا هو الضمان في الإسلام، وهو من المعاملات التي هي التزام من طرف واحد ولا تحتاج إلى إيجاب وقبول بل يكفي فيها التزام طرف اتجاه طرف آخر كما هو الحال في الوصية أو الهبة أو الوقف.

 

وهنا لا بد لنا من وقفة على معاملة مالية في النظام الرأسمالي فرضت علينا من قبل حكامنا، وهي قد تشتبه على الناس بأنها ضمان وحيث إن الضمان مباح في الإسلام فيظنون أنها مباحة في حين أنها ليست كذلك، بل هي معاملة محرمة لا يجوز التعامل بها وهذه المعاملة هي التأمين.

 

فالتأمين على الحياة أو على جزء من أجزاء الجسم كالعين أو الصوت أو القدم أو على الممتلكات أو على البضاعة أو على أي نوع من أنواعه المتعددة هو: عقد بين المُؤَمِّن وشركة التأمين, يطلب فيه المؤمن من شركة التأمين أن تعطيه تعهدا بأن تعوض عليه إمَّا عين ما خسره أو ثمنه إن كان المؤمَّن عليه بضاعة أو ممتلكات، أو تعوضه بمبلغ من المال إن كان المؤمَّن عليه هو الحياة أو أحد أجزاء الجسم أو ما شابه, وذلك حين حصول حادث ما يعيِّنانِهِ خلال مدة معينة مقابل مبلغ معين من المال يدفعه المُؤمِّن للشركة, فتقبل الشركة بذلك, أي أن الشركة تتعهد بأن تعوض على المُؤَمِّنِ إمَّا عينَ ما خسره أو ثمنَه حين حصول الحادث، أو مبلغا من المال يتفقان عليه ضمن شروط معينة مقابل أن يدفع لها المؤمن مبلغاً معينا من المال خلال مدة معينة.

 

ومن الأمثلة على ذلك: التأمين على البضاعة ضد الحريق مثلا أو ضد الغرق أو ضد السرقة، حيث يدفع المؤمن مبلغا معينا من المال للشركة مقابل أن تتعهد الشركة بتعويضه إن تلفت البضاعة بالطريقة المنصوص عليها في عقد التأمين, حرقا أو غرقا أو سرقة أو أي طريقة أخرى.

 

وهذه المعاملة باطلة شرعاً للأسباب التالية :

 

إن هذه المعاملة عقد والعقد يجب أن يقع بين طرفين ومحله عين أو منفعة, ففي البيع مثلا محل العقد عين السلعة وفي الشركة محل العقد عين المضارب (أي بدنه), وفي الإجارة محل العقد منفعة الأجير أو منفعة العين المُؤَجَّرَة, وعقد التأمين يفتقر إلى العين أو المنفعة فهو عقد باطل شرعاً.

 

إن الشركة قد أعطت المؤمن تعهداً ضمن شروط مخصوصة فهو من قبيل الضمان, فلا بد أن تنطبق عليه شروط الضمان الشرعية حتى يكون الضمان شرعياً (مباحاً).

 

ومن الحديث عرفنا أن الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام حق المضمون له، وهو أي الضمان لا بد فيه من ضامن ومضمون عنه ومضمون له, وهو التزام لحق في الذمة من غير معاوضة.

 

ومن شروط صحة الضمان أن يكون في حق من الحقوق المالية الواجبة كالدين مثلاً، فهو واجب على المدين ويجوز أن يضمنه شخص ما للدائن أو في حق يؤول إلى الوجوب، كالمهر مثلا الذي هو حق للمرأة يؤول إلى الوجوب على الزوج في حال زواجه منها, فيجوز لشخص أن يضمن للمرأة مهرها إن تزوجت شخصاً يُعيِّنه لها، هذا هو الضمان الشرعي.

 

لكن هذه العناصر والشروط ليست متوفرة في عقد التأمين :

 

فمن ناحية: عقد التأمين خال من جميع عناصر الضمان، إذ ليس في ذمة المؤمن حق واجب أو يؤول إلى الوجوب لأحد، حتى تضمنه شركة التأمين، أي أنه لا يوجد مضمون عنه ولا مضمون له، فلا معنى إذن للضمان ولا حاجة شرعية للضامن.

 

ومن ناحية أخرى: تعهُد الشركة بضمان العين أو دفع ثمنها إذا تضررت، أو دفع المال عند حصول الحادث، هو مقابل حصولها على مبلغ معين من المال من قبل المؤمِّن لذا فهو التزام بمعاوضة، في حين أن الضمان شرعا يكون بلا معاوضة.

 

وعلى هذا فإن التأمين هو عقد باطل شرعاً ولا يحل التعامل به، فلا يجوز إنشاء شركات التأمين، ولا يجوز العمل فيها، ولا يجوز التعامل معها، ولا عذر لمن يتذرع بأن التأمين قانون مفروض من قبل الدولة إذ الأصل في الأعمال التقيد بالحكم الشرعي، أما القوانين الوضعية التي تُكرهنا على ما يخالف شرع ربنا فواجبنا أن نقتلعها من جذورها ونستبدلها بقوانين مستنبطة من كتاب ربنا وسنة نبينا.

 

فإلى العمل لإعادة أحكام الإسلام وإقامة دولته هلم بنا إخوتي، فبها نفوز برضى الرحمن ونرتقى أعلى الجنان.

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

07 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/21م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

التجارة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

 

روى ابن ماجة في سننه قال : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رِفَاعَةَ قَالَ : " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ بُكْرَةً فَنَادَاهُمْ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَلَمَّا رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ قَالَ إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ".

 

 

جاء في حاشية السندي على ابن ماجة : قَوْله (فُجَّارًا): إِنَّ مَنْ عَادَتِهِمْ التَّدْلِيسَ فِي الْمُعَامَلَات وَالْأَيْمَانَ الْكَاذِبَةَ وَنَحْوَهَا وَاسْتَثْنَى مَنْ اِتَّقَى الْمَحَارِمَ وَيُوَفِّي يَمِينَه وَصَدَقَ فِي حَدِيثه.

جاء الإسلام والناس يتعاملون بالتجارة فهي من ضرورات الحياة، ومما لا غنى للناس عنه، فليس الإنسان بقادر على إنتاج كل ما يحتاجه وتوفير كل متطلباته المعيشية، فهو ناقص وعاجز ومحتاج لا يستغني عن التعامل مع غيره، وهذا من حكمة الله تعالى في خلقه، فقد خلق الله الناس متفاوتين في قدراتهم متنوعين في مزاياهم ومواهبهم حتى يتعاونوا فيما بينهم، يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (13) الحجرات.

 

وقد شرع الإسلام التجارة لتمكين الناس من تنمية أموالهم والحصول على متطلباتهم المعيشية بالتعاون والتراضي، لا بالقوة والمغالبة حتى لا تعم الفوضى ويسود الاضطراب في المجتمع ويفتقد الأمن والاستقرار الذي هو غاية الإنسانية أفراداً وجماعات.

يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ". سورة النساء29

وقد كان الناس قبل الإسلام يعتبرون البيع والربا من التجارة، فلما جاء الإسلام فرق بين البيع والربا إذ أباح البيع وحرم الربا، قال الله تعالى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " (275) سورة البقرة.

 

وأصبحت التجارة في الإسلام هي معاملات البيع والشراء بقصد الربح فقط، ومع أن الإسلام أحل البيع إلا أنه ضبطه بأحكام متعدده تمنع الخلاف بين المتبايعين وتحفظ الحقوق، وتحمي المجتمع من الظلم والفساد والاستغلال المقيت.

 

وفي هذا الحديث يبين الرسول الكريم بعض هذه الأحكام, فهو يأمر التجار بالصدق مع عملائهم والبر بتعهداتهم وتقوى الله في معاملاتهم, وأن من أحكام البيع الأخرى أنه :يجوز لصاحب السلعة أن يبيع سلعته بنفسه, ويجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو رسولا, ويجوز أن يستاجر أجيراً ليقوم بالبيع نيابة عنه على أن يكون أجره معلوما, ويجوز أن يستأجر من ينوب عنه في البيع مقابل جزء من الربح ويكون المستأجَرُ في هذه الحالة شريكاً مضارباً وليس أجيراً.

 

وكذلك في شرائه للسلع أو الأموال، يجوز أن يقوم بالشراء بنفسه أو بواسطة وكيل عنه أو أجير أو شريك.

 

والتجارة من وسائل تنمية الملك وهي مباحة بشقيها الداخلي والخارجي.

 

أما التجارة الداخلية : والتي هي البيع والشراء بين الناس في داخل البلد الواحد سواء أكانت السلع من منتجاتهم الزراعية أو الصناعية أم من منتجات غيرهم لكنها أصبحت في بلادهم يتبادلونها فهي مباحة بلا قيود سوى التزام الأحكام الشرعية في البيع والشراء، ودور الدولة فيها هو الإشراف فقط، فهي تتابع التزام التجار بأحكام الشرع في معاملاتهم لكنها لا تتدخل مباشرة في تفاصيل البيع والشراء فلا تتدخل في نوع السلع أو أسعارها أو أماكن بيعها أو كيفية نقلها بين المدن وما إلى ذلك، إلا بمقدار ما تقتضيه رعاية الشؤون.

 

وأما التجارة الخارجية : والتي هي شراء السلع من الخارج وبيع سلع البلاد في الخارج، الزراعية منها والصناعية، فإنها يجب أن تخضع لإشراف الدولة المباشر، إذ إن الدولة مكلفة بالإشراف بشكل مباشر على إدخال السلع إلى البلاد وعلى إخراجها منها فتمنع إدخال السلع المحرمة أو الضارة بالناس، كما تمنع إخراج السلع التي في خروجها إضرار بالمسلمين أو التي فيها تقوية للعدو على المسلمين، فالدولة في الإسلام راعية لمصالح المسلمين حامية لهم ولدينهم وهي حاملة رسالة الإسلام إلى العالم لذا كان عليها أن تتصرف في جميع علاقاتها مع الدول الخارجية ومنها العلاقات التجارية من منطلق كونها دولة حاملة مبدأ فتجعل هذه العلاقات خادمة لهذه الرسالة.

 

هذه لمحة مبسطة عن التجارة في الإسلام وعن دور الدولة الإسلامية في إدارة هذه التجارة، عرضناها عليكم نظرياً سائلين المولى عز وجل أن نشهد وإياكم تطبيقها عملياً قريباً بإذنه تعالى في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، إنه نعم المولى ونعم النصير .

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

08 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/22م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى

 

 

نحييكم جميعاً أيها الأحبّة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

 

روى البخارِي في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ".

 

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر :

حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى " فَعَبْد اللَّه الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَادِ هُوَ اِبْنُ الْمُبَارَك، وَيُونُسُ هُوَ اِبْن يَزِيد . وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَل الصَّدَقَة مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ . قَالَ الْخَطَّابِيّ: لَفْظ الظَّهْر يَرِدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْكِفَايَة، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ . وَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمُرَادُ غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ . وَنَحْوُهُ قَوْلهمْ رَكِبَ مَتْن السَّلَامَة . وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ " غِنًى " لِلتَّعْظِيمِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ . وَقِيلَ: الْمُرَادُ خَيْر الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْت بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ، وَقِيلَ " عَنْ " لِلسَّبَبِيَّةِ وَالظَّهْر زَائِد، أَيْ: خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ سَبَبُها غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ . وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَال لَا يَصْبِرُونَ، وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَهُوَ مَكْرُوه.

 

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ ": يُرَدُّ عَلَى تَأْوِيل الْخَطَّابِيّ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْل الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ " فَضْلُ الصَّدَقَة جُهْد مِنْ مُقِلّ " وَالْمُخْتَار أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّق مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُصُول مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَة الضَّرُورِيَّة كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْحَاجَة إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، وَمَا هَذَا سَبِيله، فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا أَوْ كَشْف عَوْرَتِهِ، فَمُرَاعَاة حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَال، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَل لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْر وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُض بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَوْله: ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) فِيهِ تَقْدِيم نَفَقَة نَفْسه وَعِيَاله لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَة فِيهِ بِخِلَاف نَفَقَة غَيْرِهِمْ وَسَيَأْتِي شَرْحه فِي النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

 

كما رسم الإسلام للفرد طرق الحصول على المال، وطرق تنميته، فقد بيّن طرق إنفاقه أيضاً ولم يتركه ينفق ماله على هواه، بل حدّد له كيفية التصرف بماله حال حياته وحتى بعد مماته.

فالرسول في هذا الحديث قد علّمنا أن المسلم ليس مطلق التصرف بماله بلا حدود بل عليه أن يراعي في نفقته ما يلي:

 

أولا - أن يبدأ بالنفقة على نفسه فليس من أحد آخر مسؤول عن النفقة عليه غير نفسه وهي الأحق في البدء بالنفقة عليها.

ثم ينفق على من يعول أي على من تجب نفقتهم عليه من زوجة وأبناء ووالدَيْن وإخوة وأخوات إن لم يكن لهم من ينفق عليهم غيره.

 

ثم ينفق على الغير، والإنفاق على الغير يشمل: الهبة والهدية والصدقة، وهذه يمكنه إمضاؤها في حال حياته بينما هناك الوصية والوقف ويتم تنفيذها بعد مماته .

ومن الجدير بالذكر أن الإنفاق االمقصود هنا مستمعينا الكرام هو بذل المال بلا عوض أما بذل المال بعوض فلا يسمى إنفاقاً، فالله تعالى يقول: " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل ِاللهِ " البقرة 195 وقال: "وَمِمَّا رَزَقْنَاهُم يُنْقِفُون " البقرة 3 وقال: " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ " الطلاق 7.

وحديث اليوم يبيِّن كيف تدخَّل الإسلام في تصرف الفرد في إنفاقه لماله، فالصدقة وهي التي حث عليها الإسلام ووعد فاعلها بالثواب الجزيل، مما حدى بالمسلمين أن يتسابقوا على فعلها طمعاً بهذا الثواب، حتى هذه الصدقة قد اشترط الإسلام على فاعلها شروطاً لا بد أن يحققها وإلا رُدَّت إليه صدقته ولم تقبل منه، فمن شروط قبول الصدقة كما وردت في حديثنا: أن تكون عن ظهر غنى، أي أن لا تستغرق الصدقة كل ماله ولا حتى بعض ماله إن كان ما سيتبقى له لا يكفي لنفقته على نفسه وعلى من يعول بحيث يمكنه من الحصول على حاجاته الأساسية والكمالية كذلك التي تعتبر من الضروريات بالنسبة له حسب ما هو معروف بين الناس في بيئته.

 

فقد روى أبو داوود في سننه عن جابر بن عبد الله قال: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ".

ولم يكتف الإسلام ببيان طرق الإنفاق الشرعية بل بيَّن الطرق غير الشرعية للإنفاق فقد منع الفرد من أن يهب أو يهدي أو يوصي وهو في مرض الموت، فإن فعل بأن وهب أو أهدى أو أوصى وهو في مرض الموت فإنه لا تُنفذ إلا في ثلث ماله، روى عمران بن حصين: " أنَّ رجلاً من الأنصار أعتق ستة أعبُد له في مرضه لا مال له غيرهم، فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة "، فإذا لم يسمح الرسول بتنفيذ تصرف ذلك الشخص بالعتق رغم حث الشرع عليه، فإن منع تصرف الفرد في غير العتق من باب أولى.

 

منع الفرد في حالة الحرب من أن يتصدق أو يهب أو يهدي للعدو ما يتقوى به على المسلمين.

منع الفرد من الإسراف في الإنفاق واعتبره سفهاً يوجب منع السفيه والمبذر من التصرف بأمواله بالحجر عليه وإقامة غيره وصيّاً عليه، يتولى عنه التصرف بأمواله لمصلحته قال تعالى:" وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا " النساء(5) في هذه الآية نهى الله تعالى عن إيتاء المال للسفهاء، وقال أيضاً:" فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ " البقرة 282 وفي هذه الآية قد أوجب الله تعالى الولاية على السفيه.

 

والإسراف والتبذير الذي نهى عنه الشرع هو الإنفاق في ما نهى الله عنه.

منع الإسلام الفرد من الترف واعتبره إثماً وأوعد المترفين بالعذاب قال تعالى : " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ما أصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ . إِنَّهُم كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ " الواقعة 42 أي بطرين يفعلون ما يشاؤون.

 

فالترف في اللغة البطر والغطرسة من التنعم.

فالترف المحرم هو البطر والغطرسة والتكبر بسب التنعم وليس هو مجرد التنعم، لذا فإنه من الخطأ أن يفسَّر الترف بأنه: التمتع بالمال والتنعم برزق الله، يقول تعالى:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي اَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ " الأعراف 32.

 

فالتنعم والتمتع مستحباً وليس محظورا، لكن إن أدى الى الغطرسة والبغي والتجبر صار ترفاً وحراماً.

منع الإسلام الفرد من التقتير على نفسه وحرمانها من المتاع المشروع: قال تعالى:" وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومَاً مَحْسُورَاً" الإسراء 29.

 

فإذا كان للفرد مالا وبخل به على نفسه يكون آثماً عند الله تعالى، أما إذا بخل به على من تجب عليه نفقتهم فإنه يكون آثماً عند الله، وفوق ذلك تجبره الدولة على الإنفاق عليهم بما يتناسب مع مستوى دخله، يقول تعالى:" لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ" الطلاق 7، ويقول ايضاً:" أَسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ " الطلاق 6.

ومن يبخل على أهله ومن تجب عليه نفقتهم فإن لهم أن يأخذوا من ماله قدر كفايتهم بالمعروف، روى البخاري وأحمد عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت:" يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال عليه الصلاة والسلام:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".

 

فمن يبخل على أهله وعياله فإنَّ لهم أن يأخذوا ما يكفيهم منه دون علمه، وعلى القاضي أن يفرض لهم نفقة يجبره عليها جبراً.

 

ما كان الله غافلاً عن عباده، بعث لنا شريعة شاملة كاملة لم تترك شأناً في حياتنا إلا ورعته أحسن رعاية، فالحمد لله رب العالمين، وحيَّ على تطبيق هذا الدين.

 

 

 

وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

12 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/26م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

لا يدخل الجنة صاحب مكس

 

 

 

نحييكم جميعا أيّها الأحبة في كلِّ مكان، في حلقة جديدةٍ من برنامجكم "مع الحديث الشَّريف " ونبدأ بخير تحية، فالسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

 

روى أبو داوودَ في سنَنِهِ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ ".

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: (عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن شِمَاسَة): بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم بَعْدهَا مُهْمَلَة: (صَاحِب مَكْس): فِي الْقَامُوس، الْمَكْس: النَّقْص وَالظُّلْم، وَدَرَاهِم كَانَتْ تُؤْخَذ مِنْ بَائِعِي السِّلَع فِي الْأَسْوَاق فِي الْجَاهِلِيَّة، أَوْ دِرْهَم كَانَ يَأْخُذهُ الْمُصَّدِّق بَعْد فَرَاغه مِنْ الصَّدَقَة، اِنْتَهَى.

وَقَالَ فِي النِّهَايَة: هُوَ الضَّرِيبَة الَّتِي يَأْخُذهَا الْمَاكِس وَهُوَ الْعَشَّار، اِنْتَهَى.

 

وَفِي شَرْح السُّنَّة: أَرَادَ بِصَاحِبِ الْمَكْس الَّذِي يَأْخُذ مِنْ التُّجَّار إِذَا مَرُّوا مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْر، فَأَمَّا السَّاعِي الَّذِي يَأْخُذ الصَّدَقَة وَمَنْ يَأْخُذ مِنْ أَهْل الذِّمَّة الْعُشْر الَّذِي صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحْتَسِب مَا لَمْ يَتَعَدَّ فَيَأْثَم بِالتَّعَدِّي وَالظُّلْم، اِنْتَهَى.

وَكَذَلِكَ فِي مَعَالِم السُّنَن لِلْخَطَّابِيِّ وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.

 

كان أخذ المكوس من التجار عادة الملوك في الجاهلية, فلما جاء الإسلام أبطل ذلك وحرمه, كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى أهل الأمصار مثل ثقيف والبحرين ودومة الجندل: " أنهم لا يُحشرون ولا يُعشرون".

فلا يؤخذ المكس من المسلمين ولا الذميين أيضاً لأن الحديث جاء عاما فشمل جميع التجار من رعايا الدولة, أنه يحرم أخذ المكوس منهم, أما التجار من غير رعايا الدولة:

 

فالتاجر المعاهد أي الذي بيننا وبين بلاده معاهدة فإنه يعامل وفق نصوص المعاهدة: فإن نصت على إعفائه من أخذ أي شيء منه يعفى, وإن نصت على أخذ مقدار معين يؤخذ ذلك المقدار المعين.

والتجار الحربيون: يعامَلون كما تُعامِل دولهم تجارنا, فإن دخل تاجر حربي بلادنا بأمان أخذنا منه ما تأخذه دولته من تجارنا سواء أكان ذلك التاجر الحربي كافراً أو مسلماً, فما دام من رعايا دولة محاربة فإن حكمه أنه تاجر حربي يعامل معاملة التاجر الحربي أي كما تعامل بلاده تجارنا المسلمين منهم والذميين .روي عن ابن مجلز لاحق بن حميد قال: " قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا: العشر, قال: فكذلك خذوا منهم". ذكره ابن قدامة في المغني وقد فعل ذلك عمر على مرأى ومسمع من الصحابة فكان إجماعاً. وهذا يكون على الإباحة وليس على الوجوب, وعليه فللدولة أن تأخذ من تجارهم كما يأخذون من تجارنا أو أقل أو حتى تعفيهم إن أرادت كل ذلك حسب مصلحة المسلمين, لكن لا يجوز لها أن تأخذ أكثر مما يأخذوا منا , لأن إباحة أخذ المكس منهم من سياسة المعاملة بالمثل وليس من أجل جباية الأموال.

 

وكذلك من المكس فرض الدولة ضرائب على الطلبات المقدمة لها وعلى معاملات الأراضي والمسقفات من بيع وتسجيل، أو على شكل رسوم محاكم.

ما أن هدمت دولة الخلافة وأطبق النظام الرأسمالي الغربي على أنفاس المسلمين حتى انتكس حال المسلمين وضاع منهم ما اكتسبوه من حقوق ورعاية منحهم إياها الشرع الحنيف, فعادت المكوس تثقل كاهلهم باسم الجمارك ....... حين يعبرون الحدود من دولة إلى أخرى والأدهى أن تلك المكوس لم تعد تجبى من التجار على سلعهم العابرة للحدود كما كانت في الجاهلية, بل أصبحت تجبى حتى من المسافرين العاديين على أمتعتهم التي يحملونها معهم لقضاء حاجاتهم. فالدولة اليوم تعين وزناً معينا من المتاع تسمح بحمله من قبل المسافر فإن زاد ما يحمله المسافر عن الوزن المسموح به أرغم على دفع المكس ( الجمرك ) بسبب تلك الزيادة.

 

إن جاهلية اليوم أشد ظلما ونكالاً بالناس من الجاهلية الأولى فأموالهم وممتلكاتهم ما عاد لها حرمة, بل لم تعد حرمة لآدميتهم نفسها. فمن أحق بالاتباع؟ دين الله أم دين البشر؟ حكم الله أم حكم الرأسمالية العفنه؟ فَاعتَبِرُوا يَا أُولي الْأَبْصَار.

 

احبتنا الكرام, وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

13 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/27م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

التسعير

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

 

روى الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ".

 

 

قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

جاء في تحفة الأحوذي: قَوْلُهُ: (غَلَا السِّعْرُ): بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نرخ أَيْ اِرْتَفَعَ السِّعْرُ.

 

( سَعِّرْ لَنَا ): أَمْرٌ مِنْ التَّسْعِيرِ وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ أَهْلِ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إِلَّا بِسِعْرِ كَذَا فَيَمْنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ.

 

( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ ): بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغَلِّيهَا فَلَا اِعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ. وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ اِنْتَهَى.

 

( الْقَابِضُ الْبَاسِطُ ): أَيْ مُضَيِّقُ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمُوَسِّعُهُ.

 

( وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ ): قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَصْدَرُ ظَلَمَ وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْك بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِكَسْرِ لَامٍ وَفَتْحِهَا وَقَدْ يُنْكَرُ الْفَتْحُ اِنْتَهَى . وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوْفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ } وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ . وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ .

وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ، وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ.

 

قَوْلُهُ: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ): وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا اِبْنُ حِبَّانَ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ:" جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ، فَقَالَ: بَلْ اُدْعُوا اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ، فَقَالَ: بَلْ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ اِبْنِ مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ نَحْوُهُ وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي النَّيْلِ.

 

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البرية، مَن بشره ربه بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يمتنع عن فرض أسعار على التجار - لا لمصلحة البائع ولا لمصلحة المشتري - حتى لا يطلبه أحد في مظلمة، لأن عقد البيع عقد مراضاة لقوله تعالى:" إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ " ولما روى ابن ماجة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما البيع عن تراض" فلا يصح إلا برضى الطرفين، وفي فرض الأسعار على أحد الطرفين إكراه له وظلم يستحق مرتكبه العقاب من رب العالمين، وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل في الحرص على الاحتراز من ظلم الرعية أو الحيف عليها حين رفض التسعير حتى في أشد الظروف شدة على المسلمين، فالضرورات لا تبيح المحظورات كما يدعي بعض المتفيقهين، بل لا بد من الوقوف عند حدود الله وعدم تجاوزها حتى من قِبَلِ رأس الدولة، فليس في الإسلام أحد فوق الشرع والقانون بل الكل سواء في الخضوع لأحكام الله والتزامها.

 

فما بال بعض الحكومات في الدول القائمة في عالمنا الإسلامي تسعر للناس وتخالف شرع الله وسنة رسوله الكريم تحت ذريعة رعاية مصالح الناس؟! وهل هم أدرى بمصالح العباد من ربِّ العباد؟! أم إنها التبعية للغرب وانتهاج نهجه في تطبيق النظام الرأسمالي الوضعي الذي يؤسس للظلم والفساد؟! ثم يضطر الدولة للتدخل بسَن القوانين تحت مسميات مختلفة - كالعدالة الاجتماعية والتأميم والتسعير وغيرها من القوانين الترقيعية - للتخفيف من وطأة ذلك الظلم والفساد، ليس حرصاً على العباد بل حرصاً على بقاء ذلك النظام الفاسد البالي، وإلا فليس فئة من الرعية بأحق أن ترعى مصالحها من باقي فئات المجتمع، وليس قانون من هذه القوانين بمخلص الأمة من الظلم والفساد، بل إن القوانين الترقيعية نفسها مثال على الظلم والفساد برعايتها لفئة على حساب فئة، وبشهادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ وصف التسعير بأنه مظلمة يحق لأي فرد من الرعية رفعها لقضاء المظالم لإزالتها لو كان للمسلمين دولة ترعاهم، لكن المسلمين أيتام على مآدب لئام لا يرقبون فيهم إلَّاً ولا ذمة، لقد تبعوا الغرب شبراً بشبر وذراعا بذراع واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فآن لكم أيها المسلمون أن تقيلوهم بل تستأصلوهم وتعيدوا الأمر إلى نصابه: خلافة على منهاج النبوة يخشى فيها الخليفة من مساءلة العزيز فلا يُقدم على مظلمة ولا يَستحل حرمة.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

14 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/28م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

التدليس في البيع

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

لا تُصَرّوا الإبل ولا الغنم

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ.

 

 

 

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ في تفسير هذا الحديث:

 

(وَلَا تُصَرُّوا): بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الصَّاد الْمُهْمَلَة وَضَمّ الرَّاء الْمُشَدَّدَة مِنْ صَرَيْت اللَّبَن فِي الضَّرْع إِذَا جَمَعْته، وَظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّهُ مِنْ صَرَرْت فَقَيَّدَهُ بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّ ثَانِيه، قَالَ فِي الْفَتْح وَالْأَوَّل أَصَحّ اِنْتَهَى . قَالَ الشَّافِعِيّ: التَّصْرِيَة هِيَ رَبْط أَخْلَاف الشَّاة أَوْ النَّاقَة وَتَرْك حَلْبهَا حَتَّى يَجْتَمِع لَبَنهَا فَيَكْثُر فَيَظُنّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتهَا فَيَزِيد فِي ثَمَنهَا لِمَا يَرَى مِنْ كَثْرَة لَبَنهَا، وَأَصْل التَّصْرِيَة حَبْس الْمَاء يُقَال مِنْهُ صَرَيْت الْمَاء إِذَا حَبَسْته، قَالَ أَبُو عُبَيْد وَأَكْثَر أَهْل اللُّغَة: التَّصْرِيَة حَبْس اللَّبَن فِي الضَّرْع حَتَّى يَجْتَمِع.

 

( فَمَنْ اِبْتَاعَهَا ): أَيْ اِشْتَرَى الْإِبِل أَوْ الْغَنَم الْمُصَرَّاة .

( بَعْد ذَلِكَ ): أَيْ بَعْدَمَا ذَكَرَ مِنْ التَّصْرِيَة

( فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ): أَيْ الرَّأْيَيْنِ مِنْ الْإِمْسَاك وَالرَّدّ

( بَعْد أَنْ يَحْلُبهَا ): بِضَمِّ اللَّام . ( أَمْسَكَهَا ): أَيْ عَلَى مِلْكه

( وَإِنْ سَخِطَهَا ): بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة أَيْ كَرِهَهَا

( وَصَاعًا مِنْ تَمْر ): أَيْ مَعَ صَاع مِنْ تَمْر .

وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث الْجُمْهُور.

 

قَالَ فِي الْفَتْح: وَأَفْتَى بِهِ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَلَا مُخَالِف لَهُمَا فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَده، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن أَنْ يَكُون اللَّبَن الَّذِي اُحْتُلِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَلَا بَيْن أَنْ يَكُون التَّمْر قُوت تِلْكَ الْبَلَد أَمْ لَا، وَخَالَفَ فِي أَصْل الْمَسْأَلَة أَكْثَر الْحَنَفِيَّة وَفِي فُرُوعهَا آخَرُونَ اِنْتَهَى . وَقَدْ اِعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّة عَنْ حَدِيث الْمُصَرَّاة بِأَعْذَارٍ بَسَطَهَا الْحَافِظ فِي الْفَتْح وَأَجَابَ عَنْ كُلّ مِنْهَا.

 

قُلْت: أَخَذَ الْحَنَفِيَّة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِالْقِيَاسِ ، وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْقِيَاس فِي قَابِلَة النَّصّ فَاسِد الِاعْتِبَار فَلَا يُعْتَبَر بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم .

 

البيع من المعاملات التي لا يستغني عنها الناس، فهو يمارَس يومياً في الأسواق عادة وخارج الأسواق بعض الأحيان، وإن مجال الخلاف والشقاق وارد في عقود البيع، إن لم تراعَ فيها أحكام الشرع الحنيف، لأن كلاً من البائع والمشتري يحاول أن يخرج رابحاً من الصفقة، ومحققا ما رجاه منها، المشتري يريد الحصول على السلعة بأعلى المواصفات وأقل الأسعار، في حين يعرض البائع سلعته ويقدمها للناس بأفضل صورة لتحظى بالتقدير من قبل المشترين فيجني من ورائها أعلى الأرباح.

 

وكل هذا معقول ومقبول منهما ما داما سعيا لتحقيق ما يريدان بالطريقة الشرعية واستخدما الوسائل والأساليب المباحة.

 

لكن البعض لا يكتفي بالطريقة الشرعية في الحصول على الصفقة التي يبغي، ولا يبالي في استخدام الأساليب الملتوية في تحقيق أغراضه، من مثل التدليس والغش والخداع، ومن الأساليب الملتوية التي قد يمارسها كل من المشتري والبائع، والتي نص عليها حديثنا لهذا اليوم فنهى عنها رسولنا صلى الله عليه وسلم:

 

أن يُصَر البائع الماشية ويمتنع عن حلبها حتى يتجمع اللبن في الضرع فيبدو كبيراً ليوهم المشترين أنها غزيرة اللبن فيدفعون مقابلها ثمناً أعلى مما تستحق، والصفقة في هذه المعاملة وإن انعقدت شرعا إلا أن البائع قد مارس فيها التدليس على المشتري ووقع بالحرام، أما المدلَّس عليه فقد أعطاه الشرع الخيار بين أن يمضي الصفقة أو أن يلغيها ويعيد الماشية التي اشتراها ويعيد معها صاعاً من تمر ثمن الحليب الذي احتلبه منها عندما كانت بحوزته.

 

التدليس هو كتم البائع العيب في السلعة عن المشتري مع علمه به، أو إخباره عن العيب لكن بطريقة توهم المشتري بعدمه، أو تغطية السلعة بما يظهرها كلها حسنة، وهذا كله حرام لأنه خداع للمشتري وتغرير به والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" المسلم أخو المسلم, ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له ".

 

والتدليس لا يقع من البائع فقط بل إن المشتري قد يدلس أيضاً وذلك بأن يزيّف النقود أو يخفي ما بها من زيف مع علمه به، وهذا تدليس ولا شك.

 

والتدليس بكل أشكاله حرام لأنه خداع وغش، وهو ليس من وسائل التملك الشرعية لذا فإن ما يحاز من مال بواسطته لا يكون ملكاً مشروعاً بل هو مال حرام ومال سحت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به"، ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يقول:"من غشنا فليس منا ".

 

ومن الجدير ذكره أن مجرد وجود العيب في السلعة أو حصول التدليس يثبت الخيار للمدلَّس عليه، سواء علمه الطرف الآخر أم لم يعلمه، فلا يشترط علم البائع بالتدليس أو بوجود العيب في السلعة حتى يثبت الخيار للمشتري بالقبول أو الرد، كما لا يشترط علم المشتري بزيف العملة حتى يثبت الخيار للبائع بالقبول أو الرد، فالأحاديث التي أثبتت الخيار للمدلَّس عليه جاءت عامة ولم تشترط علم المدلِّس بالعيب أو التدليس لإثبات حق الخيار للمدلَّس عليه، بل أعطته الخيار بمجرد حصول التدليس بغض النظر أعلم الطرف الآخر به أم لم يعلم.

 

إخواني التجار: هلا استحضرتم عند كل صفقة تعقدونها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحِقت بركة بيعهما ".

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

15 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/29م

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب من قال في القرآن برأيه

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في" باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه"، حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

 

 

التفسير تفعيل من الفسر وهو البيان، تقول: فسرت الشيء بالتخفيف أفسره فسرا وفسرته بالتشديد، أفسره تفسيرا إذا بينته، وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة، واختلفوا في التفسير والتأويل. قال أبو عبيدة وطائفة: هما بمعنى وفرق بينهما آخرون، والتفسير كشف المراد عن اللفظ المُشكل. وحكى صاحب النهاية أن التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.

 

قوله: ( من قال في القرآن بغير علم ) أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق للشرعي، قاله القاري. وقال المناوي أي قولا يعلم أن الحق غيره، وقال في مشكله بما لا يعرف( فليتبوأ مقعده من النار )، أي ليهيئ مكانه من النار، قيل الأمر للتهديد والوعيد، وقيل الأمر بمعنى الخبر. قال ابن حجر: وأحق الناس بما فيه من الوعيد، قوم من أهل البدع سلبوا لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به أو حملوه على ما لم يدل عليه ولم يرد به في كلا الأمرين مما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى، فهم مخطئون في الدليل والمدلول. ومن هؤلاء من يدس البدع والتفاسير الباطلة في كلامهم الجذل فيروج على أكثر أهل السنة كصاحب الكشاف.

 

هذا حال كثير من أهل العلم هذه الأيام، يؤولون النصوص تأويلا لا يُحتمل، يفسرون القرآن بعقولهم وأهوائهم وما تمليه عليهم شياطينهم، فخرجوا علينا بفتاوى لا تمت للإسلام بصلة، يرضون أولياء أمورهم كما يحلو لهم أن يسموهم، فأحلوا للمسلمين الربا، وأحلوا المصالحة مع عدوهم، وأحلوا لهم الديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية ومن قبل القومية والوطنية، وأحلوا لهم الاختلاط وأن تلبس المرأة في الحياة العامة ما تشاء، وأحلوا بيع الخمور ولبس البكيني على الشواطئ بحجة السياحة التي تشكل مصدرا اقتصاديا هاما، وأحلوا الشركات المساهمة والقمار وأحلوا وجود من لا يحكم بما أنزل الله، وأطلقوا عليه ولي الأمر والنعمة، وأقاموا لبعض هؤلاء مراسيم بيعة كاذبة خاطئة، وفي المقابل حرّموا على المسلمين الجهاد في سبيل الله، وأطلقوا على من يقوم بهذا الفرض العظيم ومن يدافع عن نفسه أمام أعداء الله والدين بالإرهابي، وسكتوا عمّن تطاول على رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ بل برروا له ذلك بحجة أنهم هم المسؤولون الذين لم يبلغوا لهم الدين، والقائمة ما بين التحريم والتحليل طويلة طويلة، وكل ذلك يجري على قاعدة التفسير للقرآن بالرأي والعقل، فهلا أدرك هذا النفر من العلماء ما آلت إليه أحوال الأمة بسبب أهوائهم وآرائهم؟!.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

16 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/30م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب ومن سورة البقرة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في " باب ومن سورة البقرة "، حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ومحمد بن جعفر وعبد الوهاب قالوا: حدثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب"، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

 

قوله: ( إن الله خلق آدم من قبضة ) بالضم ملء الكف وربما جاء بفتح القاف، ومن ابتدائية متعلقة بخلق، أو بيانية حال من آدم، ( قبضها ) أي أمر الملك بقبضها، ( من جميع الأرض ) يعني وجهها، ( فجاء بنو آدم على قدر الأرض ) أي مبلغها من الألوان والطباع، ( فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود ) بحسب ترابهم ، وهذه الثلاثة هي أصول الألوان وما عداها مركب منها وهو المراد بقوله ( وبين ذلك ) أي بين الأحمر والأبيض والأسود باعتبار أجزاء أرضه، ( والسهل ) أي ومنهم السهل، أي اللين، ( والحزن ) بفتح الحاء وسكون الزاي، أي الغليظ ( والخبيث ) أي خبيث الخصال، ( والطيب ) على طبع أرضهم، وكل ذلك بتقدير الله تعالى لونا وطبعا وخلقا. قال الطيبي: لما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وأولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة، فإن المعني بالسهل الرفق واللين. وبالحزن الخرق والعنف، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله.

 

هذا هو واقع الخلق، خلق الإنسان من طين من جميع الأرض، فكان الأحمر والأبيض والأسود من الناس، وكان السهل والهين، والصعب والحزن والخبيث والطيب. إلا أن الله تعالى لم يترك الناس لتعيش وفق هذه الطباع التي جُبلت عليها؛ بل ألزمها بقواعد وقوانين من خلال منهاج قويم، إن سارت عليه سعدت وأفلحت في الدنيا والآخرة، وإن خالفته شقيت وتعست وكان عاقبة أمرها عُسرا وخسرا. وعلى هذه القاعدة يُحاسب الإنسان، لا على أساس اللون الأحمر أو الأبيض أو الجمال أو زُرقة العيون واتساعها، أو الحسب والنسب أو غير ذلك، وقد أجمل لنا الله سبحانه وتعالى- هذا الأمر بقوله عز من قائل: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".

 

فلمن لم يدرك بعد من المسلمين هذه القاعدة في التعامل، فعليه أن يسارع من فوره لإدراكها والتلبس بها، فهي أساس لا يُستهان به في التعامل، حيث إن الدين هو المعاملة كما قال عليه الصلاة والسلام: " الدين المعاملة ".

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

17 من صـفر 1434

الموافق 2012/12/31م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

باب ومن سورة البقرة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في " باب ومن سورة البقرة ".

 

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" قَالَ: عَدْلًا. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا، الكاف في قوله وكذلك كاف التشبيه جاء لشبه به، كذلك جعلناكم أمة وسطا، يعني عدولا خيارا( قال عدلا ) أي قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تفسير قوله تعالى وسطا عدلا. وروى البخاري في صحيحه هذا الحديث مطولا، وكذا الترمذي بعد هذا وفي آخر حديثهما، والوسط: العدل.

قال الطبري: الوسط في كلام العرب الخيار، يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه، قال: والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين، والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلم يغلوا كغلو النصارى، ولم يقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهل وسط واعتدال.

 

أيها الإخوة الكرام:

 

هذا هو تفسير كلمة" وسطا" التي وردت في الآية الكريمة، فأن يأتي إنسان ويفسر هذه الكلمة تفسيرا لا ينسجم مع الإسلام؛ بل ومخالفا تفسير رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم-؛ بل ومنسجما مع الواقع السيّء الذي تحياه الأمة، فهذه مغالطة وخطأ كبير. ذلك لأن الإسلام لا يقبل القسمة على اثنين، فلا توسط بين حكم شرعي وحكم شرعي آخر، فكيف يكون التوسط بين إسلام وكفر؟! فالإسلام لا يحتمل جزءا ولو ضئيلا من الكفر، فإما إيمان خالص لا كفر فيه، وإما لا إيمان. فلا وسطية بيننا وبين الكفر، ولا وسطية بين المسلمين والأمريكان والأوروبيين الذين ساموا أمة الإسلام خسفا وقتلا وقهرا سنوات وسنوات. فإلى من يدعو إلى هذه الفكرة الدخيلة، إلى أصحاب البرامج الوسطية نقول: كفاكم ظلما لأنفسكم ولأمتكم، فالأمة اليوم أكثر وعيا، وأكبر من أن يُضحك عليها، فلا حاجة لها بوسطيتكم، ولا بديمقراطيتكم، فإما أن تعودوا إلى رشدكم وإلى حضن أمتكم قبل فوات الأوان، وإما أن تلفظكم الأمة وتحاسبكم قريبا -إن شاء الله- على ما فرطتم في حقها.

 

 

وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

19 من صـفر 1434

الموافق 2013/01/02م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب ومن سورة البقرة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في " باب ومن سورة البقرة "، حدثنا هناد حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحق عن البراء بن عازب قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله: " قدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِد الْحَرَامِ"، فوجه نحو الكعبة وكان يحب ذلك فصلى رجل معه العصر قال:" ثم مرَّ على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد وجه إلى الكعبة قال: فانحرفوا وهم ركوع، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحق.

 

لعل ما يلفت النظر في هذا الحديث بالإضافة إلى ما ورد من تغيير اتجاه القبلة، هو سرعة المبادرة في تطبيق الأحكام، فالأنصار وهم راكعون يتحولون في صلاة العصر من اتجاه إلى اتجاه، من بيت المقدس إلى الكعبة، لماذا يفعلون ذلك وهم خاشعون؟ لماذا يفعلون ذلك وهم بين يدي الله؟ أتُرونهم لا يخشعون في صلاتهم؟ أم أنهم كما يفعل بعض المسلمين اليوم يدخلون في الصلاة وتدخل معهم حساباتهم وأرصدتهم البنكية وأمورهم الدنيوية؟ لا والله؛ فهم الأنصار الذين مدحهم الله من فوق سبع سماوات. هم الأنصار الذين فقهوا أن الأحكام الشرعية لا تُؤجل ويجب أن تُطبق على الفور دون نقاش، نقاشٍ مع من؟ مع خالق الكون والإنسان والحياة. هذا ما وصل إليه بعض المسلمين اليوم للأسف، يناقشون حكم الجلباب بحجة أن الفتاة من حقها أن تقتنع، حتى أن بعضهم أصبح يشترط على الله، لئن أكرمتني بزوجة فسأصلي.

 

أين نحن اليوم من سرعة الاستجابة لأحكام ربنا؟ الله سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحكِّم القرآن في حياتنا، ونحن أكثر من تسعين عاما نُحكم بقوانين طاغوتية ما أنزل الله بها من سلطان. هلا أفاق المسلمون من غفلتهم وأدركوا تقصيراتهم، وعملوا على تحكيم كتاب ربهم، فيتحولون مرة واحدة من تطبيق الكفر إلى تطبيق الإسلام كما تحول الأنصار في قبلتهم من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة؟ نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

20 من صـفر 1434

الموافق 2013/01/03م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب ومن سورة البقرة

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في " باب ومن سورة البقرة ".

 

حدثنا عبد بن حميد أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُدْعَى نوحٌ فيقال: هل بلغت فيقول: نعم، فيُدْعَى قومُه فيقال: هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحدٍ فيقال: مَنْ شُهودُك؟ فيقول: محمدٌ وأمتُه قال فيؤتى بكم تشهدون أنه قد بلغ، فذلك قول الله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" ، والوسط: العدل.

 

 

قوله( يدعى نوح ) وفي رواية ( يُجاء بنوح يوم القيامة )، فيقال: أي لنوح ( فيقول نعم ) وهذا لا ينافي قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول: ماذا أجبتم، قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب، لأن الإجابة غير التبليغ، وهي تحتاج إلى تفصيل لا يحيط بكنهه إلا علمُه سبحانه، بخلاف نفس التبليغ لأنه من العلوم الضرورية البديهية. ( ما أتانا من نذير ) أي منذر لا هو ولا غيره مبالغة في الإنكار توهما أنه ينفعهم الكذب في ذلك اليوم عن الخلاص من النار، ( فيقال ) أي لنوح ( من شهودك ) وإنما طلب الله من نوح شهداء على تبليغه الرسالة أمته وهو أعلم به إقامة للحجة، فيقول : محمد وأمته، والمعنى أن أمته شهداء.

 

لتكونوا شهداء على الناس: أي على من قبلكم من الكفار أن رسلهم بلغتهم، ويكون الرسولُ أي رسولُكم واللام للعوض أو اللام للعهد والمراد به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليكم شهيدا أنه بلغكم، والوسط العدل.

 

أيها الأحبة الكرام:

 

إن أمةَ محمدٍ أمةٌ من دون الأمم، وقد أعطاها الله ما لم يعطِ غيرها من المزايا والخصائص، فقد خصها الله تعالى بالخيرية، وقد خصها بأن جعلها لا تجتمع على ضلالة، وهي أولُ الأممِ وأكثرُها دخولا الجنة، وهي كالغيث لا يُدرى الخيرُ في أوله أم في آخره، وقد خصّها الله تعالى من بين الأمم بأنها أقلُّ عملا وأكثرُ أجرا، وهي أول من تحاسب وأول من يجتاز الصراط، وهي آخرُ الأمم، وأولُها دخولا للجنة. وهذا الحديث الذي بين أيدينا يشير إلى ما مُيزت به هذه الأمة الكريمة، وهو الشهادة على الناس.

 

أيها المسلمون:

 

أمة هذا شأنها عند الله، خير أمة أُخرجت للناس كافة على الإطلاق، أيكون مكانها اليوم في ذيل الأمم؟ أتقبلون لها ما لم يقبلْه الله؟ أترون هذا التناقض العجيب؟ كيف بالله عليكم تطيب لكم حياة وأبناؤها في مشارق الأرض ومغاربها يقتّلون، ونساؤها يُغتصبن وشيوخها تذل؟ كيف تطيب لكم حياة ويهنأ لكم بال وأهلكم في سوريا يُذبحون من الوريد إلى الوريد؟ أتُراكم ألفتم القعود بعد أن طال التصاقكم في الأرض؟ أستحلفكم بالله أن تقوموا وأن تنفضوا أنفسكم وتنتفضوا لتموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فوالله إن ما يحدث لهذه الأمة الكريمة العزيزة لأشد جرما مما حدث لغيرها من الأمم، والله سائلكم عن كل ما يسوؤها وأنتم ساكتون صامتون إن لم تكونوا مشاركين في هذه الجريمة. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرفع عن أمة محمد ما نزل بها، وأن يُعيدها إلى مكانتها اللائقة بها، خير أمة أخرجت للناس، فهو ولي ذلك والقادر عليه.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

21 من صـفر 1434

الموافق 2013/01/04م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...